المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1917

فاجأ زعيم تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، بإثارته خلافا مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ وبالذات مع ظهور الاتفاق الأولي لضم أفيغدور ليبرمان وحزبه "يسرائيل بيتينو" إلى الحكومة، واسناد حقيبة الدفاع إلى الأخير، برغم أنه من الناحية السياسية، فإن هذا الشكل لتوسيع الحكومة هو الأفضل لكتلة "البيت اليهودي"، نظرا للانسجام شبه الكامل في الرؤى السياسية. وهذا ما يستدعي القاء الضوء على خلفية هذا الخلاف المفتعل، لنجد أن في صلبه، قلق "البيت اليهودي" من استمرار تمدد حزب "الليكود" في المستوطنات، معقل "البيت اليهودي"؛ وحتى القلق من احتمال تزايد قوة ليبرمان، الهزيلة أصلا في المستوطنات.

فقد بدأ الخلاف، حينما ظهر نفتالي بينيت في وسائل الإعلام، مهددا بعدم تأييد ضم ليبرمان وحزبه إلى الحكومة، إذا لم يعين نتنياهو سكرتيرا عسكريا للطاقم الوزاري المقلص للشؤون العسكرية والسياسية، كي يُطلع الوزراء، أعضاء الطاقم، على كل التطورات العسكرية، قبل اتخاذ القرارات. واستند بينيت في مطلبه هذا، إلى تقرير المراقب العام للدولة، الذي قال إن أعضاء الطاقم الوزاري لم يتلقوا كافة المعلومات الضرورية، قبل عدوان صيف 2014 على قطاع غزة.

ومن الواضح أن هذا سبب، مهما علا شأنه في حسابات السياسة الإسرائيلية، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون سببا لحل الحكومة، والتوجه إلى انتخابات برلمانية، بعد عام من الانتخابات الأخيرة، خاصة وأن هذه الكتلة التي تضم أحزابا، معقلها الأساسي في المستوطنات، نجحت في تحصيل مكاسب في الحقائب الوزارية ما كانت تتخيل الحصول عليها في ظل حكومة أخرى.

فلكلتة "البيت اليهودي" 8 نواب، ولكنها حصلت على 3 وزارات ذات شأن وهي: التربية التعليم، ويتولاها نفتالي بينيت؛ والعدل، وتتولاها أييليت شكيد؛ والزراعة ويتولاها أوري أريئيل، الوصي أيضا على العلاقة مع شعبة الاستيطان في الوكالة اليهودية الصهيونية. ويضاف اليهم، نائب وزير الدفاع ويتولى المنصب إيلي بن دهان، واهتمامه الأول هو شؤون المستوطنات في الضفة المحتلة.

وفي نهاية المطاف، جرى التوصل إلى حل وسط مرحلي، "ألغى تهديد" كتلة "البيت اليهودي"، التي دعمت على أثره ضم ليبرمان وحزبه إلى الحكومة. إلا أن هذا لم ينه خطاب المقارعة بين بينيت ونتنياهو، فقد اتهم الأول حكومته بأنها تبدي ضعفا على الساحة الدولية، وهذا ما شجع جهات دولية على طرح مبادرات لاستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني. وهو أيضا اتهام ليس واقعيا، لأنه لا توجد أي مبادرة دولية في هذه المرحلة، قرر المبادرون لها ممارسة الضغط الحقيقي والفعلي على الحكومة الإسرائيلية.

ممن يتشكل "البيت اليهودي"

تشكّل تحالف "البيت اليهودي"، بتركيبته الحالية، في نهاية العام 2012، تمهيدا لانتخابات 2013، من عدة أحزاب، تأطرت في اطارين: حزب "المفدال" التاريخي، و"هئيحود هليئومي"؛ والاطار الأخير، يضم ثلاثة أحزاب، كلها منشقة في مراحل سابقة عن حزب "المفدال" التاريخي الذي يمثل التيار الديني الصهيوني.

وقد تشكل حزب "المفدال" في العام 1956، بوحدة بين حزبين يمثلان التيار الديني الصهيوني، وكان هذا الحزب يُعد ليبراليا من الناحية الدينية. وفي مقاييس وتعريفات الحلبة السياسية الإسرائيلية، فإنه كان شريكا في غالبية حكومات ما يسمى "اليسار الصهيوني"، بقصد حزب "العمل" اليوم، بتسمياته السابقة، وتنسب له "اليسارية" كونه عضوا في الاشتراكية الدولية. كما كان في هذا المفدال تيار واضح، مقرّب بالفعل للتيار الليبرالي السياسي، وذو توجهات أقرب ما تكون إلى السلامية، وقد انشق مع السنين عن المفدال، وأطلق على نفسه حزب "ميماد"، الذي خاض الانتخابات البرلمانية لأول مرّة حليفا لحزب "العمل" في العام 1992، واستمر التحالف حتى انتخابات العام 2003، وتم حلّ التحالف قبل انتخابات 2006.

لكن منذ انتخابات 1977، ومع اتساع المشروع الاستيطاني، وإقبال التيار الديني الصهيوني عليه، اضافة إلى عوامل أخرى، بدأ "المفدال" يغرق شيئا فشيئا، في اليمين الأشد تطرفا، حتى بات عنوانه الأساس، منذ النصف الثاني من سنوات التسعين وحتى يومنا. ويشكّل "المفدال" الحزب الأكبر في تحالف "البيت اليهودي".

"هئيحود هليئومي": هذا الحزب يتشكل عمليا من ثلاثة أحزاب صغيرة، تنتشر أساسا في المستوطنات، وأولها "تكوما" المنشق عن "المفدال"، و"موليدت" الذي أسسه الوزير الأسبق رحبعام زئيفي، و"أحي"، وهو أيضا منشق عن "المفدال"، ولكن مؤسس هذا الحزب، الجنرال احتياط إيفي ايتام، انضم لاحقا إلى حزب "الليكود"، وهو خارج الحلبة البرلمانية. ويرأس تحالف "هئيحود هليئومي"، وزير الزراعة أوري أريئيل.

وفي انتخابات 2013 و2015، سعى رئيس تحالف "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، إلى ضم أشخاص من الجمهور العلماني، كي تظهر القائمة الانتخابية كمتنوعة مفتوحة على كل الجمهور، وليس فقط على التيار الديني الصهيوني. وأبرز هؤلاء الأشخاص وزيرة العدل، أييليت شكيد، شريكة نفتالي بينيت في إقامة حركة اليمين المتطرف "يسرائيل شيلي"، وفي كل واحدة من جولتي الانتخابات سعى بينيت إلى إحضار شخصيات أخرى، ولم ينجح معها.

وفي انتخابات 2013، حصل "البيت اليهودي" على 12 مقعدا، وكان الذراع اليميني المتشدد، الممول من حيتان المال، لكسب أصوات مؤيدي حملة الاحتجاجات الشعبية على غلاء المعيشة، التي اندلعت لبضعة أسابيع في صيف العام 2011. وقد رفع هذا التحالف ضمن شعاراته الانتخابية قضايا اجتماعية، طُرحت في حملة الاحتجاجات الشعبية، لينقلب عليها لاحقا.

وخسر تحالف "البيت اليهودي"، ثلث قوته البرلمانية في انتخابات 2015، دافعا ثمن انقلابه على الشعارات الاجتماعية، التي طرحها في انتخابات 2013، وهو ما حصل أيضا مع القائمة العلمانية "يوجد مستقبل" أيضا، إذ أن الخسائر الأكبر تكبّدها "البيت اليهودي"، في المدن الكبرى، التي شهدت حملة الاحتجاجات الشعبية، مثل منطقة تل أبيب الكبرى. ولكن ليس هذا وحده، ففي انتخابات 2015، نجح حزب "الليكود" في لجم قوة "البيت اليهودي"، في معقله الأساس في مستوطنات الضفة.

المعركة على المستوطنات

شكّلت انتخابات 2015 انذار "خطر" من حزب "الليكود"، على تحالف "البيت اليهودي" الذي سجل تراجعا في كمية أصواته في المستوطنات من دون القدس، بنسبة وصلت إلى 5ر3%، بينما حزب "الليكود" ارتفعت أصواته في هذه المنطقة بنسبة زادت عن 24%. وبالنسبة للبيت اليهودي، فإن الخسارة أكبر بكثير، لأن نسبة الأصوات ارتفعت في تلك المنطقة بين انتخابات 2013 و2015 بما يزيد عن 8% (الزيادة في سجل اجمالي ذوي حق الاقتراع أقل من 4%)، نظرا للتكاثر الحاد بين المستوطنين. وعدا هذا فإنه من المفترض أن تكون المستوطنات قاعدة التمدد الأكبر للبيت اليهودي.

ومن الضروري الإشارة، إلى أن المستوطنات لا تشكل لأي حزب من الأحزاب القوة الأكبر من بين اجمالي المصوتين لكل واحد من الأحزاب. إلا أن المستوطنات تضم جمهورا متفاعلا أكثر مع السياسة، وصوته أعلى، والأجواء لديه تنعكس على جمهور واسع خارج المستوطنات. وهذه معطيات واستنتاجات ظهرت في البحث الذي أجريته في مركز الابحاث "مدار" في رام الله؛ وعرض في خريف العام 2015، حول "الخارطة السياسية في مستوطنات الضفة والقدس- انتخابات 2013 و2015".

فمثلا رغم تزايد قوة "الليكود" في المستوطنات، فإن المستوطنات مع القدس شكلت نسبة 26ر10% من اجمالي أصوات الليكود، مقابل 1ر9% في انتخابات 2013. والارتفاع الفعلي أكبر بكثير، لأن الليكود ارتفع اجمالي أصواته ككل في 2015. كما شكلت المستوطنات والقدس نسبة 8ر21%، من اجمالي أصوات "البيت اليهودي"، مقابل 4ر20%، في انتخابات 2013. وهذا لا يعد ارتفاعا، لأن "البيت اليهودي" خسر 32% من مصوتيه في 2015، مقارنة بنتائج 2013.

وعلى صعيد الأصوات، وجد البحث أن حزب الليكود ارتفعت أصواته في المستوطنات، من دون مستوطنات المتدينين المتزمتين (الحريديم) ومن دون القدس، من 1ر28% في العام 2013، الى نسبة 2ر31% في العام 2015. وفي كمية الأصوات عدديا، ارتفعت أصوات الليكود بنسبة 23%. أما تحالف "البيت اليهودي"، فقد هبطت نسبته في مجموعة المستوطنات ذاتها، من 2ر36% في العام 2013 إلى نسبة 2ر32% في 2015، وفي كمية الأصوات فقد تراجع بمئات الاصوات.

وما يزيد من قلق "البيت اليهودي"، أنه تراجع أيضا في مستوطنات التيار الديني الصهيوني، من نسبة 64% في العام 2013 إلى نسبة 58% في العام الماضي. بينما ارتفع الليكود في هذه المستوطنات من 12% في 2013 الى نسبة 3ر18% في العام الماضي. وهذه الوتيرة وجدناها أيضا في تلخيص الانتخابات في كامل مستوطنات الضفة (تشمل الحريديم) والقدس المحتلة، إذ أن الليكود ارتفع في تلك المنطقة من 20% في 2013، إلى 5ر23% العام الماضي، بينما هبط "البيت اليهودي" من 6ر17% في 2013 إلى 4ر14% في انتخابات 2015.

أما في ما يتعلق بحزب "يسرائيل بيتينو"، بزعامة أفيغدور ليبرمان، فإنه شبه غائب عن المستوطنات، وخاصة المستوطنات الدينية الأيديولوجية، التي فيها أعلى منسوب للتطرف، وقد حصل على أصواته من المستوطنات الكبرى، التي تأخذ طابع "مدينة"، وتقع بغالبيتها في الأطراف الغربية للضفة. ونطرح هنا ما حصل عليه حزب ليبرمان "يسرائيل بيتينو" في انتخابات 2015، كونه خاض انتخابات 2013، ضمن قائمة الليكود، ولكن نتائج انتخابات 2009، أثبتت أن ما حصل عليه في 2015 لم يكن أمرا شاذا، بمعنى أنه ضعيف في المستوطنات منذ ظهور حزبه في العام 1999.

واستنادا إلى البحث المذكور، الذي اعتمد على مسح دقيق لنتائج الانتخابات في كل واحدة من المستوطنات، تبين أن ما حصل عليه "يسرائيل بيتينو" في المستوطنات، من دون مستوطنات المتدينين المتزمتين "الحريديم" ومن دون القدس، أقل من 6%، من الأصوات، ولكن 88% من الأصوات حصل عليها في المستوطنات الكبرى، إذ أن 32% من اجمالي أصوات هذا الحزب في المستوطنات كانت في مستوطنة "أريئيل" وحدها.

كما وجدنا أن ما حصل عليه ليبرمان في مستوطنات التيار الديني الصهيوني، هو 114 صوتا فقط، من أصل قرابة 33 ألف شخص مارسوا حق التصويت، رغم أن ليبرمان اهتم بأن تشمل قائمته الانتخابية شخصا واحدا على الاقل من التيار الديني الصهيوني.
وما يراد قوله هنا، إن "البيت اليهودي"، رأى أن تزايد التطرف اليميني في حزب الليكود، اضافة إلى تقربه من التيار الديني الصهيوني، من خلال تمثيل برلماني للتيار ضمن قائمة الليكود (4 نواب حاليا)، يشكّل خطرا عليه، في المنافسة على أصوات المستوطنات، وهذا ما لا يريده "البيت اليهودي". وقد تزايد القلق لدى هذا التحالف، بعد اسناد حقيبة الدفاع لأفيغدور ليبرمان، رغم أن "البيت اليهودي" لم يعترض على اسناد الحقيبة له، لأن ليبرمان اتخذ خطابا في غاية التطرف في أشهر الهبّة الفلسطينية، زاعما أن الحكومة لم تقم بالإجراءات العسكرية الكافية. وهذا الخطاب منح ليبرمان في استطلاعات الرأي مقعدين اضافيين، وما من شك أن الأصوات الزائدة جاءت من معاقل اليمين المتطرف.

وفي حسابات "البيت اليهودي"، فإنه في الانتخابات المقبلة ستشتد المنافسة على أصوات المستوطنات، من قائمتي "الليكود" و"يسرائيل بيتينو"، خاصة وأن من صلاحيات وزير الدفاع، المصادقة النهائية على المشاريع الاستيطانية في الضفة، رغم أن قرارات كهذه يشارك فيها رئيس الوزراء ذاته.

مستقبل الخلاف

هذا المشهد الذي نعرضه هنا بإيجاز، من شأنه أن يفسّر خلفية الخلاف الذي افتعله نفتالي بينيت. والسؤال الذي يطرح نفسه، ما هو مستقبل هذا الخلاف؟.

لقد كان هذا الخلاف يقف أيضا في خلفية الأنباء التي تحدثت في الأسبوع الماضي، عن استئناف الاتصالات بين حزبي "الليكود" و"العمل" بزعامة إسحاق هيرتسوغ، حول ضم كتلة "العسكر الصهيوني"، التي يقودها "العمل" إلى الحكومة. إذ أن هذا الحديث جرى بموازاة التقدير بأن ضم "المعسكر الصهيوني" إلى الحكومة، سيقود إلى خروج "البيت اليهودي" من الحكومة، وهذا ما يعارضه كل وزراء "الليكود"، بحسب مسح أجرته صحف إسرائيلية.

وهناك شك كبير في ما إذا نتنياهو معني فعلا بالتخلي عن "البيت اليهودي" لصالح "المعسكر الصهيوني"، لأن هذا سيخل بقدر ما بتوجهات الحكومة القائمة، ولكن الأهم سيضرب نتنياهو وحزبه لدى جمهور اليمين المتشدد، لذا فإن هذه سيناريوهات لا نأخذها على محمل الجد، إلا إذا قرر نتنياهو قلب كل المعادلات، وهذا ما لا نراه حاليا.

عدا هذا، فإن حزب "العمل" وكتلة "المعسكر الصهيوني"، لا يستطيعان الادعاء بأن خروج "البيت اليهودي" سينهي أو يقلص التطرف في الحكومة، لأن تطرف "الليكود" ينافس تطرف "البيت اليهودي"، وحزب "يسرائيل بيتينو" ينافس الحزبين معا في التطرف.

ويبقى الشطر الثاني من السؤال هو إلى أي مدى في نية "البيت اليهودي" قلب أوراق الحكومة الحالية على خلفية أسباب لا يقتنع بها الجمهور؟.

بناء على تجارب الماضي فإننا على الأغلب أمام زوبعة قد تهدأ قريبا، بمنح "البيت اليهودي" انجازا ما، على شكل مشروع أو مشاريع بناء استيطاني في الضفة والقدس أو ما شابه. لأن اليمين المتشدد ما يزال "يؤنب" نفسه على اسقاط حكومتين لليكود، في العامين 1999، و2006، ففي العام 1999 رفض اليمين المتشدد اتفاقية الخليل واستمرار المفاوضات بين حكومة نتنياهو والقيادة الفلسطينية، ليعود إلى الحكم في ذلك العام حزب "العمل". وفي انتخابات 2006، انتفض اليمين على خطة أريئيل شارون، لإخلاء مستوطنات قطاع غزة، ففاز في تلك الانتخابات حزب "كديما" الذي أسسه شارون، قبل سقوطه في غيبوبة دامت ثماني سنوات.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات