المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

خرج شاي نيتسان في حملة تصد للهجمة التي يقودها ضده زعيم اليمين الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، شخصيا، فبالإضافة إلى تجنيد أفراد أسرته الذين ظهروا في الإعلام وتحدثوا في تقارير تلفزيونية ومقابلات إذاعية، جنّد تاريخه المهني الذي تفاخر من خلاله بأنه اتخذ فيه دوماً جهة ووجهة أجهزة الأمن، وحماية مشاريع مكرّسة للاحتلال أبرزها جدار الفصل العنصري.

قبل ست سنوات كتبت عنه جريدة "معاريف" أنه خرجت من تحت يديه العديد من المواد الحساسة والمثيرة للجدل: مثّل الدولة والجيش في التماس ضد سياسة الاغتيالات التي نفذتها سلطات الاحتلال بشكل منهجي. وفي إطار قرار بخصوص "التماس التعذيب"، والذي تناول شرعية التعذيب أثناء تحقيقات جهاز الأمن الداخلي (شاباك)، دافع نيتسان عن ضرورة وجود مرافق اعتقال سرية؛ ومثّل جيش الاحتلال الإسرائيلي "في المطالبة بالتحقيق الذي قام به الجيش الإسرائيلي ضد الجنود الذين أطلقوا النار على الفلسطينيين في قرية نعالين" وترأس تمثيل الدولة المدعى عليها في الالتماس ضد الجدار الفاصل.

تكتيك ناجع أمام ثقافة سياسية تقدس الأمن

هذا التكتيك ناجع جدا أمام ثقافة سياسية ترفع الأمن وأجهزته ومشاريعه وجرائمه الى مستوى القداسة. وحين اتهمت أبواق نتنياهو نيتسان بالتهمة الأشد خطورة، الانتماء لليسار والنطق من حنجرته والعمل بأجنداته، كان نيتسان يستنكر ذلك مشيرا الى كونه متدينا وإنْ كان قرر عدم وضع القلنسوة اليهودية.

يقول ياريف أوبنهايمر، رئيس "حركة السلام الآن": "إن سيرته الذاتية بعيدة عن أن تكون يسارية. كان عادة ما ينضم إلى المؤسسة العسكرية ولم يجعل الحياة سهلة بالنسبة لليساريين. وبصفته نائباً للمدعي العام الدولة، لم تتم في فترة ولايته هذه مقاضاة أي من المتورطين في البناء الاستيطاني غير القانوني، على الرغم من جميع الوثائق التي لفتنا انتباهه إليها. بالنسبة لنا، حتى في عدم قيامه بعمله، كان يدافع عن أولئك الذين يقفون وراء البؤر الاستيطانية".

كذلك اهتم ما يسمى "مقربو شاي نيتسان" بتعريف الرأي العام بتاريخه العائلي وخلفيته اليمينية. المدّعي العام يعرف أنه يخاطب جمهورا يمينيا محافظا، بعضه رجعي وعنصري، فاهتم بترتيب ديكور صورته بما يتلاءم مع ما يطلبه الجمهور، أو مع ما يرغب فيه الزبون: قيم العائلة الموحدة المتآزرة الكلاسيكية التي بالإضافة إلى وقعها العاطفي على المتلقي، فإنها تشكل واحدة من شيفرات نهج المحافظة المحسوب عادة على أوساط اليمين.

العنصر الثاني في مخاطبة الرأي العام يميني الأهواء، هو قرض كلام المديح وصنوف الغزل للأمن والعنف الرسمي الذي ينتجه. أنا لست يساريا محبا للعرب، يقول نيتسان عملياً للجمهور، بل أنا مدع عام يحظى بإعجاب الشاباك، ومسؤول قضائي وفّر الاسمنت القانوني المسلح لبناء الجدار والمشاريع الشبيهة به. هذا ما يستشفّ من أقواله في مقابلة أجرتها معه القناة التلفزيونية 12 قبل عشرة أيام.

مواقف نيتسان معادية لحقوق الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر

بكلمات أخرى يحاول نيتسان مواجهة نتنياهو وتقويض حملته بواسطة تجاوزه من اليمين، بل التمترس على يمينه كصقر عسكري وأمني وسياسي. وبدلا من أن يجري مراجعة وما يسمى حساب نفس، يستعرض هذا المسؤول القضائي عضلاته في داخل درعه المصفد المنقوش بنياشين بطولاته في شق الطرق لموبقات الاحتلال وتوسعه. وهنا، في سياق متّصل بشكل وثيق، تذكر في هذا السياق لنيتسان مواقفه المعادية لحقوق الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر...

ففي أعقاب نشر صحيفة "هآرتس" نتائج تحقيقات الشاباك في قضية استشهاد المربي يعقوب أبو القيعان من قرية أم الحيران برصاص الشرطة عام 2018، طالب مركز "عدالة" لحقوق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، بتلقي جميع مواد التحقيق في القضية، ومن ضمنها تقرير الشاباك وتقرير التشريح من معهد الطب الشرعي، وكذلك فتح تحقيق شامل من قبل جهة أو أشخاص مستقلين ومحايدين بدون تضارب مصالح، وأن تقوم هذه الجهة أو الأشخاص بالتحقيق في إدارة السلطات المختصة، ومن ضمنها النائب العام، وفحص شبهات وجود تضارب مصالح، الأخذ باعتبارات دخيلة والتشويش على مجرى التحقيق.

ضابط الشاباك الذي تولى التحقيق في حيثيات الجريمة بأم الحيران أكد أن استشهاد أبو القيعان نابع من "فشل عملياتي لعناصر الشرطة"، وأن ضابط الشاباك أدلى بشهادة في قسم التحقيق مع عناصر الشرطة (ماحش) أكد خلالها أن الشهيد "لم ينفذ عملية دهس". وقد فند تصريح ضابط تحقيق الشاباك الادعاءات التي نشرها مكتب المدعي العام نيتسان في بيان صحافي بتاريخ 1.5.2018، والتي جاء فيها أنه لا يمكن التأكد من أن الشهيد دهس الشرطي عمداً أم لا.

تجاهل النائب العام، شاي نيتسان، في هذه القضية بقصد أو بغير قصد، تقرير ضابط الشاباك ولم يدرجه ضمن البيان الصحافي الذي صدر عن مكتبه. كذلك تبين أنه كانت هناك اعتبارات دخيلة أثرت على نتيجة التحقيق الذي أجراه المدعي العام، وأن التدخل جاء من قبل وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، والمفتش العام للشرطة، روني ألشيخ. وتبين أن إحدى الطبيبات التابعات للشرطة تواجدت في المكان ولم تقدم أي مساعدة طبية للشهيد خلال الساعات التي مكث فيها مصاباً داخل سيارته. وجاء في الرسالة التي أرسلها مركز عدالة، أنه "يتضح من تسلسل الأحداث أعلاه، أنه علاوة على تجاهل أفراد عائلة الشهيد وطلبات تلقي مواد التحقيق وتحديثات حول تطوره، إذ كانوا يعرفونها بشكل مفاجئ من الصحافة، هنالك شبهات جدية أن إدارة التحقيق احتوت على ثغرات كثيرة وغير قانونية".

وتخللت رسالة مركز "عدالة" كذلك أن "هذه الثغرات تشير لوجود شبهات جدية حول عرقلة مجرى التحقيق من قبل السلطات نفسها، والأخذ باعتبارات دخيلة بسبب تدخل جهات لها مصالح واضحة بالتحقيق، وشبهات حول نشر نتائج التحقيق من قبل النائب العام الذي تجاهل تماماً قاعدة الأدلة المطروحة أمامه، وتشمل الشبهات كذلك وجود تضارب مصالح واضح لدى القائمين على التحقيق، وشبهات بتدخل وزير الأمن الداخلي والمفتش العام للشرطة اللذين أثرا على نتائج التحقيق كونهما يملكان مصالح سياسية واضحة، ومن ضمن الشبهات كذلك إخفاء معلومات حيوية عن أفراد عائلة الشهيد والرأي العام حول مجرى التحقيق ونتائجه".

أجاز وبرّر استعمال الاحتلال المواطنين الفلسطينيين كدروع بشرية أو رهائن

نظرت المحكمة العليا في تموز 2003 في التماس ضد استعمال الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين كدروع بشرية أو كرهائن بواسطة ما يعرف باسم "إجراء الجار".

وطلب الملتمسون من المحكمة العليا إصدار أمر فوري يمنع فيه الجيش من استخدام المدنيين كدروع بشرية أو كرهائن. واستجابت المحكمة العليا في حينه وأصدرت أمراً احترازياً تمنع فيه الجيش من استعمال المواطنين الفلسطينيين كدروع بشرية أو كرهائن بواسطة "إجراء الجار". وبعد أن تم الكشف عن عدة حالات استخدم فيها الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين المدنيين كدروع بشرية، تم التوجه للمحكمة العليا بمطلب تغريم الجيش والحكومة بعد أن قاموا بخرق أمر المحكمة.

المحامي شاي نيتسان ادعى باسم الجيش، أن الاخير لا يستخدم الفلسطينيين كدروع بشرية وإنما "يستعين" بهم "لكي يمنع المس في حياة الإنسان". وأضاف أنه وفقاً للأمر الجديد (الإنذار المسبق) يسمح للجيش الاستعانة بالمدنيين خلال العمليات العسكرية فقط إذا اعتبر الضابط المتواجد في المكان أن الاستعانة بالمدني لا تشكل خطراً على حياته وذلك بعد موافقة المدني الذي سيستخدمه الجيش في العملية العسكرية. وشدد على أن "الهدف من وراء هذه الإجراءات هو تقليص احتمال المس في المدنيين وفي الجنود".

هذه هي الملامح "الأمنية" وهناك من يقول "القومجية" للمدعي العام نيتسان الذي يرسمه نتنياهو بألوان يسارية لكنها سرعان ما تذوب وتتلاشى على أرض الواقع، فهذا وذاك في هذه الحالة في نفس الخندق، وإن اختلفت المصالح، الشخصية أو المؤسسيّة، بينهما في هذا المفترق، ليس كشخصين بل كممثلي مؤسستين.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات