المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
ملصق المسلسل.
ملصق المسلسل.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 2891
  • تسنيم القاضي

مسلسل "أوتونوميوت" هو مسلسل تلفزيوني إسرائيلي (عمل ديستوبي قصير) يحكي أحداث قصة درامية مشوّقة تدور في واقع افتراضي لما قد يؤول إليه المجتمع الإسرائيلي في حال تفاقم الصراع الديني- العلماني داخل الدولة. يتكون المسلسل من ست حلقات وموسم واحد، وهو من تأليف كل من أوري إيلون ويهونتان إندورسكي (مؤلفا مسلسل "آل شتيسيل" الشهير المعروض على منصة البث "نتفليكس")، وإخراج يهونتان إندورسكي، وإنتاج "كيشت" Keshet Broadcasting، وقد تم عرضه على القناة الإسرائيلية المحلية Hot3 في العام 2018.

المسلسل عبارة عن عمل درامي قيامي، باللغتين العبرية والييدشية، يُحاكي أدب النهايات أو الديستوبيا، تدور أحداثه في عالم ما بعد "الحرب الأهلية الإسرائيلية"، على افتراض حدوثها في العام 1989، بحيث تعود الأحداث لتتأزم بسبب معركة انتزاع حضانة طفلة حريدية تعيش مع أسرة علمانية بسبب خطأ وقع في المستشفى عند ولادتها، وتتفجّر الأحداث بعد اختطاف الطفلة بأمر من الحاخام الأكبر. يصف الحاخام الحريدي الأكبر عملية انفصال "الأوتونوميا" عن الدولة العلمانية بأنها مكافأة من الرب، فيقول مخاطباً مجموعة من الحاخامات في الدقائق الأولى من بداية المسلسل: "أخيراً كافأنا الرب بالعيش كل هذه السنوات وفقاً للطريق المستقيم، ووفقاً للتوراة الصحيحة، ودون الحاجة إلى خيرات الصهاينة..". ويُتابع: "ممنوع علينا أن ننسى لماذا خرجنا للحرب قبل 30 سنة، ولماذا تم قتل 13 شابا وفتى حريديا في التظاهرات الكبيرة..".، كما يصف "الأوتونوميا" بأنها سفينة نوح في زمن أصعب طوفان روحي مرَّ على شعب إسرائيل، ويختم كلمته بأن الوحدة مع الصهاينة مستحيلة. وتظهر العبارة التالية، كإشارة "تحذيرية" مع بداية كل حلقة: "تطورت الأمور بشكل مختلف، مزّقت حربٌ أهلية دولة إسرائيل إلى قسمين: دولة علمانية عاصمتها تل أبيب، وحكم ذاتي حريدي- "أوتونوميا"- عاصمته القدس".

يضع هذا الخطاب المشاهد في جوٍّ من التأهّب، لمتابعة علاقة غير مسبوقة بين طرفين لا يُمكن تجاهل الصراع بينهما على أرض الواقع، لا سيّما فيما يتعلق بموضوع الجيش وتجنيد المتدينين في صفوفه. ويتضّح لاحقاً من خلال الأحداث أن قرار التجنيد الإجباري للحريديم في صفوف الجيش الإسرائيلي، وفرض المنهاج الإسرائيلي "العلماني" في المعاهد الدينية- "الييشيفوت"، كانا السبب الرئيس لإشعال الشارع بمظاهرات تطوّرت بشكل عنيف أدّى إلى سقوط العديد من القتلى، وانتهت بانفصال الحريديم عن الدولة الصهيونية العلمانية، وإنشاء منطقة "حكم ذاتي" خاصة بهم عاصمتها القدس، مُحاطة بجدار يفصلها عن الدولة العلمانية، ويشترط الدخول والخروج منها الحصول على إذن خاص- "تصريح"، والخضوع إلى تفتيش دقيق.

عن الديستوبيا: من الأدب إلى الأعمال السينمائية/ التلفزيونية

يُشير أنطوان شلحت بأنه يُمكن اعتبار بداية ثمانينيات القرن العشرين بمثابة فترة بدايات "أدب النهايات الإسرائيلي"،

أنطوان شلحت، "أدب النهايات الإسرائيلي- البدايات والصيرورة"، قضايا إسرائيلية، عدد 60 (2015).ففي مقالته المنشورة في العدد 60 من مجلة "قضايا إسرائيلية"، ضمن المحور الخاص بالتيارات الجديدة في الأدب الإسرائيلي، يرى في مفهوم "الديستوبيا" أو "أدب النهايات" مفهوماً مُعاكساً لفكرة اليوتوبيا؛ أي السيء الكئيب بما فيه من فقرٍ وظلم، كما يُستخدم عادةً للإشارة إلى مجتمعٍ وهميّ موجود غالباً في بيئة مستقبلية سيئة؛ حيث يأتي الأدب الديستوبي مُعاكساً للأدب الطوباوي الذي ميّز الأدب المُرافق لنشوء الحركة الصهيونية، وعزّز أهدافها الكولونيالية في فلسطين. يتنبّأ هذا الأدب عادةً بنهاية مأساوية مُفجعة لدولة إسرائيل، إما بسبب التطرّف الديني كما في رواية "فندق يرمياهو" لبنيامين تموز (1984)، ورواية "الملائكة قادمون" لإسحاق بن نير (1987)، و"الثالث" ليشاي سريد (2015)؛ أو بسبب السلطة العسكرية وبطشها كما في رواية "الطريق إلى عين حارود" لعاموس كينان (1984)، أو بسبب الحروب بين اليمين واليسار كما في رواية "بعد المطر" لإسحاق بن نير (1979)، ورواية "2023" ليغئال سارنا (2014) التي تتنبّأ بإسرائيل فارغة يعمّها الخراب. كما يُمكن تصنيف بعض الأعمال السينمائية بالديستوبية مثل فيلم جيروزاليم JeruZalem (2015). مرح خليفة، ونبيه بشير. "النهايات: الهوس القيامي الألفي لديتر تسمرلنغ"، قضايا إسرائيلية، عدد 63 (2016).

تحاول روايات "أدب النهايات"، التي تُساءل الواقع السياسي الإسرائيلي، أن تُدخل لهجة العتاب والمحاسبة لحوارها وبنيتها الأدبية؛ فيتوقف بعضها عند ماهية الصهيونية فكراً وممارسة، فيما يأتي بعضها الآخر على شكلٍ نقيض لليوتوبيا نفسها، ويُقدم نقداً لصهيونية الأدب اليوتوبي. لكن مسلسل "أوتونوميوت"، باعتباره امتداداً لهذه الظاهر الأدبية في السينما والتلفزيون، لا يحاول خلق نقاش حول طبيعة الحياة السياسية الإسرائيلية أو حال الصهيونية في الوقت الراهن، ولا يتناول الصراع الديني- العلماني بطريقة عرض وجهتي النظر المتناحرتين، من خلال تفنيدهما أو التقريب بينهما. وحتى إن عَرض المسلسل انقسام الدولة الصهيونية وتفكّكها نتيجة للصراع الأيديولوجي، وتورّط الأذرع الرسمية للدولة في أعمال العنف، إضافة إلى تعنّتها وغطرستها؛ فإن هذا لا ينفي حقيقة تناول الإشكالية الأساسية للمسلسل بشيءٍ من التسطيح، من خلال اختصار "النهج الحريدي" في شخص الحاخام الأكبر، وفي جعل "مجتمع الأوتونوميا" وشخوصه مسرحاً منفرداً للأحداث؛ انعكاساً لها؛ ومصدراً للحوارات التي تكشف عن هشاشته، وتعرّي تناقضاته.

عن منطقة الحكم الذاتي الحريدي: "الأوتونوميا"

تظهر الدولة العلمانية ومنطقة الحكم الذاتي الحريدي وكأنهما عالمان مختلفان، ويبدو التنقّل بينهما وكأنه مرور عبر الزمن؛ تعيش الدولة العلمانية في "طبيعية" مُفرطة، وحداثة ملحوظة، يُعبّر عنها حضور اللون الأبيض بشكل صارخ داخل ديكور المنازل، وفي ثيمات مؤسسات الدولة الرسمية ومرافقها. ومجرّد الانتقال إلى "الأوتونوميا" الحريدية كفيل بتنبيه حواس المشاهد إلى كثير من العناصر غير المألوفة، أو المألوفة في سياقها الطبيعي، وأقصد هنا تفاصيل حياة اليهود المتدينين "الألترا أرثوذوكس"؛ شوارع عتيقة ذات إضاءة خافتة ليلاً، بيوت قديمة تحوي الحدّ الأدنى من الأثاث المتواضع جداً والذي يبدو كأنّه أحد الناجين من الحرب الأهلية نفسها، كلّ شيء لونه محايد؛ ورق الجدران، ملابس الأطفال، وأواني المطبخ، والطعام، الوقت في الأوتونوميا أيضاً يبدو مُحايداً كما وجوه ساكنيها. تترافق هذه العناصر مع مشهد الجدار الذي يُحيط بمنطقة الحكم الذاتي، جدارٌ عالٍ، تتقدّمه بوابة تفتيش تُنظّم عملية الدخول والخروج منها، وتحاول الحفاظ عليها خالية من "التدنيس" العلماني، ومن أي شائبة قد تشوّه حريدية المكان ويهوديّته الخالصة. يبدو هذا الجدار وكأنه إعادة إنتاج للغيتو كمنطقة آمنة؛ يُمكن لليهودي فيها أن يكون نفسه، وأن يعيش كما تُملي عليه شريعة التوراة.

كل هذا قد يبدو طبيعياً عند تصوير نمط حياة اليهود المتشدّدين، فالبساطة في العيش والتخلّي عن أي مظهر من مظاهر الحياة العصرية هو ما يميّز نمط حياتهم الزاهد. ولكن المثير للاهتمام هنا هو استخدام عدسة التصوير الصفراء/ الفلتر الأصفر الذي درج استخدامه في أفلام هوليوود، ونتفليكس لاحقاً، عند التصوير في مناطق الشرق الأوسط وبلدان "العالم الثالث". يُعطي هذا المؤثر التصويري انطباعاً غير صحي عن المكان، ويُضيف لمسة من القذارة والبدائية للمشهد، على اعتبار أنه مُصوّر في بلدان خطيرة تنتشر فيها الجرائم والأوبئة، ويعكس استخدامه حالة من التنميط، واعترافاً ضمنياً بتخلّف ورجعية اليهودي الحريدي المتشدّد.
ويمكن القول إن العمل لا يُحاول أن يصوّر الأوتونوميا بشكلٍ موضوعيّ، ويبدو الحكم الأخلاقي المسبق فيه واضحاً من الحلقة الأولى للمسلسل.

مجتمع "الأوتونوميا" كمجتمع مأزوم
يعمل "برويدا"، إحدى الشخصيات الرئيسة في المسلسل، في تهريب المواد الممنوعة من الدخول إلى "الأوتونوميا"؛ كالأفلام والكتب ولحم الخنزير وغيرها، وهو الشخص المسؤول عن نقل جثث الموتى الذين يرغب ذووهم أو أولئك الذين أفصحوا قبل موتهم عن رغبتهم في أن يتم دفنهم بحسب الشريعة اليهودية وفي المقابر المقدّسة. ينقل "برويدا" المواد "الحرام" المُهرّبة في توابيت الموتى وتحت جثثهم، ويقوم بتوزيعها بمشهد لا يخلو من السخرية من تعاليم الشريعة اليهودية التي تُحرّم قصص الأطفال، والهواتف الذكية، وكتب الفلسفة التي يطلبها، بشكل سرّي، الحاخام الأكبر صاحب السلطة العليا في الأوتونوميا.

تبدو الشخوص الرئيسة في الأوتونوميا مُثقلة بذاكرة الحرب الأهلية، ولكنها غير مُتصالحة مع الحال الذي وصلت إليه، وهذا يدفعها لمساءلة قرار الانفصال وجدوى الاستمرار فيه؛ حيث يُبرز مخرجا المسلسل هذا الوضع المأزوم من خلال طرح النقاشات المتعلّقة بالأزمة الاقتصادية في منطقة الحكم الذاتي بشكلٍ مستمر، إضافة إلى التركيز على التناقضات ومشاكل الفساد، والصراع بين الرغبة في التمسّك بتعاليم الشريعة اليهودية التي تُعدّ قانوناً إلزامياً، وبين عدم القدرة على كبح جِماح الرغبات البشرية البدائية؛ كقراءة بعض الكتب، أو سماع أنواع معيّنة من الموسيقى الممنوعة. ولا يخلو الأمر من تصوير الحكم في الأوتونوميا كحُكم فاسد، يستخدم السلطة لأهداف سياسية وشخصية، ويدفع بالنظام القائم إلى الانهيار شيئاً فشيئاً.

العودة إلى النهاية من جديد

هل يشير المسلسل إلى أي تهديد وجودي؟ ليس تماماً؛ فالدولة الصهيونية استطاعت أن تُدير الأمور بشكلٍ جيد حتى بعد انفصال الحريديم، ويبدو أنها توصّلت إلى صيغة إدارية يُمكن من خلالها إدارة العلاقات المشتركة بينها وبين الأوتونوميا، وأبقَتْ موضوع إعادة الضمّ مطروحاً وقيد النقاش، كما أنها لم تُبدِ أي تردّد في العودة لقرار التجنيد الإجباري فور إعادة ضمّ الأوتونوميا ممّا يوحي بحزم في الرؤية والقرار. أما فيما يتعلق بالفلسطينيين، فقد تم تجاوز وجودهم بشكلٍ شبه كامل، ولم يتم الحديث عنهم إلّا عندما احتاج "برويدا" إلى المُساعدة لعبور الحدود البريّة للأردن، حيث اضطر إلى الاستعانة بأحد الفلسطينيين من "منطقة الحكم الذاتي الفلسطيني"، والتي بدتْ على حالها مُحاطة بالجدار العازل والحواجز العسكرية، ومُغطّاة بأعلام الفصائل الفلسطينية، ولم يتم الحديث عن أي تهديد قد يُشكّله الفلسطينيون، ولا عن أي شكل من أشكال "الصراع" معهم. وأعتقد هنا أن تجاوز وجود الفلسطيني ما هو إلا تعبير عن القلق ولكن بصورة أخرى؛ فكيف يُمكن احتمال سيناريو يحمل حرباً أهلية إسرائيلية دامية، وحرباً يشنّها الفلسطينيون في الوقت ذاته، إن هذا أسوأ ممّا يريد كاتبا المسلسل ومخرجه تصويره.

الغريب فعلاً هو عدم تطرق المسلسل إلى تيار الحردليم (التيار الديني القومي)؛ وهم يهود متديّنون يُشبهون الحريديم في تشدّدهم، ومع ذلك فهم يحملون وجهة نظر صهيونية تماماً؛ إذ يلتحقون بالخدمة العسكرية في الجيش، ولهم مُساهمات عدّة في خدمة الدولة والمجتمع الإسرائيليين، ويرون في الدولة الإسرائيلية قيمة دينية. يتجاهل المسلسل وجودهم بشكل كامل، على الرغم من بروزهم في السنوات الأخيرة على المستوى القومي الإسرائيلي.للمزيد حول الحردليم أنظر/ي: مدار، "الحردليِّة، تاريخ، أيديولوجيا وحضور": كتاب جديد يتناول أكثر المجموعات راديكاليةً في مجتمع المتشددين الدينيين- القوميين اليهود، المشهد الإسرائيلي، 14.12.2020، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، https://bit.ly/2WAcpBK. بشكل عام، المسلسل لا يأتي على ذِكر أي من التيارات الحريدية المختلفة، للمزيد حول التيارات الحريدية يمكن العودة لتقرير خاص أعده مركز مدار بعنوان: "اليهود الحريديم خلفيتهم وتياراتهم ومواقفهم الدينية والدنيويـة"، تقارير خاصة، 23.04.2012، https://bit.ly/3mOkFZO. ويصوّر الحريدية كأنها كتلة واحدة. لكن، قد يغفر للمسلسل تجاوزه للحردليم وغيرهم من التيارات الدينية انتماؤه لدراما الخيال، ومحاولته إضافة سوداوية تخدم حبكة النص، من خلال توفير العوامل الملائمة لخلق تجاذب علماني ديني حقيقي، يمكنه فعلاً أن يؤدي إلى حرب أهلية تكون نتائجها بهذا التطرّف.

"الخلاص" وإعادة إنتاج المنفى

يُعيد هذا العمل الدرامي الذي يقع ضمن "دراما النهايات" أو أعمال الديستوبيا، إنتاج النهاية مرة أخرى بدلاً من التوقّف عندها أو إيجاد مخرج يمنع حدوثها أو يُصحّح مسارها، ويحاول سرد قصة نهاية أسطورة إسرائيل كدولة "يهودية وديمقراطية"، أو عكسها من خلال تسارع الأحداث الدرامية والشيّقة، أو محوها في لحظة إعادة ضمّ الأوتونوميا. إلّا أن المشهد الأخير للمسلسل يبدو وكأنه وقوع بالفخ من جديد، وكأن الصراع العلماني- الديني صراع لا نهاية له، ولن ينتهي إلّا إن ابتلع نفسه ومعه إسرائيل كدولة، أو اليهود كشعب، أو الصهيونية كفكرة.

في اللحظة التي تتأزّم فيها أحداث المسلسل إلى حدّ يقترب من نهاية الأوتونوميا، بعد تصويت مجلس الحاخامات لصالح إعادة الانضمام للدولة العلمانية من جديد، يتّخذ الحاخام الأكبر قراراً صادما "بالعودة" إلى مدينة "كريتس" الأوكرانية ليحمي يهوديته من التدنيس. يبدو قراره هذا، قراراً خلاصياً ذا طابع فردي، أو بعبارة أخرى إنه يُعيد موضعة "توراة إسرائيل" لتصبح رأس الهرم الخلاصي يليها الانسان اليهودي/ الفرد اليهودي ثم الأرض. وهو بذلك يزيح المكانة التي منحها المشروع الصهيوني (كمشروع خلاصي) لـ "أرض إسرائيل" التي اكتسبت أهمية إضافية بعد احتلال فلسطين بشكل كامل في العام 1967، بحيث أصبحت فكرة "أرض إسرائيل" أقرب للحقيقة والواقع. وتبدو إسرائيل في المشهد الأخير من المسلسل وكأنها كارثة أخرى يهرب منها اليهودي الحريدي إلى الشتات.

ينتهي المسلسل بإعادة ضمّ الأوتونوميا للدولة العلمانية من جديد، وقيام الشرطة العسكرية بتأمين تجنيد 40 ألف حريدي كخطوة أولية للضم، وفي عودة لمشاهد العنف مرة أخرى، بالتزامن مع خلفية صوتية لبيان رسمي يتوعّد الحريديم بمواجهتهم بحزم، من أجل "إصلاح الخطأ التاريخي الذي تحمّل فيه المجتمع العلماني عبئهم كـأقلية"، متوعداً باستخدام القوة لإجبارهم على الانضمام للجيش، وأنه لن يكون أمامهم أي خيار آخر هذه المرة.

في "أوتونوميوت" يخشى اليهودي من نفسه، ومن ذاته ما قبل الصهيونية، ولذلك، تأتي النهاية على شكل عودة للمنفى، أو محاولة نفي/ محو اليهودي الحريدي، المتديّن المُنغلق والضعيف، الذي يخشى الصهيوني العلماني من العودة إليه. الأوتونوميا هنا وما تحمله من تناقضات، سواءً على صعيد شخصية اليهودي الحريدي المأزومة بشكل واضح، أو على صعيد نمط الحياة "الغيتوي"، هي أسوأ سيناريو قيامي قد يُصيب المشروع الصهيوني، بالمقابل فإن إجبار اليهودي الحريدي على التخلّي عن "يهوديته" لصالح المشروع الصهيوني هو أسوأ ما قد يصيبه، وبهذا يختار الحريدي المنفى خلاصاً له، وتمضي الدولة الصهيونية في إلغاء اليهودي الحريدي، باعتباره انعكاساً للمنفى، ومعيقاً لاستمرار المشروع الصهيوني، وبذا يكون خلاصها.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات