المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تظاهرة مطالبة باستقالة نتنياهو أمام مقر إقامته، يوم 29 كانون الثاني الماضي.  (أ.ف.ب)
تظاهرة مطالبة باستقالة نتنياهو أمام مقر إقامته، يوم 29 كانون الثاني الماضي. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 982
  • برهوم جرايسي

تستقبل لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية، يومي الأربعاء والخميس المقبلين، 3 و4 شباط الجاري، قوائم المرشحين للانتخابات، لتعلن بدء السباق الفعلي نحو يوم الانتخابات في 23 آذار المقبل، وسط قلق متفاقم لدى الأحزاب، من تأثير انتشار كورونا، خاصة على نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع، وكذا تأثير الأوضاع الاقتصادية على نتائج الانتخابات.

وحتى مطلع الأسبوع الجاري، ما تزال مسألة التحالفات معلّقة في كثير من أطراف الخارطة السياسية، إن كان في أقصى اليمين الاستيطاني المتطرف، أو في ما يسمى "الوسط- يسار"، وكذا بالنسبة للقائمة المشتركة، التي قد يُحسم مصيرها نهائيا، في اليوم الثاني لتقديم القوائم الانتخابية، رغم ما يظهر من مؤشرات كبيرة، على أن الفلسطينيين في إسرائيل سيخوضون الانتخابات ضمن قائمتين مركزيتين، وحتى تركيبة هاتين القائمتين ما زالت معلقة.

وستجري الحملة الانتخابية، من جهة، ويوم التصويت من جهة أخرى، في ظروف غير مسبوقة، ولم ترد في بال أي من القوى السياسية، حتى القديمة والأقدم منها، بسبب الظروف الصحية، التي ستقيّد الحركة والأشكال التقليدية للتواصل مع جمهور الناخبين ميدانيا، رغم أنه حتى مطلع الأسبوع الجاري، تلقى نحو 3 ملايين نسمة الوجبة الثانية من التطعيمات، ولربما حتى يوم الانتخابات يكون العدد قد تضاعف.

وبحسب التقارير الصحية، فإن الذين تلقوا التطعيمات هم في جيل ذوي حق الاقتراع، ونسبة هامشية منهم، هم ممن دون سن 18 عاما. ولكن ليس واضحا كيف سيكون الوضع الصحي بعد 51 يوما من الآن، إذ أن الخبراء الإسرائيليين لا يعرفون بالضبط مدى فاعلية التطعيم، مع التحوّرات المتزايدة لفيروس كورونا.

ففي نهاية الأسبوع الماضي، قال خبراء كبار، أعضاء في مجلس خبراء مكافحة كورونا، الذي يقدم المشورة للحكومة الإسرائيلية، إن 70% من الإصابات في الأسابيع الأخيرة، هي من التحوّر البريطاني، الأسرع انتشارا، وهو ما رفع وتيرة الإصابات وعدد متلقي العلاج في المستشفيات، وأيضا أعداد الموتى.

وفي حال استمر انتشار الفيروس، فإن هذا سينعكس على نسبة التصويت، ولكن ليس في كافة القطاعات، إذ أن الجمهور العقائدي سيتوجه لصناديق الاقتراع في كل الأحوال، والحديث بالذات عن جمهور المتدينين المتزمتين، الحريديم، الذين يشكلون قرابة 10% من ذوي حق الاقتراع، ولكن نسبة التصويت بينهم حوالي 92% ما يرفع نسبتهم من بين المقترعين إلى 11.5%.

وأيضا جمهور المتدينين الصهاينة، الذين يشكلون نسبة 12% من ذوي حق الاقتراع، ونسبة التصويت بينهم تتجاوز هي أيضا نسبة 90%، بعد احتساب المصوتين منهم، خارج أماكن سكناهم. وفي المقابل، فإن نسبة تصويت اليهود في باقي القطاعات تتراوح ما بين 65% في منطقة تل أبيب الكبرى، وحتى 72% في مناطق أخرى.

أما لدى العرب، فمن المتوقع أن تنخفض نسبة التصويت، من 63% في آذار 2020، إلى حدود 55%، وفق استطلاعات متفرقة، وهذا تحت تأثير كورونا، وأيضا في حال لم تلتئم القائمة المشتركة من جديد، ما سيبقي جمهورا من العرب في بيوتهم.

وفي المشهد الحزبي، فإن بنيامين نتنياهو يواصل ضغوطه على أحزاب اليمين الاستيطاني المتطرفة، المنتشرة في التيار الديني الصهيوني، كي توحد أحزابها، منعا لحرق عشرات آلاف الأصوات، في حال خاضت الانتخابات متفرقة، والتحالف الأساسي الذي يريده نتنياهو، هو الجمع بين ثلاثة أحزاب تنتشر في التيار الديني الصهيوني، بينها حركة "عوتسما يهوديت" المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة في الكثير من دول العالم، وفي إسرائيل صوريا.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في نهاية الأسبوع الماضي، إن نتنياهو بات يهدد النائب بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب "الصهيونية المتدينة" (التكتل القومي- سابقا)، بأنه إذا لم يبرم تحالفا مع حزب "البيت اليهودي" (المفدال سابقا) وحركة "عوتسما يهوديت"، فإنه سيكثف حملته الانتخابية داخل معسكر التيار الديني الصهيوني، الذي توغل فيه الليكود بشكل قوي منذ العام 2015 ولاحقا.

ويهدف نتنياهو إلى عدم حرق عشرات آلاف الأصوات من اليمين الاستيطاني، وفي ذات الوقت إضعاف قائمة "يمينا" التي يتزعمها نفتالي بينيت، خاصة بعد انشقاق بتسلئيل سموتريتش وحزبه عنها، وكذا بالنسبة لحزب "البيت اليهودي".

وحسب استطلاعات الرأي العام، فإن الأحزاب الثلاثة التي يريد نتنياهو تحالفها في الانتخابات المقبلة، لا تجتاز نسبة الحسم، إذ أن حزب "الصهيونية المتدينة" يحصل على أكثر بقليل من 2%، والبيت اليهودي على 1%، بينما عصابة "عوتسما يهوديت" تحصل على أقل من 1% (0.3%).

وفي المقابل، فإن التخبط تزايد بين أحزاب ما يسمى "الوسط- يسار"، فعدا حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد، وحزب ميرتس، الثابتين في استطلاعات الرأي، فإن كل الأحزاب والقوائم الناشئة إما أن لا أمل لها في اجتياز نسبة الحسم، أو أنها تحوم حولها، وتواجه احتمال عدم اجتيازها، وبضمنها حزب العمل.

وقد أعلنت مصادر في "يوجد مستقبل" أن رئيس الحزب يائير لبيد أوقف كل الاتصالات لضم أحزاب لتحالف يترأسه، ودعا لتحالف الأحزاب الأخرى، وخاصة بين حزب العمل الذي باتت تترأسه النائبة ميراف ميخائيلي، وحزب "الإسرائيليون" الذي أقامه قبل نحو شهرين، رئيس بلدية تل أبيب رون خولدائي، والحزب الذي أقامه النائب عوفر شيلح، المنشق عن "يوجد مستقبل"، الذي لا ذكر له في استطلاعات الرأي.

وكما ذكر سابقا هنا، فإن احتمال استمرارية القائمة المشتركة بتركيبتها الرباعية يتضاءل، ولكنه ما زال قائما، إذ أن "القائمة العربية الموحدة"، الذراع البرلماني للحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي) برئاسة عضو الكنيست منصور عباس، أعلنت عن ضم شخصيات لقائمتها في الانتخابات المقبلة، بينها رئيس بلدية سخنين السابق مازن غنايم، الذي كان مرشحا في انتخابات نيسان 2019، في المقعد الثالث مع حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي خاض يومها الانتخابات بتحالف مع القائمة الموحدة، وحصل التحالف على 4 مقاعد، وكان على حافة نسبة الحسم، إلا أن غنايم لم يتمثل في الكنيست، لكون تدريجه في القائمة كان سادسا.

وعلى صعيد الاستطلاعات، فإنه بعد تقديم قوائم المرشحين، ستبدأ صورة الوضع تتضح أكثر، ولكن اللافت أنه في الأسبوع الماضي واصل حزب "أمل جديد" برئاسة النائب جدعون ساعر، المنشق عن الليكود، تراجعه، فمن أصل 21 مقعدا حصل عليها في اليوم التالي للإعلان عن حزبه، هبط في الأسبوعين قبل الماضي إلى ما بين 15 وحتى 17 مقعدا، أما في استطلاعات نهاية الأسبوع الماضي فقد هبط إلى محيط 13- 15 مقعدا، ولكن هذه النتائج قد تنقلب بعد تقديم القوائم.

الأوضاع الصحية والاقتصادية

تسجل إسرائيل في هذه الأيام، ذروة عالمية في نسبة الذين تلقوا الوجبة الثانية من التطعيمات، ما يلامس 3 ملايين شخص، من أصل 9.2 مليون نسمة، حسب السجل السكاني الإسرائيلي، الذي يشمل قرابة 350 ألف نسمة في القدس الشرقية ومرتفعات الجولان المحتلين. وهذا يعني أكثر من 40% من السكان الواجب تلقيهم التطعيمات، إذ أن 550 ألف شخص أصيبوا بكورونا، لا يتم تطعيمهم، كما أن الأطفال من عمر يوم حتى 16 عاما هم خارج نطاق التطعيمات.

لكن بدلا من أن يقود هذا إلى تراجع حاد في إحصائيات الإصابات اليومية، فقد جاءت النتيجة عكسية، وقد تضاعف عدد الإصابات من معدل 4 آلاف إصابة، حتى الأيام الأولى من شهر كانون الثاني المنصرم، إلى معدل 8 آلاف إصابة في الثلث الأخير من الشهر. وهذا على الرغم من الإغلاق الذي بدأ يوم 27 كانون الأول الماضي، وما زال مستمرا، ولكن كل التقارير تقول إنه عدا اغلاق المطاعم والمحلات التجارية بمعظمها، والمرافق العام، فإن الإغلاق ليس ملموسا.

وأكد مجلس خبراء مكافحة كورونا الإسرائيلي، كما ذكر سابقا، أن 70% من إصابات كورونا في الأسابيع القليلة الأخيرة، ناجمة عن التحوّر البريطاني، سريع الانتشار، بأضعاف كورونا بتحوّره الأول القائم منذ أكثر من عام، وهذا ما رفع أعداد المرضى وأعداد متلقي العلاجات في المستشفيات، وأيضا رفع وتيرة الموت.

ويدعو مجلس الخبراء الذي يقدم المشورة للحكومة، إلى إعادة حسابات مواجهة كورونا في البلاد من حيث الإغلاقات، في الوقت الذي يظهر فيه من تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه لا اتفاق بين كبار الخبراء في مجلسهم، حول جدوى الإغلاق، فهناك من يدعو إلى رفعه وتتبع الحذر، لأن الجمهور ملّ من الوضع القائم وهو يتمرد عليه، ومنهم من يدعو إلى منح فرصة أخرى للإغلاق، لرؤية ما إذا بالإمكان لجم انتشار كورونا.

ويقول رئيس الطاقم الحكومي لمكافحة كورونا، البروفسور نحمان آش، إن التراجع في عدد الإصابات اليومية، يجري ببطء شديد، وبشكل خاص الإصابات الخطرة منها، ما يزيد الضغط على المستشفيات، التي تسجل فيها الأسرّة المشغولة ذروة غير مسبوقة، منذ اندلاع الفيروس في إسرائيل في اليومين الأخيرين من شهر شباط العام الماضي.

وأدى الإغلاق إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وبالدرجة الأولى البطالة، التي سجلت في الشهر الأول من العام الجاري، كانون الثاني المنصرم، ارتفاعا بنسبة 3.5%، وتقدر البطالة حاليا عند نسبة تتجاوز 13%. إذ أنه في الأسابيع الثلاثة الأولى من الشهر الماضي، تم تسجيل 150 ألف عاطل عن العمل جديد في مكاتب التشغيل، 81% منهم تم إخراجهم إلى إجازات ليست مدفوعة الأجر، في حين أن 19% منهم، أي قرابة 30 ألف شخص، تم فصلهم كليا من مكان عملهم.

وحسب تقديرات سابقة، فإنه البطالة تتراوح في العام الجاري، في حال انتهاء انتشار الفيروس، والعودة إلى الحياة الطبيعية، وبالتالي الحياة الاقتصادية والعملية الطبيعية، ما بين 7.5% إلى 8%، وهذا ضعف النسبة التي كانت قائمة عند انتهاء العام قبل الماضي 2019. وتعود هذه النسبة المرتفعة إلى حقيقة أن عدد المصالح التجارية والاقتصادية تراجع في العام 2020 بنحو 40 ألف مصلحة، إذ تم إغلاق نحو 80 ألف مصلحة، وأعيد فتح حوالي 40 ألف مصلحة جديدة.

وحتى الآن، فإن المعطيات الاقتصادية جاءت أقل سوءا من التقديرات، فعلى صعيد التضخم المالي، فقد تراجع في العام الماضي 2020 بنسبة 0.7%، بينما كانت تقديرات بنك إسرائيل تتحدث عن تراجع إجمالي بنسبة 1.2%، إلا أن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في الثلث الأخير من العام الماضي، كان بفعل ارتفاع أسعار المواد الخام عالميا، وأسعار النقل البحري.

كذلك قال تقرير لمحاسب الدولة العام إن حجم الدين العام ارتفع حتى نهاية 2020 إلى نسبة 73%، من حجم الناتج العام، بدلا من نسبة 60% عند نهاية العام 2019. وعلى الرغم من هذا الارتفاع الضخم، الذي يعيد إسرائيل 11 عاما إلى الوراء، إلا أن نسبة الديْن جاءت أقل من تقديرات وزارة المالية وبنك إسرائيل المركزي، إذ قالت تلك التقديرات إن الديْن العام سيقفز عند نهاية 2020 إلى نسبة 78% وحتى 80% من حجم الناتج العام، على أن يبقى عندها في العام الجاري 2020، ويبدأ في التراجع في بحر العام المقبل- 2022.

يشار إلى أن الأزمة الاقتصادية في إسرائيل تدور في ظل عدم وجود ميزانية مقررة للعام الماضي 2020، ولا للعام الجاري 2021، وستكون هذه الميزانية المزدوجة من أولى مهمات الحكومة الجديدة التي ستتشكل بعد الانتخابات القريبة، ومعهما ستكون التحضيرات لميزانية العام المقبل- 2022.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات