المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1385
  • برهوم جرايسي

وقعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في فترة تأكد فيها تراجع المعطيات الاقتصادية الإسرائيلية، على ضوء عوامل، منها داخلية، بسبب حالة عدم اليقين في الاقتصاد على خلفية حركة الاحتجاجات الشعبية، ما انعكس مباشرة على مداخيل الضرائب بقدر كبير نسبيا، وما زاد العجز في الموازنة العامة، في حين أن غلاء المعيشة واصل الارتفاع. وكلفة الحرب، بشكل خاص في الحالة القائمة منذ 7 تشرين الأول الجاري، لا تقتصر على الكلفة العسكرية المباشرة، بل إن الضربات التي تلقتها "الجبهة الداخلية" على المستوى المدني، تفاقم الكلفة، التي أعلنت وزارة المالية أنها تستصعب حاليا طرح تصور، حتى أولي، لهذه الكلفة، التي ستنعكس مباشرة على ميزانية العام المقبل 2024، والمقررة قبل عدة أشهر، وتنتظر الحكومة الإسرائيلية ما وعد به الرئيس الأميركي جو بايدن من "دعم سخي"، بلغ 14.3 مليار دولار.

بنود كلفة الحرب

كما في كل حرب، فإن الصرف الأكبر في وقت الحرب هو على تمويل آلة الحرب، وهذه صرفها ضخم، وتتمتع إسرائيل باتفاقيات تعاون عسكري وثيق مع الولايات المتحدة الأميركية، بضمنها، كما نقرأ، فتح مخازن الأسلحة والعتاد الأميركية أمام الجيش الإسرائيلي، وهذا ما أعلن عنه في الأسبوعين الأخيرين حول نقل معدات ضخمة من مخازن الجيش الأميركي، وليس كل شيء يعلن، آخرها كان في نهاية الأسبوع، بتلقي ذخيرة بمئات الأطنان.

وفي الأسبوع الماضي وصلت أيضاً إلى إسرائيل طائرة شحن كبيرة، تنقل عشرات مركبات عسكرية مصفحة، بدلا من التي تضررت يوم 7 تشرين الأول وما بعده.

كذلك فإنه في 7 تشرين الأول تكبدت إسرائيل خسائر كبيرة في البنى التحتية، في بيوت بلدات محيط قطاع غزة، وحتى شمالا، وأخلت عشرات آلاف السكان إلى مناطق أخرى، وهي تموّل الإقامة الجديدة، ومعها أيضا تقديم مخصصات مالية للعائلات والأفراد، وهم منقطعون عن العمل.

وجانب الصرف المدني سيكون كبيرا واستثنائيا، من بينه مخصصات معيشية للمتضررين، وعلاج المصابين، ودفع مخصصات لعائلات مئات الموتى، وتمويل مستقبلي لمن تكبدوا إعاقات، وكل هذا بالمجموع يساوي ميزانيات كبيرة.

جانب آخر في التمويل والخسائر هو تراجع النشاط الاقتصادي بقدر كبير، وخاصة الاستهلاك الفردي الاستثنائي، بمعنى عدا الصرف على المواد والبضائع الحياتية الاستهلاكية الأساسية، فجوانب عديدة من الحياة العامة شبه متوقفة، وعلى سبيل المثال طلب اتحاد المطاعم من الحكومة الإسرائيلية إعفاء المطاعم من دفع مستحقات ضريبية في الشهر الجاري، بسبب التراجع الحاد جدا في مداخيل المطاعم.

وتنسحب حال المطاعم على قطاع السياحة الداخلية، الذي يشكل بالمعدل 60% من حجم الإقامة في الفنادق سنويا، وبطبيعة الحال فإن السياحة الخارجية توقفت بالكامل، بحسب التقديرات، خاصة وأن شركات الطيران العالمية قد أوقفت رحلاتها إلى مطار إسرائيل الدولي، والغالبية الساحقة جدا من الداخلين هي لمواطنين عائدين بطائرات إسرائيلية، كذلك يختار الكثيرون الوصول الى البلاد عبر مطار عمّان الدولي، ومنه الى المعبر البري.

وحسب التقارير، فإن قطاعات اقتصادية تشهد حالة تباطؤ، ومنها ما قد يتوقف. وجانب بارز جدا في الخسائر الاقتصادية غير المباشرة، هو إعلان إسرائيل استدعاء ما بين 300 ألف إلى 360 ألف جندي احتياط، إلى صفوف الجيش كـ "تعبئة عسكرية"، وبالإمكان القول إن الغالبية الساحقة جدا من هؤلاء، عدا طلاب الجامعات من بينهم، هم من أصل القوة العاملة التي لامست في شهر آب الماضي 4.5 مليون شخص، ما يعني أن الحديث يدور عن حوالي 8% من القوة العاملة المنتجة.

وقال محللون اقتصاديون إن قطاعات اقتصادية رفيعة، وخاصة قطاع الهايتك، يلمس نقصا في الأيدي العاملة، وفي حال تم الاجتياح البري لقطاع غزة، أو طالت الحرب، وقررت إسرائيل استمرار حالة التعبئة العسكرية، وبهذا الحجم، فإن خطوط إنتاج كثيرة قد تتراجع بقدر كبير، ما سيعكس نفسه على الأسواق.

هذه الأوضاع، كما سنرى لاحقا هنا، ترفع تقديرات سوء الأوضاع الاقتصادية، وستزيد العجز في الميزانية العامة، ليس فقط في العامين الجاري والمقبل، وإنما لسنوات أخرى أيضاً.

الميزانية العامة ستتأثر بشكل كبير

وحاول الاقتصاديون والمتنبئون الاقتصاديون الإسرائيليون، في الأيام الأخيرة، تقدير الأضرار الاقتصادية التي ستسبب بها الحرب. وتشير التقديرات السائدة إلى أنه سيتم تسجيل نمو سلبي في الربع الرابع من العام الجاري 2023، وسيكون النمو الإجمالي في عام 2023 أقل من التوقعات المبكرة التي كانت بنحو 2.7% -3%.

كما ستتضرر ميزانية الدولة بشكل كبير، سواء بسبب الانخفاض الحاد في الإيرادات أو بسبب الزيادة الحادة في نفقات تغطية التعويضات وإعادة إعمار الجنوب، إلى جانب تكاليف الأمن والحملة العسكرية.

وتوقع كبير الاقتصاديين في "بيت ليدر" الاستثماري حدوث عجز بنسبة 2.5% العام 2023، ليقفز إلى عجز بنحو 5% العام 2024. كما قدر الاقتصاديون في بنك ليئومي، في تقدير أولي، بأن "الزيادة في الإنفاق الحكومي من المتوقع أن تنجم عن زيادة الإنفاق الدفاعي، والحاجة إلى إعادة التأهيل البشري والبدني، والتعويضات التي سيتم تحويلها إلى الشركات والأسر" في أعقاب الحرب، وستكون بإجمالي حوالي 120-130 مليار شيكل خلال السنوات القادمة.

وبحسب تقديرات صحيفة "ذي ماركر"، وهي ليست وحدها في هذه التقديرات، فإن الحرب الدائرة في قطاع غزة، وجنوب البلاد، وأيضا احتمال اشتعال المواجهة مع لبنان، ستزيد من العجز في الموازنة العامة، وسيكون هناك تباطؤ اقتصادي ملموس جدا، ما سيؤدي إلى تراجع حاد في منسوب التضخم المالي، ولربما يقود هذا إلى انكماش اقتصادي (عكس النمو).

بموازاة هذا، أنذرت شركتان من كبار الشركات الاقتصادية العالمية بأنها ستخفض تصنيف مكانة إسرائيل ومتانتها أمام قدرة تسديد التزاماتها المالية، ما قد يرفع نسب الفوائد على ديونها.

لكن هذه التقديرات، سبقت طلب الرئيس الأميركي جو بايدن من الكونغرس، تقديم دعم استثنائي لإسرائيل بقيمة 14.3 مليار دولار، عدا الدعم العسكري السنوي الثابت، بقيمة 3.8 مليار دولار.  وهذا الدعم الجديد، في حال إقراره نهائيا، يعادل ما بين 3.5% إلى 4% من الحجم الكلي للناتج الإسرائيلي العام. وحسب ما نشر، فإن 10.6 مليار ستكون على الانفاق العسكري، ما يتيح الاستنتاج أن الباقي، حوالي 3.7 مليار دولار، للإنفاق المدني.

وبسبب حالة عدم اليقين بشأن استمرار الحرب وتكاليفها والأضرار الاقتصادية الناجمة عنها، أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية أنها ستطلب تعديلا على قانون موازنة العام 2024، التي أقرت في الصيف الماضي، بحيث تستطيع الوزارة تأجيل طرح تصوراتها لأداء الموازنة العامة للعام المقبل، من 1 تشرين الثاني، حسب القانون القائم، إلى 15 كانون الأول، إلى حين معرفة أكثر لحجم الخسائر وكلفة الحرب.

وقال رئيس قسم الميزانية في وزارة المالية، يوغيف غيردوس، إن ميزانية 2024 سيتم إعادة فتحها وسيتعين عليها الخضوع لـ "تغيير جذري" في ضوء التكاليف المتوقعة للحرب.

ويلزم قانون الموازنة القائم وزارة المالية بتقديم تقرير الفرق في التقديرات الاقتصادية للعام 2024، بين ما أقر في حينه، وبين الوضع القائم، إلى الكنيست بحلول الأول من تشرين الثاني. وما إذا ستكون تعديلات في توزيعة الميزانية المقررة، بهدف سد الاحتياجات.

وحسب تقارير الصحافة الاقتصادية الإسرائيلية فإنه حتى قبل الحرب، كان من الواضح أن تقرير وزارة المالية هذا سيتضمن صورة متشائمة للاقتصاد الإسرائيلي، في ظل تراجع إيرادات الدولة وارتفاع معدل التضخم، مما أضر بإيرادات الحكومة. وفي الوقت نفسه، كانت نفقات الحكومة مرتفعة نسبيا، وتضاعف العجز المتوقع في 2023 و2024 إلى أكثر من 2%.

وانتقد رئيس المعارضة يائير لبيد، رئيس حزب "يوجد مستقبل"، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وكتب على حسابه في شبكة إكس: "لديكم 9 مليارات شيكل متبقية في خزائنكم من أموال الائتلاف المخصصة للرشوة السياسية. دعونا نقر معاً على الفور تشريعاً يحول الأموال إلى إدارة الحرب، إلى سكان سديروت وبئيري وكفار عزة، وإلى حماية عسقلان، وإلى المواطنين الذين ينهارون".

ويقول المحلل الاقتصادي ناتي طوكر، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، إنه "من الواضح أن سموتريتش، حتى في زمن الحرب، لديه الوقت للمشاحنات السياسية. فرد على لبيد أنه استدعاه لحضور المناقشات معه، لكن لبيد رفض. ثم أضاف سموتريتش الجملة المذهلة التالية: ’توجيهي منذ اليوم الأول للحرب، هو توجيه كل الميزانيات لإدارة الحرب والمساعدات لغلاف قطاع غزة’".

ويقول طوكر إنه "في أوقات مثل هذه الأزمات، عندما يكون الجمهور في إسرائيل محاطا بالصدمة والقلق، هناك توقعات من المستوى السياسي بالتصرف بطريقة مسؤولة ولائقة، وإعطاء الجمهور الشعور بالأمان. وعلى القادة أن يحاولوا استعادة ثقة المواطنين. لكن بالنسبة لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يبدو أن الثقة أو الموثوقية هي كلمات بلغة أجنبية. من الصعب تصديق حقيقة أن سموتريتش قد أصدر مثل هذه التعليمات، وذلك لسبب بسيط وهو أن سموتريتش نفسه نقل حقائق مختلفة تماماً من خلال مكتبه".

وقال مكتب سموتريتش "إن تحويلات أموال الائتلاف مستمرة بالفعل كما هو مطلوب. ومع ذلك، فإن الضغط الشعبي، فضلاً عن التوصيات الواضحة من المستوى المهني في وزارة المالية ومن وزير التعليم يوآف كيش، هي التي أجبرت سموتريتش في نهاية المطاف على التحرك، متأخراً جداً، والأمر بوقف تحويلات الميزانية التي لا تتعلق بالحكومة". إلا أنه في الواقع، فإن حقائق الأمور مختلفة تماما، بحسب طوكر.

مفاجأة تراجع التضخم المالي

في منتصف الشهر الجاري، تشرين الأول، فاجأ مكتب الإحصاء الإسرائيلي المركزي، حينما أعلن أن التضخم المالي في شهر أيلول، الذي سبق، سجل تراجعا بنسبة 0.1%، وهذا نقض جميع توقعات الخبراء والمحللين، الذين كان سقف توقعاتهم ارتفاع التضخم بنسبة 0.4%، يعني أقل من نصف بالمئة بقليل، واستندت التقديرات المسبقة إلى تراجع قيمة الشيكل، والصرف على الأعياد العبرية والاستعداد لها، التي بدأت من منتصف أيلول، واستمرت حتى السابع من تشرين الأول الجاري.

وبذلك يكون التضخم قد سجل في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري ارتفاعا بنسبة 2.9%، وهو أقل بقليل من السقف الذي حدده بنك إسرائيل المركزي للتضخم السنوي، 3%.

وتأثر التضخم من تراجع أسعار المواصلات بنسبة 1.5%، وأسعار المواد الغذائية بنسبة 0.5%، ونسبة مماثلة لقطاع الترفيه. كما تأثر التضخم من ارتفاع أسعار الفواكه الخضراوات الطازجة بنسبة 4.3%، وأسعار التعليم بنسبة 1.5%.

وكانت التوقعات تشير إلى أن التضخم في شهر تشرين الأول الجاري، سيسجل ارتفاعا ملموسا، بسبب استمرار تراجع قيمة الشيكل أمام الدولار والعملات العالمية البارزة، وأيضا بسبب ارتفاع أسعار موسمية لفصل الخريف.

إلا أن اندلاع الحرب من شأنه أن يقلب كافة الحسابات، وسيجعل الأمر أكثر تشوشا، فمن جهة لوحظ أن أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية الأساسية، وبضائع حياتية أساسية، قد سجلت ارتفاعا تحت غطاء تدفق الجمهور على الأسواق للتخزين الاحتياطي، بعد أن أصدرت قيادة الجبهة الداخلية بيانا دعت فيه الجمهور لضمان مواد غذائية ومياه تكون كافية لمدة 72 ساعة، وعلى الرغم من أن الجيش أصدر فورا بيانا قال فيه إن هذه دعوة متسرعة ولا حاجة لها، إلا أن فارق نصف ساعة بين البيانين، لم يكن كافيا لإقناع الجمهور، الذي أفرغ محتويات محلات تجارية ضخمة.

ومن جهة أخرى، فإن نواحي صرف عديدة شهدت تراجعا حادا، مثل السياحة الداخلية والترفيه، وارتياد المطاعم، وحتى حركة السير في الشوارع الخارجية تراجعت، وفي حالات كهذه، فإن ما يُعد "كماليات" في الصرف العائلي تراجعت بشكل حاد جدا، وهذا من شأنه أن يؤثر على حسابات التضخم، ويلجم ارتفاعه الناجم عن أسعار الغذاء على أشكاله.

كل هذا بموازاة كثرة الحديث عن حالة تباطؤ اقتصادي قد تقود إلى ركود في الأسواق. ولهذا، فإن كل التقديرات لسعر الفائدة البنكية التي سيعلنها بنك إسرائيل المركزي في بداية الأسبوع الجاري قد تشوشت، ففي حين قال محللون إن البنك قد يخفض الفائدة البنكية لأول مرّة بعد أن بدأ برفعها في نيسان 2022، وهي عند أساس 4.75% يضاف لها فورا 1.5%، فإن مصادر مسؤولة في بنك إسرائيل المركزي قالت إن البنك لن يُقدم على تخفيض حاد للفائدة، فهذا ليس واردا، على ضوء عدم اليقين في الاقتصاد، وتجاوز سعر الدولار حاجز 4 شواكل، لأول مرّة منذ العام 2012، إذ أن الفجوة مع الفائدة الأميركية التي ستكون أعلى، من شأنها أن تسحب استثمارات أكبر من الاقتصاد الإسرائيلي، ما قد يؤدي إلى تراجع أشد في قيمة الشيكل، التي تراجعت منذ 7 تشرين الأول، وحتى 22 تشرين الأول بنسبة 5%، ومنذ مطلع العام الجاري، بنسبة إجمالية تقارب 15%.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات