المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
نتنياهو يراهن على العودة لعصر ترامب الذهبي. (صحف)
  • كلمة في البداية
  • 471
  • أنطوان شلحت

عشية الانتخابات الأميركية التي ستجري غداً الثلاثاء (5 تشرين الثاني 2024) ومن شأنها أن تنطوي على نقطة تحوّل في كل ما يتعلّق بمآل الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة ولبنان، فإن أول ما ينبغي التذكير به - وهو ما سبق أن أكّدناه مرات عديدة- أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يراهن منذ فترة طويلة على عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

ومثلما كتب البروفسور إيتان غلبواع، وهو من أبرز الأكاديميين الإسرائيليين المتخصصين في العلاقات الإسرائيلية- الأميركية، قبل 9 أشهر: يبدو أن نتنياهو يرغب في كسب الوقت والبقاء في منصبه إلى أن يفوز ترامب في الانتخابات الأميركية القريبة، وعندها سيعود الاثنان إلى العصر الذهبي من علاقاتهما، والذي ساد خلال ولاية ترامب الرئاسية الأولى ("معاريف"، 4/2/2024). وتزامن ما قاله غلبواع مع النقد الحاد الذي وجهه وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، في سياق مقابلة أجرتها معه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، إلى تعامُل إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن مع الحرب في قطاع غزة، متهماً إياها بـ "إفادة حركة حماس"، ومشيراً إلى أن إسرائيل "ستكون في وضع أفضل مع ولاية ثانية لدونالد ترامب".

وبرأي غلبواع، فإن تصريحات بن غفير فاضحة وغير مسؤولة ويمكنها أن تخدم من يصفها بأنها "جهات متطرفة" في الحزب الديمقراطي، وخصوصاً التقدميين الشباب الذين يضغطون على بايدن من أجل وقف دعمه إلى إسرائيل، بما يشمل الدعم العسكري، مؤكداً أن وقفاً كهذا للمساعدات "سيكون بمثابة كارثة على أمن إسرائيل".  ويلفت غلبواع في الوقت عينه إلى أنه منذ قيام إسرائيل وحتى الآن لم يتدخل الزعماء الإسرائيليون في انتخابات الولايات المتحدة، باستثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 1968، حينما دعم إسحق رابين، الذي كان آنذاك سفير إسرائيل في واشنطن، المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون ضد خصمه الديمقراطي. وأضاف: إن "العلاقات الفريدة" التي نشأت بين الولايات المتحدة وإسرائيل استندت إلى حدّ كبير إلى دعم الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، داخل الكونغرس لإسرائيل، في إطار ما أُطلق عليه اسم " الثنائية الحزبية". ومن شأن تفضيل إسرائيل لمرشح على حساب الآخر أن يضر بهذا الدعم الثنائي، ولذا فقد امتنع الزعماء الإسرائيليون عن القيام بالأمر. كذلك نوّه بأن نتنياهو قام، على مدار الجولات الانتخابية الثلاث الأخيرة في الولايات المتحدة، بخرق قواعد الحياد في هذه الانتخابات، وقدّم دعمه إلى مرشحين جمهوريين، وحطم الدعم الثنائي، وتسبّب بشقاق مع الجالية اليهودية الأميركية، التي تصوّت أغلبيتها العظمى لمرشحي الحزب الديمقراطي. ففي انتخابات 2012 دعم نتنياهو ميت رومني الجمهوري ضد باراك أوباما، وفي كل من انتخابات 2016 و2020 دعم ترامب. والآن يواصل بن غفير السير وفقاً لهذه السياسة المدمرة التي انتهجها نتنياهو، والتي من شأنها أن تتسبب بأضرار كبيرة لإسرائيل، وخصوصاً في هذه المرحلة التي تُعتبر إسرائيل فيها أشد تعلقاً بالولايات المتحدة عسكرياً، وسياسياً، ودبلوماسياً.

كما سبق لنا أن أشرنا إلى أن تصريحات بن غفير حول بايدن وترامب أعادت إلى صدارة الاهتمام موضوع الشقاق مع الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الذي تعمّق أكثر فأكثر في ظل ولاية حكومات نتنياهو، وعبّر كبار زعماء هذه الجالية عن غضبهم من نتنياهو تحديداً، لكونه المسؤول عن تحوّل شخصية مثل بن غفير إلى شخصية رئيسة تمثل إسرائيل. وقال أريك يوفيه، الذي كان رئيساً للحركة الإصلاحية، في تصريحات أدلى بها إلى صحيفة "معاريف" آنذاك: "سيُسجل اسم نتنياهو في كتب التاريخ، إلى جانب مسؤوليته عن كارثة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بأنه مَن قام بتقوية بن غفير، العنصري الذي قام بتسميم العلاقات الإسرائيلية بالمجتمع الدولي، وهو يتسبب بزعزعة الدعم الأميركي الحيوي لإسرائيل، ويُحرج يهود الولايات المتحدة. إن بن غفير هو عار على الصهيونية، وهو يمثل تهديداً حقيقياً لوجود إسرائيل. وكان يتوجب على نتنياهو إطاحته منذ وقت بعيد" (8/2/2024).

ولدى متابعة ما تتداوله أبواق نتنياهو في ما يرتبط بالعلاقات مع الولايات المتحدة، يمكن ملاحظة ما يلي:

أولاً، هناك قدر من النقد لسلوك الخارجية الأميركية بتسويغ رئيس هو قصورها في القراءة الصحيحة لما يجري في منطقة الشرق الأوسط وفي صفوف الفلسطينيين من تطورات ومستجدات. وهذا ما ارتأى أن يشدّد عليه مثلاً السفير الإسرائيلي السابق يورام أتينغر، الذي تسوّقه وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه خبير في شؤون العلاقات الإسرائيلية- الأميركية وعضو في "منتدى القادة القومي". ومما كتبه أخيراً أنه في العام 2024 ما زالت وزارة الخارجية الأميركية ترتكب أخطاء منهجية على غرار خطأ معارضتها القاطعة لإقامة الدولة اليهودية العام 1948، وتقوم بالتشديد على ضرورة إقامة دولة فلسطينية ستعمل في تقديرها بمبدأ التعايش السلمي. وبرأيه "تستخف وزارة الخارجية في الولايات المتحدة بسلوك الفلسطينيين ورؤياهم وتسند سياستها على تصريحات دبلوماسية فلسطينية وعلى سيناريوهات مستقبلية متفائلة، لكنها افتراضية وتخمينية فقط" ("معاريف"، شباط 2024).

ثانياً، اتهام إدارة بايدن بأنها هي التي تحول دون تحقيق إسرائيل "الانتصار المأمول" في الحرب التي تشنها على قطاع غزة، من طريق وضع شروط عليها، وتأخير شحنات أسلحة. غير أنه من خلال الاطلاع على ما يكتبه الأكثر قرباً من نتنياهو نصادف شبهات أخرى تتعلق بمواقف تلك الإدارة من إيران. فقد كتب أحد هؤلاء، وهو المؤرخ المتخصّص في التاريخ الأميركي غادي طاوب، أن إدارة بايدن مقتنعة بأن الطريق إلى استتباب الهدوء في منطقة الشرق الأوسط تمرّ عبر إلغاء التصعيد والتوصل إلى تسويات في مقابل إيران. وهي سياسة منهجية بدأت بها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وما زال يقف في صلبها هدف تقليص تدخل الولايات المتحدة في المنطقة من أجل منع الانجرار إلى حروب. وبرأيه، خلافاً للسياسة التي انتهجها دونالد ترامب، فإن ما تقوم به إدارة بايدن لا يعزّز قوة حلفاء الولايات المتحدة في مقابل طهران بل على العكس يتسبب بالابتعاد عن حليفاتها واتخاذ خطوات في اتجاه إيران من شأنها أن تضفي مكانة جديدة على الولايات المتحدة وهي مكانة المحكّم الذي لا يحمل أي توجهات منحازة لهذا الطرف أو ذاك. وبحسب قراءته أرسلت إدارة بايدن، منذ اليوم الأول لتسلمها مقاليد الحكم في البيت الأبيض، إشارات إلى الإيرانيين تفيد بأنها تسعى للتوصل إلى تسويات معهم. وتمثلت أولى خطواتها في إخراج الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية، ووقف إرسال أسلحة هجومية إلى السعودية بإمكانها المساعدة في محاربة الحوثيين الذين يهاجمونها من أراضي اليمن. كما أن هذه الإدارة فرضت اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان على إسرائيل، وامتنعت من فرض عقوبات اقتصادية على إيران وقامت بتحرير مبالغ مالية لها تقدر بنحو 100 مليار دولار. ويصل طاوب إلى بيت القصيد حين يتبنى الخلاصة التالية: "كان بمقدور الولايات المتحدة كبح إيران منذ فترة طويلة، ولكنها منذ تولي بايدن زمام الحكم في البيت الأبيض تفعل العكس تماماً".

ثالثاً، سبق لأحد المحللين في صحيفة "يسرائيل هيوم" أن أشار إلى أن هناك من بدأ بفرك الأيدي فرحاً في إسرائيل، على خلفية التوقّع بأن يتم انتخاب ترامب رئيساً، وهؤلاء يؤمنون بأنه إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة ستختفي كل مشاكل شحنات السلاح والمشكلات الإنسانية التي تفرضها إدارة بايدن على إسرائيل. غير أنه بموازاة ذلك ورد ويرد في تحليلات أخرى، خصوصاً بقلم المحلل العسكري رون بن يشاي، أنه ينبغي تذكر أن ترامب لديه كثير من التحفظات على نتنياهو، كذلك فإن موقف ترامب من الحرب على غزة كان متناقضاً. ففي البداية أيّد الحرب، بعدها قال إنه يجب على إسرائيل إنهاء الحرب الآن،  ثم عاد وأيّد استمرار الحرب وتدمير حركة حماس. من هنا، فالمشكلة الكبيرة معه هي أنه لا يُعرف على أيّ جانب سيستيقظ كل صباح، وما هو القرار الذي سيتخذه قبل احتساء قهوته. ومن الجهة المقابلة من الواضح أن جاريد كوشنير سيكون إلى جانب ترامب في البيت الأبيض، وهو صهره ومستشاره، وصديق إسرائيل الكبير، ومهندس تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين (في إطار "اتفاقيات أبراهام")، وأكبر داعية إلى إظهار القوة الأميركية في منطقة الخليج وفي منطقة الشرق الأوسط.

رابعاً، في المقابل يؤكد محللون إسرائيليون، لعلّ أبرزهم د. شاي هار - تسفي، وهو خبير في الشؤون الأميركية في "معهد السياسات والاستراتيجيا" في جامعة رايخمان، ومدير سابق لوزارة الشؤون الاستراتيجية، أنه بعد الانتخابات الأميركية، وإلى أن يحين دخول الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني 2025، سيتحرّر الرئيس بايدن وإدارته من القيود السياسية، ويمكنهما أن يكونا أكثر حريةً خلال هذه الفترة، وأن ينتهجا نهجاً أكثر حدّةً حيال رئيس الحكومة نتنياهو. ويخلص إلى النتيجة التالية: لا شك في أن شبكة العلاقات المعقدة بحد ذاتها بين بايدن ونتنياهو ستكون موضع اختبارات جوهرية خلال فترة تبدُّل الإدارات الأميركية ("معاريف"، 3/9/2024).

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات