قال رئيس الوكالة اليهودية (الصهيونية) إسحاق هيرتسوغ إنه يأمل في استقدام لا أقل من 250 ألف أميركي يهودي إلى إسرائيل في غضون سنوات قليلة، على خلفية أزمة تفشي فيروس كورونا، وتكشف ضعف الجهاز الطبي والمنالية الصحية هناك. ولكن هناك من يبرّد حماسة هيرتسوغ، التي تظهر بعد سنوات قليلة من فشل ذريع للوكالة اليهودية وإسرائيل في استقدام مئات آلاف الفرنسيين اليهود، على خلفية سلسلة عمليات استهدفت مؤسسات يهودية وافرادا، إذ وصل من فرنسا في السنوات الثماني الماضي حوالي 28 ألف نسمة، وليس مضمونا أن جميعهم بقوا في إسرائيل.
وعادة ما تستغل إسرائيل الأوضاع الداخلية في أوطان اليهود، ولكنها لم تنجح إلا في الدول التي تعيش أزمات اقتصادية، أو أن الجمهور اليهودي فيها يعيش في ظل أوضاع اقتصادية تقل عن مستوى المعيشي القائم في إسرائيل، كما هي حال الدول المتفككة عن الاتحاد السوفييتي السابق في مطلع سنوات التسعين ولاحقا. ولكن الحركة الصهيونية لا تنجح في استقدام أبناء الديانة اليهودية من الدول المتطورة، إذ حسب تقارير تظهر تباعا، فإن 90% من اليهود في العالم يعيشون في أوطان مستوى المعيشي فيها أعلى مما هو في إسرائيل، إضافة إلى أن فرص العمل والاستقرار أعلى بكثير مما هي عليه في إسرائيل.
أعداد اليهود في العالم
بحسب آخر تقرير للوكالة الصهيونية، حتى نهاية العام الماضي 2019، فإن عدد اليهود في العالم بلغ 704ر14 مليون نسمة، زيادة تقل عن 7 بالألف عن العام 2018، الذي بلغ عدد اليهود فيه 606ر14 مليون نسمة، بمعنى زيادة بـ 98 ألف نسمة خلال عام، في حين أن عدد اليهود في إسرائيل وحدها ارتفع من العام 2018 إلى 2019 بنحو 110 آلاف نسمة، ما يؤكد استمرار تراجع أعداد اليهود في العالم بفعل الاندماج في الأديان الأخرى القائمة في أوطانهم، أو أنهم لم يعودوا يعرفون أنفسهم يهودا. وهذه الاحصائيات تعتمد على من تقر المؤسسات الدينية اليهودية بيهوديتهم. ومنذ العام 2006، باتت إسرائيل أكبر تجمع لأبناء الديانة اليهودية في العالم، بفارق طفيف في ذلك العام عما كانت طوال سنين، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، تجمعهم الأكبر- الولايات المتحدة الأميركية.
وبلغ عدد اليهود في إسرائيل في نهاية 2019، حوالي 668ر6 مليون نسمة، وهم يشكلون نسبة أكثر بقليل من 45% من اجمالي عدد اليهود في العالم، وتليها الولايات المتحدة الأميركية- 7ر5 مليون نسمة، وهذا عدد مختلف عليه، لأن المؤسسة الدينية اليهودية، تتحدث عما بين 3ر5 مليون إلى 45ر5 مليون نسمة، وحسب الاحصائيات، فإن الأميركان اليهود يشكلون نسبة تقل عن 39% من يهود العالم.
والتجمع الثالث لليهود في العام هو فرنسا، وقارب عددهم 455 ألف نسمة، بعد أن كان عددهم قبل نحو 8 سنوات، قرابة 580 ألف نسمة، من بينهم 28 ألفا هاجروا إلى إسرائيل، في حملة خاصة، جرت قبل أكثر من خمس سنوات، بعد سلسلة هجمات تعرّضت لها مؤسسات يهودية وأفراد في فرنسا؛ ولكن حينها توخت الحركة الصهيونية وإسرائيل استقدام غالبية الفرنسيين اليهود، ووضعت مخططات لاستيعابهم، إلا أن الخبراء في ذلك الوقت أكدوا أن الفرنسيين يعيشون في بيئة تختلف كليا عن الثقافة السائدة في إسرائيل، مثل المجال الديمقراطي ونمط الحياة.
وبات عدد اليهود في التجمع الرابع في كندا في نهاية 2019، قرابة 391 ألف نسمة، ثم بريطانيا- 290 ألف نسمة، والأرجنتين- 180 ألفا، وروسيا- 172 ألفا، وألمانيا- 116 ألفا، وأستراليا- 113 ألفا، والبرازيل- 93 ألفا، وجنوب أفريقيا- 69 ألفا، وأوكرانيا- 50 ألفا، وهنغاريا- 47 ألفا، والمكسيك- 40 ألفا، وهولندا- 30 ألفا، وبلجيكيا- 29 ألفا، وإيطاليا- 27 ألفا، وسويسرا- قرابة 19 ألفا، وتشيلي- 18 ألفا، وأورغواي- قرابة 17 ألفا، كما ينتشر ما يقارب 193 ألف نسمة من أبناء الديانة اليهودية في دول مختلفة من العالم.
واستنادا إلى تقارير تظهر تباعا، فإن 90% من اليهود في العالم يعيشون في أوطانهم، التي فيها مستوى المعيشة وظروفها أعلى بكثير مما هو قائم في إسرائيل، وهذا عدا الظروف المعيشية الأخرى، مثل الأمن والأمان وغيرها.
المهاجرون لإسرائيل في السنوات الثماني الأخيرة
ورغم محاولات الحركة الصهيونية استقدام أعداد أكبر من اليهود إلى إسرائيل، فإن آخر إحصائية للسنوات الثماني الماضية، التي شهدت فيها أوروبا قلاقل من خلال عمليات، وأزمات اقتصادية، تبين أن مجموع من هاجروا إلى إسرائيل خلال السنوات الثماني بلغ قرابة 174700 نسمة، حوالي 52% منهم وصلوا من روسيا وأوكرانيا، حيث الأوضاع المعيشية تقل عما هي في إسرائيل.
وقد وصل من روسيا في السنوات الثماني تلك 52337 مهاجرا، ومن أوكرانيا ما يلامس 38 ألف نسمة. أما من فرنسا، التي أطلقت إسرائيل حملة مكثفة بدأت من العام 2013 ولاحقا لاستقدام غالبية اليهود، الذين كان عددهم قبل نحو 10 سنوات قرابة 580 ألف نسمة، فقد وصل 28676 مهاجرا، وليس واضحا كم بقي منهم في إسرائيل، بعد توقف موجة العمليات في فرنسا، وهذا يعد فشلا ذريعا لمخطط إسرائيل والحركة الصهيونية.
أما الولايات المتحدة الأميركية فقد بيّنت الاحصائيات ما يمكن وصفه بعدد هامشي للمهاجرين من هناك، 18272 مهاجرا خلال ثماني سنوات، وغالبيتهم من المتدينين. ومعروف أن ميزان الهجرة اليهودية بين إسرائيل وأميركا هو إيجابي لصالح الولايات المتحدة الأميركية، لأن الغالبية الساحقة من المهاجرين من إسرائيل، أو الذين يغادرونها مع نية للمكوث لسنوات طويلة في الخارج، تكون محطتهم الأبرز الولايات المتحدة.
كذلك نتحدث عن أعداد هامشية في الدول المتطورة، مثل بريطانيا- 3875 مهاجرا، وغالبيتهم من المتدينين، من أصل 290 ألف يهودي يعيشون في وطنهم هناك، كذلك من الاحصائيات البارزة ألمانيا التي هاجر منها إلى إسرائيل 702 مهاجرين، في ثماني سنوات، من أصل 116 ألف ألماني يهودي، فألمانيا هي أيضا أحد أهم عناوين هجرة الإسرائيليين اليها، وبغالبيتهم هم عائدون إلى وطنهم الأم، أو وطن آبائهم وأجدادهم.
توقعات الهجرة من الولايات المتحدة
بحسب رئيس الوكالة اليهودية (الصهيونية) إسحاق هيرتسوغ، في تصريحات لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الظروف الصحية القائمة في الولايات المتحدة الأميركية، وما خلفته من أزمة اقتصادية كبيرة، وتضاف لها موجة مظاهرات الغضب على العنصرية ضد السود، التي لا علاقة للجمهور اليهودي بها، تفسح المجال أمام الوكالة الصهيونية لاستقدام 250 ألف أميركي يهودي في السنوات المقبلة.
وقال هيرتسوغ للصحيفة: "نقدر أن ما لا يقل عن 250 ألف يهودي سوف يهاجرون إلى إسرائيل في السنوات القليلة القادمة. إن خيار الهجرة، الذي كان مخفياً في أذهان الكثير من اليهود في الولايات المتحدة، ولكنه لا يعتبر عملياً أو مرفوضاً عاماً بعد عام، أصبح ممكناً مؤخراً. وبسبب وضعية سوق العمل الأميركية، والفشل القائم في الجهاز الصحي الأميركي، والشوق المتزايد للأصدقاء والعائلة، ويرجع ذلك أساساً إلى إدراك أن هذا ليس هو المكان (أميركا) المناسب لتربية الأطفال، بدأت إسرائيل في الظهور كعمود فقري وملاذ للجاليات اليهودية تحت الضغط".
وحسب هيرتسوغ، فإنه في الشهرين الماضيين، وعلى ضوء تفشي كورونا، هاجر إلى إسرائيل حوالي ألفي أميركي يهودي، ولكن حسب تقارير أخرى، فإن قسما من هؤلاء هم إسرائيليون عائدون بعد إقامة طويلة في الولايات المتحدة، ويرى هيرتسوغ أن هذا العدد يفسح المجال أمام هجرة آلاف كثيرة إلى إسرائيل، وأيضا عودة الكثير من الإسرائيليين الذين هاجروا في الماضي إلى الولايات المتحدة. ويعتقد هيرتسوغ أن الأجيال الشابة من الأميركان اليهود بدأت تفكر هي أيضا بالهجرة.
ولكن هذه تبقى تقديرات قائمة على أزمة ستكون عابرة، حتى لو امتدت لعدة شهور. ففي تقرير آخر في "يديعوت أحرونوت"، يظهر من أعداد طلبات الهجرة، أنه لا توجد حتى الآن قفزة في أعداد المهاجرين إلى إسرائيل، حتى وإن دلت الإحصائيات على ارتفاع، وحتى مضاعفة الأعداد، فالحديث يجري عن مئات الطلبات، وباتت الآن الضعف. وحسب التقرير، فإن شهري نيسان وأيار الماضيين شهدا ارتفاعا بنسبة 70% في طلبات الهجرة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، مقارنة مع ذات الشهرين من العام الماضي 2019. فقد ارتفع عدد الطلبات في هذين الشهرين إلى 1237 طلبا، مقابل 719 طلبا في ذات الشهرين من العام الماضي.
وحسب ما ورد، فإن هذه الطلبات تواجه بيروقراطية في محطتين، الوكالة اليهودية، ثم في إسرائيل، من بينها التحقق من مدى يهودية طالبي الهجرة، إضافة إلى معاملات عديدة تستغرق شهورا كثيرا.
إلى ذلك، فإن التقارير تتحدث عن أعداد مكثفة من الإسرائيليين المقيمين في الخارج منذ سنوات طويلة، عادوا في الشهرين الأخيرين إلى إسرائيل، ومنهم الذي قام بذلك كي يستفيد من التأمين الصحي الرسمي، الذي يمكنه أن يستعيده بسرعة مقابل رسوم، إذا لم يرغب بالانتظار 6 أشهر، حتى يستعيد استحقاق الضمانات الاجتماعية ومنها الصحية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في وزارة الداخلية قوله إن إسرائيليين كثيرين من المقيمين في الخارج يجرون اتصالات مع الوزارة ليعرفوا إذا ما كان يحق لهم الحصول على امتيازات "مواطن عائد"، ومنها امتيازات ضريبية وجمركية وغيرها، مشروطة بالبقاء في إسرائيل لفترة طويلة، وفيما إذا سيكونون مطالبين في حال مغادرتهم مجددا بإعادة كل التسهيلات المالية والضريبية للخزينة العامة.