رأى مسؤولون حكوميون وخبراء إسرائيليون، في سياق مؤتمر بشأن الطاقة والمناخ عقد الأسبوع الماضي في تل أبيب، أن إسرائيل بعيدة عن أزمة الطاقة العالمية، بفعل المخزون وسيطرتها على حقول غاز في البحر الأبيض المتوسط، وأنها باتت دولة مصدّرة للغاز. وقالت وزيرة الطاقة إن مشروع أنبوب النفط من ميناء إيلات إلى عسقلان، الذي سينقل النفط الاماراتي، يهدد البيئة، في حين امتدحت اتفاق الكهرباء والماء مع الأردن. في المقابل قالت خبيرة في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي إن قضية سوء المناخ عالميا هي قضية أمنية أيضا وليس مدنيّة فقط وبضمن ذلك ما ينعكس على إسرائيل.
وعقدت المؤتمر صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت". وقالت وزيرة الطاقة كارين الهرار في كلمتها: "أريد أن أطمئن بأنه لن تكون أزمة طاقة، فلإسرائيل مخزون طاقة أكثر من حاجاتها، خاصة الغاز الطبيعي، الذي ستستخدمه إسرائيل إلى حين استكمال مشاريع الطاقة المتجددة". وقالت إنها أقامت طاقم مديرين عامين للوزارات ذات الصلة، ليتابع من حين إلى آخر مسار تطور وتقدم مشاريع الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وغيرها.
وتوقفت الوزيرة الهرار في كلمتها عند مشروع مد أنبوب النفط من ميناء إيلات على خليج العقبة، إلى ميناء عسقلان شمالي قطاع غزة، لجر النفط القادم من دول الخليج، لنقله من عسقلان إلى أوروبا، متجاوزا بذلك قناة السويس المصرية. ويلقى هذا المشروع معارضة شديدة لدى الأوساط المهتمة بشؤون البيئة. وقالت الهرار إنه في الأبحاث التي أجرتها في وزارتها تبيّن أن لا فائدة من هذا المشروع، الذي في حال تسبب بضرر بيئي فإن الضرر سيكلف أضعاف أضعاف الفائدة المعلنة منه. وقالت إن الحديث يجري عن مداخيل بقيمة 23 مليون دولار سنويا من هذا الأنبوب، وهذا لا يساوي شيئا أمام الأخطار المحتملة منه. ويشار إلى أن معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أصدر قبل أيام وثيقة دعا فيها إلى تأجيل تنفيذ مشروع أنبوب النفط إياه، لغرض فحص المشروع من جديد، وذلك بسبب الأخطار البيئية المتوقعة منه. وتطرح وثيقة المعهد عدة مبررات لتجميد الاتفاق، منها التخوف من إلحاق الضرر من جانب إيران أو غزة بناقلات النفط التي سترسو بشكل دائم في البحر الأحمر بدون حماية، والخطر على منشآت تحلية المياه التي تضمن توفير مياه الشرب في إسرائيل، وغياب إجراء إداري حكومي سليم قبل المصادقة على الاتفاق، والمس بالعلاقات الخارجية لإسرائيل مع مصر.
ولكن الهرار ترى أن الاتفاق مع الأردن، الكهرباء مقابل المياه، جيد بما لا يقاس، فليس لدى إسرائيل مساحات مفتوحة بالقدر الكافي، بينما للأردن توجد مساحات كهذه، ولهذا ستقام هناك محطة طاقة شمسية ضخمة، وسيتم نقل الكهرباء لمنطقة القدس. وفي المقابل فإن الأردن يعاني من نقص جدي بالمياه، وإسرائيل ستعمل على تحلية المياه وتزويدها للأردن.
إسرائيل تستفيد من أزمة الطاقة العالمية
وقال يوسي آفو، المدير العام لشركة "ديلك كيدوحيم"، أكبر الشركات الإسرائيلية المحتكرة لحقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، إن إسرائيل لم تتضرر من أزمة الطاقة العالمية، لا بل هي تستفيد منها، فإذا العالم يشهد أزمة طاقة ودول كبيرة مثل ألمانيا اضطرت لوقف قطاعات صناعية، فإن قطاع الصناعات الإسرائيلي يشهد استقرارا من حيث أسعار الطاقة لديه، بفعل أسعار الغاز.
وانضم إلى آفو في تقديره بشأن الاستفادة من أزمة الطاقة العالمية، مدير عام شركة الكهرباء الحكومية، عوفر بلوخ، الذي قال في المؤتمر إنه لا يرى أزمة طاقة في إسرائيل، فالأزمة في أوروبا هي على مستوى الاستهلاك العادي، وارتفاع أسعار الوقود للجمهور بنسبة 17%، إلا أن هذه تبقى أزمة مؤقتة، حتى تمر تبعات أزمة كورونا.
يشار هنا إلى أن إحدى المفارقات في قطاع الطاقة الإسرائيلي هي اتفاقية بيع الغاز من الحقول التي تسيطر عليها إسرائيل في البحر الأبيض المتوسط لشركة الكهرباء الإسرائيلية الحكومية، بموجب الاتفاق الذي تم التوقيع عليه منذ العام 2012. وعلى الرغم من الضجة التي أثيرت حول هذه القضية، وكيف أنه من الممكن أن يباع الغاز من الحقول الإسرائيلية أعلى من معدل أسعار الغاز في الأسواق العالمية، إلا أن شيئا لم يتغير، حتى الأيام الأخيرة، إذ أعلن في الأسبوع الماضي عن الاقتراب من التوصل إلى اتفاق جديد يعدّل الاتفاق القائم، ولكن ليس كله لصالح شركة الكهرباء الإسرائيلية. وبموجب الاتفاق، فإن شركة الكهرباء الإسرائيلية ستحصل على تخفيض بنسبة 28% على السعر الذي تدفعه حاليا، وبشكل تدريجي في غضون العامين المقبلين، وكان من المفروض أن ينخفض السعر من 6.3 دولار للوحدة الحرارية، إلى 4.6 دولار. ولكن لاحقا قيل إن الشركات المسيطرة على حقل "تمار" تريد احتسابا آخر للتضخم المالي في الولايات المتحدة، بشكل من شأنه أن يرفع سعر الوحدة إلى 4.9 دولار. ويبقى هذا أعلى من الأسعار في الأسواق العالمية، فعلى سبيل المثال، بلغ سعر الغاز في أوروبا في شهر تشرين الثاني الماضي 3.9 دولار للوحة الحرارية.
وحسب تقديرات محللين إسرائيليين، فإنه ليس واضحا ما إذا ستبادر شركة الكهرباء لخفض سعر الكهرباء على المستهلكين، خاصة وأنه من المتوقع أن يرتفع في المستقبل القريب سعر الكهرباء للبيوت، بعد قرار أولي في وزارتي المالية والطاقة بإعادة حساب سعر الكهرباء في أوقات الضغط، فبدلا من أن يكون في ساعات النهار، وتدفع ثمن الكهرباء العالي الشركات، فإن ساعات الضغط سيتم احتسابها في ساعات المساء، من الخامسة وحتى العاشرة ليلا، بادعاء أنه مع عودة العائلات إلى بيوتها مساء يرتفع سعار الكهرباء. ولكن حتى الآن ليس واضحا كيف سينعكس هذا على فاتورة الكهرباء البيتية.
تراجع سريع نسبيا في استخدام النفط
وانشغل المؤتمر في مسألة حجم استخدام النفط والوقود التقليدي في إسرائيل، ورأى خبراء أن وتيرة تراجع استخدام هذا الوقود في إسرائيل أسرع من المتوقع. ويقول مدير عام معامل تصفية البترول في خليج حيفا، موشيه كابلينسكي، إنه يتفهم التخوفات من استمرار وجود معامل تصفية البترول في خليج حيفا، ولكن من غير المجدي وقف معامل البترول في الخليج ونقلها إلى مناطق أخرى. وفي المقابل رأى كابلينسكي أن الهدف الذي وضعه رئيس الحكومة الحالية نفتالي بينيت للانتقال إلى "طاقة خضراء" كليا حتى العام 2050، يجب أن تكون له خطط مدروسة قابلة للتطبيق، فالعمل لتطبيق الهدف سيتم وفقا للظروف.
ويرى كابلينسكي أن تزايد السيارات العاملة على الكهرباء يتم بوتيرة جيدة في إسرائيل، ولكن ما زال عددها قليلا مقارنة بالسيارات التي ما تزال تستخدم البنزين، وسيحتاج الأمر لسنوات حتى يتم التخلص من السيارات التي تستخدم الوقود التقليدي.
ويقول د. عميت مور، مدير عام لإحدى شركات الاستشارة الاقتصادية والاستراتيجية، إن إسرائيل كسرت رقما قياسيا عالميا في وتيرة التخلص من الفحم لاستخراج الطاقة. وبحسب مور، لم تكن دولة أخرى مثل إسرائيل تخلصت بهذه السرعة من استخدام الفحم في توليد الكهرباء، وهذا بفضل استخدام الغاز الطبيعي.
وقال مور إن العالم أدمن منذ مئة عام على النفط في تحريك السيارات، وفي الظروف الناشئة عالميا، فإن وتيرة الاستغناء عن النفط للسيارات في إسرائيل ستكون أسرع مما نعتقد، ورغم ذلك فإن هذا الهدف يحتاج لوقت ليس قليلا.
"أزمة المناخ هي قضية أمنية كبرى"!
خصّص مؤتمر الطاقة لصحيفة "كالكاليست" أيضا جلسة للمناخ نظرا لانعكاسات استخراج مواد الطاقة وتوليدها على المناخ.
وتقول الدكتورة شيرا عفرون، باحثة أولى في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إنه "على الرغم مما يُعتقد عموما بأن أزمة المناخ هي قضية اقتصادية- مدنية، إلا أنها أيضا قضية أمنية كبرى". وقالت إنه "في تقرير صادر عن البنتاغون، تعد أزمة المناخ من أكبر التهديدات للدول النامية، بادعاء أن سوء المناخ يزيد من تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة، ويزيد من متوسط درجة الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر، ما يخلق ظروف عدم استقرار في الدول، مواتية لعمل هيئات مثل المنظمات الإرهابية". وتابعت أن أزمة المناخ تؤثر أيضا على "قدرات الأجهزة الأمنية على تنفيذ عملياتها، فهي مطالبة بتنفيذ المزيد من المهام المدنية، كما رأينا في أزمة كورونا، كما أنها تؤثر على الجنود أنفسهم. فقد يبدو الحديث وكأنه افتراضي، فلا أحد يقول إن سوء المناخ هو الذي يتسبب بتفكك البلدان، ولكن كل التغييرات في البلدان المختلفة، ستساهم في تفاقم الأزمات الداخلية".
على سبيل المثال، وفقا للدكتورة عفرون، "هناك العديد من المشاكل في سورية. وبالنظر إلى الوراء اليوم، يمكن ملاحظة أن الحرب الأهلية اندلعت هناك بعد هجرة مليوني مزارع سوري إلى المدن بسبب نقص المياه. وزادت الهجرة من حدة التوترات، التي أدت في النهاية إلى اندلاع الحرب. والجبهة الإيرانية على الحدود الشمالية مع سورية ما كانت لتكون لولا هذه الحرب". وأشارت إلى أنه "في شهر آذار 2009، حذرت الأمم المتحدة في تقاريرها من أن سورية على وشك الانهيار نتيجة للجفاف. كما تقول التقارير إنه في السنوات العشر الأخيرة كان في العالم 10.5 مليون مهاجر بسبب الأوضاع المناخية، وحتى العام 2050 سيرتفع العدد إلى 500 مليون مهاجر".
ووفقا للدكتورة عفرون، يُطلق على الشرق الأوسط لقب "مناخ ساخن"، وهذا ليس بسبب الإيرانيين، بل بسبب الجغرافيا. و"نحن نتحدث عن ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجة ونصف الدرجة في العالم، في حين أنه في حالتنا ترتفع بـ 6 درجات. كل بلد في منطقتنا يتأثر بشكل مختلف. الأردن، الذي وقعت معه وزيرة الطاقة الإسرائيلية مذكرة تفاهم مهمة بشأن المياه مقابل الكهرباء، هي الدولة العاشرة في أسفل اللائحة العالمية من حيث كمية الأمطار فيها. وتعد عمليات نقل المياه من إسرائيل إلى الأردن ضرورية ولكنها غير كافية. في إيران، قمع النظام المظاهرات العنيفة في نهاية الأسبوع الماضي وكانت تلك مظاهرات بسبب نقص المياه. فلو كانت إيران دولة فاعلة لما كانت لديها مشكلة مياه".
وبموجب عفرون فإن الأزمة "لا تؤثر فقط على البلدان الفقيرة والضعيفة. فقد تكون الدول الصديقة الجديدة لإسرائيل، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين، غير قائمة حتى العام 2050، إذا ما بلغت درجة الحرارة فيها 70 درجة مئوية. وبحلول العام 2030، قد تكون مصر في وضع مشابه لسورية. فارتفاع أسعار المياه، والفيضان المتوقع لمنطقة الدلتا من شأنه أن يدفع بالملايين للهجرة نحو الشمال، وأيضا في اتجاه إسرائيل ما يزعزع استقرار هذه الدولة الهامة (مصر)".
وأشارت إلى أن "أزمة المناخ تقوّض قدرة الجيوش على الدفاع عن الحدود وحماية البلاد. وأزمة المناخ باتت تؤثر منذ الآن على القواعد والبنى التحتية وما شابه. وألحقت أضرارا بعشرات الملايين من الشواكل بالطائرات الحربية الإسرائيلية بفعل فيضانات في قاعدة حتسور في العام الماضي. وفي الولايات المتحدة، فحص البنتاغون 3500 منشأة أمنية، ووجد أن 1740 منها معرضة لأزمة المناخ. ونعلم أيضا أن الحرارة تؤثر على أنظمة الطائرات، ويجب تبريد الطائرات قبل الإقلاع. وهذا يحدث في الكويت والبحرين وأريزونا، ولا يوجد أي سبب لمنع هذا عندنا هنا (إسرائيل)". وتقول عفرون "إن موجات حر 50 درجة مئوية قد تؤثر أيضا على جاهزية الجنود". وشددت على أن مقولة أن التغيرات المناخية هي أيضا تهديد للأمن القومي ليست أمرا جديدا، فقد ذكرت لأول مرّة في وثائق أميركية في فترة حكم الرئيس نيكسون، حينما ساد قلق من ذوبان الجليد.
وختمت بالقول: "للمرة الأولى أنا متفائلة، فلقد تم بالفعل تنفيذ بعض توصياتنا. وحقيقة أنهم أدركوا المشكلة هي خبر جيد، والآن يبدأ العمل الجاد لأننا بحاجة إلى البدء في تنفيذ الالتزامات"!