بعد شهور من النشاطات الرافضة لاتفاقية النفط بين الإمارات وإسرائيل، ممثلة بشركة "خط أنبوب أوروبا آسيا" (لاحقاً ثمة استعراض لتاريخها)، يبدو أن الاتفاق بين الطرفين في طريقه إلى الفشل. لكن جهات ناشطة تعبّر عن حذر في التعاطي مع الأمر كمحطة أخيرة. وهو الاتفاق الذي جاء بعد علاقات التطبيع بين إسرائيل والإمارات العام الماضي وينص على نقل نفط من الخليج بواسطة السفن إلى ميناء إيلات على البحر الأحمر، ثم من خلال خط أنابيب عبر الأرض إلى ميناء عسقلان على البحر المتوسط، ليتم شحنه بعد ذلك إلى أوروبا.
دفع حجم الخطر البيئي الذي سينجم عن تطبيق هذا الاتفاق بمنظمات عدة الى إطلاق نضال حاد معارض له، وهو ما جعل وزارة حماية البيئة الإسرائيلية تعلن، في تموز الفائت، عن إرجاء تنفيذه. وهو قرار جاء في ضوء شكوى قضائية الى المحكمة الإسرائيلية العليا قدمته منظمات بيئية إسرائيلية، في أيار الماضي، لوقف تنفيذ الاتفاق بالنظر للخطر الذي يشكله على الشعاب المرجانية في شمال البحر الأحمر قبالة إيلات. وطلبت منظمات "أدم طيفع فادين" و"منظمة حماية الطبيعة في إسرائيل" و"تسالول"، من المحكمة عدم السماح للحكومة الإسرائيلية بزيادة كميات النفط الخام الذي يمر عبر إيلات، وهي الزيادة التي تشكل شرطاً أساسياً لجعل الاتفاق قابلا للتنفيذ. شركة النفط – ومعها سلطة الشركات الحكومية الإسرائيلية – زعمت أن إجازة الاتفاق لا تتطلب موافقة خاصة من الوزارات الحكومية. لكن الجزء الأكبر من الالتماس المقدم من المنظمات البيئية يركّز على الطعن في هذا القرار، وعلى حجة مضادة مفادها أنه لم يكن من حق الشركة أن توقع على الاتفاق من دون جلسة استماع حكومية على الأقل تأخذ في الاعتبار جميع تداعياته.
من إسرائيل- إيران إلى آسيا- أوروبا
وفقاً لموسوعات المعلومات الشبكيّة، فإن الشركة الجديدة هي وريثة "خط أنبوب النفط الإيراني الإسرائيلي"؛ أنبوب نفط بقطر 42 إنشا وبطول 255 كيلومترا تمّ تشييده في العام 1968 لنقل النفط الخام من إيران إلى البحر المتوسط حيث يمتدّ من رصيف خاص في ميناء عسقلان إلى ميناء إيلات على البحر الأحمر بقدرة ضخ 1.2 مليون برميل في اليوم. فقد كانت إيران في عهد نظام الشاه السابق، والذي ارتبط بعلاقات عميقة مع حكومات إسرائيل، تحتاج لزيادة صادراتها بحدود 20% لكي تدعم اقتصادها الناشئ وإسرائيل تحتاج لتعويض خسارة أنبوب (كركوك-حيفا) المقفل منذ العام 1948 والّذي كان يمدّها بحاجتها من النفط بعد تكريرهِ في مصفاة حيفا. لذا تم الاتفاق العام 1959 في العاصمة الإيرانية طهران على بناء خط (إيلات- عسقلان) وإنشاء شركة مشتركة لإدارتهِ وبلغت تكاليف إنشائه 155 مليون دولار في حينه (ما يفوق مليار دولار بسعر اليوم) ووافق بنك "دويتشه" الألماني العام 1966 على تمويلهِ بفائدة تصل إلى 5.5%، فتمّ البناء وإنشاء الشركة لإدارة الأنبوب العام 1968 وبدأ النفط يجري فيها. بعد قيام الثورة في إيران ضد الشاه العام 1979، صادرت إسرائيل الخط وضمّت الشركة المشتركة لحسابها. وبعد العام 2000 طوّرتْ إسرائيل الخط ببناء خط عكسي (عسقلان- إيلات) لنقل النفط من روسيا وأذربيجان والقوقاز إلى آسيا. ورفعت إيران عدّة قضايا منذ العام 1994 ضد إسرائيل بفرنسا وسويسرا وحتّى العام 2016 حيث أمرت المحكمة العليا الفيدرالية السويسرية إسرائيل بدفع 1.1 مليار دولار كتعويض عن حصة إيران في الخط وعن النفط الباقي في الخط وقتها.
في 16 أيلول 2020، نُشر أنّ إسرائيل درست إمكانية الطلب من الإمارات إقناع السعودية بأن تسمح لشركة خط الأنابيب عبر إسرائيل بمد خطوط أنابيب من إيلات إلى مصفاة النفط في ينبع، إمّا براً (عبر الأردن) أو بحراً، وذلك لنقل النفط ومشتقاته. وفي تشرين الأول 2020، أعلنت الشركة الإسرائيلية عن توصلها لاتفاق لتمديد خط الأنابيب الّذي يربط بين مدينتي إيلات وعسقلان إلى الإمارات. وصرّحت الشركة الإسرائيلية بأنّها وقّعت على مذكرة تفاهم مع شركة "ميد- رد لاند بردج"، وهي شركة إسرائيلية- إماراتية، تملكها پترومال الإماراتية ومقرها أبو ظبي، وشركة لوبر لاينر الدولية للبنية التحتية والطاقة. وتوفّر هذه الاتفاقية لأبو ظبي جسراً لنقل الوقود الأحفوري مباشرة إلى أوروبا، وتعدّ من أهمّ أشكال التعاون الّتي ظهرت بين الجانبين منذ إعلان الإمارات وإسرائيل عن إقامة العلاقات بينهما.
وأشارت الشركة الإسرائيلية إلى أنّ التوقيع على الاتفاقية جرى في أبو ظبي بحضور وزير المالية الأميركي ستيڤن منوتشن ومسؤولين أميركيين وإماراتيين آخرين.
الحكومة تركت الكرة في ملعب وزارة البيئة
حالياً تبيّن في تسريبات صحافيّة أن الحكومة ستعلن نيّتها عدم التدخّل في تنفيذ الاتفاق، وفقاً لوثيقة مكتوبة قبل صياغة رد الدولة على المحكمة العليا. والموقف الذي سيتم نقله إلى المحكمة العليا، وفقاً للنشر، هو أن الاتفاق لا يتطلب مشاركة خاصة من الدولة، وهو ما يتماشى مع موقف الشركة ووزارة المالية، ولكن هذا الموقف يتيح أيضاً لوزارة حماية البيئة حرية التصرف بوصفها الجهة التي تتولى الرقابة على الاتفاق من ناحية الأنظمة المعمول بها.
وتعلّق جهات مواكبة للقضيّة بأن الحكومة اختارت عملياً عدم إلغاء الاتفاقية، لكنها تركت الأمر لوزارة حماية البيئة، التي تعارض المخاطر الإضافية التي سيجلبها الاتفاق على الجمهور والبيئة، وأبقت لها إمكانية ممارسة صلاحياتها كجهة تنظيمية فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاق. معنى الأمر أن الاتفاق قائم لكنه الآن لن يُفعّل ولكن الصورة ستختلف إذا تغيّرت سياسة وزارة حماية البيئة، أو إذا تغيّر حامل الحقيبة الوزارية، وهي اليوم تمار زاندبرغ من ميرتس. فالتنفيذ المستقبلي للاتفاقية وارد إذا تغيّرت بمن يحمل موقفاً مختلفاً.
يلاحظ موقع "زافيت" (زاوية)، وهو عبارة عن منصة محتوى وتواصل تابعة للمنظمة الإسرائيلية لعلوم البيئة والبيئة، أنه حتى لو كانت التطورات الأخيرة في النضال ضد الاتفاقية مثيرة للتفاؤل، يعتقد العديد من الخبراء في هذا المجال أنه في وضع من السلوك الحكومي السليم لم يكن ينبغي توقيع الاتفاقية أصلا. ويتابع أن الباب الآن مفتوح أمام مواجهة قانونية بين شركة "خط أنبوب أوروبا آسيا" وبين وزارة حماية البيئة. وبما أن القرار يعني أنه لن يتم إلغاء الاتفاق رسمياً، وأن قيود وزارة حماية البيئة هي التي ستمنع تنفيذه بالكامل، فقد يؤدي موقف الدولة إلى مواجهة مستقبلية، ليس بين الشركة ووزارة المالية فحسب، بل بين الثانية وبين وزارة المالية المهتمة والمعنيّة جداً بتنفيذ الاتفاق.
خبراء البيئة الإسرائيليون حذروا من تهديد الاتفاق النفطي الإماراتي- الإسرائيلي، ونظم نشطاء للبيئة حركة احتجاجية في موقف للسيارات يطل على رصيف النفط عند ميناء إيلات ضد ما وصفوه بـ"كارثة تلوح في الأفق"، ورددوا شعارات منها أن الصفقة "تأتي بالأرباح على حساب المُرجان". وشموليك تغار، عضو مؤسس لـ"جمعية حفظ بيئة البحر الأحمر" وأحد سكان إيلات، قال في حديث صحافي لوكالة "فرانس برس" إن "الشعاب تبعد المرجانية 200 متر عن المكان الذي سيفرغ فيه النفط. يقولون إن الناقلات حديثة ولن تحصل أي مشكلة، لكن لا مفر من حدوث عطل أو خلل. لا يمكن الترويج لسياحة خضراء عندما تكون لديك ناقلات نفط في الميناء". وحذر من أن وصول ناقلتي نفط إلى ثلاث ناقلات أسبوعيا يعني أن حركة مرورها ستكون "متتالية" في الميناء ما سيؤثر على صورة المدينة التي تروج لسياحة مراعية للبيئة.
وفقاً لتقرير وكالة الأنباء الدولية، ففي الوقت الذي تتعرض فيه الشعاب المرجانية في العالم لظاهرة الابيضاض بسبب تغير المناخ، بقيت تلك الموجودة في إيلات في وضع مستقر بسبب مقاومتها الفريدة للحرارة. إذ تمتد محمية الشاطئ المرجاني في إيلات على حوالي 1.2 كيلومتر قبالة ساحل المدينة، ما يحمي الشعاب المرجانية التي تعد موطنا لمجموعة متنوعة غنية من الحياة البحرية.
ووفقاً لرئيس قسم الأحياء البحرية والتكنولوجيا الحيوية في معهد إيلات للعلوم البحرية، نداف ششار، فإن "قرب الشعاب من ميناء شركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية، يعرضها لخطر جسيم. منشآت الشركة ليست معدة لمنع الحوادث وهي مصممة فقط لمعالجة التلوث بعد وصوله إلى المياه". وششار هو واحد من 230 خبيرا متعددي التخصصات قدموا اعتراضاً لرئيس الحكومة الإسرائيلية، في حينه، بنيامين نتنياهو، ضد المشروع، وأكدوا أنه لا مفر من حصول تسرب عند نقل النفط من الناقلات إلى خط الأنابيب، وقد حذّروا من أن الزيادة المتوقعة في حجم الشحنات النفطية إلى إيلات "ستكون نتيجتها تسربا مستمرا للتلوث النفطي".
مخاطر لم يتم فحصها على الإطلاق ضمن بيان التقييم
نُشر في أواسط شهر كانون الأول الفائت أوسع تقرير خبراء مهني حول مخاطر الاتفاق الإسرائيلي- الإماراتي، وهو التقرير الذي صدر عن "منظمة علم البيئة والبيئة" المذكورة أعلاه. تم إعداد التقرير على مدى ثلاثة أشهر وشارك فيه 46 عالماً وباحثاً من مجموعة متنوعة من مجالات المعرفة، ومن بين الباحثين علماء البيئة الأرضية، ومجموعة من علماء البيئة البحرية، ومجموعة من خبراء الصحة العامة، ومجموعة من خبراء تحلية المياه.
بحسب التقرير، فإن الاتفاق على زيادة نقل النفط في البنية التحتية سيؤدي حتماً إلى إضافة مخاطر مختلفة للجمهور، بعضها مخاطر لم يتم فحصها على الإطلاق ضمن بيان تقييم المخاطر الذي قدمته شركة النفط الإسرائيلية إلى وزارة حماية البيئة. وأقرت لجنة الخبراء بأن الاتفاق ينطوي على مخاطر كبيرة لنظام تحلية مياه البحر لدولة إسرائيل، والاقتصاد الإسرائيلي، ويمس بالعلاقات الخارجية للدولة، ويؤثر سلباً على صحة ورفاهية سكان إيلات وعسقلان، وعلى النظم البيئية في البحر الأبيض المتوسط وخليج إيلات والنقب والعربة، بالإضافة إلى ذلك، أكدت لجنة الخبراء أن دولة إسرائيل ليست مستعدة بشكل كافٍ للتعامل مع حوادث التسرّب النفطي. (ويشار هنا إلى التسرّب الذي حدث العام 2014 إذ أن ملايين الليترات من النفط الخام تسربت من خط أنابيب في الجنوب ما أدى إلى غمر مساحات شاسعة من محمية طبيعية صحراوية، فيما اعتُبر واحدة من أسوأ الكوارث البيئية في البلاد، على بعد نحو 18 كيلومتراً إلى الشمال من منتجع إيلات على البحر الأحمر).
وهكذا، ففي ضوء المخاطر التي يشكلها الاتفاق، والتي لم يتم تضمين معظمها ولم يتم تقييمها بشكل مهني في تقييم المخاطر الذي أجرته الشركة، يوصي تقرير لجنة الخبراء بإلغاء الاتفاقية. والمخاطر التي أشار إليها الخبراء هي المخاطر التي تتعرض لها منشآت التحلية في إيلات وساحل البحر الأبيض المتوسط في حالات تسرب النفط في إيلات أو عسقلان، ومخاطر تلوث الهواء نتيجة زيادة تخزين النفط في إيلات وعسقلان، ومخاطر إلحاق الضرر بالنباتات والحيوانات في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
ويشير التقرير يشير معايير منخفضة للغاية في إسرائيل فيما يتعلق بالتغييرات الجوهرية في البنية التحتية. وبناء عليه، أوصى التقرير الحكومة والكنيست بالترويج الفوري لخطة وطنية للاستعداد والاستجابة لحوادث التلوث النفطي. في الوقت نفسه، أكد أنه يجب تحسين الاستعداد للتعامل مع أحداث الانسكاب النفطي على الفور، ويجب إنشاء نظام تنظيمي ولوجستي مناسب لهذا الغرض. فهو يتحدث في خاتمة المطاف عن حقيقة بسيطة وقاسية مفادها أن هناك مخاطر كبيرة يسببها الاتفاق لم يتم أخذها في الاعتبار على الإطلاق.