المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

من أبرز ما أثبتته نتائج الانتخابات العامة للكنيست الـ20 الأسبوع الفائت، أن حُكم اليمين يبدو الأكثر رسوخاً في إسرائيل، وأنه حتى في حال اختمار الأسباب الإسرائيلية المخصوصة لـ"التغيير" فسيكون ذلك في اتجاه حُكم الوسط الأقرب إلى اليمين.

 

ونظراً إلى كوننا معفيين- على الأقل في مرحلة ما بعد الانتخابات- من الحديث عن احتمالات مثل هذا "التغيير" ومسوّغات المآل الذي نتوقع أن يؤول إليه، فسنتركز في ما يبرهن على مقولة حُكم اليمين الذي يبدو راسخاً. 

قبل ذلك، لا بُد من أن نشير، في معرض استحصال نتائج الانتخابات، إلى أن ما فعله رئيس الحكومة ورئيس الليكود بنيامين نتنياهو كي يفوز بهذه الانتخابات تمثل بنقل حزبه من يمين الوسط إلى أقصى اليمين، سعياً لكسب أصوات من الأحزاب التي تسوّق نفسها بأنها تقف إلى يمين الليكود.

وبذا ضرب نتنياهو أكثر من عصفور بحجر واحد:

أولاً، ضمن لليكود مكانة الحزب الأكبر في الكنيست الجديد وضمن لنفسه أن يكون المرشح الواحد والوحيد لتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة؛

ثانياً، تسبّب بحشر تلك الأحزاب اليمينية التي عادة ما كانت تزاود عليه في خانة "الليكود ب"؛

ثالثاً، رمّم صورته التي تعرضت للتآكل كزعيم أوحد لليمين الإسرائيلي، وهو تآكل بدأت أولى إشاراته تلوح عشية الحرب على قطاع غزة الصيف الفائت مع إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان فك شراكة حزبه- "إسرائيل بيتنا"- مع حزب الليكود في إطار تحالف "الليكود- بيتنا"، وتأكيده أن سبب الإقدام على هذه الخطوة يعود إلى ازدياد حدّة الخلافات بينه وبين نتنياهو حول كيفية الرد على الاعتداءات الصاروخية الفلسطينية المستمرة على الأراضي الإسرائيلية من قطاع غزة، وعلى التحريض في صفوف "عرب إسرائيل". وتفاقم هذا التآكل في إثر تلك الحرب، فقد تسبّب ما اصطلح على تسميته "ضبط النفس" الذي مارسه نتنياهو خلال الحرب بخسارته خاصة في الأوساط السياسية المؤيدة له. وفي اليمين أطلقوا عليه نعت "المنضبط"، وقال كثيرون في حزبه (الليكود) إنهم يعتقدون أنه كان متردداً، وإنه عندما قرر شن الحرب فعل ذلك بحرص وتقتير.

بطبيعة الحال ثمة أسباب كثيرة تجعلنا نقول إن حُكم اليمين يبدو الأكثر رسوخاً.

مهما تكن هذه الأسباب فإن سببين اثنين منها لهما وقع أكبر: الأول، التغيرات الديمغرافية لدى المجتمع اليهودي والتي تشي بأن هناك ازدياداً مضطرداً في عدد اليهود الحريديم والمتدينين؛ الثاني، التحولات التي طرأت على الخطاب السياسي الإسرائيلي.

وبخصوص الخطاب سبق أن قلنا هنا إن نتنياهو وأقطاب الليكود واليمين ركزوا على الشأن الأمني في الحملة الانتخابية في مقابل تركيز "معسكر الوسط- اليسار" أكثر على الشأن الاجتماعي- الاقتصادي، وما حدث نتيجة لذلك أن الشأن السياسي وفي صلبه الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني الذي كان في الماضي يشغل بهذا القدر أو ذاك مكاناً رئيساً في المعركة الانتخابية، نُحي إلى هامش هذه الانتخابات أكثر فأكثر.

وشفت هذه التنحية أكثر شيء عن واقع وجود إجماع إسرائيلي واسع على أن احتمالات التوصل في الوقت الحالي إلى تسوية دائمة تضع حداً للصراع منخفضة للغاية.

أكثر من ذلك، وعلى صعيد مضمون الخطاب السياسي نأت معظم الأحزاب الإسرائيلية بنفسها عن الحديث حول "السلام" وانزاحت نحو مواقف اليمين. وللتمثيل على ذلك يكفي أن نشير إلى أن زعيم "المعسكر الصهيوني" إسحاق هرتسوغ (رئيس حزب العمل) تبنى عدداً من لاءات نتنياهو وفي مقدمها لا لأي تسوية سياسية تتضمن تقسيم القدس، كما أن رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد أعلن أنه لن يؤيد تقسيم القدس، وحرص رئيس حزب الوسط الجديد "كلنا" موشيه كحلون على أن يؤكد انتماءه إلى "المعسكر القومي"، وحتى رئيسة حزب "ميرتس" زهافا غالئون قالت إنها نادمة على قرار مقاطعة منتجات المستوطنات في هضبة الجولان السورية المحتلة.

ثمة ملف آخر يجب التوقف عنده في هذه الانتخابات، وهو الملف المتعلق بمقاربة الأحزاب الإسرائيلية حيال المشكلات الاقتصادية- الاجتماعية.

الآن بعد أن انتهت الانتخابات بدأت تظهر تحليلات إسرائيلية تؤكد  أنه خلال الأعوام الستة لولاية الحكومتين الأخيرتين برئاسة نتنياهو تحسن الوضع الاقتصادي للإسرائيليين، فقد اختفى التضخم المالي، وتقلصت البطالة، وارتفع بمعدل واضح مستوى معيشة العائلات حتى في الفئات العشرية الدنيا. وأنحى بعض هذه التحليلات باللائمة على أحزاب المعارضة بسبب تركيزها المغلوط على الموضوع الاقتصادي بمعزل عن السياسي، مشيراً إلى أنه بدلاً من الصراخ "الوضع سيء" كان يمكن لهذه الأحزاب أن تقول للجمهور حقيقة فحواها: "صحيح أن الحال الآن جيدة لكم، لكن سياسة نتنياهو حيال الفلسطينيين ستؤدي بالضرورة إلى نتائج ستكون الحال في ضوئها سيئة جداً".

كانت هناك تحليلات أخرى رأت أنه في الصراع بين معادلة "التخويف وإشاعة الذعر والكراهية" التي بثها نتنياهو وبين معادلة "الأمل بالتغيير" التي بثها هرتسوغ كان النجاح من نصيب المعادلة الأولى. ويظهر أنه من فرط تكرار عنصر التخويف أصبح بعض أقطاب "اليسار" يدعون إلى أخذه بالاعتبار من منطلق أن ثمة ما يبرّره كما عبر عن ذلك الأديب عاموس عوز أخيراً.

غير أن أبلغ التحليلات كانت تلك التي أكدت أنه لم يسبق لجمهور الناخبين في إسرائيل أن صوّت من أجل تغيير جذري إلا بعد حدوث صدمة كبيرة للوضع القائم السياسي والاقتصادي- الاجتماعي.

ولم تحدث صدمة كهذه في انتخابات 2015.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات