المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أعدّ مراقب الدولة الإسرائيلية، القاضي المتقاعد يوسف شابيرا، تقريرا وجه فيه انتقادات شديدة إلى وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية حول عدم معالجة الوزارة لموضوع العنصرية في جهاز التعليم الحكومي، وعدم دفع برامج تعليمية حول الحياة المشتركة بين اليهود والعرب، والامتناع عن مواجهة الشروخ في المجتمع في إسرائيل، وتجاهل الوزارة تقارير وضعتها لجان رسمية حول نشر مبادئ الديمقراطية في المدارس.

ويأتي هذا التقرير لمراقب الدولة، بعد ثلاثة أسابيع من إعلان وزارة التربية والتعليم عن صدور كتاب المدنيات الجديد "أن نكون مواطنين في إسرائيل"، والانتقادات الشديدة لمضامينه من جانب خبراء ومتخصصين في الموضوع. فهذا الكتاب يعبر عن أفكار اليمين والتيار الصهيوني – الديني، ويدافع عن وجود إسرائيل "كدولة قومية يهودية"، ويعرّف القومية في إسرائيل بأنها "عرقية – ثقافية" مرتبطة بـ"القومية اليهودية"، ويكرر الادعاء بأن هذا التعريف لا يتناقض مع الديمقراطية، وبذلك يتجاهل الكتاب الانتقادات، حتى داخل إسرائيل، لهذا التعريف القومي، كما أنه يكاد يتجاهل وجود الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل.

تقرير مراقب الدولة هذا حول جهاز التعليم لم يُنشر حتى الآن، لكن صحيفة "هآرتس" كشفت النقاب عنه، يوم الجمعة الماضي، وتحدثت مع مصادر اطلعت على التقرير وعلى الانتقادات لوزارة التربية والتعليم التي تضمنها.

ووفقا لهذه المصادر، فإن التقرير يذكر سلسلة طويلة من العيوب في أداء الوزارة، بينها الميزانيات الضئيلة التي تُرصد لموضوع الحياة المشتركة بين اليهود والعرب ومنع العنصرية، وعدد مقلص جدا من العاملين في هذا المجال، وعدم بلورة خطة عمل شاملة، والامتناع عن تطبيق توصيات لجان مختصة شكلتها وعينتها الوزارة بنفسها، وتأهيل جزئي لكادر يعمل في هذا المجال، وتهرب المدارس اليهودية الدينية الحكومية من التعامل مع الموضوع بصورة منهجية.

ويتوقع صدور التقرير بعد أسبوعين.
ويجري في مكتب المراقب دراسة إمكانية تقديمه إلى الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، وليس إلى رئيس الكنيست كما هي العادة لدى صدور تقارير المراقب، وذلك من أجل التشديد على أهمية التقرير.

وقال مصدر مطلع على التقرير وردود الفعل الداخلية، إن التقرير يثير تخوفات بين كبار الموظفين في وزارة التربية والتعليم، لعدة أسباب، بينها أنه "سيكون من الصعب جدا نقضه على ضوء العمل الكبير الذي استُثمر فيه".

يشار إلى أن التقرير لا يتطرق فقط إلى ولاية وزير التربية والتعليم الحالي، نفتالي بينيت، وهو رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني الاستيطاني المتطرف، وإنما إلى الوزراء الذين سبقوه في المنصب أيضا.

وأكدت مصادر قرأت تقرير المراقب، أن مجموعة العيوب في التربية على حياة مشتركة ومنع العنصرية تدل على فشل متواصل، يتحمل مسؤوليته وزراء التربية والتعليم والمديرون العامون للوزارة في السنوات الأخيرة، الذين دأبوا على التصريح دائما بأنهم ملتزمون بهذه المواضيع. وقال أحد المصادر المطلعة على التقرير، إنه "يتبين من الانتقادات أن ثمة حاجة واضحة إلى تعميق التربية المدنية، إلا أن الوزارة لا ترصد ميزانيات لذلك، ولا تطبق توصيات ولا تختبر أي ناحية تقريبا متعلقة بهذا المجال". وأضاف مصدر آخر أن "الحجم الضئيل للأنشطة واللقاءات وبرامج التعليم يثير شكوكا حول ما إذا كانت الوزارة مهتمة أصلا بمعالجة هذه المواضيع".

وساور كبار المسؤولين في الوزارة، خلال الأسابيع الأخيرة، قلق من احتمال أن يبكّر مراقب الدولة في نشر هذا التقرير الخاص، وأن يتزامن ذلك مع صدور كتاب المدنيات الذي يدور حوله سجال حاد. وفي أعقاب النقاش في الحيز العام في العام الماضي حول تدريس موضوع المدنيات، سادت تقديرات في الوزارة بأن الكتاب الجديد سيتعرض لانتقادات، وتخوفوا من أن انتقادات في مواضيع ذات علاقة ستزيد المعارضة لخطوات يقودها الوزير بينيت في تدريس المدنيات ومجالات أخرى.

تجاهل لجان مهنية

بدأ طاقم مراقب الدولة العمل على التقرير قبل عام ونصف العام، ووفقا للتقديرات فإن الطاقم التقى مع عشرات المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، وخاصة في السكرتارية التربوية ودائرة الحياة المشتركة ومديرية المجتمع والشبيبة، وممثلين عن منظمات تنشط في مجال الحياة المشتركة بين اليهود والعرب وموظفين أقيلوا من العمل في الوزارة في السنوات الأخيرة، وبينهم رئيس السكرتارية التربوية السابق الدكتور نير ميخائيلي، والمسؤول السابق عن تدريس موضوع المدنيات أدار كوهين.

وبين التقارير التي استند إليها طاقم المراقب في عمله، تقرير أعدته لجنة برئاسة البروفسور مردخاي كرمنيتسر، وهو خبير قانوني مرموق ويتولى حاليا منصب نائب رئيس "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية". وقدمت اللجنة تقريرها لوزارة التربية والتعليم. ورغم أن الوزارة تبنت التقرير، في العام 1996، لكن تطبيقه منذئذ كان متقطعا وجزئيا، إذ أن جهات واسعة في اليمين الإسرائيلي اعتبرت تقرير لجنة كرمنيتسر "مرفوضا وخطيرا".

كذلك تطرق طاقم المراقب إلى تقرير آخر قدمته، في العام 2009، اللجنة لبلورة السياسات في موضوع التربية على الحياة المشتركة، برئاسة الدكتور محمد عيساوي والبروفسور غابي سولومون، الذي توفي في بداية العام الحالي. وفيما لا يزال بالإمكان قراءة تقرير لجنة كرمنيتسر في الموقع الالكتروني لوزارة التربية والتعليم، فإن مكان تخزين تقرير لجنة عيساوي – سولومون ليس معروفا.

وأوصى تقرير لجنة كرمنيتسر بتطوير توجه واسع النطاق للتربية المدنية، التي تشمل تدريس المدنيات بدءا من المدرسة الابتدائية، وغرز تعليم الديمقراطية في إطار عدة مواضيع، وإبراز قيم ديمقراطية كونية، وصنع مناخ مدرسي ديمقراطي وتشجيع النشاط الاجتماعي. وبين توصيات اللجنة "تدريس ذو علاقة وحواري وبحثي"، و"طرح خلافات في المواقف وتوترات ومعالجة معضلات"، و"تحليل ونقد، رؤية تعقيدات المشكلة، تحليلات وحلول مختلفة"، وكذلك "حقوق وواجبات: كرامة الإنسان، مساواة، قدسية الحياة، حرية وحرية التعبير عن الرأي".

وأفادت مصادر مطلعة بأن تقرير المراقب يشير إلى أن وزارة التربية والتعليم قررت عدم تطبيق توصيات مركزية في تقرير كرمنيتسر، فيما لم تتم ترجمة تقرير عيساوي – سولومون إلى خطة عمل عملية.

ورأت المصادر ذاتها أن التربية على حياة مشتركة ومنع العنصرية لم تكن أبدا على رأس سلم أولويات الوزارة. وأن هذا كان قرارا اتخذ بشكل متعمد وعن وعي من جانب وزراء التربية والتعليم وكبار المسؤولين في الوزارة، ويقضي هذا القرار "بعدم تطوير برامج تربوية لمواجهة الشروخ في المجتمع في إسرائيل، وخاصة بين اليهود والعرب". ويعبر عن هذا التوجه للوزارة غياب خطط عمل منتظمة ومعرفة وملزمة، بدءا من مستوى المديرين العامين وحتى مفتشي المدارس ومديريها. كذلك هناك غياب تطوير أدوات لقياس ظاهرة العنصرية، وتصعب مشكلة القياس استيضاح ما إذا كانت البرامج القليلة نسبيا والتي تعمل تحقق أهدافها. وتمت في بداية العام الحالي إقالة العالم الرئيس لوزارة التربية والتعليم، البروفسور عامي فولنسكي، بعد أن بادر مع الجيش الإسرائيلي إلى تطوير مقياس للعنصرية بين تلاميذ المدارس.

وأضافت المصادر أن تقرير المراقب يتطرق إلى أن عناية الوزارة، المحدودة للغاية، منقسمة بين مديرية المجتمع والشبيبة وبين "الهيئة من أجل التربية المدنية والحياة المشتركة"، التي كُلفت بتطبيق تقرير لجنة كرمنيتسر. وبالإمكان مشاهدة اقتراحات لأنشطة مدرسية ومواد تعليمية مختلفة في الموقع الالكتروني للهيئة، لكن يصعب العثور على خطط عمل. ويعمل في هذه الهيئة 25 موظفا، 20% منهم عرب. وقال أحد المصادر إنه "كان بالإمكان توقع وجود نسبة أعلى في التنظيم الوحيد في وزارة التربية والتعليم الملتزم بتشجيع الحياة المشتركة". ووفقا لمصدر آخر، فإن أفراد طاقم المراقب وجهوا انتقادات بسبب الاعتماد الواسع للهيئة خصوصا والوزارة عموما على التعاون مع جهات خارجية، الأمر الذي يؤدي إلى عدم الاحتفاظ بالمعرفة والخبرة داخل الوزارة.

كذلك ينتقد تقرير مراقب الدولة تأهيل المعلمين، الذي لا يمنح العاملين في سلك التعليم أدوات تساعدهم في تمرير دروس في مواضيع يوجد خلافات سياسية حولها. والحديث هنا لا يدور فقط حول نقاشات، تخرج عن السيطرة في أحيان كثيرة، حول مستقبل الأراضي المحتلة، وإنما حول قضايا حقوق الإنسان والمواطن ومنع العنصرية. ويتحدث معلمون كثيرون في السنوات الأخيرة عن صعوبات متزايدة في إجراء نقاشات كهذه في الصفوف، وبين أسباب ذلك ردود فعل التلاميذ وتخوف المعلمين من عدم دعمهم من جانب المسؤولين عنهم. مثال على ذلك، عندما هوجم معلم من بلدة طبعون، يدعى آدم فيرتي، بسبب انتقاده سياسة الحكومة الإسرائيلية، التزم المسؤولون في جهاز التعليم الصمت. وتعرض هذا المعلم إلى هجوم كلامي من جانب تلاميذه.

تزايد التطرف بين خريجي المدارس

يتطرق قسم آخر من تقرير المراقب إلى التعامل الذي يكاد يكون معدوما في جهاز التعليم الحكومي – الديني مع موضوع الحياة المشتركة والعنصرية.

وقالت مصادر قرأت تقرير المراقب، إن القول بأن هذا الجهاز يتعامل ولو بشكل ضئيل مع الموضوع هو إطراء كبير وليس مؤكدا أن هذا القول له صلة بالواقع. وأوضح أحد المصادر أن "محاربة العنصرية ليست موضوعا يهم التيار الحكومي الديني فقط، وإنما هذا موضوع يجب أن يشمل كافة أجهزة التعليم، وينبغي أن يلزم التيار الديني (اليهودي). وباستثناء بضع مدارس فإن هذا لا يحدث، ولا في أي مرحلة تعليمية".

وأشارت المصادر إلى أن الانتقادات التي يتضمنها التقرير تتناول أيضا الحجم الضئيل جدا للأنشطة والمبادرات في وزارة التربية والتعليم من أجل الحياة المشتركة. وتقول الوزارة إنها ترصد ميزانية بمبلغ عشرة ملايين شاقل، منذ العام الدراسي الماضي، لتمويل موضوع التربية الديمقراطية والحياة المشتركة ومحاربة العنصرية، لكنها ترفض كشف تفاصيل كاملة حول طريقة احتساب هذه الميزانية، إذ تفرض الوزارة تعتيما على بنود ميزانية الدعم في هذا السياق وكذلك على الاتفاقيات التي تبرمها مع منظمات وجمعيات من خارج الوزارة. ورغم ذلك، ومن أجل المقارنة، فإن ميزانية الوزارة لموضوع "الثقافة اليهودية" بلغت 150 مليون شاقل، في ميزانية الوزارة الأخيرة، وحتى أن هذا المبلغ ليس نهائيا وقد يرتفع.

وقال أحد المصادر إن "موظفي مكتب مراقب الدولة طلبوا الحصول على خطط عمل وقرارات (حول الحياة المشتركة ومحاربة العنصرية)، وليس أقوالا وحسب، لكن موظفي الوزارة واجهوا صعوبة في تزويد أجوبة على ذلك. لا توجد إستراتيجية ولا توجهات مستقبلية في مواضيع كهذه، في الوقت الذي يزداد خريجو جهاز التعليم تطرفا".

وأضاف المصدر أنه "لا يمكن القول إن وزارة التربية والتعليم تتهرب من معالجة مواضيع كهذه، لأن هذه المواضيع ليست غاية تستدعي تفكيرا وبذل جهد خاص. وهناك أنشطة لتشجيع حياة مشتركة طبعا، لكن في الغالب تكون هذه مبادرة محلية من جانب مدرسة أو منظمة صهيونية. والوضع بهذا الشكل منذ سنوات طويلة".

واعتبر مصدر آخر أن "الانطباع لدى موظفي المراقب هو أنه ربما تكون هناك نوايا طيبة لدى الوزارة، لكن من الناحية الفعلية ما جرى فعله قليل جدا. ولا يوجد لدى جهاز التعليم محفز للعمل في هذه المواضيع، وبين أسباب ذلك عدم وجود دعم من قيادة الوزارة".

وادعت الوزارة في تعقيبها ما يلي: "إننا ننظر إلى التربية على الديمقراطية والحياة المشتركة ومحاربة العنصرية بأنها قيمة هامة للغاية، وسنشدد على ذلك بشكل خاص في الخطة الإستراتيجية للوزارة للسنوات القريبة المقبلة. وفي هذا الإطار، سيتم وضع خطة عمل تلزم كافة الوحدات في الوزارة وتشمل وظائف ومؤشرات واضحة للتنفيذ. ويعمل في الوزارة طاقم للتربية المدنية ويدعم أنشطة مثل عقد لقاءات بين مجموعات في المجتمع الإسرائيلي وتمويل دراسات في موضوع العنصرية. وعملت لجنة وزارية خلال السنة الأخيرة على بلورة وثيقة توصيات للتربية على الديمقراطية والحياة الديمقراطية. ووفقا لتقارير معظم التلاميذ فإن المدارس تبذل جهودا كبيرة من أجل تشجيع التسامح تجاه الآخر المختلف".

المصطلحات المستخدمة:

مراقب الدولة, هآرتس, الكنيست, نفتالي بينيت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات