استقبلت لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية في الأسبوع الماضي 30 قائمة مرشحين للانتخابات البرلمانية التي ستجري يوم الثاني من آذار المقبل، وهو عدد القوائم الأدنى منذ سنين طويلة، إن لم يكن الأدنى خلال 7 عقود، وهذا يدل على حالة إرهاق، وبالذات "تعب مالي"، بسبب ثلاث جولات انتخابية خلال 11 شهرا. إلا أن 8 قوائم فقط مرشحة للفوز بمقاعد في الكنيست، ومنها ما هي مرشحة للانفصال لكتل برلمانية بعد اجتياز الانتخابات.
وقد اشتد الحراك بين الأحزاب في الأيام الأخيرة قبل موعد تقديم الانتخابات، إذ رضخ رئيس حزب العمل عمير بيرتس، للضغوط الكبيرة التي مورست عليه، بهدف التحالف مع حزب ميرتس، إذ كان يرفضه على مدى أشهر طويلة، ومن شأن هذا التحالف أن يسجل نتائج إيجابية له في معاقل ما يسمى "اليسار الصهيوني"، وحتى رفع نسبة التصويت بينها.
في المقابل، فإن الأزمة احتدمت داخل التيار الديني الصهيوني، المتطرف سياسيا والمتزمت دينيا، إذ أن هذا التيار شهد حرق أصوات ضخمة في انتخابات نيسان العام الماضي، بما عادل حوالي 7 مقاعد، وفي انتخابات أيلول العام الماضي، حرق ما يعادل أكثر من مقعدين، كانت لقائمة "عوتسما يهوديت" (قوة يهودية)، المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة إسرائيليا، وفي دول كثيرة في العالم. ولكن هذه الأزمة انتهت بخوض الانتخابات بذات شكل خوضها في أيلول، وعكست عمق الأزمة الفكرية في هذا التيار الديني الصهيوني، وهو ما سنأتي عليه.
وللمرّة الأولى منذ سبعة عقود، فإن قائمة واحدة وحيدة ستخوض الانتخابات في المجتمع العربي، القائمة المشتركة، بعد أن امتنع مبادرون سابقون لخوض الانتخابات بقوائم صغيرة لا تعبر نسبة الحسم. كما أن الدلائل تشير إلى "تعب" الأحزاب الصهيونية من محاولة اختراق الشارع العربي، لذا فإن الفرص تتزايد أمام "المشتركة"، خاصة وأن تشكيل القائمة مرّ بهدوء غير مسبوق.
غياب القضية الفلسطينية
العنوان الآخر الأبرز لهذه الحملة الانتخابية هو غياب متوقع للبرامج السياسية لحل القضية الفلسطينية، وسيكون الصوت مرتفعا جدا لأحزاب اليمين الاستيطاني، خاصة في مجال الضم، مع تركيز على منطقة غور الأردن، وهذا موضوع سيكون موضع تحد بين الأحزاب، وبالذات تحد من الليكود وحلفائه، لقائمة "كحول لفان"، التي يكرر قادتها وأعضاؤها برنامجهم الذي يتضمن ضم الكتل الاستيطانية، في الحل النهائي، بما فيها منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت.
وفي المقابل، فإن الصوت البديل سيكون خافتا، وحتى أنه قد يختفي كليا، في أعقاب التحالف بين حزبي العمل وميرتس، فحزب العمل بقيادة عمير بيرتس غيّب البرنامج السياسي كليا في انتخابات أيلول، تماشيا مع توجهات حليفته المنشقة عن حزب "إسرائيل بيتنا" أورلي ليفي- أبكسيس، كما أن ميرتس لم تلوح كثيرا بالبرنامج السياسي في أيلول.
وهذا الجانب بدأ يلفت نظر الكتّاب وصنّاع الرأي، حتى قبل بدء الحملة الانتخابية رسميا. فقد نشر المحلل الاقتصادي البارز في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفر بلوتسكر، مقالا يحذر فيه حزبي العمل وميرتس من تغييب البرنامج السياسي، إذ كتب في مقاله: "إن المشهد السياسي في إسرائيل يحتاج إلى يسار سياسي صهيوني. يحتاج لحزب يكون في مركز برنامجه السياسي الكفاح للتنفيذ الكامل لاتفاقات أوسلو مع السلطة الفلسطينية ومخطط كلينتون في كانون الأول 2000 للتسوية التي تتضمن انسحابا من المناطق، باستثناء عدد صغير ومتفق عليه من الكتل الاستيطانية. في الماضي احتل ميرتس هذه الخانة الهامة، ولكنه في العقد الأخير استبدل، بالتدريج، العلم السياسي بعلم مدني من الحقوق، العلمانية وتعدد الثقافات".
وتابع "أما العمل فهجر الخطاب السياسي لصالح خطاب الاقتصاد والرفاه. والآن يتحد الحزبان في قائمة تحالفية واحدة. من أقوال قادتها يتبين أنهم يعتزمون أن يميزوها كيسار بالمعنى الاقتصادي للكلمة: سيطالبون بمزيد من الميزانيات للتعليم والصحة، مزيد من الميزانيات للمخصصات الاجتماعية، مزيد من الميزانيات لتطوير بلدات المحيط وغيرها".
وشدد بلوتسكر على "أن قائمة العمل- ميرتس لن تكون بديلا ذا وزن لليمين وللوسط إذا ما اكتفت برسائل اقتصادية أو اجتماعية، ولا تقيم حملتها الانتخابية على أساس السعي للسلام والتسوية مع الفلسطينيين. إذا ما اجتهدت لأن تطلق بالأساس هتافات قتالية صاخبة ضد نتنياهو، فسيختفي الاختلاف الجوهري والتفصيلي بينها وبين أزرق أبيض ومن يريد الإطاحة السريعة بنتنياهو فإنه سيصوت لغانتس (زعيم "أزرق أبيض")".
خطوط عامة للقوائم المتنافسة
المشهد الانتخابي لن يكون بعيدا كثيرا عما كان في انتخابات أيلول الماضي، والتغييرات محدودة، أبرزها من حيث عدد القوائم، هو التحالف السابق ذكره بين العمل وميرتس ما قلص عدد القوائم المرشحة للفوز بمقاعد برلمانية.
في المقابل، فإن حزب الليكود عاد تقريبا إلى قائمة مرشحيه في نيسان، بعد أن فض الشراكة كليا مع حزب "كلنا" المنحل، برئاسة وزير المالية موشيه كحلون، الذي أعلن اعتزاله السياسة، ولكنه سيبقى وزيرا للمالية حتى تشكيل الحكومة المقبلة. وكان الليكود قد استوعب النواب الأربعة لحزب "كلنا"، في انتخابات أيلول، إلا أن هذا التحالف لم يثمر شيئا، لا بل تراجع تمثيل الليكود من 35 مقعدا في نيسان، إلى 32 مقعدا في أيلول، من أصل قوة إجمالية لليكود و"كلنا" تساوي 39 مقعدا.
كذلك الأمر، فقد ثبّت تحالف "أزرق أبيض" قائمته الانتخابية، باستثناء نائب من أصل أثيوبي، انتقل في اللحظة الأخيرة قبل تقديم القوائم إلى قائمة الليكود، وحل هناك في المقعد الـ 20، بدلا من المقعد الـ 33 الأخير في قائمة "أزرق أبيض"، حسب نتائج أيلول الماضي. ولكن هناك شك في ما إذا هذا الانتقال سيؤثر بشكل ملموس على قوة "أزرق أبيض" إذ في القائمة نائبة أخرى من أصول أثيوبية. وحسب التقديرات، فإن قوة الأثيوبيين الانتخابية حوالي 3 مقاعد، وهي موزعة على أحزاب مختلفة.
كذلك فإن كتلتي المتدينين المتزمتين، الحريديم، شاس لليهود الشرقيين، ويهدوت هتوراة لليهود الغربيين الأشكناز، حافظتا على ذات التركيبة، منذ انتخابات نيسان وأيلول، ولا جديد لديهما، كما أن قوتهما تبقى شبه مضمونة، مع ميل لزيادة، في حال لم ترتفع نسبة التصويت أكثر.
وكذا الأمر بالنسبة لحزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، إذ إنه في هذا الحزب القرار هو بيد زعيمه الوحيد، ليبرمان، ويتعامل مع الأشخاص فيه كأحجار الشطرنج، وقد أبقى قائمته على حالها في الجولات الانتخابية الثلاث.
أزمة أحزاب المستوطنين
وكما ذكر أعلاه فإن المعركة التي استمرت حتى الساعة الأخيرة، قبل إغلاق باب تقديم قوائم المرشحين للجنة الانتخابات المركزية، كانت بين أحزاب المستوطنين، ولنقل بشكل أدق، الأحزاب التي ترتكز على التيار الديني الصهيوني والمستوطنين، وقد عكست الأزمة السياسية والفكرية في هذا المعسكر.
ومحور الأزمة الأساس هو سعي قادة سياسيين للتخلص من محور تطرف مرتبط مباشرة بإرهاب المستوطنين، والقصد، حركة "عوتسما يهوديت" (قوة يهودية) المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة رسميا في إسرائيل، وفي دول كثيرة في العالم، بينها الولايات المتحدة الأميركية. ولكن أنصار هذه الحركة خرجوا أساسا من دفيئات الأحزاب التي تلفظهم حاليا، مثل المفدال الذي بات اسمه "البيت اليهودي"، و"هئيحود هليئومي" (الاتحاد القومي) وغيرهما من الأحزاب. وعلى مدى عشرات السنين، وبشكل خاص في العقود الخمسة الأخيرة، بمعنى بعد احتلال 1967، ظهرت الكثير من حركات التطرف الاستيطانية، التي أساسها كان في صفوف حزب المفدال.
وقد خاضت "عوتسما يهوديت" انتخابات نيسان 2019، بتحالف مع حزبي "البيت اليهودي" و"الاتحاد القومي"، إلا أن المرشح المضمون من تلك الحركة، وكان في المقعد الخامس، ألغت المحكمة العليا ترشيحه، بسبب مواقفه العنصرية الدموية. وفي انتخابات أيلول 2019، خاضت "عوتسما يهوديت" الانتخابات بقائمة مستقلة، بعد قيام تحالف ضمن "البيت اليهودي" و"الاتحاد القومي"، و"اليمين الجديد" بزعامة نفتالي بينيت وأييليت شاكيد، واللذين اعترضا بشدة على ضم "عوتسما يهوديت" للتحالف. وهذه المعارضة استمرت أيضا في الأيام الأخيرة، وتشكل التحالف الثلاثي من دون "عوتسما يهوديت"، رغم الضغوط الكبيرة التي مارسها بنيامين نتنياهو على وزير الدفاع في حكومته نفتالي بينيت. والهدف المعلن لنتنياهو أنه لا يريد حرق مزيد من أصوات معسكر اليمين الاستيطاني، لأن "عوتسما يهوديت" حرقت في انتخابات أيلول حوالي 83 ألف صوت، وهذا يعادل أكثر من مقعدين.
ولكن من ناحية أخرى، لنتنياهو مصلحة أخرى من ضم "عوتسما يهوديت" للتحالف، لأنه من المفترض أن ضم هذه الحركة المتطرفة الشرسة ستبعد أوساطا من التيار الديني الصهيوني عن هذا التحالف، وعلى الأغلب ستلجأ لحزب الليكود، الذي في كتلته البرلمانية، بعد انتخابات أيلول، 8 نواب من هذا التيار، من أصل 32 نواب الكتلة. وفي انتخابات نيسان، كان عددهم في الليكود 10 نواب من أصل 35 نائبا. وهذا ما أدركه بينيت، حتى أنه قال لنتنياهو إنه إذا يرغب بتمثيل ايتمار بن غفير، رئيس "عوتسما يهوديت"، فليضمه إلى الليكود.
وفي اليوم التالي لتقديم قوائم الانتخابات، بدأ نتنياهو يمارس ضغوطا على بن غفير وحزبه للانسحاب من الانتخابات، إلا أن الأخير رفض، ولكن احتمال الانسحاب يبقى واردا، حتى اللحظة الأخيرة قبل يوم الانتخابات، وهذا سيكون مقابل ثمن ما.
تحالف اللامفر
التحالف بين حزبي العمل وميرتس كان بمثابة خيار اللامفر، كي لا يغرقا في المعركة لاجتياز نسبة الحسم. وقد كان التحالف مع العمل، رغبة ميرتس منذ انتخابات أيلول، ولكن رئيس حزب العمل عمير بيرتس انقلب على وعده، قبل انتخابه رئيسا للحزب، ورفض التحالف مع ميرتس، واختار التحالف مع المنشقة عن حزب "إسرائيل بيتنا" أورلي ليفي، ابنة وزير الخارجية الأسبق دافيد ليفي، ما اضفى على قائمة العمل طابع اليهودية الشرقية.
إلا أنه في الأيام الأخيرة قبل تقديم القوائم في منتصف الشهر الجاري كانون الثاني 2019، تكثفت الضغوط على عمير بيرتس، من جهات مختلفة، وبضمنها قادة تحالف "أزرق أبيض"، منعا لأي مخاطرة تقود إلى حرق أصوات.
فقد أوضحت انتخابات أيلول للحزبين، العمل وميرتس، أنهما في طريقهما للزوال عن الخارطة السياسية، إذ أنهما لم يعودا عنوانا للشعارات التي رفعها الحزبان على مدى السنين. كما أن الأداء المتلعثم باستمرار لحزب العمل طيلة الوقت، أدى إلى فقدانه جماهيريته. فالفرصة التاريخية التي حصل عليها العمل في العام 2015، لوضعه مجددا على مسار الحزب الثاني، لم يستثمرها، بل استمر متواطئا مع سياسات اليمين، وغائبا ميدانيا كليا في معارضته لسياسات حكومات نتنياهو. وبذلك هبط تمثيله في انتخابات نيسان، من 19 مقعدا له في العام 2015 إلى 6 مقاعد في نيسان 2019.
وقد أدى تحالف ميرتس مع حزب العمل إلى فض تحالفه الذي كان قائما في أيلول، إذ أخرج ميرتس من القائمة النائبة ستاف شافير، التي انشقت عن حزبها العمل في الصيف الماضي، احتجاجا على عدم التحالف مع ميرتس، وبسبب التحالف مع أورلي ليفي. ولكن بعد التحالف مع العمل، من ناحية ميرتس فإن الفائدة الانتخابية لشافير قد انتهت، وهي أيضا كانت فائدة هامشية.
أما بالنسبة لحزب إيهود باراك، "إسرائيل ديمقراطية"، فقد اختفى عن الساحة بالسرعة التي ظهر فيها، بما في ذلك تحالفه مع ميرتس، إذ أن مرشحه في القائمة نائب رئيس أركان الجيش السابق يائير غولان، انتسب لميرتس، وهو مرشح في القائمة التحالفية الجديدة مع العمل في المقعد السابع، وهو مقعد مضمون. وكان غولان أظهر مواقف سياسية قريبة لبرامج وتوجهات ميرتس، خلال حملة انتخابات أيلول وبعدها.
قائمة عربية واحدة
لأول مرّة منذ أول انتخابات إسرائيلية في العام 1949، ستخوض الانتخابات قائمة واحدة، ركيزتها المجتمع الفلسطيني في الداخل، وهي القائمة المشتركة، إذ أنه اختفت في هذه الانتخابات مبادرات لأشخاص لخوض الانتخابات بقوائم مستقلة، لا أمل لها باجتياز نسبة الحسم، ولا حتى الاقتراب منها، كما حصل في انتخابات أيلول الماضي، إذ حرقت قائمتان أكثر بقليل من 8 آلاف صوت، كان من شأنها أن تدفع للأمام نحو تحقيق مقعد إضافي للقائمة المشتركة، سوية مع الفائض الذي حققته القائمة في انتخابات أيلول، قرابة 4 آلاف صوت.
ومن المفترض أن يقود هذا إلى هدوء انتخابي في الشارع العربي، خاصة وأن الأحزاب الصهيونية عرفت أنه لا مجال لمنافسة القائمة المشتركة في ميدانها، وستكون المعركة الأساسية للقائمة المشتركة هي الحفاظ على انجاز أيلول، والسعي لرفع نسبة التصويت بين العرب، التي ارتفعت من 50% في نيسان، إلى 60% في أيلول، رغم أنه في انتخابات العام 2015 كانت 62%.
ومن شأن رفع نسبة التصويت بين العرب زيادة القوة البرلمانية، والمساهمة في إعادة تركيبة الخارطة البرلمانية، خاصة وأن نسب التصويت في أوساط اليمين واليمين الاستيطاني والمتدينين تصل عادة إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه، بنسبة تصويت تتراوح ما بين 82% وحتى 92%، والأعلى هي لدى الحريديم.
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, يديعوت أحرونوت, باراك, الكتلة, كاخ, الليكود, الكنيست, بنيامين نتنياهو, ستاف شافير, عمير بيرتس