المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
ترامب ونتنياهو.. هل يسددان فواتيرهما الباهظة؟
ترامب ونتنياهو.. هل يسددان فواتيرهما الباهظة؟
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 768
  • خلدون البرغوثي

تشكل الأعوام الأربعة الأخيرة أطول فترة حكم لرئيس أميركي من الحزب الجمهوري يكون مقابله في إسرائيل رئيس حكومة يميني من حزب الليكود. فمنذ انطلاق عملية السلام عام 1991، إذا اعتبرناها نقطة انطلاق تاريخية، انتخب في الولايات المتحدة رئيسان ديمقراطيان هما بيل كلينتون 1992 -2000، وباراك أوباما 2008-2016، ورئيسان جمهوريان هما جورج دبليو بوش 2000-2008، ودونالد ترامب 2016-2020.

 بالمقابل تولى عدة رؤساء حكومة في إسرائيل ثماني حكومات (من الحكومة الخامسة والعشرين حتى الحكومة الثانية والثلاثين الحالية). ويظهر الجدول التالي التزامن بين الرؤساء الأميركيين ورؤساء الحكومة في إسرائيل في تلك الفترة:

الرؤساء الأميركيون

رؤساء حكومات إسرائيل

فترات الحكم

بيل كلينتون1992 -2000

الحزب الديمقراطي

إسحاق رابين - الحكومة 25               (يسار)

شمعون بيريس - الحكومة 26              (يسار)

بنيامين نتنياهو - الحكومة 27               (يمين)

إيهود باراك - الحكومة 28                  (يسار)

إيهود باراك - الحكومة                   28 (يسار)

أريئيل شارون - الحكومة 29               (يمين)

شارون/إيهود أولمرت - الحكومة 30    (مركز)

إيهود أولمرت - الحكومة 31              (مركز)

- 1992 1995

1995 - 1996

 - 19961999

1999

2001

2001 - 2003

2003 – 2006

2006 - 2009

جورج دبليو بوش 2000-2008

الحزب الجمهوري

باراك أوباما 2008-2016

الحزب الديمقراطي

بنيامين نتنياهو - الحكومة 32               (يمين)

2009

حتى الآن

          

دونالد ترامب 2016-2020

الحزب الجمهوري

بنيامين نتنياهو - الحكومة 32               (يمين)

 أدى التوافق الكبير بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب ورئيس الحكومة الليكودي بنيامين نتنياهو إلى إقدام إدارة ترامب على سلسلة من الخطوات التي اعتبرت تاريخية ومصيرية لصالح إسرائيل، بدءا من انسحاب الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، وهو الملف الذي دفع العلاقات الأميركية/ أوباما- الإسرائيلية/ نتنياهو إلى ذروة التوتر، وإلى انحياز الحزب الجمهوري لنتنياهو في مواجهة أوباما، وصولا إلى دعوة الجمهوريين نتنياهو لمهاجمة الرئيس الديمقراطي من على منصة الكونغرس الأميركي.

أوباما من ناحيته رد الصاع لنتنياهو بامتناع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو ضد قرار مجلس الأمن 2334 الذي يؤكد أن المستوطنات الإسرائيلية المقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، غير شرعية بموجب القانون الدولي، ويطالب بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ويؤكد أنه لن يعترف بأي تغييرات على حدود ما قبل 1967، بما فيها ما يتعلق بالقدس، باستثناء ما يتفق عليه الطرفان.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، اتخذت إدارة ترامب خطوات غير مسبوقة بدءا من الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ثم نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وإطلاق "صفقة القرن" التي أكد نتنياهو نفسه أن بند ضم مناطق في الضفة أضيف إليها بطلب منه، كما أغلقت الولايات المتحدة مكتب التمثيل التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وأوقفت الدعم الأميركي للسلطة الفلسطينية وأقدمت على الانسحاب من منظمات ووكالات أممية بسبب انضمام دولة فلسطين لها، وصولا إلى وقف التمويل لهذه المنظمات بما فيها "أونروا".

وشهد العام الحالي التوصل إلى اتفاقات التطبيع بين الإمارات والبحرين والسودان مع إسرائيل برعاية أميركية أحيانا، وضغوط أحيانا أخرى.

لكن يبدو أن التناغم بين ترامب ونتنياهو لن يكون فقط على المستوى السياسي، ولكن أيضا في التمسك بشدة بالحكم ليس فقط حبا في المنصب بل هروبا كذلك من المحاكمة في قضايا فساد مالية، تحولت إلى واقع بالنسبة لنتنياهو بتوجيه لائحة اتهام له تضم ثلاث تهم في ثلاث قضايا، أما بالنسبة لترامب فيتوقع أن يواجه عدة قضايا أمام المحاكم الأميركية متعلقة بتهرب ضريبي واعتداءات جنسية واحتيال.

2021 - كابوس قضائي لنتنياهو وترامب

يواجه نتنياهو لائحة اتهام تضم ثلاثة بنود هي تلقي الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في القضايا المعروفة باسم "الملف "1000 و"الملف 2000" و"الملف 4000".

وحسب لائحة الاتهام في القضية الأولى، "الملف 1000"، يُشتبه بأن نتنياهو وزوجته، سارة، تلقيا هدايا بصورة غير مشروعة من رجال أعمال وأثرياء، أبرزهم المنتج الهوليوودي إسرائيلي الأصل أرنون ميلتشين، وصلت قيمتها إلى مليون شيكل. في المقابل، تتهم الشرطة نتنياهو بالتدخل لصالح ميلتشين في شؤون متعلقة بالتشريع وصفقات تجارية وترتيبات تتعلق بتأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة.

وفي القضية الثانية، "الملف 2000"، يدور الحديث حول صفقة مقايضة غير مشروعة مع ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت" أرنون موزيس، كان سيقوم نتنياهو بموجبها بإضعاف الصحيفة المنافسة "يسرائيل هيوم"، المدعومة من قطب الكازينوهات الأميركي شيلدون إدلسون، مقابل حصوله (نتنياهو) على تغطية أكثر ودية في صحيفة "يديعوت أحرونوت".

أما "الملف 4000" فيعتبر القضية الأخطر بالنسبة لنتنياهو ويتهم فيها بتلقي الرشوة وذلك على خلفية قيامه بتقديم مصالح رجل الأعمال الإسرائيلي شاؤول ألوفيتش، المالك الرئيس لشركة "بيزك" للاتصالات، مقابل تغطية أخبار نتنياهو وعائلته بشكل إيجابي في موقع "واللا" الإخباري الذي يمتلكه ألوفيتش أيضا. وتم توجيه تهمة تلقي الرشوة إلى ألوفيتش وزوجته.
وكان من المقرر البدء بجلسات محاكمة نتنياهو عبر عقد الجلسة الأولى لعرض الأدلة بدءا من مطلع شهر كانون الثاني العام 2021، لكن محامي نتنياهو حسب ما نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" حصلوا على تأجيل حتى شهر شباط التالي.

ووافقت المحكمة المركزية في القدس الخميس الماضي على طلب المتهمين بنقل النقاش حول الالتماسات ضد عرض الأدلة أمام قاض من غير هيئة القضاة التي ستتولى محاكمة نتنياهو وذلك "لمنع إمكانية إطلاع هيئة القضاة على وثائق تدين أو تلوث قرارهم". وهذا يعني حسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" تأجيلا آخر في محاكمة نتنياهو. وسيضطر رئيس المحكمة المركزية في القدس أهارون فركش إلى تعيين قاض آخر للنظر في الملف هذا، ما سيؤخر البدء بجلسات عرض الأدلة التي كانت مقررا الشروع بها في شهر كانون الثاني المقبل.

ترامب- ملفات جنائية بانتظاره خارج البيت الأبيض

ومثل نتنياهو يواجه الرئيس الأميركي ترامب عدة قضايا أشارت لها عدة وسائل إعلام أميركية ودولية، بعد انتهاء ولايته في البيت الأبيض في العشرين من شهر كانون الثاني المقبل مع رفع الحصانة القضائية التي يتمتع بها حاليا. وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" في نهاية شهر أيلول الماضي أن ترامب لم يدفع أي ضرائب دخل فيدرالية على الإطلاق خلال 10 أعوام من أصل 15 عاماً منذ العام 2000 بسبب إفادته بخسارة أكثر بكثير مما تحقق خلالها.

وذكرت الصحيفة أنه في كل من العام الذي فاز فيه ترامب بالرئاسة وفي عامه الأول في البيت الأبيض، دفع 750 دولاراً فقط من ضرائب الدخل الفيدرالية.

وفي تعليقه على ما كشفته الصحيفة قال ترامب إنه يدفع "الكثير" من ضرائب الدخل. واتهم دائرة الإيرادات الداخلية بأنها "تعامله معاملة سيئة".

ويرفض ترامب الإدلاء بقيمة المبالغ التي دفعها كضرائب فيدرالية، وتهرب من الرد على تساؤلات مراسل قناة CNN في البيت الأبيض حول ذلك، وأنهى الإحاطة الصحافية لتجنب توجيه جيرمي دايموند من CNN أسئلة له حول هذا الموضوع.

قناتا NBCNEWSوBBC وضعتا قائمة بالقضايا الأخرى التي سيواجهها ترامب اعتبارا من بداية العام المقبل. ومن أبرز هذه القضايا "دفع أموال في مقابل السكوت" عن علاقات جنسية أقامها ترامب مع عارضة في مجلة "بلاي بوي" تدعي كارين ماك دوغال ومع ممثلة أفلام إباحية تدعى ستورمي دانيلز. وحسب دوغال ودانيلز فقد قام محامي ترامب السابق مايكل كوهين بدور الوسيط في تقديم عشرات آلاف الدولارات لهما في مقابل سكوتهما قبيل الانتخابات الأميركية العام 2016. وحسب BBC اعتبرت تلك المدفوعات انتهاكا لقوانين تمويل الحملة الانتخابية، وحُكم على كوهين بالسجن لثلاث سنوات العام 2018، لكن لم يتم توجيه اتهامات لترامب، رغم اعتراف كوهين أن الرئيس الأميركي هو الذي طلب منه تقديم المبالغ لدوغال ودانيلز. مع ذلك لم تغلق القضية إذ يستمر التحقيق القضائي فيها في نيويورك.

في هذا السياق أيضا، تتهم سيدات ترامب بسوء السلوك الجنسي تجاههن، وقام عدد منهن برفع دعاوى قضائية ضده، ورفعت اثنتان دعاوى تشهير ضده لقيامه بوصفهما بأنهما كاذبتان، فيما رد ترامب بالتهديد بمقاضاتهن من طرفه أيضا.
وتتهم إي جين كارول، الكاتبة في مجلة "آل"، ترامب باغتصابها داخل غرفة لخلع الملابس في متجر فاخر بحي مانهاتن في تسعينيات القرن الماضي. ونفى ترامب بدوره تلك الاتهامات.

كما تتهم سَمر زيرفوس ترامب بالاعتداء عليها جنسياً خلال اجتماع لمناقشة فرص للعمل في فندق في بيفرلي هيلز العام 2007.
ووصف ترامب هذه الادعاءات بالزائفة واتهم زيرفوس بفبركتها سعياً وراء الشهرة. وبدورها قدمت زيرفوس دعوى تشهير العام 2017 مطالبة بتعويض قدرة ثلاثة آلاف دولار على الأقل.

وسعى ترامب لإسقاط الدعوى خلال فترة رئاسته.

كما تقود مدعية نيويورك ليتيشيا جيمس تحقيقاً مدنياً بشأن ما إذا كانت مؤسسة ترامب قد قامت باحتيال عقاري، وترتبط هذه الشبهة أيضا باعترافات كوهين في شباط 2019 بأن ترامب قام بتضخيم قيمة أصول ممتلكاته لتأمين قروض، وقلل من قيمتها لتخفيض ضرائبه.

كذلك يواجه ترامب شبهات متعلقة بمخالفات الحصول على (مكافآت وهدايا وهبات) مرتبطة بالمنفعة أو المكسب أو ميزة من وظيفة معينة أو منصب عام.

الحصانة بين ترامب ونتنياهو

وبينما يتمتع الرئيس الأميركي بالحصانة القضائية من المحاكمة طالما بقي في منصبه، تشكل خسارته للانتخابات فرصة لمقاضاته مع رفع هذه الحصانة بعودته مواطنا عاديا.

في المقابل يواجه نتنياهو أزمة أصعب، إذ لا يتمتع منصب رئيس الحكومة في إسرائيل بالحصانة القضائية، كما أنه لا يتمتع بالحصانة بصفته عضو كنيست بعد تعديل قانون حصانة أعضاء الكنيست العام 2005. فقبل هذا التاريخ، كانت الحصانة تلقائية، ويتم رفعها بتصويت أعضاء الكنيست في حالة تقديم لائحة اتهام ضد زميل لهم. ومع التعديل العام 2005 رفعت الحصانة عن كافة أعضاء الكنيست وبات على من يواجه منهم تهما جنائيا تقديم طلب للحصول على الحصانة من الكنيست بناء على تصويت زملائه، وبعد أن تدرس لجنة خاصة هذا الطلب من وجهة نظر قانونية، وفي حالة إقراره، تتم إحالته للتصويت أمام الكنيست.
وحسب هيئة البث الإسرائيلية فشل نتنياهو في تأمين الأغلبية الكافية للحصول على الحصانة، بعد فشل الليكود تحديدا في تجنيد أغلبية في اللجنة الخاصة. وبعد تقديمه طلبا لرئيس الكنيست حينئذ يولي إدلشتاين، في مطلع شهر كانون الثاني 2020، للحصول على الحصانة، سحب نتنياهو الطلب في نهاية الشهر ذاته، مع تأكده أن فرص منحه الحصانة في الكنيست باتت معدومة.
كما فشلت جهود حزب الليكود في سن قانون يسمى "القانون الفرنسي" ويقضي بمنح الحصانة لرئيس الحكومة طالما بقي في منصبه.

وسبق أن انتقد المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت مساعي نتنياهو والليكود لتعديل قوانين الحصانة. ونقل موقع Times of Israel الإخباري عن مندلبليت قوله إنه "من الصعب عدم الحصول على انطباع بأن المحاولة لحماية رئيس الحكومة من قرارات لا تتعلق به ليست بالهدف الحقيقي الذي يسعى إليه من يودون تعديل قانون الحصانة".

أربعة أعوام من التناغم تنتهي أمام القضاء

من الواضح أن نتنياهو وترامب سيجدان نفسيهما في مواجهة القضاء فعليا العام المقبل، فمحاكمة نتنياهو انطلقت عمليا قبل عدة شهور، بعقد جلسة الاستماع الأولى في شهر أيار الماضي، وقد لا يكون من قبيل الصدفة تأجيل البدء العملي بمحاكمة نتنياهو عبر جلسة عرض الأدلة، من كانون الثاني المقبل إلى شهر شباط، الذي يكون فيه ترامب قد فقد الحصانة القضائية، ربما لتتزامن الإجراءات القضائية بحقهما وكي تتحول حالة التناغم السياسي بينهما في الأعوام الأربعة الماضية والتي غيرت معالم العلاقات في الشرق الأوسط وربما في العالم أيضا، إلى تشابه في مصير بائس أمام القضاء.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات