المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تناول عدد قليل جدا من المقالات الدور الحاسم لرئيس المحكمة العليا الإسرائيلية الأسبق، مئير شمغار، في تكريس نظام الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1967، بل وقيامه قبل الاحتلال بوضع البنية التحتية لهيكله القضائي!
فيما يلي مقالان بارزان تناولا بالنقد الجريء هذه الصفحات القاتمة من سجلّ من تتوّجه نخب إسرائيل بأنه "أعظم العظماء" و"سيّد الإجماع".

ففي مقال للمحامي ميخائيل سفارد، المختص في قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والذي يترافع عن منظمات ونشطاء حقوق إنسان، كتب أن هذا القاضي قد "حارب لمنح شعبه حقوقاً وحرمانها من الشعب الآخر".

فيما يلي ترجمة خاصة لنص المقال:

لقد وضع الراحل مئير شمغار بصمته على النظام القانوني الإسرائيلي أكثر من أي رجل آخر من قبله. كان تعيينه قاضياً في المحكمة العليا - بعد أن شغل مناصب مهمة أخرى مثل كبير المحامين العسكريين والنائب العام – أهم عمليات تبادل للأجيال التي حدثت في المحكمة العليا منذ تعيين قضاة فترة إقامة الدولة.

بصفته قاضيا في المحكمة العليا ورئيساً لها، صمم المحكمة العليا كمحكمة ناشطة/فاعلة، لا تخشى من التدخل في قرارات الحكومة وإلزام السلطة التنفيذية باعتماد حكم القانون بمعناه العميق والهادف. إنه مسؤول إلى حد كبير عن شخصية القضاء الإسرائيلي باعتباره مستقلاً ومحترفاً، ومعقلاً لحماية الحريات الفردية في إسرائيل داخل نطاق الخط الأخضر. وقاد مع نائبه أهارون باراك الاعتراف بصلاحية المحكمة في إبطال القوانين التي تنتهك قانون الأساس: كرامة الإنسان وحريته وقانون الأساس: حرية العمل، مما عزز الثورة الدستورية التي يحاول البعض اليوم تذويبها وسحقها.

هكذا سعى العديد من أصدقائه وأحبائه إلى تذكره هذا الأسبوع: عملاق وضع بقوّة ذكائه وقيمه الأساس لنظام قضائي تقدمي وديمقراطي وليبرالي. حارس البوابة الأكثر أهمية وقوة في المنظومة الحكومية الإسرائيلية.

هذا الوصف غير مخطوء، لكنه غير كامل. كما هو معروف، يجب أن يقول الشاهد ليس فقط الحقيقة بل الحقيقة كاملةً. والحقيقة الكاملة هي أن شمغار ترأس نظامين قانونيين - وليس نظاما قانونيا واحداً.

شرعن طرد وترحيل الناشطين الفلسطينيين

في موازاة إنجازاته المذكورة والدفاع الذي وفرته محكمة شمغار لحريات الطبقة الوسطى الأشكنازية (حرية التعبير، والحرية من الإكراه الديني، ومكافحة الفساد الحكومي، إلخ)، حوّل شمغار المحكمة العليا إلى حليف لمؤسسة الأمن، وكانت على استعداد للمساعدة في تعميق الحالة الأخرى لنظام إسرائيل - تلك التي تسيطر على حيّزات الاحتلال والاستيطان. هناك، تبرع المدّعون والقضاة الإسرائيليون (وما زالوا يتبرعون) على حساب مواهبهم ومكانتهم على حساب انتهاكات حقوق الإنسان القاسية التي لا تغتفر.

كان شمغار، الذي تم طرده بنفسه من قبل البريطانيين بسبب أنشطته السرية (في منظمة الإتسل)، هو رئيس المحكمة العليا الذي عمل على إضفاء الشرعية على استخدام ترحيل وطرد الناشطين الفلسطينيين (بما في ذلك من وزعوا منشورات وكانوا ناشطين على مستوى الأحياء) كأداة لتفكيك المقاومة للاحتلال.
بصفته كبير المدعين العسكريين، أعد سلفاً، في الصناديق العسكرية التابعة لمكتب المدعي العام، المنشورات والأوامر والتعليمات التي ستشكل الإطار القانوني الذي سيتم تطبيقه في حالة احتلال إسرائيل لمناطق جغرافية خلال الحرب. بصفته المستشار القانوني للحكومة، سوف يقوم بمناورة النظريات القانونية التي ستهرّب من إسرائيل من تطبيق اتفاقية جنيف في الأراضي المحتلة.

وكقاضٍ، قام في أحكامه بإضفاء شرعية على كل الإجراءات الوحشية تقريباً التي اتخذها النظام الأمني لسحق المنظمات السياسية والعسكرية للخاضعين للاحتلال ولإرساء وتكريس السيطرة الإسرائيلية على المحتلين والأرض المحتلّة على مدى أجيال. هدم منازل عائلات المشتبه بهم؛ الاعتقالات الإدارية بالجملة؛ نزع ملكية الأراضي وإقامة المستوطنات؛ التعيين غير الديمقراطي لرؤساء البلديات؛ فرض حظر التجول وفرض الضرائب – هؤلاء جميعهم كانوا أبناءه!

لا يوجد أحد مثل الراحل مئير شمغار الذي يجسد في شخصيته وسيرته المفارقة الصهيونية بأشدّ قوّتها- مفارقة حركة تنهل من البئر المفاهيمية لحق الشعوب في الحرية السياسية من جهة، وإنكار هذه الحرية عن شعب آخر من جهة أخرى. شمغار هو الرجل الذي ناضل وقدم تضحيات شخصية بالغة من شبابه وطوال حياته من أجل حرية شعبه وتقرير مصيره، بينما عمل في الوقت نفسه بقوة ومنهجية كمستشار قانوني للحكومة، كقاضٍ وكرئيس للمحكمة العليا، لحرمان تلك الحريات والحقوق ذاتها من الملايين الآخرين.

كان طبق الفضة الذي تم عليه تقديم الاحتلال لإسرائيل والعالم

وتحت عنوان "الأب الروحي الأكبر للأراضي المُدارة" يكتب الصحافي جدعون ليفي في خلاصة مقاله عن وفاة رئيس المحكمة العليا الأسبق وربما الأبرز: "إن إسهام شمغار في حماية حرية التعبير والدفاع عن حقوق المواطن والنشاط والقيم المهمة الأخرى لن يُنسى له بالطبع. ولكن في يوم الحساب لا يمكننا عدم ذكر الشخص الذي شرعن المظالم وعرف كيفية تغليفها بكلمات قانونية سامية، العدل والمساواة، قيم لم تكن ولن توجد في الفناء الخلفي المظلم لإسرائيل، التي دافع عنها شمغار، بروحه وشخصيته".

وقد فسّر قبل ذلك بأن "الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967 مدين جدا لرئيس المحكمة العليا الأسبق، مئير شمغار. لولا إسهامه لما كان الاحتلال سيعيش فترة طويلة جدا كهذه. ولولا الشرعية التي منحها إياه، ربما كان سيتم القضاء على هذه الجريمة منذ زمن. في (مستوطنتي) أريئيل وإيتمار يجب أن تسمى شوارع على اسمه. ومن جنين حتى رفح يجب اعتباره وصمة عار مدى الحياة"، ويفسّر قائلا إن شمغار كان "طبق الفضة الذي تم عليه تقديم الاحتلال لإسرائيل والعالم: كان طبقاً باردا، نزيها، مغلفا بالسيلوفان اللامع، مع مظهر قانوني مزيف، جميل ومتنور، مغسول ومكوي. من دون هذا الغلاف كان خجل كبير سيلف كثيرا من الإسرائيليين ويجعلهم يكرهون الاحتلال ويحاربونه. لولا شمغار والمحكمة العليا لكان العالم أيضا سيعترف في وقت مبكر أكثر بانعدام الأخلاق الذي يختبئ خلف مغسلة شمغار".

في بداية الستينيات أعد البنية التحتية القانونية لاحتلال متوقع

يرى ليفي أنه "ليس مفاجئا أن إسرائيليين كثيرين، من جميع الأطياف، قد قدروه واحترموه بهذا الشكل. لقد قام من أجلنا بالعمل الأهم بعد العمل العسكري للاحتلال. لقد مكن من تخليد الاحتلال. شمغار والمحكمة العليا التي تشكلت وفقا لروحه، منحا الاحتلال الأمر الوحيد الذي كان ينقصه وهو الشرعية. بفضل شمغار يمكن أن تكون مع الاحتلال وأن تشعر بأنه غير موجود؛ منذ بداية أيامه قضى بأن الأمر لا يتعلق باحتلال، وأن ميثاق جنيف الرابع لا يسري عليه، بالضبط مثلما يدعي الآن المتطرفون من اليمين. لا يوجد تقريبا أي رجل قانون جدي في العالم اشترى هذا الغباء".

ليفي يكتب أن شمغار توقع الاحتلال أيضا: "في بداية الستينيات أعد المدعي العسكري شمغار البنية التحتية القانونية لاحتلال متوقع، دون أن ينكر شرعيته. وهو أيضا منح المناطق الاسم الخالد: المناطق المُدارة. غير محتلة وغير حرة. شيء ما في الوسط. هكذا أحببنا المناطق، مؤقتة، وأوراقا للمساومة، فقط إلى أن يتم إيجاد الشريك الفلسطيني المأمول، بعد لحظة أو لحظتين وربما ثلاث لحظات. حتى ذلك الحين مسموح لنا السيطرة عليها كما نشاء. شمغار سمح بذلك. وخلف التعبير الذي صكه اختبأت إحدى خدع الاحتلال الكبرى: خدعة المؤقت، أنه بعد لحظة سينتهي".

ويشير ليفي إلى أن شمغار "لم يكن مستوطنا فظا أو عنصريا وحشيا"؛ لقد كان "بن غوريون الجهاز القضائي، مثلما قام بتأبينه أفضل ورثته، أهارون باراك. عرف مثل دافيد بن غوريون بالضبط كيف يضع بصماته دون أن يترك آثارا على جوانب ظلامية. عبقريته الحقيقية كانت في تشكيل الصورة الليبرالية والمتنورة له وللمحكمة. ها هو شمغار يمكن الفلسطينيين من التوجه للمحكمة العليا، وهو أمر غير مسبوق في العالم. الجميع كانوا مأسورين بسحره هذا، يوجد للشعب الواقع تحت الاحتلال الحق في المقاضاة في محكمة العدل العليا. اجل «العدل» أيضا هنا اختفى بتحايل كبير. ساعدت هذه العملية في طمس الخط الأخضر. الجميع متساوون أمام المحكمة وجميعهم لهم حق في المقاضاة، سكان الخضيرة وسكان مخيم جباليا".

يتساءل ليفي: "بماذا أفاد حق المقاضاة الفلسطينيين؟ كم مرة وقفت المحكمة العليا إلى جانبهم ودافعت عن حقوقهم؟ وكم مرة وقفت إلى جانب المستوطنين؟ متى لم تكن خاتما مطاطيا تلقائيا أمام جهاز الأمن؟". ويقول إنه "حتى الطرد المشين لـ 414 شخصا من أعضاء حماس إلى لبنان في العام 1992 صادقت عليه المحكمة العليا بالإجماع، برئاسة شمغار. هذا هو شمغار الذي قال ذات مرة، إنه قرر تكريس حياته للقضاء العام، بعد اعتقاله اداريا من قبل البريطانيين وتم إبعاده إلى أريتريا. منذ ذلك الحين اعتقلت إسرائيل، بتشريع من محكمة العدل العليا، عشرات آلاف الفلسطينيين اعتقالا إداريا، بالضبط مثل البريطانيين الذين اعتقلوا شمغار، لكن كيف يمكن المقارنة؟".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات