المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 2771
  • بلال ضاهر

تسود علاقات متوترة بين إسرائيل والمنظمات الحقوقية الدولية الكبرى، على خلفية انتهاك إسرائيل المتواصل لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة وقمع نشطاء فلسطينيين في مجالي الدفاع عن حقوق الإنسان والنضال من أجل إنهاء الاحتلال، وتوجيه المنظمات الحقوقية الدولية انتقادات إلى إسرائيل بسبب ممارساتها هذه.

 

أحد الأمثلة على هذا التوتر في العلاقات هو بين إسرائيل ومنظمة العفو الدولية (أمنستي). فقد انتقدت منظمة العفو في نيسان العام الماضي اعتقال السلطات الإسرائيلية الناشط الفلسطيني وأحد مؤسسي BDS، عمر البرغوثي، وهددت بإبعاده من البلاد بادعاء أنه لا يحمل الجنسية الإسرائيلية وإنما تصريح إقامة فقط. وجاء بيان منظمة العفو في أعقاب تصريحات أدلى بها الوزراء الإسرائيليون يسرائيل كاتس وغلعاد إردان وأرييه درعي، قالوا فيها إنه يجب محاربة حركة المقاطعة بواسطة "إحباط مدني مركّز". وأثار هذا التعبير غضبا في منظمة العفو وغيرها من المنظمات الحقوقية، إذ أن الإسرائيليين يستخدمون تعبير "إحباط مركز" للإشارة إلى عمليات اغتيال. ورأت منظمة العفو في تصريحات الوزراء الإسرائيليين أنها تنطوي على تصعيد وتهديد لحياة النشطاء الفلسطينيين.

وكتبت الباحثة عيناف يوغيف في مقالة تضمنها بحث صدر مؤخرا عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أنه "ليس بالإمكان المبالغة في أهمية التأييد التي يحظى به نشطاء حركة BDS وزعيمها الفلسطيني الأشهر، عمر البرغوثي، من منظمة العفو الدولية، وهي إحدى المنظمات القديمة والهامة في العالم من أجل الحفاظ على حقوق الإنسان".

لكن الموقف الإسرائيلي من حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها على خلفية استمرار الاحتلال للأراضي المحتلة عام 1967 (BDS)، هو أن هذه الحركة، التي تنشط في العالم، "تسلب الحقوق الطبيعية للشعب اليهودي في تقرير المصير في دولته"، ولذلك تصفها بحركة "نزع الشرعية" عن إسرائيل. بينما بنظر منظمة العفو نشطاء BDS هم نشطاء حقوق إنسان، ويوجد مبرر وصلاحية أخلاقية لنشاطهم وأفكارهم. إضافة إلى ذلك، فإن منظمة العفو تحظى في العالم ولدى صناع القرار في الغرب بمكانة مهنية عالية وشرعية واسعة.

ورأت يوغيف أن "هذا الفرق بين نظرة إسرائيل إلى أيديولوجية ونشاط حركة BDS وبين بيان منظمة العفو المؤيد للحركة، وكذلك الفجوات بين المكانة السلبية لمنظمة العفو في الرأي العام الإسرائيلي ومكانتها الصلبة في العالم، توضح حجم الهوة الحاصلة في العقود الأخيرة بين إسرائيل والكثير من المنظمات غير الحكومية النشطة في الحلبة الدولية".

وأردفت يوغيف أن "هذا الوضع غير صحي لإسرائيل، إذ أن لهذه المنظمات غير الحكومية تأثيرا كبيرا على مكانة إسرائيل الدولية وعلى حملة نزع الشرعية الجارية ضدها... وثمة علاقة مباشرة بين تعامل إسرائيل مع المنظمات غير الحكومية الدولية وبين مكانتها المتدهورة في الرأي العام في الغرب. وملاحقة ونزع الشرعية عن هذه المنظمات وسن قوانين ضدها وضد المنظمات الحقوقية في إسرائيل تساعد من يحاولون تسويد وجه إسرائيل وتقويض مكانتها الدولية. ومن أجل تغيير اتجاه الأمور هذا ينبغي الجسر على الفجوات بين الدولة والمنظمات غير الحكومية الدولية".

ودعت الباحثة إسرائيل إلى التفريق بين منظمات تسعى إلى "دفع الرواية الفلسطينية وتتجاهل الرواية اليهودية – الإسرائيلية أو تنفيها، وبين منظمات غير حكومية ومجالات نشاطها عالمية وتسعى إلى دفع قضايا الصحة في كل مكان على وجه الكرة الأرضية والنضال من أجل حقوق الإنسان في جميع الدول، والمساواة في الحقوق ومحاربة التمييز، والتعاون مع هذا النوع الأخير من المنظمات".

كذلك دعت يوغيف صناع القرار في إسرائيل إلى إجراء تدقيق نقدي في الخطاب الإسرائيلي نفسه، إذ يتم نشر تفوهات المسؤولين، مثل الوزراء الثلاثة أعلاه، في وسائل الإعلام في الغرب بشكل أوسع من تصريحات المنظمات غير الحكومية بخصوص إسرائيل.

لكن الباحثة اعتبرت أن "تعزيز مكانة إسرائيل في مجال المساعدات الخارجية في مناطق نامية سيسمح بنشوء مجالات تعاون مع المنظمات غير الحكومية الدولية من أجل توفير حلول دائمة ليس في إسرائيل فقط وإنما في العالم كله في مواضيع مثل محاربة الإرهاب، الفقر والجوع. وسيؤدي ذلك إلى فتح قنوات اتصال جديدة وتفاهم أفضل بين الجانبين، حتى لو لم يقلل هذا من كمية الانتقاد لإسرائيل طالما أن العملية السياسية عالقة".

وأضافت يوغيف أنه "في العصر الذي تواجه فيه دول ديمقراطية عديدة انعدام استقرار اقتصادي، سياسي وأمني بشكل كبير، لا يمكن تجاهل سطوع نجم الجهات الدولية غير الحكومية، بدءا بمنظمات إرهابية من جهة وانتهاء بمنظمات المجتمع المدني من الجهة الأخرى. وفيما تمكنت إسرائيل من الاستعداد وإعداد نفسها لجولات العنف مع الجهات غير الدولتية الإرهابية، فإنها لم تستعد في موازاة ذلك لمواجهة مع الجبهة المدنية الدولية. والثمن الذي تدفعه جراء ذلك هو تآكل متواصل في مكانتها في الرأي العام في الدول التي تعتبر حليفة هامة للغاية لها".

وأضافت الباحثة أن "حكومة إسرائيل ستُحسن صنعا إذا اعترفت بقوة المنظمات المختلفة التي تنشط وتؤثر في الحلبة الدولية، وترسم خريطة مصالح وروابط مشتركة وتعمل من أجل إنشاء تعاون يعزز مكانة الدولة، وفي موازاة ذلك ستحسن مع المجتمع الدولي الماثل في هذه الأثناء أمام تحديات لا حصر لها".

موقف قادة أوروبا

تتوجس إسرائيل من تأثير حركة BDS، وخاصة من تأثير نشاطها المتعلق بفضح ممارساتها في الأراضي المحتلة عام 1967، على القيادة السياسية في أوروبا، على الرغم من تصريحات هؤلاء ضد مقاطعة إسرائيل. وفي السنوات الأخيرة جرت عدة مناقشات واتخذت قرارات في البرلمانات الأوروبية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي بمقاطعة البضائع المصنوعة في المستوطنات.

واقتبس الباحثان (السفير الإسرائيلي السابق في برلين) شمعون شطاين وغاليا ليندنشطراوس، في مقالة تضمنها بحث "معهد أبحاث الأمن القومي"، تصريحا للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قالت فيه "لا نؤيد مطالب المقاطعة (لإسرائيل) وهذا ليس خيارا بالنسبة لألمانيا". لكن تصريح ميركل جاء خلال زيارتها إلى إسرائيل في شباط العام 2014.

منذئذ تأزمت العلاقات بعض الشيء بين الحكومتين الإسرائيلية والألمانية على خلفية التعنت الإسرائيلي حيال استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين وتوسيع أعمال البناء الاستيطاني و"قانون التسوية" لشرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية والمباني في المستوطنات المقامة على أراض بملكية فلسطينية خاصة.

على هذه الخلفية، تساءل الباحثان ما إذا كان تصريح ميركل من العام 2014، يعكس توجها مشابها من جانب الدول الأوروبية المركزية، وهي بريطانيا وفرنسا واسبانيا إضافة إلى ألمانيا، وإلى أي مدى يعي صناع القرار في هذه الدول "توجهات نزع الشرعية" عن إسرائيل، "وهل ثمة ما يوازن لدى صناع القرار في هذه الدول تأثيرات سلبية لجهود نزع الشرعية؟".

ويستنتج الباحثان أن "صناع القرار في الدول المركزية في أوروبا، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا واسبانيا، يعون بكل تأكيد جهود نزع الشرعية ودلالاتها، إذ أن تصريحاتهم المتعلقة بإسرائيل تتقاطع مع تلك الجهود. ورغم أن تصريحاتهم العلنية تعكس رفض حركة المقاطعة ضد إسرائيل، وحتى أنه اتخذت خطوات عملية ضد أنشطة واسعة النطاق لمؤيدي المقاطعة، إلا أن هذا لا يكفي لضمان ألا يحدث تغير بهذا الاتجاه في المستقبل".

ورأى الباحثان أن تغيرا في السياسة الأوروبية ضد إسرائيل هو احتمال وارد جدا. وكتبا أن "ضعف السياسة القديمة وظهور أحزاب جديدة، ليس لديها التزام تاريخي تجاه إسرائيل كذاك الموجود لدى القادة الأقدم، وتبرز فيها مؤشرات عداء لإسرائيل، يمكن أن تشير إلى توجهات إشكالية".

وشدد الباحثان على أنه "بالإمكان التقدير أن تعامل القادة الأوروبيين مع جهود نزع الشرعية مرتبط أيضا بمفهومهم حيال المحتمل والمرغوب فيه للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. ويمكن الافتراض أنه كلما ابتعدت إسرائيل أكثر عن مفهوم أن حل الدولتين مرغوب فيه وبالإمكان تطبيقه، كلما تزايد الإصغاء إلى دعوات حركة المقاطعة لدفع حل الدولة الواحدة التي تمنح مساواة كاملة في الحقوق إلى جميع مواطنيها".

وحذر الباحثان من أنه "على الرغم من أن ادعاءات مؤيدي المقاطعة لم تحظ بقاعدة كبيرة بين النخب السياسية في أوروبا، إلا أن هذه ما زالت ظاهرة يتعين على إسرائيل مواجهتها لأن لها تأثيرا على الحيز العام. لذلك بالإمكان التقدير أن التأثير السلبي المحدود، حتى الآن، لحركة BDS وغاياتها في أوساط صناع القرار في أوروبا يمكن تقليصه أكثر في واقع قيام عملية سياسية مع الفلسطينيين من أجل تطبيق حل الدولتين".

وأردف الباحثان أنه "لهذا فإن تصريحات السياسيين الإسرائيليين الذين يرفضون هذا الحل تتآمر على شرعية إسرائيل، التي تستند إلى قرار التقسيم التاريخي، وتساعد من يؤيدون حلم ’دولة جميع مواطنيها’. ومن شأن سياسة إسرائيلية نشطة أن تساعد صناع القرار الأوروبيين في مواجهة الانتقادات الموجهة إليهم بخصوص موقفهم تجاه إسرائيل. وفي المقابل، فإن استمرار توسيع المستوطنات في الضفة الغربية يتوقع أن يؤدي إلى اتخاذ خطوات أخرى من جانب الاتحاد الأوروبي للتعبير بصورة واضحة أكثر عن الفصل بين إسرائيل والمناطق (المحتلة)".

المصطلحات المستخدمة:

يسرائيل كاتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات