ما زال من المبكر، جداً ربما، رصد التداعيات المتتالية لما حصل في ما يصفه الإسرائيليون بـ"يوم السبت الأسود"، السابع من تشرين الأول الأخير، ثم الحرب الانتقامية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، والتغيرات التي ستحملها تلك التداعيات على المجتمع الإسرائيلي في المجالات المختلفة، وفي مقدمتها السياسية والأمنية بشكل خاص، لكن أيضاً الاجتماعية (على صعيد مستقبل العلاقات بين اليهود والعرب في داخل إسرائيل تحديداً). إلاّ أن استطلاعات الرأي العام التي أجريت وتُجرى في إسرائيل منذ ذلك اليوم قد تشكل مؤشراً إلى إرهاصات هذه التغييرات وبداية التراكم الكمي الذي سيقود إلى إحداث التغيير النوعي في مرحلة لاحقة ما، بصرف النظر عن مضمون هذا التغيير، جوهره واتجاهاته، سواء على مستوى الشخوص أو على مستوى السياسات.
أحد التحولات التي طاولت المجتمع الإسرائيلي في أعقاب هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 يتعلق بالجيل الشاب لدى الطوائف اليهودية الحريدية، والذي توافد أبناؤه بأعداد متصاعدة للالتحاق بصفوف الجيش الإسرائيلي والمشاركة في الحرب. أثار الأمر انتقادات لدى دافيد كوهين، أحد كبار الحاخامات الحريديين، بحيث اعتبر أن هؤلاء الشبان لا يعلمون حقاً ما هي "توراة إسرائيل، وروح إسرائيل، وما هي المدارس الدينية" التي من المفترض أن يكرسوا كل حياتهم بين جدرانها يتعلمون التوراة والشريعة. هذه المقالة تنظر في التحولات داخل مجتمع الحريديم خلال الحرب الحاليّة.
حملت الحرب على قطاع غزة تداعيات على العلاقات الإسرائيلية مع دول إقليمية ودولية، مثل روسيا، الصين، تركيا وغيرها. لكن كان اللافت هو التداعيات على علاقات إسرائيل مع كل من روسيا وتركيا. لذلك ستركز الورقة الحالية على تداعيات الحرب وتأثيرها على العلاقات مع هاتين الدولتين، ومستقبلها بعد الحرب. بحيث يكون السؤال المركزي الذي ستحاول الورقة الإجابة عليه هو: هل ستحدث الحرب تغيرات جوهرية بعيدة المدى في علاقة إسرائيل مع كل من تركيا وروسيا؟ أم أن العلاقات المتأثرة بالحرب ستكون طارئة وتعود إلى حالها كما كانت قبل الحرب؟
لا شك في أن الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو على اطلاع بأنه لا "حسيب ولا رقيب" في الزمن الحالي على ما يجري في مناطق الضفة الغربية، وبأن رئيس "مجلس المستوطنات" صار له نفوذ أكبر من الجيش الإسرائيلي والإدارة المدنية. وفي ظل اتجاه أنظار المجتمع الدولي نحو ما يجري في قطاع غزة، تشهد الضفة الغربية حاليا أوسع حملة اعتداءات من قبل المستوطنين، بالإضافة إلى توسع جغرافي استيطاني، وتلعب مجالس المستوطنات دورا "ريادياً" في ذلك. هذه المقالة تسلط الضوء على ما يحصل في الضفة الغربية في وقت الحرب.
لطالما شكلت التقنيات العسكرية والأمنية الإسرائيلية مصدر ذخر لإسرائيل على مدار العقود الماضية، فبفضلها انتقلت إلى مصاف الدول الرائدة في صناعة وتطوير التقنيات الأمنية والعسكرية عالمياً، كما تمكّنت من أن تحجز لها مكاناً متقدّماً في قائمة الدول المصدّرة للتقنيات الأمنية والعسكرية ومنظومات الرقابة والتجسّس حول العالم، ويعود السبب في ذلك لامتلاكها "ميزة" تُكسبها أفضلية وتجعلها أكثر قابلية من العديد من الدول في تسجيل نجاحات في هذا المجال؛ فقد شكّل استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967 (وبطبيعة الحال النظام الرقابي الأمني المفروض على الفلسطينيين في الداخل)، يُضاف إلى ذلك الحروب المختلفة التي شنّتها على الفلسطينيين والدول العربية طيلة العقود الثمانية الماضية، ساحة اختبار وتجربة لهذه التقنيات والمنظومات، وهي ساحة متاحة على مدار الساعة لاختبار وتجربة هذه التقنيات والتأكد من فعاليتها استناداً لمبدأ التجربة والخطأ. لكن من ناحية أخرى، شكّلت بعض الحروب انتكاسة لإسرائيل في هذا المجال وأثّرت بشكلٍ كبير على قدرتها في تسويق هذه التقنيات أو بعض منتجات الصناعة العسكرية الإسرائيلية بالتعاون مع الشركات ذات الصلة.
في موازاة حرب التدمير والإبادة التي تواصل إسرائيل شنّها ضد قطاع غزة للأسبوع السادس على التوالي، تزداد اتساعاً، يوماً بعد يوم، دائرة وحدّة الأصوات الداعية في إسرائيل إلى تحديد المفاهيم المركزية التي شكلت قاعدة الرؤية الأمنية ـ السياسية الإسرائيلية التي يسود الإجماع على حقيقة أنها مُنيت بالفشل الذريع، بل بالانهيار التام، انطلاقاً من القناعة بأن تحديد تلك المفاهيم هو الشرط الأول والضروري في مسيرة إعادة ترميم ما ينبغي ترميمه في العقيدة السياسية والأمنية الإسرائيلية، ثم في إعادة هيكلة الأجهزة، المنظومات والأذرع المكلفة بتطبيق هذه العقيدة في المستقبل.
الصفحة 51 من 336