المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لعل أكثر ما يستفيد منه حزب الليكود، وشركاؤه الفوريون، أنه ليست أمامهم كتلة معارضة متماسكة، بل هي مجموعة كتل برلمانية متضاربة ومتناقضة في ما بينها، وقسمها الأكبر لا خلاف سياسيا أو خلاف جوهريا له مع اليمين الاستيطاني. وفقط قائمة واحدة، "القائمة المشتركة"، هي على تناقض تام مع كل السياسات الصهيونية، وكلما زادت قوتها، كما في انتخابات أيلول، فإن أزمة الائتلاف ستتعمق أكثر، خاصة إذا واصل بنيامين نتنياهو ترؤس حزبه خلال الحملة الانتخابية، وهذا مؤكد، أو بعد الانتخابات، ليكون مرشحا لتشكيل الحكومة.

وحينما نقول مجموع الكتل المواجهة لحزب الليكود، فبداية يجب إخراج حزب "يسرائيل بيتينو"، بزعامة أفيغدور ليبرمان، من هذا التعريف، لأن هذا الحزب ينافس الليكود وجميع حلفائه على التطرف السياسي؛ فهو من صُلب هذا المعسكر، إلا أن "مشكلة" هذا الحزب، والحزب هو شخص ليبرمان وحده، أنه لم تبق لديه أجندة يمتطيها للبقاء في الحلبة السياسية سوى الأجندة العلمانية، التي يتشدد بها، رغم أن هذا الحزب ومنذ ظهوره لأول مرّة على الحلبة البرلمانية، في انتخابات 1999، لوّح بالأجندة العلمانية، ولكنه خانها في كل حكومة شارك فيها، في السنوات العشرين الماضية. والمشكلة الوحيدة التي تقف عائقا بينه وبين انخراطه في حكومة برئاسة نتنياهو، هو ارتفاع منسوب التشدد الديني في هذا التحالف، وليس فقط من المتدينين المتزمتين الحريديم، وإنما أيضا من التيار الديني الصهيوني الذي يزداد تشددا دينيا. ويعرف ليبرمان أنه بعد أن هجرته الغالبية الساحقة من مصوتي المهاجرين في العقود الثلاثة الأخيرة، من دول الاتحاد السوفييتي السابق، فإن أي تراخ في أجندته العلمانية، خاصة مقارعته للحريديم، لن يبقيه في البرلمان في أي انتخابات تالية، إذ أنه في انتخابات نيسان كان قريبا من نسبة الحسم.

والحلقة المركزية في الجسم المواجه لليكود هو تحالف "أزرق أبيض"، الذي يضم ثلاثة أحزاب، أقدمها، نسبيا، "يوجد مستقبل"، بزعامة يائير لبيد، الذي تأسس قبيل انتخابات 2013، ثم حزب "مناعة لإسرائيل" بزعامة بيني غانتس، وحزب "تلم" بزعامة موشيه يعلون، اللذين تأسسا قبيل انتخابات نيسان 2019. وتم تعزيز هذا التحالف برئيس أركان الجيش الأسبق غابي أشكنازي.

ومن حيث البرنامج السياسي لهذا التحالف، على صعيد الاحتلال وسياسة الحرب والتهديد وتقديس الآلة العسكرية، لن تجد فارقا جوهريا بينه وبين الليكود، فـ"أزرق أبيض" ينادي بضم كل الكتل الاستيطانية وغور الأردن وشمال البحر الميت، في أي اتفاق دائم، وحتى أنه وافق في المفاوضات مع الليكود، قبل حل الكنيست في الأيام الأخيرة، على أن يتم ضم غور الأردن، فور تشكيل حكومة جديدة. ويبقى الفارق بينهما في الجانب العلماني؛ كما أن "أزرق أبيض" يتحفظ من مشاركة كتل اليمين الاستيطاني الأشد تطرفا، وهذا ليس موقفا جامعا لهذا التحالف، فهناك من لا يرى مشكلة في مشاركة هذه الكتل في أي حكومة تقام. ولكن تخوف "أزرق أبيض" هو من أن تشكيل حكومة تضم كل حلفاء الليكود سيجعله أقلية كبيرة في الحكومة، وهذا ما لا يريده.

القضية الأساس في هذا الجسم المواجه لليكود يتركز في مستقبل كتلتي حزبي العمل وميرتس، مع حلفاء كل واحد منهما، فكل قائمة من هاتين القائمتين لم تحقق إنجازا حقيقيا في انتخابات أيلول، بعد الضربتين اللتين تلقتهما في انتخابات نيسان. ففي تلك الانتخابات، هبط تمثيل حزب العمل من 19 مقعدا إلى 6 مقاعد، في حين تراجع تمثيل ميرتس من 5 مقاعد إلى 4 مقاعد، وكان بعيدا عن أصوات نسبة الحسم ببضعة آلاف من الأصوات. وتمهيدا لانتخابات أيلول الماضي، كان توجه في حزب العمل، بضمنه من بات رئيسا للحزب للمرة الثانية، عمير بيرتس، للتحالف مع ميرتس؛ إلا أن بيرتس انقلب على وعده بعد فوزه برئاسة الحزب، ورفض التحالف مع ميرتس، واختار التحالف مع النائبة أورلي ليفي- أبكسيس، المنشقة عن "يسرائيل بيتينو"، والتي خاضت انتخابات نيسان، وحصلت على 73 ألف صوت، ما كان يعادل مقعدين، وهذا نصف ما تتطلبه نسبة الحسم.

شاء بيرتس أم أبى، فإن رائحة الطائفية في هذا التحالف غير المتجانس مع حزب العمل كانت بارزة جدا. وكما ظهر، فإن بيرتس راهن على أصوات اليهود الشرقيين، خاصة بعد حل حزب "كلنا" برئاسة موشيه كحلون. ولكن هذا الرهان لم يحقق للحزب وحليفته شيئا يذكر، فحقا أنه عزز حضوره بقليل في بلدات وتجمعات اليهود الشرقيين، إلا أن "الغنيمة" الأكبر مما تركه حزب كحلون، عادت إلى حزب "شاس" الذي خسر هذه الأصوات في انتخابات 2015. ومقابل ما كسبه حزب العمل خسر آلافاً كثيرة من الأصوات، لذا بقي مع 6 مقاعد، منها 5 مقاعد لحزب العمل، ما يعني أن الحزب خسر عمليا تمثيلا إضافيا، وهذا حضيض جديد لتمثيل الحزب المؤسس لإسرائيل، والذي انفرد في الحكم في العقود الثلاثة الأولى لإسرائيل تقريبا (29 عاما).

في المقابل، كان إجماع في ميرتس على أهمية التحالف مع حزب العمل، ولكن أمام ما فرضه بيرتس، ورفضه للتحالف مع هذا الحزب، توجه ميرتس لتحالف آخر، أوله مع حزب "إسرائيل ديمقراطية" الذي أسسه رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك، ولكنه لم يترشح شخصيا في مكان متقدم، وبدلا منه كان في المكان الثالث في القائمة نائب رئيس أركان الجيش السابق يائير غولان، الذي أبدى مواقف قريبة نوعا ما من طروحات ميرتس. كما تحالف ميرتس مع النائبة المنشقة عن حزب العمل ستاف شافير، التي أسست حزب الخضر من جديد. إلا أن هذا التحالف لم يأت بكثير، سوى رفع تمثيل الكتلة بمقعد واحد، في حين خسر ميرتس تمثيله المباشر من 4 مقاعد في نيسان إلى 3 مقاعد. ويشار هنا إلى أن ميرتس خسر في الشارع العربي 23 ألف صوت، مما حققه في انتخابات نيسان، حينما حصل على 37 ألف صوت، وهذه أصوات أكثر من مقعد، إلا أن تلك النتيجة كانت أيضا كرد فعل غاضب على عدم تشكيل "القائمة المشتركة" في تلك الانتخابات.

والمشهد الحاصل اليوم أن عمير بيرتس يتشدد أكثر في رفضه بالتحالف مع ميرتس، ومعه حليفته أورلي ليفي، رغم أنها لم تحقق الكثير للحزب. ولا توجد مؤشرات حتى الآن لزحزحة بيرتس عن هذا الموقف، إذ أن النواب الآخرين من ذات الحزب صامتون. في حين أن تقديم القوائم سيكون في منتصف شهر كانون الثاني المقبل، ما يعني أنه لا يوجد متسع من الوقت.

وتمارس ضغوط كبيرة على الحزبين لتشكيل تحالف انتخابي، والفرضية تقول إن تحالفا كهذا من شأنه أن يغير أنماط تصويت، ويشجع جمهورا ليس قليلا في معاقل العلمانية، على الخروج إلى صناديق الاقتراع، ورفع نسبة المشاركة في التصويت بينهم؛ تماما كما حصل في الشارع العربي، بعد إعادة تشكيل "القائمة المشتركة"، والتسبب برفع نسبة المشاركة في الانتخابات من 52% في نيسان، إلى 60% وأكثر في أيلول، وحققت القائمة ثلاثة مقاعد إضافية. وهذه الزيادة اعادت توزيع المقاعد، خاصة وأن نسبة التصويت ارتفعت فقط بين العرب وتراجعت بنسبة نصف بالمئة بين اليهود.

ولكن ليس هذا فقط، فعلى ضوء نتائج أيلول، فإن الجدل قائم أيضا في التحالف الذي أقامه حزب ميرتس، الذي يريد فتح الاتفاق وإعادة ترتيب القائمة، وكما يبدو لضمان 4 مقاعد لميرتس، بضمنها النائب العربي عيساوي فريج، الذي خسر مقعده في انتخابات نيسان، وهو من مدينة كفر قاسم.

والأيام المقبلة ستكون حاسمة، لشكل خوض حزبي العمل وميرتس، فتحالفهما على الأغلب سيحقق زيادة ما، ولربما ستكون هي أيضا على حساب إعادة توزيع المقاعد، ما قد يُضعف تحالف الليكود، ولو بمقعد أو اثنين.

الحلقة الرابعة هي "القائمة المشتركة"، وكما يبدو على الأغلب فإن إعادة ترشيحها وفق تركيبتها الحزبية سيكون بشكل سلس، إذ ليس واضحا ما إذا سينشب جدل جديد حول تركيبتها. ولكن من ناحية أخرى، فإن الأجواء الشعبية حول القائمة انقلبت في الأشهر الثلاثة الأخيرة إلى الايجاب، إذ برزت قوة القائمة في الكنيست، وأن قوتها المتزايدة تساهم في عقبة تشكيل حكومة مستقرة، وفق الظروف القائمة.

ورغم أنه لا حديث إطلاقا عن مشاركة "القائمة المشتركة" في الحكومة، وهو موقف الغالبية الساحقة في القائمة، كما أن أمرا كهذا يلقى معارضة لدى الغالبية الساحقة جدا إلى حد شبه الإجماع بين كتل ونواب في الكنيست، إلا أن زيادة قوة "القائمة المشتركة" يقلص حيز المناورة البرلمانية لدى الكتل الأخرى التي تدور في فلك الحكم.

ولذا فإن الجهود ستتركز حتى يوم 2 آذار المقبل في كيفية رفع نسبة التصويت، إضافة إلى القفزة الكبيرة التي تحققت في أيلول مقارنة بانتخابات نيسان، وهناك فرصة جيدة لرفع نسبة التصويت، شرط أن تكون الأجواء في "القائمة المشتركة" مريحة لتنعكس على الشارع أكثر.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات