تسع وعشرون حكومة تولت إدارة شؤون إسرائيل منذ إقامتها عام 1948 حتى عام 2001، وقف برأسها عشرة رؤساء وزراء، كان بن غوريون أولهم وأطولهم حكماً. تنوعت منجزات كل حكومة باختلاف الأهداف الإسرائيلية في كل مرحلة، فبعضها انتصر على العرب وأقام إسرائيل مثل حكومة بن غوريون في عام 1948، وبعضها انتصر ثانية ووسع حدود إسرائيل مثل حكومة ليفي إشكول بعد حرب 1967، والبعض الآخر وقع اتفاقيات سلام اعترفت بموجبها الدول العربية بإسرائيل، كتلك التي وقعتها مع مصر والأردن أو مع الفلسطينيين في أوسلو. ***
* بن غوريون هو صاحب تسمية الدولة العبرية الوليدة باسم إسرائيل، ومن المؤسسين الأوائل للدولة الإسرائيلية. تولى رئاسة الحكومة تسع مرات بدأت الأولى بقيام دولة إسرائيل في سنة 1948 وانتهت التاسعة في 26/6/ 1963
كرس حياته للصهيونية، وقاد قوات الدفاع الإسرائيلية في حرب 1948، ووقعت في عهده أحداث مهمة كان لها تأثير كبير في القضية الفلسطينية منها:
- حرب 1948 التي فرضت وجود إسرائيل.
- موجات من الهجرة اليهودية لم يسبق لها مثيل.
- ازدياد أعداد المستوطنات اليهودية.
- العدوان الثلاثي الذي اشتركت فيه إسرائيل وبريطانيا وفرنسا على مصر عام 1956.
لمحة عن حياته
ولد حاييم أفغدور غرين الذي اشتهر باسم "ديفد بن غوريون" في بولنسك (بولندا الآن) التابعة لروسيا عام 1886، والتحق أثناء دراسته الثانوية بجمعية صهيونية تدعى "جمعية عزرا"، وتعاهد أعضاؤها أن لا يتحدثوا في الجمعية إلا باللغة العبرية حتى يساعدوا على نشرها. تأثر بن غوريون بكتاب هرتسل عن "الدولة اليهودية" وبالشعار الذي رفعه "إذا صدق عزمكم فهي ليست اسطورة".
الانتقال إلى فلسطين
اقتنع بن غوريون في وقت مبكر بضرورة الهجرة إلى فلسطين، فقرر القيام بذلك عام 1906، وعمل في ذلك الوقت فلاحا في يافا. وبعد أربعة أعوام (1910) انتقل إلى القدس للعمل محرراً في مجلة الوحدة (هآحدوت) الناطقة باللغة العبرية، وكان ينشر مقالاته باسم "بن غوريون" الذي يعني في اللغة العبرية "شبل الأسد". وفي هذه الأثناء فكر بن غوريون في استكمال دراسته الجامعية فرحل إلى الآستانة والتحق بكلية الحقوق بالجامعة العثمانية، وهناك تعرف على عبد الله بن الحسين أول ملوك الأردن عام 1946.
ألقي القبض على بن غوريون أثناء الحرب العالمية الأولى بتهمة العمل على إقامة وطن لليهود في فلسطين، وأبعد إلى الإسكندرية في مصر، لكن السلطات البريطانية ألقت القبض عليه بتهمة التحالف مع الأتراك وأجبرته على الخروج من مصر فقرر السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية.
الهستدروت والنشاط السياسي
استطاع بن غوريون العودة مرة أخرى إلى فلسطين بعد خمس سنوات من وجوده في الولايات المتحدة ونجح في تأسيس اتحادات العمال اليهود "الهستدروت" Histadrut عام 1920، وعُيّن سكرتيراً عاماً لها في الفترة 1921 - 1935. توسع في نشاطه السياسي فلعب دوراً كبيراً في تأسيس حزب "احدوت هعفوداه" (Ahdut Ha avodah) الذي تغير اسمه عام 1930 إلى حزب العمل الإسرائيلي.
قيادة النشاط الصهيوني في فلسطين
نتيجة للنشاط الزائد الذي أبداه بن غوريون داخل أوساط الحركة الصهيونية اختارته المنظمة الصهيونية العالمية عام 1922 مسؤولاً عن النشاطات الصهيونية في فلسطين. ثم ترأس بعد ذلك اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية في فلسطين من 1935 حتى عام 1948 والتي عملت بالتعاون مع السلطات البريطانية على تنفيذ وعد بلفور، رغم أنه كان معارضاً بشدة للكتاب الأبيض الذي أصدرته بريطانيا عام 1939 والذي ينظم عمليات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وكان يقول حينما نشبت الحرب العالمية الثانية "الحرب مع بريطانيا ضد النازي والقتال ضد بريطانيا في معركة الكتاب الأبيض".
دعا بن غوريون الحاضرين في المؤتمر الصهيوني الذي عقد في الولايات المتحدة عام 1942 إلى تأييد فكرة إقامة كومنولث يهودي فلسطيني على أرض فلسطين. وبعد الحرب العالمية الثانية دعا اليهود عام 1947 إلى تأييد مؤقت لخطة التقسيم الصادرة عن الأمم المتحدة والداعية إلى إقامة دولتين منفصلتين واحدة لليهود والأخرى للفلسطينيين.
أول حكومة مؤقتة
أصبح بن غوريون أول رئيس للوزراء في الحكومة المؤقتة بعد قيام إسرائيل، وعمل فور توليه منصبه الجديد على توحيد العديد من المنظمات الدفاعية التي كانت موجودة آنذاك في قوات واحدة أطلق عليها قوات الدفاع الإسرائيلية.
الحرب ضد العرب
قاد بن غوريون إسرائيل أثناء المعارك التي نشبت بينها وبين جيرانها العرب في الفترة من 1948 - 1949 بعد إعلان الدولة والتي هزمت فيها إسرائيل الجيوش العربية. وعمل على تشجيع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل حتى وصل عدد المهاجرين إلى قرابة المليون من أوروبا الشرقية والبلدان العربية. وقد وقع مع ألمانيا الغربية عام 1952 اتفاقاً لتعويض اليهود المتضررين من العهد النازي فيما عرف بـ "الهولوكوست".
كانت مفاجأة أن يقرر بن غوريون عام 1953 أن يعتزل الحياة السياسية، ولكنه استغل ذلك في تعمير إحدى المناطق الصحراوية في "سديه بوقير" وجلب السكان إليها، واشتهرت عنه مقولته "لا تبك.. ولكن اتبعني إلى الصحراء". في تلك الفترة كتب العديد من المقالات للصحف الإسرائيلية والأميركية والبريطانية. وتولى موشيه شاريت الحكم في تلك الفترة، لكنه لم يستمر طويلاً، إذ سرعان ما عاد بن غوريون مرة أخرى إلى الحياة السياسية أوائل عام 1955.
وافق بن غوريون على الاشتراك في العدوان الثلاثي على مصر إلى جانب إنجلترا وفرنسا بعد قرار الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس عام 1956.
استقال بن غوريون من رئاسة الوزراء بعد أن بلغ الخامسة والسبعين، معلناً رغبته في التفرغ للدراسة والكتابة، لكنه ظل محتفظاً بمقعده في الكنيست، ومع ذلك فإنه لم يخلد تماماً لهذا النمط الجديد من الحياة فأسس بعد عامين من استقالته (1965) حزباً معارضاً أسماه "رافي" (Rafi). ثم اعتزل العمل السياسي نهائياً عام 1970 حيث عكف على تأليف العديد من الكتب منها "إسرائيل.. تاريخ شخصي" عام 1970، و "اليهود في أرضهم" الذي صدر بعد عام من وفاته.
أهداف إسرائيلية
حدد بن غوريون مشاكل إسرائيل آنذاك ووضع لحلها عدة أهداف منها:
1- مضاعفة سكان إسرائيل خلال الخمسة عشر عاماً القادمة.
2- تعمير المناطق غير الآهلة بالسكان في الشمال والجنوب واستغلالها في الزراعة والصناعة.
3- سد الفجوة الثقافية والتعليمية التي تفصل بين المهاجرين الأوروبيين والمهاجرين الآسيويين والأفارقة.
4- العمل على كسب ود الشعوب العربية بعقد ميثاق سلام معها.
توفي بن غوريون عام 1973 عن سابعة وثمانين عاماً .