المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مطلع هذا الشهر سلم المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت، رئيس البرلمان (الكنيست) يولي إدلشتاين، لائحة الاتهام التي أوصى بتقديمها ضد نتنياهو، وأمهل الأخير 30 يوما للحصول على حصانة من لجان الكنيست لمواجهة المحاكمة. لوائح الاتهام تضمنت تهم تلقي الرّشى والاحتيال وخيانة الأمانة. هنا كان نتنياهو بحاجة الى عدوّ محدد يطلق عليه سهامه ونيرانه الرمزية، التي يبدو أن هناك من خشي داخل أجهزة الأمن الإسرائيلية من أن تتحوّل إلى رصاصات فعليّة، فتقرّر تعيين حارس شخصي من وحدة حراسة كبار الشخصيات التابعة لجهاز الأمن العام (شاباك)، للمدّعي العام المنتهية ولايته، شاي نيتسان، الذي اختاره نتنياهو عنواناً محدداً لحملته التحريضيّة.

يائير لبيد، القيادي في حزب "كحول لفان"، وصم نتنياهو بالتحريض على العنف في جهوده لإدانة لوائح الاتهام. وقال: "لدى مندلبليت حراسة شخصية. لدى المدعي العام في الدولة، شاي نيتسان، حراسة شخصية. لدى المدعية العامة للضرائب والجرائم الاقتصادية ليئات بن آري حراسة شخصية. إنهم يواجهون تهديدات بالقتل. لا شك في السبب. انه واضح. نتنياهو يحرض ضدهم. إنهم بحاجة إلى الحراسة، وإلا فإن شعبهم سيؤذيهم. هذا ما وصلنا إليه".

نتنياهو كان صرّح في مؤتمر صحافي فور تقديم لوائح الاتهام ضده أنه يتعرّض لانقلاب. أراد مخاطبة عناوينه السهلة باللغة الأكثر شعبوية من خلال اللعب على وبالغرائز، في مقولة ضمنية مفادها "إن قبيلتنا في خطر".. وقال: "هذه محاولة انقلاب ضد رئيس حكومة.. لقد كرست حياتي من أجل الدولة. لقد حاربت من أجلها، وتعرضت للإصابات من أجلها، وأنا فخور جدا بذلك. لكن هذا يوم حزين. يجب أن يكون المرء أعمى حتى لا يرى أن شيئا سيئا يحدث في النظام القانوني. التحقيقات ملوّثة بدوافع خفية"، وبعد أن انتقد التوقيت، دعا نتنياهو الى التحقيق مع المحققين المسؤولين عن التحقيقات ضده. وحدّد بدقّة: "نحن بحاجة إلى التحقيق مع المحققين والنيابة العامة التي تطبخ هذه القضايا الموبوءة"!

أنصار نتنياهو فهموا الشيفرة، وانطلقت حملة مركزة مكثفة ضد المدعي العام شاي نيتسان. نظّم "النتياهويّون" مظاهرة لم يحضرها سوى مسؤولين اثنين من حزب الليكود، وقال أحد منظميها: "هناك أماكن يوجد فيها انقلاب عسكري ويعزل الجيش المسؤولين المنتخبين، وهناك أيضاً انقلاب قانوني يحدث بشكل علني أمام أعيننا". وهناك انتشرت اللافتات والهتافات التي وصفت نيتسان بما يوصف به العرب واليسار عادة: خائن وطابور خامس!

المدعي العام نيتسان قال في حفل خاص لمناسبة انتهاء ولايته: "من الطبيعي أن نكون مخطئين تماماً، لكن لنكن حذرين في عدم إراقة الطفل مع الماء. النقد الهادف للبناء - نعم؛ أما الهادف للتدمير – لا وألف لا... بالأمس، أنهيت ست سنوات في مكتب المدعي العام. عملت من أجل دولة إسرائيل، وعملت من أجل شعب إسرائيل بكل قوة وفخر. أحد أهداف المدعي العام هو محاربة الفساد العام. لقد تعرضنا لهجوم شديد من جانب مسؤولين حكوميين أقوياء، ولم نضع حواجز أمامنا وأنا متأكد من أننا لن نتوانى".

المعلّقة في "هآرتس" كارولينا لندسمان حذّرت منتقدي نيتسان من ضرورة "عدم التطوع للقفز في كل مصيدة يدفنها اليمين لمن وصفه كخصم له، أو لعب دور المتآمرين في سيناريو "الانقلاب القانوني" من انتاج نتنياهو... في محاولة للهرب من رعب المحاكمة، نتنياهو حل حكومات وبكّر موعد الانتخابات وأيد قانونا يمنع تقديمه للمحاكمة وشكل كتلة حصانة. وهو انضم للكهانيين وعين وزراء وفقا لقوة الكراهية التي اظهروها تجاه النظام الذي هم مسؤولون عنه. ولم نقل بعد أية كلمة عن الاعمال الواردة في لوائح الاتهام".

أما شموئيل فاوست، المحرر في جريدة "مكور ريشون" اليمينية، فقد وفّر سنداً لمزاعم نتنياهو بقوله إن "الرياح في النيابة العامة تهب في اتجاه واحد بشكل أساسي. هذا هو انطباع الذين يمكثون في سراديب النيابة. وليس هناك الكثير من المحامين الذين سيحاولون قلب اتجاه الريح. لا توجد هنا مؤامرة، ولا محافل سرية، وإنما نتيجة طبيعية لمجموعة متجانسة الآراء وللضغط الاجتماعي، أحياناً حتى في اللاوعي".

زميله في اليمين، زلمان شوفال، وهو دبلوماسي سابق، زعم في مقال نشرته "معاريف" ما يلي: "تحدثت مؤخراً مع بعض رجال القانون الكبار، بمن فيهم من يعملون في الخدمة العامة، والذين لم يخفوا رأيهم في أن شيئا ما مريض في سلوك النيابة العامة والشرطة في قضية رئيس الحكومة. وبالتالي فإن ثقة الجمهور في جهاز القضاء تضررت، مؤخراً. ثقة الجمهور هي أولاً وقبل كل شيء عنصر معادل لسلوك الجهاز القضائي نفسه وفقاً للقواعد والمبادئ التي تناسب دوره حسب القانون وليس التسلل إلى مجالات أخرى. من واجبه، إذاً، أن ينظر إلى الداخل وأن يجري مراجعة عميقة لنفسه. كثير من الناس يعتقدون مثلا أن الاتهامات ضد نتنياهو تتراوح بين غير المتماسكة وغير المبررة، ولكن توجد بالطبع أيضا آراء أخرى. على أي حال، في الوضع الحالي من الأفضل ألا يصل الموضوع على الإطلاق إلى البحث القضائي وأن يحسم، إذا كان ينبغي أن يحسم على الإطلاق، بعد أن يعتزل رئيس الحكومة منصبه نهائيا، سواء نتيجة لقرار شخصي أم في أعقاب تغييرات في الساحة السياسية".

مردخاي ليفمان، في مقال بموقع "نيوز-1"، اتهم نيتسان فيما يتعرّض له. وكتب: لقد ترك شاي نيتسان كرسيه الفسيح في وزارة العدل في القدس يوم الاثنين 16 كانون الأول 2019 وخرج إلى شارع القدس صلاح الدين... لقد أصبح مكتب المدعي العام، على مر السنين، قوة قانونية قوية وفريدة من نوعها.

وأضاف أنه بعكس أي بلد آخر في العالم الديمقراطي حيث تضاءل تركيز السلطة من حيث صلاحيات المدعي العام، فقد قام نيتسان بتسريع سيرورة جعل كل شيء قابل للمقاضاة، من مدرسة رئيس المحكمة السابق أهرون باراك..

ويضيف: لقد تم ذلك عن طريق القبضة المشدودة وبفظاظة ضد كل معارضة مدنية وغيرها (أيضا من قبل خبراء قانون آخرين). في البداية، لم تكن لمقولة باراك أهمية كبيرة. لكن نيتسان والمدعيين السابقين، إلى جانب قضاة المحكمة العليا، أنتجوا مضموناً حقيقياً، وفي كثير من الحالات، أصبح التشريع نفسه مجرد توصية فقط، ولكن بعد ذلك جاء النظام القانوني وأعطى المقولة محتوى عملياً... إن حكم القضائيين شبه المطلق تقريبا، قد نما واكتمل أمام أعيننا.

لقد أجّجت هذه الانتقادات غضبا في جهاز النيابة. ونقل الصحافيان باروخ كرا وأفيعاد غليكمان من القناة 13 كيف هاجم المدعي العام نيتسان رد الفعل العنيف ضد نظام إنفاذ القانون، عقب قرار توجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو. وقال نيتسان في حفل افتتاح البرنامج التدريبي السنوي لنقابة المحامين "هناك حملة تدفعها جميع أنواع الأسباب تهدف فقط إلى نزع الثقة في مكتب المدعي العام. كل أسباب ذلك معروفة. يضربون النيابة بالمطرقة ثم يقولون إن ثقة الجمهور قد انخفضت. هناك قوى هائلة تبذل كل جهد ممكن لإلحاق الأذى بها. لقد دهشت عندما سمعت تهجمات وزير العدل أوحانا على مكتب المدعي العام.

كذلك، تحدث المستشار القانوني أفيحاي مندلبليت وقال: "أسمع التهديدات والأكاذيب والتشهير الذي لا أساس له - إنها صدمة. أسمع تعبيرات ليس لها مكان في الخطاب العام - موجهة إلى نظام إنفاذ القانون، ونحو بعض كبار المسؤولين داخله. نيتسان هو موظف في خدمة جمهور مئة بالمئة، وهو رجل قانون ممتاز ورجل نزيه وصادق... المدعي العام للدولة هو خط الدفاع عن دولة إسرائيل ضد الجريمة الحكومية والفساد. بالطبع، هذا لا يعني أن مكتب المدعي العام خالٍ من الأخطاء، أو أنه محصن من النقد. نحن لسنا خائفين من النقد، بشرط أن يكون نقداً محترماً وبناءً".

"إذا نجحوا في سحق مكتب المدعي العام فكل شيء سوف ينهار"

في مقابلة تلفزيونية تعتبر نادرة، قال المدعي العام المنتهية ولايته: "أنا قلق للغاية من وجود العديد من العناصر التي ترغب في تدمير النظام. في رأيي، يرتبط تراجع ثقة الجمهور في النظام القضائي بالمسألة التي اخترنا التحقيق فيها وكذلك بكبار المسؤولين. الأسباب الرئيسية لسخط الجمهور هي الهجمات المستمرة وغير العادلة وغير الصحيحة. إذا نجحوا في سحق مكتب المدعي العام، لا سمح الله، فكل شيء سوف ينهار".
نيتسان أورد مقارنة جرّت عليه المزيد من النيران، إذ قال: "لنفترض أن هناك شخصية عامة اغتصبت، ويأتي قائل ليقول ولكن غالبية الجمهور صوتت لها - ماذا يعني ذلك؟ هل نذهب إلى محاكمة الجمهور وإذا كان معظم الجمهور سيقول نعم نذهب إلى المحكمة، وإذا كان الجواب "لا" إذن لا؟ لا يمكنك اتخاذ قرارات قانونية في ظل ضغط الواقع، وفقا لما يقوله الجمهور، نعم أو لا، ولا يمكن تحديد مصير الشخص القانوني في صندوق الاقتراع". نتنياهو سارع لتلقّف المقارنة واستخدامها وأعلن: "مصدوم من أن شاي نيتسان استخدم ضحايا الاغتصاب لتبرير حملاته المهووسة ضدي. يبدو أنه لا توجد حدود لمحاولة الإطاحة بحكومة الليكود تحت قيادتي. يجب على شاي نيتسان الاعتذار على الفور - وقبل كل شيء لضحايا جرائم الاغتصاب".

هذا الجوّ التراشقي بين المتهم نتنياهو وجهاز القضاء جعل فرائص اليمين الاستيطاني ترتعد من إمكانية فقدان السلطة وعرقلة مشاريعه التوسعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقد خرج رئيس حزب "اليمين الجديد"، نفتالي بينيت، بدفاع علني مفصل عن نتنياهو في ضوء قضايا الفساد ضده، متهما الجهاز القضائي "بمحاولة إسقاطه" لأسباب سياسية وترهيب قادة اليمين المستقبليين. ونقل موقع "تايمز أوف إسرائيل" منشور بينيت المطول على فيسبوك معتبراً انه إعلان دعم نادر للسياسي من اليمين المتدين، الذي غالبا ما دخل في صدامات مع نتنياهو وعرض نفسه كبديل له وهاجمه في الماضي بسبب الجرائم المزعومة التي ارتكبها.

وكتب بينيت "إذا نجح الجهاز القضائي بإسقاط نتنياهو ستكون هذه ضربة موجعة لكتلة اليمين بكاملها. زعيم اليمين الذي سيأتي من بعده سيكون عاجزا وسيخشى من الإعلام والنظام القضائي. في أحلك أوقاته، قررت الدفاع عن رئيس الحكومة. نتنياهو ليس مثاليا، لكنه كان رئيس حكومة جيدا لدولة إسرائيل وأمنها. من اللحظة التي دخل فيها عالم السياسة قاموا بوضع علامة عليه. عناصر يسارية في الصحافة وفي الأوساط الأكاديمية وفي الثقافة والنظام القانوني حولوه إلى الرمز المطلق للشر. قد يكون الوقت قد حان أو لم يحن لاستبدال نتنياهو، ولكن حتى لو كان قد حان الوقت، يجب أن يتم ذلك من خلال تصويت الناخبين وليس من خلال لائحة اتهام. نتنياهو لم يأخذ أكياسا من النقود ولم يقم بتحويل المال إلى حساباته المصرفية الشخصية. لقد حصل على تغطية أقل عدوانية بقليل من موقع واللا، والكثير جدا من السيجار والشمبانيا، وهذا بالفعل ليس بشيء مقبول، ولكنه ليس شيئا يمكن بسببه الإطاحة برئيس حكومة".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات