المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
قوة من حرس الحدود تحتشد في طريق الآلام في القدس المحتلة.  (أ.ف.ب)
قوة من حرس الحدود تحتشد في طريق الآلام في القدس المحتلة. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1022
  • برهوم جرايسي

يرى محللون إسرائيليون أنه لا يبدو أن سلسلة العمليات التي وقعت في الأيام الأخيرة تؤثر على تماسك الحكومة الإسرائيلية الحالية، على الرغم من تنوّع تركيبتها، إلا أن هذه العمليات تضع الحكومة في امتحان الشارع الإسرائيلي، بحسب هؤلاء المحللين. إلى ذلك، فإن هذه العمليات قد تؤثر على حركة العمال الفلسطينيين نحو مشاريع العمل الإسرائيلية، بحسب التقديرات. وفي سياق الجانب الاقتصادي فإن استمرار غلاء الوقود فتح ملف الضريبة العالية عليه، ومطالبة الحكومة بخفضها، من أجل خفض أسعار الوقود.

وقد لوحظ أن وقوع ثلاث عمليات في حيز زمني قصير نسبيا، في كل من بئر السبع والخضيرة وبني براك، لم يُحدث أي تصدّع في الائتلاف الحاكم، فالشريك الذي من المفترض أنه خارج الدائرة الصهيونية، ممثلا بالقائمة العربية الموحدة، الذراع البرلمانية للحركة الإسلامية الجنوبية، سارعت لإصدار بيان عام، وأيضا على لسان زعيمها عضو الكنيست منصور عباس، لإدانة العمليات بعبارات حادة. إلا أن رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، اختار ضرب الحكومة بتصريحات إعلامية، متهما إياها بأنها تتراخى لمواجهة ما أسماه "الإرهاب"، بسبب شريكتها الحركة الإسلامية، إلا أن هذا التصريح لم يلق تجاوبا في الشارع الإسرائيلي، لمعرفته بأن من فتح الباب أمام شراكة الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) في الحكومة، هو نتنياهو نفسه، الذي أرادها شريكة في حكومة يقيمها، إلا أنه فشل بسبب موقف كتلة "الصهيونية الدينية".

محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، قال في مقال له إن كون منفذ عملية بني براك من الضفة الغربية المحتلة، وليس من فلسطينيي الداخل، بعث بنوع من الارتياح الساخر لأن هذا سيخفف ضغوطا. فقد وقعت عملية بني براك بعد عمليتين في بئر السبع والخضيرة، وكان المنفذون من فلسطينيي الداخل من بلدة حورة في منطقة بئر السبع، ومن مدينة أم الفحم. وبعد 9 أشهر على قيام ما تمت تسميتها "حكومة التغيير"، تفاخر رئيسها نفتالي بينيت أنها كانت الأكثر هدوءا في السنوات الأخيرة، وكان يقصد الهدوء أمام قطاع غزة، ولم يكن في وارده عودة العمليات إلى قلب المدن الإسرائيلية. وبحسب فيرتر، فإن هذا الواقع هو "الامتحان" الأكبر لبينيت. فحكومة لا تعد حكومة يمينية ذات "نواة صلبة"، ستجد دائما صعوبة في الساحة العامة أمام موجات "الإرهاب". الشخص الوحيد الذي اجتاز الامتحان، وحصل على ثقة واسعة من الجمهور لفترة طويلة، قبل انطلاقه لتنفيذ عملية عسكرية ("السور الواقي" في الضفة الغربية) هو أريئيل شارون؛ لكن بينيت بعيد عن أن يكون أريئيل شارون"، ويقصد أن بينيت لن يسارع لشن عملية عسكرية.

وعلى الصعيد العسكري الإسرائيلي، حتى مطلع الأسبوع الجاري، أجمع المحللون العسكريون الإسرائيليون - عادة ما ينقلون تقديرات المؤسسة العسكرية – على أنه ليس في وارد الحكومة الإسرائيلية شن عملية واسعة النطاق. ويقول المحلل يوآف ليمور، في مقال له في صحيفة "يسرائيل هيوم"، إن تقديرات المؤسسة العسكرية أن العمليات حاليا هي موضعية، وفي نقاط محددة، وليست ظاهرة عامة ستشمل كل الضفة الغربية المحتلة. في المقابل، يقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إن سلسلة العمليات ستجبر على تركيز الجهود بشكل استثنائي من قبل الحكومة وأذرع الأمن داخل الخط الأخضر وفي الضفة المحتلة. وعلى الرغم من هذا، فإن التوجه حتى مطلع الأسبوع، هو عدم إلغاء التسهيلات التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية خلال شهر رمضان المبارك، على الرغم من أنها تسهيلات متقلبة، في ما يتعلق بالوصول إلى القدس والمسجد الأقصى المبارك، ولم يتم حسمها كليا، وهذا ما سيتضح قبيل يوم الجمعة الأول من شهر رمضان.

ويقول هرئيل: "لا ريب في أن رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، يقف أمام أصعب امتحاناته منذ توليه لمنصبه في شهر حزيران الماضي. وحقيقة أنه يقلل من التصريحات وأن الطاقم الوزاري للشؤون الأمنية لا ينعقد لا تساهم في ترسيخ صورته كمسيطر على الوضع". وبحسب هرئيل، فإن ما يدل على نوايا الحكومة وجهاز الأمن في الضفة هو سلسلة الخطوات التي تمت المصادقة عليها الأسبوع الماضي، إرسال 14 كتيبة نظامية من الجيش إلى الضفة والقطاع (تقريبا ضعف عدد القوات التي تتواجد هناك في الأيام العادية)، استعداداً لتصعيد أوسع، وتخصيص 15 فصيل تدريب من وحدات خاصة، لمهمات تقودها الشرطة في منطقة التماس وداخل الخط الأخضر، وإعطاء المصادقة للجنود على الذهاب مع السلاح الشخصي إلى البيت.

احتمالات ضربة للاقتصاد الفلسطيني

حسب تقديرات دورون بسكين، المحلل الاقتصادي في صحيفة "كالكاليست"، في مقال له، فإن سلسلة العمليات التي وقعت في الأيام الأخيرة، ستقود إلى فرض قيود على حركة العمال من الضفة الغربية نحو المشاريع الإسرائيلية، ما قد يضرب احتمالات النمو الاقتصادي الفلسطيني، وبقدر ما سينعكس الأمر أيضا على الاقتصاد الإسرائيلي، في حال تم تقليص أعداد العمال في قطاع البناء.

وكتب بسكين: "شئنا أم أبينا، يعتمد اقتصادهم على الاقتصاد الإسرائيلي، من حيث التجارة والتشغيل، وهو المفتاح لتحقيق النمو الاقتصادي. وسيتطلب استمرار الهجمات في المدن الإسرائيلية رداً من شأنه أن يقلل من آفاق النمو الهشة للاقتصاد الفلسطيني على أي حال، وقد تكون لذلك عواقب وخيمة على المدى الطويل بالنسبة لقطاعات كبيرة من المجتمع الفلسطيني".

وحسب بسكين: على الرغم من أن الوضع الاقتصادي لا يبدو أنه قد ساهم بشكل مباشر في تشجيع موجة العمليات "ولكن إذا نظرت إلى الصورة الاقتصادية الشاملة للاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، هناك ما يدعو للقلق". وأضاف: لطالما كان الفقر والبطالة والتدهور الاقتصادي خلفية لنمو العمليات، وبالتالي فإن معضلة إسرائيل هذه الأيام آخذة في الازدياد. فـ "من جهة، منحت إسرائيل في الأسابيع الأخيرة سلسلة من التنازلات للفلسطينيين، بما في ذلك في قطاع غزة، وخططت لاستمرارها خلال شهر رمضان في محاولة لتحييد سبب الإحباط الاقتصادي. ومن جهة أخرى، فإن الخوف من أن يحاول المقلدون الفلسطينيون الاستفادة من الإغاثة والتسلل إلى إسرائيل تحت غطاء العمال لإلحاق الأذى، سيتطلب من السلطات إعادة حساب المسار".

ويضيف بسكين: "هذه المعضلة ليست بسيطة لأنه وفقاً لجميع التقديرات، فإن وضع الاقتصاد الفلسطيني في بداية العام 2022 غير مشجع، وبدون شريان الحياة من جانب إسرائيل سيكون وضعه أكثر صعوبة. أنهى الاقتصاد الفلسطيني العام 2021 بنمو يقارب 6% (في قطاع غزة 2% فقط) في إطار التعافي من أزمة كورونا، بعد انخفاض تجاوز 11% في العام 2020. وكان التراجع الحاد في الأداء الاقتصادي أيضا بسبب وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل وتحويل أموال الضرائب (حوالي 200 مليون شيكل شهريا) وكذلك انخفاض المساعدة المالية من الدول المانحة". كما "بلغ عجز الحساب الجاري للسلطة الفلسطينية 390 مليون دولار في الربع الرابع من العام 2021، ويعزى ذلك إلى عجز الميزان التجاري (1.7 مليار دولار)، فضلا عن عجز قدره 312 مليون دولار في ميزان الخدمات. ما يعوض هذا العجز يظهر مرة أخرى أنه الاعتماد على إسرائيل- ما يقرب من 900 مليون دولار من الدخل الفلسطيني من العمل في إسرائيل في ذلك الربع".

ضريبة الوقود والفائدة البنكية

في السياق الاقتصادي، ثارت من جديد في الصحافة الاقتصادية مسألة الضريبة المتشعبة على سعر الوقود للمستهلك، مع استمرار ارتفاعها في مطلع الشهر الجاري، ومطالبة الحكومة بإعادة النظر في حجم الضريبة، بهدف لجم ارتفاع الأسعار. وبموازاة ذلك، أعلن بنك إسرائيل المركزي أن الفائدة البنكية الأساسية سترتفع خلال العام الجاري، ولربما بأكثر من دفعة واحدة.

في مطلع الشهر الجاري، ارتفع سعر ليتر البنزين الأكثر استخداما في إسرائيل، أوكتان 95، بنسبة 5.5%، مستكملا ارتفاعا بنسبة 17% منذ مطلع العام الجاري، ونسبة 35% منذ مطلع العام الماضي 2021. وحسب التقارير الإسرائيلية، فإن سعر ليتر البنزين في الشهر الجاري 7.44 شيكل (2.32 دولار)، يقارب سعر الذروة الذي تم تسجيله في شهر تموز من العام 2014، حينما بلغ 7.62 شيكل لليتر لذات صنف البنزين.

وإذا كان هذا الارتفاع ناجما عن ارتفاع أسعار النفط وبالتالي الوقود في العالم، فليست هذه هي الحال في السعر الإسرائيلي، إذ إن قيمة الضريبة بالشيكل على كل ليتر بنزين ترتفع مع كل ارتفاع في سعر الوقود عالميا.

وعلى سبيل المثال، ووفق ما ورد من تقارير اقتصادية، فإنه حينما كان سعر ليتر البنزين في الشهر الأول من العام الجاري 6.37 شيكل، كانت قيمة الضريبة الإجمالية 4.02 شيكل، وهذا شكّل نسبة 63% من سعر البنزين. أما بعد الرفع الجديد فإن نسبة الضريبة انخفضت إلى 56%، لكن قيمة الضريبة ارتفعت إلى 4.21 شيكل. وهذا يعود إلى أن قسما من الضريبة هو قيمة ثابتة والأخرى نسبية، وهي ضريبة الشراء بنسبة 15% على البنزين.

وعلى الرغم من معرفة الحكومة أن ارتفاع أسعار الوقود سيجر ارتفاع أسعار سلع كثيرة، إلا أنها ترفض خفض الضريبة الزائدة، على الأقل من الارتفاع الحاصل، فهذا عبء سيقع كله على الشرائح الفقيرة والضعيفة والتي ستدفع ثمن تبعات ارتفاع أسعار الوقود.

وفي ما يتعلق بالفائدة البنكية، لمح محافظ بنك إسرائيل المركزي، أمير يارون، في حديث للصحافيين في الأسبوع الماضي، خلال عرض التقرير السنوي للبنك، أن الفائدة البنكية في إسرائيل سترتفع هذا العام، ولربما بأكثر من مرّة واحدة، على ضوء استمرار ارتفاع الأسعار، إلا أن هناك من المحللين الاقتصاديين من حذر البنك المركزي من الاستعجال في اتخاذ القرارات.

وجاء إعلان يارون على ضوء نسبة التضخم في الشهر الأولين من العام الجاري، التي ارتفعت بنسبة 0.9%، وكما يبدو سترتفع أكثر عند الإعلان عن التضخم المالي في شهر آذار الماضي، في تقرير مكتب الإحصاء المركزي في منتصف الشهر الجاري- نيسان.
وحسب التقارير، فإن التضخم في الأشهر الـ 12 الأخيرة قفز عن نسبة 3%، وهي النسبة الأعلى في مجال التضخم الذي وضعه بنك إسرائيل في السنوات الـ 15 الأخيرة، ما بين 1% إلى 3%. ومنذ عامين، فإن نسبة الفائدة الأساسية التي يطرحها بنك إسرائيل هي 0.1%، وفي حال قرر بنك إسرائيل رفع الفائدة على دفعتين، فإن العام الجاري قد ينتهي بفائدة بنكية لا تقل عن 0.5%، (نصف بالمئة)، وقد يفاجئ البنك برفعها بنسبة قد تقارب 1%.

وحسب تقارير اقتصادية، فإن بنك إسرائيل قلق من استمرار ارتفاع أسعار البيوت، التي ارتفعت في العام الماضي بنسبة 13%، وهي مستمرة بالارتفاع، كما أن أسعار السلع الاستهلاكية والبضائع الحياتية لا تتوقف عن الارتفاع، وهذا ما يقود إلى دائرة تضخم مالي شهدتها إسرائيل آخر مرة قبل 12 عاما، أي نسبة تضخم تتجاوز 3%.

لكن في المقابل، فإن رفع الفائدة البنكية سيقود إلى تعزيز قيمة الشيكل، التي ارتفعت في الأسبوع الماضي مجددا أمام الدولار وسائر العملات العالمية، وهذا ما سينعكس سلبا على مردود الصادرات بالعملة الإسرائيلية.

دعا المحلل الاقتصادي البارز في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفر بلوتسكر، وفي مقال له في نهاية الأسبوع، بنك إسرائيل إلى عدم الاستعجال في رفع الفائدة البنكية، لأن هذا سيساهم ضمنا في زيادة رفع الأسعار. وحسب ما قاله، فإن رفع الفائدة البنكية لن يساهم في خفض أسعار البيوت، لأن ارتفاعها ناجم أساسا عن قلة العرض، وليس عن مستوى الفائدة المنخفض، لأن البيوت حاجة.

وفي ما يتعلق بأسعار السلع الأساسية والبضائع الحياتية، قال بلوتسكر إن سبب الارتفاع هو عوامل خارجية، من البضائع المستوردة، وارتفاع كلفة النقل البحري، وليس ناجما عن زيادة طلب المستهلكين على البضائع، وبالتالي فإن عبء الفائدة البنكية سيتدحرج هو أيضا على كاهل المستهلكين.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات