المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أعلنت وزارة العدل الإسرائيلية، أمس الأول الأحد، أن المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، حاول إرسال مواد التحقيق في ملفات رئيس الحكومة والمكلف بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بنيامين نتنياهو، إلى المحامي نيفوت تل تسور رئيس طاقم الدفاع عنه (يضم خمسة محامين من الصف الأول في إسرائيل، أحدهم قاض سابق في المحكمة المركزية في تل أبيب، هو عوديد مودريك) إلا أن الأخير رفض استلامها. ووصف بيان الوزارة هذا الرفض بأنه "مستهجَن"!

في الأسبوع الماضي، تقدم محامو الدفاع عن نتنياهو بطلب رسمي إلى مندلبليت لتأجيل موعد البدء في "جلسات الاستماع" من أوائل تموز ـ كما هو مقرر ـ إلى نهاية أيلول، لأنهم لم يحصلوا حتى الآن على أي جزء من أجرة أتعابهم المستحقة عن عملهم في هذه الملفات الثلاثة التي كان مندلبليت قد أعلن أن ثمة شبهات تبرر تقديم لوائح اتهام جنائية ضد نتنياهو بشأنها.

للتذكير: أعلن المستشار القانوني للحكومة، مندلبليت، في شهر شباط الأخير، عن نيته تقديم لوائح اتهام جنائية ضد رئيس الحكومة، نتنياهو، في ثلاثة من الملفات التي انتهى التحقيق معه بشأنها، وذلك بعد إجراء جلسات استماع، كما يقتضي القانون. أما التهم التي حددها مندلبليت، في ما أطلق عليه "كتاب الشبهات" الذي وجهه إلى نتنياهو ومحامي الدفاع عنه في شباط الماضي، فهي: الحصول على رشوة، الغش والاحتيال وخيانة الأمانة؛ وذلك في القضايا التي أصبحت معروفة بالأسماء التالية: * "ملف 4000" ـ قضية العلاقات بين نتنياهو ومالك شركة "بيزك" للاتصالات وموقع "واللّا" الإخباري، شاؤول ألوفيتش؛ * "ملف 2000" ـ العلاقات بين نتنياهو ومالك صحيفة "يديعوت أحرونوت" وموقع "واي نت"، نوني موزيس؛ * "ملف 1000" ـ العلاقات بين نتنياهو ورجليّ الأعمال أرنون ميلتشين وجيمس باكر.

محاولات تكتيكية للضغط وكسب الوقت

كان محامو الدفاع عن نتنياهو قد طلبوا من المستشار القانوني تأجيل موعد البدء بجلسات الاستماع (قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن تقديم لوائح الاتهام أو عدم تقديمها، كما يقتضي القانون) حتى تتم تسوية مسألة أجرة أتعابهم، التي لم يدفع لهم نتنياهو منها حتى الآن أية حصة. وفي هذا الإطار، أحجم محامو الدفاع حتى الآن عن استلام مواد التحقيق مع نتنياهو (وفق أحكام القانون الجنائي) رغم أنها قد أصبحت جاهزة منذ أكثر من شهر، كي يتمكنوا من دراستها والاستعداد للرد على ما فيها والطعن في صحتها سعياً إلى إقناع مندلبليت بعدم توفر أي أساس قانوني لتقديم لوائح الاتهام ضد نتنياهو.

وذكّرت وزارة العدل بأن نتنياهو نفسه هو الذي طلب تأجيل تسليم مواد التحقيق المذكورة إلى محامي الدفاع عنه إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية (التي جرت في التاسع من نيسان الماضي) "بسبب خشيته من تسربها/ تسريبها واستغلالها من قبل خصومه في معركة الانتخابات" وأن مندلبليت قد استجاب لهذا الطلب، علماً بأن الأخير كان قد حدد لمحامي الدفاع عن نتنياهو مهلة من ثلاثة أشهر لدراسة المواد والاستعداد لجلسات الاستماع.
لكن مندلبليت كان قد أوضح في وقت سابق أن مسألة دفع أجرة أتعاب محامي الدفاع "لا يمكن أن تكون مبررا وجيها للمماطلة في استلام مواد التحقيق، كما لا يجوز أن يكون لها أي تأثير على موعد إجراء جلسات الاستماع".

يشار إلى أن مسألة دفع أجرة أتعاب المحامين ترتبط بموضوع آخر هو طلب نتنياهو التصريح له بالحصول على تبرعات بمبلغ مليونيّ دولار لتغطية أجرة المحامين ومصاريف المحاكمة الأخرى في حال تقديم لوائح اتهام ضده. ومن الواضح أن الامتناع عن دفع أي جزء من أجرة المحامين حتى الآن، كما الامتناع عن استلام مواد التحقيق، يشكلان وسيلة ضغط يستخدمها نتنياهو الآن للدفع نحو منحه التصريح المذكور، من جهة، ولكسب الوقت من أجل ترتيب أوراقه الداخلية في كل ما يتعلق بالتشكيلة الائتلافية الجديدة وهوية الشخص الذي سيتولى منصب وزير العدل في حكومة نتنياهو الجديدة، بكل ما في هذا المنصب من قوة وقدرة على التأثير على مجريات الأمور وتطورها في كل ما يتعلق بملفات التحقيق ولوائح الاتهام الجنائية المحتملة ضد نتنياهو.

المنصب والقانون والتقاء المصالح

في الأثناء، تتواصل المشاورات الائتلافية في السعي نحو تشكيل ائتلاف حومي جديد في إسرائيل، فيما تشكل حقيبة وزارة العدل وهوية الشخص الذي سيحملها في الحكومة الإسرائيلية الجديدة إحدى القضايا المركزية والأكثر أهمية التي تدور حولها هذه الاتصالات والمشاورات الائتلافية. ومما يتسرب عن هذه المشاورات، حتى الآن، يبدو أن الشخصين الأكثر ترجيحاً لاستلام هذه الحقيبة هما: ياريف ليفين (الليكود) وبتسلئيل سموتريتش ("الاتحاد القومي"). وهذان، بالذات، من أبرز السياسيين الإسرائيليين الذين يشنون حرباً ضروساً ضد الجهاز القضائي بأذرعه المختلفة (المحاكم، وفي مقدمتها المحكمة العليا، النيابة العامة والمستشار القانوني للحكومة) ولا يتوقفون عن تأكيد رأيهم بضرورة إجراء تغييرات جوهرية، بنيوية ووظيفية وشخصية، في هذا الجهاز. هذه التغييرات، التي سيكون بعضها بعيد المدى وعميق الأثر بصورة حادة، ستكون لها، دون أدنى شك، تأثيرات وانعكاسات مباشرة وفورية حادة على مكانة رئيس الحكومة ووضعه القانوني على خلفية الشبهات التي قد تتبلور إلى لوائح اتهام جنائية خطيرة ضده.

من المعروف أن القانون الإسرائيلي ذا الشأن لا يلزم رئيس الحكومة بتقديم استقالته ومغادرة منصبه حتى لو قُدمت لائحة اتهام جنائية بحقه. فبموجب "قانون أساس: رئيس الحكومة"، يستطيع رئيس الحكومة الاستمرار في إشغال منصبه وتأدية مهامه بصورة اعتيادية، حتى لو قُدمت لائحة اتهام جنائية ضده، بل وحتى في موازاة الإجراءات القضائية الجنائية ضده وبالتزامن معها (أي، خلال محاكمته جنائياً). أما في حال إدانته في المحكمة بمخالفة جنائية تقرر المحكمة أن فيها وصمة عار، فعندئذ للكنيست صلاحية عزله من منصبه، بأغلبية أصوات أعضائه. وأما إذا أصبح قرار الحكم القضائي نهائيا بصورة مطلقة (أي، لم يعد بالإمكان الاستئناف عليه)، فعندئذ يتم إنهاء ولايته وعزله من منصبه بصورة فورية، طبقا لأحكام القانون.

لكن، رغم هذا كله، قد يضطر نتنياهو إلى فعل ذلك مرغماً إذا ما نشأ وضع تعيق فيه مجريات المحاكمة أداءه السليم والطبيعي في إدارة شؤون الدولة، أو إذا ما انتهت المحاكمة بإدانته قضائياً (وأصبحت هذه الإدانة نهائية، بعد الاستئناف عليها)، إذ أن القانون لا يسمح له بالاستمرار في منصبه هذا، بل يلزمه بتقديم استقالته.

قد تبدأ جلسات الاستماع لدى المستشار القانوني في تموز أو أيلول القادمين، تبعاً لقرار المستشار بشأن طلبات التأجيل المذكورة، والتي سيحاول نتنياهو ومحامو الدفاع عنه إقناع المستشار بعدم توفر الأدلة القانونية الكافية لتقديم لوائح اتهام جنائية بحقه وسيستغرق القرار النهائي في هذا الشأن، دون شك، أشهراً طويلة أخرى. لكن مما لا شك فيه، أيضا، أن نتنياهو، الذي فرغ للتو من "حرب" الانتخابات البرلمانية الأخيرة وخرج منها المنتصر الأكبر، لا يضع "كل بيضاته" في سلة إجراء الاستماع وجلساته وإنما يحاول، في حربه (لا مجرد معركة!) القانونية ـ السياسية الجديدة، امتلاك واستخدام كل ما يمكن أن يتاح له من الأسلحة، السياسية والقانونية على حد سواء، ناهيك عن الشعبية والشعبوية طبعاً. ويفضل نتنياهو، مما يمكن قراءته من تصريحاته وتصرفاته وأدائه خلال الشهور الماضية وفي عملية المشاورات الائتلافية الحالية، استباق أي قرار بتقديم لوائح اتهام جنائية بحقه وإجهاضه قبل تبلوره، بل خلق وضع سياسي ـ قانوني جديد يؤدي إلى إلغاء الحاجة إليه أصلاً.

وفي هذه النقطة، تحديداً، تلتقي مصلحة نتنياهو، رغبته وإرادته وخطته مع الأهداف والبرامج الكبيرة التي يطرحها المرشحان الأبرزان لتولي منصب وزير العدل في الحكومة الجديدة. فما هي الإمكانيات والبدائل القانونية المتاحة أمام هؤلاء لمحاولة ضمان إنقاذ/ تخلص نتنياهو من سيف لوائح الاتهام الجنائية وما هي فرص نجاحها؟

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات