المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1018
  • حاييم شدمي

تعريف:
يتناول الصحافي الاستقصائي حاييم شدمي في هذا المقال المنشور في موقع "زمان يسرائيل" الحملة التي يصفها بالمكارثية والتي تقوم بها الحكومة الاسرائيلية ممثلة بوزارة الشؤون الاستراتيجية ضد كل منظمة أو شخص ينشط ضمن حملة المقاطعة، وذلك بواسطة التعاقد مع شركات في العالم يختلط تمويلها وتشغيلها بتمويل جهات سياسية إسرائيلية داخلية، وسط التستر على معلومات من حق الجمهور معرفتها.

(المحرر)

انضمت عملية جديدة في السنوات الأخيرة الى عمليات إسرائيل الغامضة والمحاطة بالسرية. إسرائيل تقوم سراً بتمويل مكاتب محاماة في جميع أنحاء العالم لمحاربة الناشطين والأنشطة التي تشمل دعوة لمقاطعة إسرائيل من قبل مواطنين أوروبيين ومنظمات غير حكومية في أوروبا (ما يُعرف باسم نشاط BDS).

على مذبح السرية الإسرائيلية، يمكن أيضا التضحية بالحقيقة. وتُظهر التجربة أنه عندما يتم تعريف شيء ما في إسرائيل بأنه "سري"، غالباً ما يتبين أنه يسعى الى إخفاء شيء أعمق وراءه، ظلامي، على وجه الدقة. وتهدف السرية إلى التستر على حدوث جنون عام والمساعدة على تبييض جرائم. والوزارة الحكومية المعنية بالشؤون الاستراتيجية والدعاية التي يترأسها الوزير غلعاد إردان وصلت حتى حدّ تعريف منظمات ونشطاء المقاطعة على أنهم "شبكة حمراء".

البرهان على وجهة نظر الدولة يتجلى في رد وزارة العدل على التماس قُدم في آب الماضي لمحكمة الشؤون الإدارية. في التماس قدمه المحامي إيتاي ماك طُلب من المحكمة أن تصدر تعليمات إلى وزارة العدل ووزارة الشؤون الإستراتيجية للكشف عن معلومات حول هوية شركات المحاماة الدولية التي تعاقدت معها الدولة في صراعها ضد نشاط المقاطعة بالإضافة إلى طبيعة الخدمة التي تقدمها هذه المكاتب إلى إسرائيل.

ويتضح من الالتماس، أنه في حين ردّت وزارة الشؤون الإستراتيجية على طلب الملتمسين في نطاق قانون حرية المعلومات، بأنها ليست شريكة في ارتباط مع "أطراف أجنبية"، فإن وثائق وزارة العدل كشفت أن المحامين الأجانب الذين تم تجنيدهم لمشروع لمحاربة مقاطعة إسرائيل "تقودهم وزارة الشؤون الاستراتيجية بمرافقة مشورة قانونية من وزارة العدل".

بالإضافة إلى ذلك، شارك مدير عام وزارة الشؤون الاستراتيجية شخصياً في المصادقة على مكاتب المحاماة التي ارتبطت باتفاقات معها وزارة العدل. بالطبع، يجب النظر إلى هذا الخداع في سياق أوسع: في حين أن الحكومة الإسرائيلية شنت معركة جماهيرية بقيادة وزارة العدل ووزيرة العدل السابقة أييلت شاكيد لسن تشريعات في الكنيست تطالب بفرض شفافية متزايدة على التمويل الأجنبي الذي تتلقاه منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل - فإنها تشارك بنفسها في تمويل سرّي من قبل كيانات أجنبية.

ليس هذا هو الأمر الوحيد المحرج الذي كشف عنه التماس ماك. فقد اتضح أنه استجابةً لطلب المعلومات وفقاً لقانون حرية المعلومات، قررت وزارة العدل إخفاء جزء من "عقد مع مكاتب محاماة وخبراء قانونيين في الخارج" لأسباب تتعلق بالخشية من الإضرار بالعلاقات الخارجية. لكن في الرد على الالتماس، تراجعت وزارة العدل عن ردها بعد أن أصبح واضحاً أن هذه المعلومات قد سبق الإعلان عنها للجمهور بقرار حكومي علني.

كذلك تبين أنه على الرغم من زعم وزارة العدل أنها، بطبيعتها القضائية، يمكن الاعتماد عليها ولا حاجة لوجود رقابة عامة على أنشطتها في هذا الشأن، فقد تم استبدال أحد مكاتب المحاماة التي اختارتها الوزارة للمشروع بسبب شبهات بوجود تضارب للمصالح.

الجنون وتشويه الوعي

تأسست وزارة الشؤون الاستراتيجية والدعاية العام 2007 ومنذ ذاك الوقت أُغلقت وأعيد تأسيسها عدة مرات، مما قد يشير إلى درجة احتياجها الحقيقية.

ولقد قالت عضو الكنيست ستاف شافير متحدثة أمام لجنة الشفافية بالكنيست في آب 2016: "نحن بحاجة إلى إشراف برلماني وجماهيري وأن صناع القرار يعرفون أنهم سيكونون عرضة للمساءلة ولن ينقلوا مكاتب وصلاحيات وزارية من وزير الى آخر كأداة تجارة سياسية دون أية علاقة للاحتياجات المهنية للدولة. لقد تم تأسيس وتفكيك الوزارة وتغيرت مجالات عملها بشكل دراماتيكي مع كل انتخابات".

وصرّحت سيما فاكنين- جيل، المديرة العامة للوزارة وضابطة الرقابة العسكرية الرئيسية سابقاً، في الاجتماع: "خلاصة القول، إن دولة إسرائيل اليوم في رأي دول العالم هي دولة مصابة بالجذام... هدفنا هو أنه حتى عام 2025 لا يعود أحد يطرح مسألة ما إذا كان لدولة إسرائيل الحق في الوجود".

تمثل هذه الأقوال خلاصة الجنون وتشويه الوعي، اللذين تم بسببهما تأسيس وزارة الشؤون الاستراتيجية على ما يبدو. إسرائيل "دولة مجذومة" بسبب الاحتلال والفصل العنصري الآخذ في الظهور، بسبب اضطهاد مجموعات من السكان والانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان المتعارف عليها في نظام ديمقراطي، وبسبب عدم اعترافها بحق الآخرين التناظري في تقرير المصير ولا بحقهم في الوجود. لا، إن إسرائيل ليست تحت تهديد لحقها في الوجود؛ إذا أصرت على التصرف بالطريقة التي تعمل بها، فقد تكون هكذا في عام 2025، وحتى هذا أمر مشكوك فيه للغاية.

إن اختيار تعريف مدنيين ومنظمات غير حكومية في أوروبا على أنهم "عدو" وشبكة "حمراء"، هو أكثر من كونه اختيارا بائسا، فهو انعكاس لنفس الجنون. يقول ماك إنه اختيار يسترجع ذكريات سيئة عن الماضي ويذكر أنه على مدار عقود، قدمت إسرائيل مساعدة لديكتاتوريات في جميع أنحاء العالم لغرض ملاحقة واضطهاد "الحمر" أو مَن يُشتبه في دعمهم لهم - من تشيلي بزعامة بينوشيه، الكونغو بزعامة موبوتو ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وصولا إلى ماركوس في الفلبين.

يوم إجراء البحث والنقاش في الكنيست، لم يكن لدى وزارة الشؤون الاستراتيجية موقع على شبكة الإنترنت، أي بعد حوالي عقد من تأسيسها. وهذه وزارة، بحكم تعريفها، من المفترض أن تستخدم أدوات إعلامية.

لقد طُرح أمر وزارة الشؤون الاستراتيجية واهتمامها في تقرير مراقب الدولة للعام 2015. و"حتى نهاية العام 2015، كان هناك عدم وضوح بشأن تقسيم الصلاحيات والموارد بين وزارة الخارجية ووزارة الشؤون الاستراتيجية فيما يتعلق بتركيز معالجة القضية، والملخصات التي تم التوصل إليها في هذا الصدد بين الوزارتين في عام 2012"، كما جاء في تقرير المراقب.

وفقاً لقرار الحكومة، تعاقدت وزارة الشؤون الاستراتيجية في عام 2018، مع شركة "كيلع شلومو" لصالح "مشروع غير ربحي ... لكي تعمل من أجل مكافحة نزع الشرعية". بموجب العقد، ستصوغ "كيلع شلومو" خطة عمل تخضع للموافقة عليها من قبل لجنة توجيه مشتركة وستعمل للعثور على شركاء إستراتيجيين لتمويل المبادرة والمشروعات، وكذلك أطراف ثالثة، من مهنيين "مع خبرة عالية المستوى وتجربة مثبتة في هذا المجال" و "تجنيد شركاء جدد وتشكيل علاقات جديدة".

40 مليون شيكل سنوياً لوزارة حكومية مهمتها جمع تمويل أجنبي!

يصل المبلغ الإجمالي الذي خصصته الدولة لهذا العقد إلى 128 مليون شيكل على مدى ثلاث سنوات. بمعنى آخر، تخصص الدولة أكثر من 40 مليون شيكل سنوياً لوزارة حكومية تتمثل مهمتها في جمع تمويل أجنبي للنشاط الذي تسعى هي نفسها للقيام به. هكذا يبدو الخلط ما بين الخصخصة والباب الدوار. سوف ينمو الفساد دائماً في مكان تسوده القيم المعطوبة وانعدام الأخلاق. سوف يأتلفان معا لنشاط مشترك.

في أعقاب الارتباط بين الشركة ووزارة الشؤون الاستراتيجية، تقدم المحامي شاحر بن مئير في أيلول 2018، بشكوى الى المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت. تقول الشكوى: "يتضح أن بعض الهيئات السياسية المشاركة في الحملات السياسية في إسرائيل - وبعض تلك الحملات ذات سمات فاشية - تموّل ميزانية الدولة ونشاط الحكومة، بطريقة تجعل تمويل الميزانية الأساسية لوزارة حكومية يجري من قبل جهات سياسية ذات مصالح سياسية في إسرائيل".

وكشف التقرير المالي لشركة "كيلع شلومو" للعام 2017 أنه تقف خلف ميزانيته مؤسستان فقط؛ الأولى هي "الصندوق المركزي لإسرائيل"، والتي تبرعت بمبلغ مليون شيكل في عام 2016 لحركة "إم ترتسو". والمؤسسة الثانية "صندوق إسرائيلي واحد"، والتي تبرعت هي الأخرى لحركة "إم ترتسو".

لقد ضحك شاحر بن مئير عندما سئل هذا الأسبوع عن مصير شكواه. وقال "لا أتذكر ما إذا كان المستشار القانوني أو وزارة العدل قد ردا أصلا، ولو ردا، ماذا جاء في ردهما، لكن المؤكد أنهما لم يفعلا شيئاً بشأن الشكوى".

بالمناسبة، الشخص الذي أسيس "كيلع شلومو" في العام 2016 هو يوسي كوبرفاسر، رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية سابقاً. لكنه كان بين 2011 و2016 مدير عام نفس الوزارة للشؤون الاستراتيجية. وبمناسبة الحديث عن الأبواب الدوّارة، تم الكشف عن أن الوزير غلعاد إردان قد كرس العديد من الاجتماعات في عام 2018 لإنشاء "كيلع شلومو"، والتي تعرّف بأنها "شركة خاصة لصالح الجمهور".

خطر تشكّل "منحدر زلق" غير ديمقراطي من التستّر والإخفاء والتوجه العسكري

عودة إلى توجه ماك إلى وزارتي العدل والشؤون الاستراتيجية للحصول على المعلومات، والإجراءات القانونية التي تم فتحها بعد رفض الوزارتين الاستجابة للطلب، فقد تم فرض رقابة على الوثائق التي قدمتها وزارة العدل إلى المحكمة لتجسيد ادعاءاتها، لكي تكون متاحة للقضاة فقط. ومع ذلك، وبسبب رقابة فضفاضة، كشفت الوثائق عن أن شركات المحاماة في العالم كانت مطالَبة بتقديم تمثيل قانوني، وإعداد آراء قانونية وتقديم مشورة قانونية.

وفقاً لماك، وزارة العدل ملزمة بالشفافية تجاه الجمهور الإسرائيلي، الذي يحق له معرفة من الذي تدفع له الدولة ملايين الشواكل وما هي الخدمة المقدمة مقابل ذلك. كان هناك أيضاً خطر تشكّل "منحدر زلق" غير ديمقراطي من التستّر والإخفاء، والتوجه العسكري، والخلط بين تعريفات في وزارة العدل ووزارة الشؤون الاستراتيجية التي تقود المشروع. فقد كانت فاكنين- جيل المذكورة وصفت سياسة اسرائيل في العالم بأنها "معركة عسكرية" وقارنت نشاطها بعملها في الجيش ضد الإرهاب. وأضافت أنها تستخدم في عملها مناهج عمل سلاح الجو في جمع المعلومات الاستخباراتية، الدعاية والهجوم.

إن المكارثية والفساد دائما يسيران معا. الوزارة الحكومية مدرجة في الميزانية. وترسل الوزارة أذرع لها خلف الحدود. وأولئك الذين يستمتعون بالمال العام لدافعي الضرائب هم غالبا دافعو الضرائب في بلدان أخرى.

بعد ذلك أقيمت شركة مرافق عامة كان من المفترض أن تكون في الواقع أنبوبا، مقاولا فرعيا، لعمليات الوزارة في العالم. والنتيجة الفعلية هي أن الشركة تجعل الوزارة الحكومية فائضة عن الحاجة.

من قام بتأسيس الشركة "من أجل الصالح العام" هو الشخص الذي كان حتى ذلك الحين مدير الوزارة الحكومية، والذي شارك بوضع السياسة واتخاذ القرارات. أما بصفته مؤسس الشركة، فيشرف اليوم على تنفيذ نفس السياسة.

هذا هو جوهر أيديولوجية نتنياهو الحقيقية وشركائه في رأسمالية الشركات العابرة للدول: تجفيف واستنزاف الديمقراطية والوزارات الحكومية من المضمون؛ بعد بضع سنوات، يقف الناس ويقولون، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا أحتاج حتى إلى هذا المنصب؟ نظام الصحة العامة، والتعليم، والجميع يعمل على هذا المبدأ. في وقت ما يقيمون وزارة حكومية كلها صفقات وهمية ووظيفتها الحفاظ على الورطة.

إن هذا الأخطبوط أعمى عن وعي للواقع. ويجب عليه أن يجعل الجمهور أعمى. والجمهور اللاواعي أعمى. ثم يرسل الأخطبوط الأذرع في رحلة حول العالم. هناك يؤجج ما ابتكره بنفسه ويجعل الجمهور الأعمى يعتقد أن هناك تهديداً يحاربه. والوزارة الحكومية تفي بالغرض منها. ووزارة الشؤون الاستراتيجية هي انعكاس تام للوعي والسياسة الإسرائيليين.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات