المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 846

ثمة ثلاثة بدائل قانونية مركزية متاحة أمام رئيس الحكومة ووزير العدل الجديد في حكومته المقبلة لمحاولة تخليص بنيامين نتنياهو وإنقاذه من براثن لوائح الاتهام الجنائية التي قد يقرر المستشار القانوني للحكومة تقديمها بحقه في نهاية المطاف.

وتتمحور هذه البدائل الثلاثة في سدّ الطريق أمام هذه الإمكانية (تقديم لوائح الاتهام) وجعلها غير ذات معنى أو جدوى، إطلاقاً، بمعنى إلغاء احتمال حصولها. 

وهذه البدائل هي:

1. "القانون الفرنسي"

صرّح بعض المرشحين لإشغال منصب وزير العدل في حكومة نتنياهو الجديدة بأنهم ينوون العمل والدفع من أجل تشريع "القانون الفرنسي" في الكنيست الإسرائيلي ـ وهو القانون الذي يمنح رئيس الحكومة حصانة كاملة وشاملة من أية محاكمة خلال فترة إشغاله منصبه. ومع تقدم المشاورات الائتلافية لتشكيل حكومة نتنياهو الجديدة، يُطرح سؤال مركزي عما إذا كانت الاتفاقيات الائتلافية الجديدة ستتضمن بنداً خاصاً يلتزم بموجبه الشركاء في الائتلاف الجديد بتأييد تشريع هذا القانون في غضون فترة زمنية قصيرة بعد تشكيل الحكومة الجديدة وتأدية أعضائها اليمين الدستورية أمام الكنيست. وإذا كان الجواب على السؤال السابق إيجابياً، يبقى سؤال آخر يتعلق بمضمون القانون ونصه في هذه الحالة وهو: هل سيتشمل بنداً خاصاً يقضي بسريان مفعوله على نتنياهو نفسه، رغم قرار المستشار القانوني تقديم لائحة اتهام بحقه، طبقا لما يفضي إليه إجراء الاستماع؟ هذا مع العلم أن القوانين الجديدة في إسرائيل تكون، إجمالاً، نافذة المفعول مستقبلاً ولا تسري على ما سبق تشريعها.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يُطرح فيها هذا القانون ("القانون الفرنسي") على طاولة البحث في إسرائيل، بل موجود عليها منذ العام 2017، على خلفية التحقيقات الجنائية مع نتنياهو نفسه. فقد تقدم عضو الكنيست دافيد أمسالم (الليكود) آنذاك باقتراح يقضي بتجميد جميع التحقيقات الجنائية التي كان قد بُدء بإجرائها مع نتنياهو طالما هو يشغل مهام منصبه الحالي (رئيسا للحكومة) وذلك بحجة "تمكينه من إدارة شؤون الدولة بصورة سليمة"! لكن معارضة المستشار القانوني للحكومة، مندلبليت، وآخرين من كبار المسؤولين في الجهاز القضائي إضافة إلى عدد كبير من أعضاء الكنيست، لهذا الاقتراح أدت إلى إسقاطه من جدول الأعمال و"دفنه".

في أعقاب ذلك، خرج نتنياهو نفسه بتصريحات علنية قال فيها إنه "غير معني، شخصيا، بأي قانون يخص التحقيقات الجنائية الجارية بشأنه". لكن تطورات كثيرة وخطيرة حصلت منذ ذاك اليوم، في مقدمتها بالطبع قرار مندلبليت تقديم لوائح اتهام ضد نتنياهو في ثلاث من القضايا الخطيرة، طبقا لنتائج جلسات الاستماع.

لن يكون في وسع هذا القانون إسعاف نتنياهو بالطبع إلا إذا تم تضمينه ـ كما أشرنا أعلاه ـ بنداً خاصاً يقضي بسريان مفعوله بأثر رجعي، بمعنى سريان نصوصه وأحكامه على تحقيقات جارية حالياً وعلى القرار التالي لإجراء الاستماع.

عن هذه الإمكانية يقول أحد المحامين الكبار في النيابة العامة إن "القانون الفرنسي" يسري، عادة، على تحقيق لم يجر بعد أو قد بدأ للتو وما زال في بدايته فقط، ولذا فهو يتعلق بكل ما يأتي بعده على طول الطريق في مراحل الملف الجنائي المختلفة. ويضيف: "سيكون من الصعب جدا صياغة نص القانون على نحو يشمل المرحلة الحالية التي وصلت إليها الملفات الجنائية الخاصة بنتنياهو. سيكون هذا، إذا ما حصل، بمثابة محاولة لإغلاق الحظيرة بعدما فرت منها الحيوانات هاربة"!

في المقابل، يختلف محام كبير آخر في النيابة العامة نفسها مع هذا الرأي ويقول إنه "من المؤكد أنه بالإمكان سن قانون يحمي من المحاكمة الجنائية حتى في المرحلة التي يقف فيها نتنياهو وملفاته الآن. ليس ثمة أي مانع جدي لهذا. لا شك أن قانوناً كهذا سيخضع، في حال سنّه، إلى رقابة قضائية من جانب المحكمة العليا، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت المحكمة العليا ستختار التدخل في هذا الموضوع أم لا. وفي الأثناء، ستنقضي فترة زمنية طويلة جدا دون تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو بالطبع، ما يعني أن الهدف ـ كسب / إطالة الوقت أو تأجيل الإجراءات ـ سوق يتحقق فعلياً".

ويرى البروفسور ميغيل دويتش، أستاذ القانون في جامعة تل أبيب، أن "الحديث يدور هنا حول قانون إشكاليّ جداً". ويوضح: إذا ما تم سنّ هذا القانون (القانون الفرنسي) فعلاً، فسينطوي على مسّ بمبدأ سيادة القانون، وخصوصا بسبب طابعه الشخصي الواضح تماما من عملية تشريعه في هذا الوقت بالذات". ويتفق دويتش مع الرأي القائل بأن المحكمة العليا لن تتدخل، على الأرجح، في مسألة سن هذا القانون "لأنه لا ينطوي على مس بأي من حقوق الفرد الأساسية".

2. قانون الحصانة البرلمانية

ينص قانون الحصانة البرلمانية (حصانة أعضاء الكنيست)، في صيغته الحالية، على أن الخيار الافتراضي هو عدم سريان الحصانة، وإنما يتعين على عضو الكنيست الطلب من الكنيست الاعتراف بحصانته البرلمانية. وقد تعالت، مؤخرا، أصوات تدعو إلى قلب الآية وإعادة الوضع القانوني إلى ما كان عليه حتى العام 2005، أي إجراء تعديل قانوني يجعل الخيار الافتراضي هو سريان الحصانة بصورة كاملة شاملة؛ وإذا ما أرادت الدولة محاكمة عضو كنيست وتقديم لائحة اتهام ضده، يتعين عليها (الدولة ـ المستشار القانوني للحكومة) الطلب من الكنيست إسقاط الحصانة البرلمانية عن عضو الكنيست المعني.

بإمكان رئيس الحكومة، نتنياهو أن يطلب من الكنيست (أغلبية أعضائه) منحه الحصانة في وجه المحاكمة، حتى ضمن الصيغة الحالية لقانون الحصانة وبموجبها. لكن يبدو أن نتنياهو لا يفضل هذا الخيار ولا ينوي اللجوء إليه. ولذلك، فثمة إمامه إمكانية أخرى هي تعديل قانون الحصانة البرلمانية وإعادته إلى صيغته السابقة، كما كانت قبل العام 2005 ـ أي، حصانة كاملة وشاملة تحمي نتنياهو من أي إجراء جنائي طالما بقي يشغل منصبه، إذ من الصعب جدا، حد المستحيل، تخيل وضع تتجند فيه أغلبية من بين أعضاء الكنيست، بتركيبته الحالية، لإسقاط الحصانة عنه.

ستؤدي هذه الإمكانية إلى عرقلة الإجراءات الجنائية بصورة جدية جدا، وربما تشكل حجر عثرة كبيراً أمام تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، ناهيك عن أن المحكمة العليا لن تتدخل في سن هذا التعديل القانوني، على الأرجح، لأنه ليس بمثابة تشريع جديد وإنما هو إعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقا فقط.

في هذا السياق، يشير البروفسور دويتش إلى أن السؤال المركزي في مسألة إسقاط الحصانة عن نتنياهو هنا سيكون التالي: هل ارتكب المخالفات المدّعاة بحقه "في نطاق تأدية وظيفته كعضو كنيست أو من أجل تأدية هذه الوظيفة؟"؛ وهو السؤال/ الشرط الذي يحدده نص قانون الحصانة البرلمانية ويتقرر، بموجب الجواب عليه، ما إذا كان هنالك مبرر لإسقاط الحصانة أم لا.
وعلى هذا، يخلص دويتش إلى أن تعديلا قانونيا يعيد قانون الحصانة إلى صيغته السابقة لن يكون كافيا لتجنب إسقاط الحصانة عن نتنياهو، بل ستكون ثمة حاجة إلى إجراء تعديل قانوني يُدخل تغييرا جوهريا في مضمون القانون يطال شروط ومعايير سريان الحصانة البرلمانية.

3. عفو رئاسيّ مسبق

البديل الثالث المتاح أمام نتنياهو لا يحتاج إلى إجراء أية تعديلات قانونية ولا إلى أية تغييرات دراماتيكية، عميقة وبعيدة الأثر في الجهاز القضائي وهيئات تطبيق القانون، وهو: التقدم بطلب للحصول على عفو رئاسيّ مسبق (من رئيس الدولة).
ينص "قانون أساس: رئيس الدولة" على أن "لرئيس الدولة صلاحية العفو عن مخالِفين للقانون والتخفيف من عقوبتهم، بتقليلها أو استبدالها". هذه الصلاحية الممنوحة لرئيس الدولة معدّة لمعالجة حالات استثنائية فقط "تتوفر فيها ملابسات وشروط مميزة واستثنائية".

درجت العادة على أن يستخدم رئيس الدولة في إسرائيل صلاحيته هذه فقط بعد انتهاء جميع الإجراءات القانونية (أي: انتهاء المحاكمة بصورة نهائية، بما في ذلك الاستئنافات) بحق صاحب طلب العفو، غير أن ثمة "حالات استثنائية جداً" يمكنه فيها استخدام هذه الصلاحية قبل بدء الإجراءات القانونية وعدم تقديم لائحة اتهام، أصلاً، إذا ما كانت ثمة نية لتقديمها ـ أي، منح الشخص المعني "عفواً مسبقاً".

تقوم هذه الإمكانية، في سياق الحديث عن نتنياهو هنا، على السابقة التي حصلت في هذا الشأن حين منح رئيس الدولة آنذاك، حاييم هيرتسوغ، في العام 1987، "عفواً رئاسياً مسبقاً" لرجال جهاز الأمن العام (الشاباك) الذين تورطوا في القضية التي عُرفت باسم "الباص رقم 300" ـ وهي عملية وقعت في نيسان 1984 وقام خلالها أربعة فلسطينيين بمحاولة اختطاف حافلة ركاب إسرائيلية وهي في طريقها من تل أبيب إلى أشكلون (عسقلان)، ثم قام رجال "الشاباك" بالسيطرة على الباص وعلى الخاطفين الأربعة حيث قُتل منهم اثنان بينما ألقي القبض على الاثنين الآخرين وهما على قيد الحياة ثم قام رجال "الشاباك" بقتلهما بدم بارد لاحقاً.

وقد شكلت سابقة العفو المسبق عن رجال "الشاباك" هذه، بما ترتب عليها من عدم تقديم أي منهم إلى المحاكمة، القاعدة التي استند إليها الاقتراح الذي طُرح في العام 2003 لمنح "عفو عام مسبق" لرجال الشرطة الذين تورطوا في جرائم قتل الشبان العرب الثلاثة عشر من مواطني إسرائيل خلال "انتفاضة القدس والأقصى" في تشرين الأول 2000. وقد هدف هذا الاقتراح إلى تجنيب رجال الشرطة المذكورين أية تحقيقات جنائية، ثم لوائح اتهام جنائية، في أعقاب التقرير الذي قدمته لجنة التحقيق الرسمية التي شكلتها الحكومة الإسرائيلية للتحقيق في تلك الجرائم، وعُرفت باسم "لجنة أور"، على اسم رئيسها، قاضي المحكمة العليا السابق، ثيودور أور.

يرى أحد المحامين الكبار في النيابة العامة الإسرائيلية أن إمكانية تقديم نتنياهو طلباً خاصاً إلى رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، لنيل "عفو رئاسي مسبق" هو "سيناريو واقعي جدا، في الظروف الراهنة. وقد يمنحه رئيس الدولة هذا العفو، فعلاً، بدعوى المحافظة على وحدة الشعب. ومع ذلك، من المستبعد جدا أن يؤيد المستشار القانوني للحكومة، مندلبليت، مثل هذه الخطوة التي يمكن أن تنتهي بإصدار عفو رئاسي عن نتنياهو. ولهذا، فأي إجراء يقوم نتنياهو به في هذا الصدد وفي هذا الاتجاه، من الضروري أن يسبقه أولاً إجراء آخر يستهدف تغيير المستشار القانوني الحالي واستبداله بمستشار آخر، يكون مريحا أكثر في التعامل. وهذا، في حد ذاته، يعقد الأمور بصورة جدية جدا مما يُسقط هذه الإمكانية من الحسبان، في المحصلة النهائية، ولو في المرحلة الحالية على الأقل".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات