المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
طائرة إسرائيلية قبل المغادرة لقصف أهداف في إيران. (صحف)
  • كلمة في البداية
  • 741
  • أنطوان شلحت

تتفق معظم التحليلات الأمنيّة والسياسية في إسرائيل على أن قيامها لأول مرة، يوم 26 تشرين الأول الحالي، بشنّ هجوم جوي واسع على أهداف في مواقع عدة في إيران، بما في ذلك أهداف قريبة من العاصمة طهران، أثبت أنها تمتلك تفوّقاً جوياً واستخباراتياً، فضلاً عن أنه تسبّب أيضاً بتحرّرها من خوف دفين عكسته سيناريوهات استشرافية بشأن مثل هذا الهجوم في الماضي القريب والبعيد، وفحوى هذا الخوف أن تنفيذ هجوم جوي إسرائيلي على إيران يمكن أن يؤدي إلى إسقاط طائرات وأسر طيارين أو حتى مقتلهم، ولكن هذا لم يحدث.

وسارعت المصادر الإسرائيلية المسؤولة، ولا سيما في أروقة المؤسسة الأمنيّة، إلى تأكيد أن هذا الهجوم ضد إيران، بعد أسابيع من إطلاق هذه الأخيرة صواريخ باليستية في اتجاه الأراضي الإسرائيلية، اشتمل على توجيه ضربات دقيقة استهدفت مواقع عسكرية إيرانية، وتم تنفيذ الضربات على موجات عدة وعلى مدار ساعات عدة في مناطق متعدّدة من إيران. وبعد إعلان عودة الطائرات إلى إسرائيل، أطلق الجيش الإسرائيلي على هذه المهمة اسم "أيام التوبة"، وقال إن عشرات طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، بما في ذلك طائرات مقاتلة وطائرات تزوّد بالوقود وطائرات تجسس، شاركت في العملية التي وصفها بأنها معقدة وجرت على بعد نحو 1600 كيلومتر من إسرائيل. وبحسب الجيش الإسرائيلي، من المواقع العسكرية المستهدفة بطاريات دفاع جوي، ومواقع تصنيع صواريخ باليستية كتلك التي استُخدمت في الهجوم الإيراني المباشر الأخير على إسرائيل في الأول من تشرين الأول الحالي، وهجوم سابق في 14 نيسان الماضي. ووفقاً للجيش، سوف تتيح هذه الضربات لسلاح الجو الإسرائيلي إمكان أن يتمتع بهامش تحرّك أوسع في أجواء إيران من الآن فصاعداً، ولديه مجموعة واسعة من الأهداف التي يمكنه ضربها في عمليات مستقبلية إذا ما لزم الأمر.

وبحسب ما كشف عنه محلل الشؤون الأمنية رونين برغمان، فقد كتب مصدر إسرائيلي مسؤول كان شريكاً في بلورة استراتيجية هذا الهجوم على إيران في إثر قيام إسرائيل بتنفيذه ما يلي: "إن الاستخبارات الإسرائيلية تفعل في إيران ما يحلو لها، كما أن سلاح الجو الإسرائيلي يقوم بما يحلو له في إيران. ولقد استفاقت طهران هذا الصباح (عقب الهجوم الإسرائيلي) من دون دفاعات جويّة، ومن دون مقدرة على إنتاج صواريخ باليستية" ("يديعوت أحرونوت"، 28/10/2024). وبطبيعة الحال، كما يؤكد برغمان، ثمة مبالغة في أقوال هذا المصدر، فما زالت لدى إيران مقدرة على الدفاع الجوي، وكذلك قدرة على إنتاج صواريخ باليستية، ناهيك عن إمكانية إطلاق صواريخ باليستية تم إنتاجها وتحتفظ بها في ترسانتها.

وتبقى الرسائل التي انطوى عليها هذا الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق ضد إيران أكثر دلالة من النتائج المباشرة التي تم تسجيلها في مرمى طهران. وهذه الرسائل هي ما سنتوقف عنده ضمن هذه القراءة.

أولاً، بموجب معظم التحليلات الإسرائيلية فإن أهم هذه الرسائل هي التالية: 1- أن إيران منكشفة أمام هجمات سلاح الجو الإسرائيلي وكذلك أمام هجمات أخرى في المستقبل؛ 2- أن القدرة الهجومية الإسرائيلية تبدو أفضل من القدرة الدفاعية الإيرانية، وفي المقابل لدى إسرائيل منظومة دفاع قوية، وفي ضوء دعم الولايات المتحدة فإن لديها ما يكفي من منظومات اعتراض لمواجهة أي هجمات إضافية من إيران.

وشدّد عدد من القادة العسكريين السابقين، بينهم اللواء احتياط عاموس يدلين واللواء احتياط تامير هايمن، على أن الهجوم الإسرائيلي حمل كذلك رسالة ردع إلى إيران من مغبة السير في اتجاه التصعيد، ورسالة تهديد باستغلال ذلك من أجل مهاجمة أهداف إضافية وربما الانتقال إلى مهاجمة مواقع الطاقة والمنشآت النووية.

وإذا ما بقينا ضمن دائرة الردع لا بُدّ من أن نشير إلى أن بعض التحليلات الإسرائيلية رأت أن الهدف من هذا الهجوم في نهاية الأمر هو ترميم الردع إزاء إيران وإخراجها من دائرة المواجهة المباشرة، وذلك في سبيل أن يركّز الجيش الإسرائيلي على تعميق ما يصفه بأنه إنجاز مع حزب الله في جبهة الشمال في لبنان وسورية، وعلى زيادة الضغط العسكري ضد حركة حماس في قطاع غزة.

ثانياً، من الجليّ أن اختيار أهداف الهجوم الإسرائيلي على إيران، إلى جانب منطق الهجوم، كانا بمثابة محصلة حوار وثيق مع الولايات المتحدة، وثمرة ضغط من جانب هذه الأخيرة من أجل قيام إسرائيل بعملية هجوميّة محدودة، والحؤول دون فتح جبهة فاعلة أُخرى قبيل الانتخابات الأميركية الوشيكة. وقد أشير في أغلب التحليلات الإسرائيلية إلى أن سبب ضغط الولايات المتحدة يعود إلى خشيتها من اندلاع حرب إقليمية قد تشمل ضربات إيرانية ضد جيرانها، والمقصود السعودية ودول الخليج العربيّ.

ثالثاً، ربّما ينبغي التوقف مليّاً عند حقيقة ما أسفر عنه ضغط الولايات المتحدة على الحكومة الإسرائيلية من نتائج في ما يتعلق باختيار أهداف الهجوم الإسرائيلي ضد إيران. فهذه الحقيقة تبرهن- على حدّ ما يؤكد محلل الشؤون الأمنية يوسي ميلمان ("هآرتس"، 26/10/2024) وغيره- على أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وبالرغم من ارتفاع منسوب ثقته بنفسه مؤخراً، وميوله الحربيّة والمسيانية، وأحياناً تصريحاته الحادّة التي يطلقها ضد واشنطن والتي فيها أكثر الإدارات الأميركية دعماً لإسرائيل عبر التاريخ، مدرك تماماً لحدود قوة إسرائيل، ولعمق اعتمادها على الولايات المتحدة وأهمية احترامها وعدم تجاهل ضغوطها. وإن ما يمكن ملاحظته في الفترة القليلة الماضية، في هذا الصدد على وجه التحديد، هو أن الكثير من التحليلات الإسرائيلية تعتبر الانتخابات الأميركية القريبة بمنزلة نقطة زمنية مهمة يجب إيلاؤها الأهمية القصوى في كل ما هو متعلّق بمستقبل الحرب الإسرائيلية المستمرّة، نظراً إلى أن الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن سيدخل بعد هذه الانتخابات مرحلة "البطة العرجاء"، ومعها سيكون حرّاً أكثر في أفعاله وفي تحقيق مراده، ما قد يؤدي إلى تغيير بعض القواعد، وإلى التأثير في مواقف كل من إيران وإسرائيل. وبالنسبة إلى إسرائيل، تميل توقعات كثيرة إلى التقدير بأن الولايات المتحدة يمكنها أن تكبح الحرب بصورة أكثر حدّة مما كان حتى الآن.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات