تؤكد كل التقارير الاقتصادية الإسرائيلية، ومعها تقارير مراكز أبحاث ومؤسسات اقتصادية عالمية، أن إسرائيل ستشهد أزمة اقتصادية لم تعرفها منذ سنوات طوال بسبب الحرب على قطاع غزة، فالحروب القصيرة التي شنتها إسرائيل، في العقدين الأخيرين، ابتداء من العام 2006، لم تعكس نفسها سلباً على الاقتصاد، كما أن متانة الاقتصاد جعلته يجتاز بسرعة أزمة الكورونا، أما الآن فإن حجم الصرف على الحرب ما زال يصعب حصره، ليس فقط على الجيش الإسرائيلي، وإنما بالأساس على الجمهور وقطاعات اقتصادية باتت مشلولة، في حين أن المساعدة الأميركية السخية تتأخر بسبب الأزمة في الكونغرس. وفي ظل كل هذا، تتكاثر الاتهامات لوزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الذي لم يعرض خططا واقعية، ويصر على استمرار الصرف على مصالح الأحزاب الشريكة في الائتلاف الحاكم.
هذه الورقة تحاول أن تلقي الضوء على أبرز التداعيات الاقتصادية التي ترتبت وسوف تترتب على الحرب التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة.
أعلنت الولايات المتحدة عن دعمها لإسرائيل في الحرب التي تشنّها على قطاع غزة على نحو يتجاوز إطار التحالف التقليدي بين دولتين. ففي الحرب الروسية الأوكرانية، دعمت الولايات المتحدة أوكرانيا بالسلاح والمال، ولكنها لم تحرّك أسطولها البحري إلى سواحل أوكرانيا، مع علمنا الفرق بين إمكانية ردع دولة كروسيا أو ردع حزب الله وإيران.
وشمل الدعم الأميركي لإسرائيل مجالات عديدة: الدعم السياسي، والدعم الدبلوماسي في مجلس الأمن الدولي، والدعم العسكري، والدعم الاقتصادي، وتبنى السردية الإسرائيلية. بيد أن الدور الأميركي لم يقتصر على الدعم بل تعدّاه إلى الشراكة في وضع أهداف الحرب السياسية، والتي لا توليها إسرائيل أي اهتمام بسبب نزعتها للانتقام عسكرياً من حركة حماس وقطاع غزة، واقتصار رؤيتها على هذا الأمر فقط.
تحاول هذه الورقة تحليل الدور الأميركي في الحرب على غزة، وتنطلق من أن الدور الأميركي لا يقتصر على الدعم لإسرائيل خلال الحرب، بل يتجاوز ذلك إلى التدخل في صياغة أفق سياسي واستراتيجي لها، وربط الأهداف العسكرية الإسرائيلية بالأهداف السياسية والاستراتيجية للولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.
اختار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، خلال تفقده لقوات الجيش الإسرائيلي بالقرب من منطقة الحدود مع لبنان، في 22 تشرين الأول الجاري، توصيفاً حاداً للحرب المتواصلة، معتبراً أنها "مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى إسرائيل". وكذلك، في سياق خطاب مفتوح لوسائل الإعلام، يوم 25 من هذا الشهر، قال نتنياهو مخاطِباً مواطني إسرائيل: "كان السابع من شهر أكتوبر يوماً أسود في تاريخنا. وسنجري تحقيقاً جوهرياً فيما حدث على الحدود الجنوبية وفي منطقة غلاف غزة. وسيتم التحقيق في هذا الإخفاق بشكل شامل. وسيتعين على الجميع بمن فيهم أنا شخصياً تقديم الإجابات لكن لن يحدث ذلك إلا ما بعد الحرب".
عاد اسم الجنرال الإسرائيلي إسحق بريك في الأيام الأخيرة إلى عناوين وسائل الإعلام العبرية في ظل الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. وتولى بريك، ذو الخبرة العسكرية الطويلة في سلاح المدرعات بين عامي 2009 و2018، قيادة "مفوضية شكاوى الجنود"، والتي تتلقى الملاحظات العامة حول الجيش ووضعه ووضع الجنود وشكاواهم الشخصية والمتعلقة بخدمتهم العسكرية.
تجمع هذه المقالة خلاصة ما تداولته معاهد ومراكز التفكير الاستراتيجي المناصرة لإسرائيل حول "مستقبل قطاع غزة" بناء على ما هو أفضل بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن السيناريوهات المعروضة أدناه لا تُعبّر بالضرورة عن مآلات الحرب ونتاجها؛ وإنما تُسلّط الضوء على أبرز التوصويات التي يتم تقديمها للمستوى السياسي الإسرائيلي.
وبعيداً عن المجريات العسكرية للحرب، فإن النقاشات الدائرة في هذه المراكز تدعو إسرائيل إلى: 1) إخراج حركة حماس من المشهد السياسي للمنطقة؛ 2) إدخال قطاع غزة في مرحلة سياسية جديدة شبيهة بسياق أوسلو.
وقعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في فترة تأكد فيها تراجع المعطيات الاقتصادية الإسرائيلية، على ضوء عوامل، منها داخلية، بسبب حالة عدم اليقين في الاقتصاد على خلفية حركة الاحتجاجات الشعبية، ما انعكس مباشرة على مداخيل الضرائب بقدر كبير نسبيا، وما زاد العجز في الموازنة العامة، في حين أن غلاء المعيشة واصل الارتفاع. وكلفة الحرب، بشكل خاص في الحالة القائمة منذ 7 تشرين الأول الجاري، لا تقتصر على الكلفة العسكرية المباشرة، بل إن الضربات التي تلقتها "الجبهة الداخلية" على المستوى المدني، تفاقم الكلفة، التي أعلنت وزارة المالية أنها تستصعب حاليا طرح تصور، حتى أولي، لهذه الكلفة، التي ستنعكس مباشرة على ميزانية العام المقبل 2024، والمقررة قبل عدة أشهر، وتنتظر الحكومة الإسرائيلية ما وعد به الرئيس الأميركي جو بايدن من "دعم سخي"، بلغ 14.3 مليار دولار.
الصفحة 56 من 337