المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

 برز في الآونة الأخيرة عدد من المقالات العبرية التي استخدمت عبارة "الخجل من الدولة" على خلفية الشعار الذي اختير للاحتفالات بيوم استقلال إسرائيل: "نعم، هناك سبب للتفاخر". وربما جاء استخدام عنصر الخجل كردّ مباشر على المضمون "العاطفي" الذي تحاول المؤسسة الحاكمة تسويقه. وهذا علماً بأن الأقلام التي عبرت عن شعورها "بالخجل بالدولة" تعرّف نفسها غالباً كمن تقع في خانة التعريف الصهيوني. أي أننا لا نتحدث عن أصوات راديكالية في هذا الباب.

الصحافية أورلي فلنائي تروي في مقال كيف تعرّضت للملاحقة قبل سنوات والتهديد بإقالتها من القناة التلفزيونية الأولى "لأنني تجرأت على انتقاد سياسة الملك نتنياهو الأول عندما كان وزيراً للمالية". تم نقلها من مجال لآخر حتى وجدت نفسها خارج القناة. وفي إشارة إلى "احتفالات السبعين" كمناسبة وسياق لكلامها تكتب: "منذ فترة وأنا استيقظ في الصباح والقرن الذي نما فوق أنفي يثقل عليّ. جلدي يحكني من الصرخة التي لم تخرج، وضميري يؤلمني بسبب صمتي. عندها قررت أنه من المحظور عليّ الصمت. هذه ميزة لا توجد لدى كل من يحب هذه الدولة، ويراها وهي تربي داخلها بركاناً من الشر. لأن الدولة التي تنشئ سجوناً للسود ضلت طريقها. اليمين الذي لا يؤمن بحقوق الإنسان ولا يؤيد قيم العدالة والمساواة ليس يمين زئيف جابوتنسكي ولا حتى يمين مناحيم بيغن" في إشارة إلى رمزي اليمين "التنقيحي".

الكاتبة تعبر عن حالة فقدان الثقة في بعض الأوساط بقولها: "لا أخجل من كوني إسرائيلية، لكني أخاف كثيراً من أن أكون كذلك. إسرائيليتي سلبت مني وأنا في الاساس أخاف على أولادي. أحدهم يريد حماية نفسه، عمره فقط خمس سنوات، فالطرد يهدده أيضا، ببساطة. إذا كنا في العام 2011 نستطيع أن نبحث عن راع فقد قطيعاً أمام بئر الأماني الكبيرة في جادة روتشيلد (خلال الاحتجاجات على أزمة السكن)، وآمنا بمستقبل أفضل عدالة بقليل، فالآن نحن قطيع أعمى ومسمم ويسير نحو التحريض المجنون والديماغوجي والرخيص، وتحريض الواحد ضد أخيه. لسنا جميعنا نشتري الأكاذيب حول الصندوق الجديد واليسار، لكن أيضا من هو ليس جزءاً من القطيع العنيد يخاف أن يفتح فمه".

فلنائي توجه سهام نقدها إلى وزراء الحكومة وتصف الوزيرة ميري ريغف، المسؤولة عن احتفالات الاستقلال، كمن "ليس لديها ثقافة بالحد الأدنى، وبالأحرى ليس لديها الفهم. وكذا وزير الداخلية، ووزير الرعاية الاجتماعية الغني والمتعالي، الذي يهتم فقط بأعضاء اللجان الأقوياء، ووزير الصحة، الذي لا يهدد بالاستقالة بسبب النقص في الأدوية والأسرة، لكنه يستقيل بسبب الأعمال في القطار، أيام السبت. لماذا لا يوجد قطار يوم السبت؟ هل فقط العلمانيون قادرون على الذهاب للتنزه؟ الفقراء بصورة تلقائية سيصوتون لنتنياهو، لكن ليس هناك ضرورة لمساعدتهم في السبت. ببساطة سنحضرهم في الحافلات إلى صناديق الاقتراع. الآن ونحن اقلية ملاحقة سنجرب طريقة مارتن لوثر كينغ، الذي قال: إذا لم تستطيعوا الطيران عليكم الركض، اذا لم تستطيعوا الركض عليكم المشي، اذا لم تستطيعوا المشي عليكم الزحف، لكن لا يهم ماذا تفعلون، يجب عليكم مواصلة التقدم إلى الأمام".

كاتب: "من المسموح أن يخجل المرء من سياسة إسرائيل"

موتيف "الشعور بالخجل" تحوّل إلى نقطة خلاف أيضاً، حين تصدت الأقلام التي تعبر عن المعسكر اليميني-الاستيطاني لكل من يرفع مقولة الخجل من إسرائيليته. فتكتب ليلاخ سيغان في "يسرائيل هيوم"، التي تقع في دائرة التأثير القوي لنتياهو: "أشعر بالخجل؟ العكس هو الصحيح. أنا فخورة بأن أكون إسرائيلية. ومع ذلك، إسرائيل لتوها تحتفل بالسبعين".

وهي تشير إلى ما كتبه الصحافي كوبي ميدان من "أنه يخجل من أن يكون إسرائيليا" بعد قتل قناصة جيش الاحتلال المتظاهرين الغزيين في أول أيام مسيرة العودة. تقول الكاتبة: "حسنا، فليخجل. في نظر الكثيرين فإن رؤية حماس تقيم فخا آخر معروفا مسبقا لإسرائيل، للإعلام العالمي، وللمواطنين الفلسطينيين، وكنتيجة لذلك الخجل من أن يكون إسرائيليا، فهذا محرج بالأساس. لكن في واقع السياسيين الهستيريين ممن طوروا أيديولوجيا الاستطلاعات لتصبح تفكيرا لا يتركز الا على اللايك التالي، بات لا يمكن ببساطة تجاهل الملاحظة المحرجة على الفيسبوك، ويجب التعاطي معها بسرعة وبفظاظة، إذ إن هذا يشهد على الحكمة".

أما أفيعاد كلاينبرغ فكتب بصراحة ومباشرة: "من المسموح أن يخجل المرء من سياسة إسرائيل". وقال: "إذا كان كوبي ميدان يشاهد الاحداث في الجنوب ويشعر بالخجل من أنه إسرائيلي، فمن حقه الكامل أن يقول أو يكتب هذا، بما لا يقل عن الحاخام كوهن" الذي أعلن أن نشيد "هتكفا" غبي. ويرى كلاينبرغ أن "ميدان يحب دولته ويشعر بالخجل لأنها لا تستوفي المقاييس الاخلاقية التي يتوقعها منه. هذا على ما يرام تماما. لن يعلمه أحد ما هي الصهيونية وما هو الموقف المناسب من أرض إسرائيل. لهذه الدرجة. كفوا منذ الآن عن التهديد كل الوقت ضد من ليس وطنيا بما يكفي في نظركم. سأكون مستعدا لان أتعاطى مع هذه الاحتجاجات كأكثر من مناورة في تكميم الافواه بعد أن تبدؤوا في الاطاحة برجال اليمين على الاستخفاف بالقانون، بالديمقراطية، وبالدولة. أما حالياً فهذا لا يحصل حقا. إذاً، دعكم من اليسار ممن لا يرتاح عقله لسياسة الحكومة بأن يعبر عن نفسه، هذا على الأقل". وهو يجزم: "مواقف اليمين ليست المواقف الشرعية الوحيدة، واقوال اليمين على لسان ليبرمان، بينيت وبيبي ليست اقوال الرب. من المسموح انتقاد الجيش الإسرائيلي، ومن المسموح من الصهيوني المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق. من المسموح انتقاد رئيس وزراء إسرائيل على الاعتداد وعلى الفساد. ومن المحظور إطلاق النار على الابرياء. من المحظور التحريض. من المحظور تكميم الأفواه".

خطة "وجه إسرائيل" و"الهجمة بالرموز على الرموز"

هذه النماذج المنتقاة من الجدل الدائر على صفحات الجرائد ومواقع الشبكات الاجتماعية لا تشير إلى مسائل عينيّة يتناولها النقاش فحسب، بل تمتد إلى ما هو أعمق. فليست المسألة، مثلا، التهجمات على صحافي انتقد سياسة الجيش الدموية ضد المتظاهرين في قطاع غزة، بل التراكم المتواصل في التشهير والتحريض والتخوين لكل من لا ينسجم (بالأحرى: يعلن تواطؤه) مع سياسة الائتلاف الاستيطاني الحاكم. هذه المسائل تتخذ زخماً خاصاً في جو التحضيرات لتلك الاحتفالات، والتي يحاول فيها الائتلاف فرض أجندته بحذافيرها مستبعداً ليس الرواية الفلسطينية والقضية الفلسطينية والحقوق الفلسطينية فحسب، بل مستبعداً كل معارض لمشروع المشاريع – الاستيطان.

لقد تم في سياق "احتفالات الاستقلال" بالذات الإعلان عن خطة إسمها "وجه إسرائيل"، وبموجبها ستنصب نجمة داوود في نقاط بارزة ليبدو خط الأفق "بمظهر يهودي"، ولا يبقى إسلاميا أو مسيحيا بسبب كثرة قبب المساجد والصلبان المنصوبة فوق الكنائس والأديرة. وزير الاسكان يوآف غالانت فسّر هذه "الهجمة بالرموز على الرموز" قائلا "إن من يمر في طول البلاد وعرضها، من المشكوك به أن يرى إشارات واضحة ذات طابع يهودي رسمي تؤكد الطابع اليهودي للدولة، خلافا لما هو متبع في دول أخرى، حيث تظهر في الحيز العام تعابير واسعة لعلم الدولة ورموزها الدينية البارزة في المشهد مثل المساجد والقبب". وهكذا، فإن المرحلة الأولى ستنفذ من قبل إدارة احتفالات "يوم الاستقلال السبعين" لإقامة إسرائيل، حيث تنصب نجمة داوود على المداخل البرية والبحرية، وفي نقاط يمكن مشاهدتها في الشوارع المركزية، وفي نقاط بارزة في القدس ومدن مركزية أخرى. وفي مرحلة لاحقة ستنصب على سطوح المباني العامة الرسمية.

 أمام تراكم متواصل في التشهير والتحريض والتخوين

الصحافي أوري أفنيري، صاحب التجربة الطويلة، كتب: "أنا أخجل من الجيش الذي أقسمت له بالولاء في يوم تأسيسه. فهذا ليس الجيش الذي خدمت فيه. وأنا أخجل من الإعلام الذي كان لي دور في تشكيله. فهذا لم يعد نفس الإعلام. وأنا أخجل من دولتي التي ساهمت في إقامتها والدفاع عنها في يوم إقامتها. الدولة التي قدمنا ذات يوم بفخر جواز سفرها في كل المطارات. الدولة الجميلة الغضة والمشبعة بقيم تلك الأيام تحولت إلى دولة قبيحة. أنا خائف".

وإذا كان يعلّق بداية على الحدث العيني في غزة، فإنه يطال بتحليله جذورا مخبأة في العمق. "أنا أخجل من الإعلام" يقول لأنه "تكشف لنا رجال الإعلام ـ رجال الصحافة، قنوات الاذاعة والتلفاز، تقريبا جميعهم وجميعهن ـ كمتحدثين باسم الحكومة ورئيس الأركان. ليس فقط صيغة التقرير أمليت عليهم، بل ايضاً استخدام المفاهيم والكلمات. فقط عدد قليل خرجوا على هذه القاعدة، ونحن نشكرهم. مثال على ذلك، منذ زمن لا يوجد في الإعلام حديث عن الأنفاق. الآن يستخدمون فقط مفهوم "أنفاق إرهاب"، في كل وسائل الاعلام، حتى لو ورد هذا ست مرات في نشرة إخبارية واحدة. هكذا تم الإملاء، ويجب عدم الانحراف عن ذلك".

ويتابع منشئاً مقارنة غير دارجة في الاعلام الإسرائيلي: "على شاشاتنا ظهرت كل النماذج. أحدها عرض كمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي باللغة العربية. أسلوب عمله كان يشبه أسلوب جوزيف غابلز، وزير الدعاية النازية، الذي أمطر القوات الأميركية في فرنسا بالمناشير التي ظهر فيها يهودي سمين وهو يداعب فتاة شقراء، والعنوان كان "في الوقت الذي تسفك فيه دمك يقوم اليهودي بمداعبة زوجته". الضابط المتحدث بالعربية وجد صورة لإسماعيل هنية وهو يلعب بالكرة وقال "في الوقت الذي تعرض فيه حياتك للخطر يقوم هنية بلعب كرة القدم"، إلى أين يمكن أن ننحدر أكثر من ذلك؟".

ولخّص أفنيري: "المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ انتصرا انتصاراً كبيراً. وأيضاً الفلسطينيون سينتصرون في هذه المعركة".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات