المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يروج السياسيون الإسرائيليون طوال الوقت بأن إسرائيل دولة مهددة، تواجه تحديات هائلة من جانب إيران وحزب الله وحماس و"الإرهاب الإسلامي" المتمثل بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وفرع القاعدة في سورية "جبهة النصرة"، وحتى أن بعض السياسيين يضيفون إلى ذلك الهبة الفلسطينية في القدس الشرقية والضفة الغربية.

ويضم سياسيون آخرون حملة المقاطعة الدولية لإسرائيل (BDS) إلى قائمة هذه "التهديدات".

على هذا النحو تحدث وزراء وأعضاء كنيست وسفراء من إسرائيل، وكذلك زعماء منظمات يهودية – أميركية وأثرياء يتبرعون بأموال طائلة لإسرائيل والحملات الانتخابية لرئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، خلال مؤتمر صحيفة "جيروزاليم بوست" في نيويورك الأسبوع الماضي، وحتى أنهم اعتبروا أن إسرائيل تواجه "تهديدا وجوديا".

مقابل جميع المتحدثين في هذا المؤتمر، تحدث رئيس الموساد الأسبق، إفرايم هليفي، فسعى إلى توضيح الصورة كما هي على أرض الواقع، والتي تختلف كليا عن خطاب التخويف وتقمص دور الضحية الدائمة، الذي يروج له خطاب اليمين الإسرائيلي.

وقال هليفي خلال ندوة في المؤتمر بعنوان "الإرهاب الإسلامي في العالم"، إنه "لا يمكن القضاء على إسرائيل، ولا توجد تهديدات وجودية ضدها"، وكرر دعوته إلى أنه يتعين على إسرائيل التحدث مع حركة حماس، وأنه ربما يفعل ذلك وزير الدفاع المعين، أفيغدور ليبرمان، رغم أنه دعا خلال العدوان الأخير على غزة، في صيف العام 2014، إلى اجتياح قطاع غزة وإعادة احتلاله والقضاء على حكم حماس.

وأشار هليفي إلى أن حماس وإيران ليستا حليفتين وإنما هناك خلافات بينهما.

وأشار المحلل الأمني في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، يوم الجمعة الماضي، إلى أنه "خلافا للسياسة، حيث بالإمكان منح دلالات وتحليلات متنوعة لخطوات كهذه أو تلك لأن ذلك متعلق بمواقف السياسي نفسه، فإنه في المواضيع الأمنية تكون الحقائق واضحة في غالب الأحيان، ويصعب مناقشتها. وهذه هي صورة الواقع (الأمني): في جميع مناطق حدود إسرائيل الخمس يسود الهدوء".

وكتب ميلمان أنه عند الحدود مع لبنان "حزب الله مرتدع" وهو ليس معنيا بحرب جديدة حاليا، علما أن حزب الله يشكل اليوم أكبر تهديد على إسرائيل، لأنه يمتلك أكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة صاروخية، بينها مئات الصواريخ التي يزيد مداها عن 250 كيلومترا وبعضها دقيق وبمقدوره حمل رأس حربية بزنة مئات الكيلوغرامات من المتفجرات. وبإمكان هذه الصواريخ أن تضرب منشآت إستراتيجية وهامة في إسرائيل، مثل محطات توليد الكهرباء ومفاعل ديمونا النووي ومطار بن غوريون الدولي ومصانع ومعسكرات للجيش ومطارات عسكرية. كذلك يملك حزب الله صواريخ بر – بحر وطائرات من دون طيار ومضادات جوية، إلى جانب قدرات استخبارية وقتال السايبر، في الفضاء الافتراضي، يتحسن.

وأشار ميلمان إلى أن التقديرات الإسرائيلية تتحدث عن أن حزب الله ضاعف قوته ثلاث مرات على الأقل قياسا مع ما كانت عليه عشية حرب لبنان الثانية في العام 2006. ويبلغ عدد قواته أكثر من 40 ألف مقاتل، أكثر من نصفهم في الاحتياط. ورغم أن حزب الله خسر حوالي 1500 مقاتل في سورية وأصيب حوالي خمسة آلاف آخرين، إلا أن هذه الحرب منحته خبرة عسكرية كبيرة في تفعيل القوات وتحريكها تحت النيران.

رغم ذلك، اعتبر ميلمان أن "في الميزان بين الحسنات والمساوئ، الضعف مقابل القوة، الكفة تميل لصالح إسرائيل. والنتيجة هي أنه بعد عشر سنوات على الحرب، سكان الجليل، وإسرائيل عموما، تمتعوا بأطول فترة هدوء بين الحروب التقليدية. وبموجب كافة التقديرات، فإن احتمال نشوب حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله ليست كبيرة، خاصة طالما أن الحرب في سورية مستمرة".

كذلك يسود الهدوء في هضبة الجولان المحتلة، على الرغم من تواجد عناصر "داعش" و"جبهة النصرة" داخل الأراضي السورية وقريبا من خط وقف إطلاق النار هناك، الذي تعتبر إسرائيل أنه يشكل حدودها مع سورية.

وكتب ميلمان أن "هذه المجموعات تعلمت التعايش مع الجار الإسرائيلي"، لأنها "مرتدعة من قوة الجيش الإسرائيلي وبسبب تخوفها من رد فعل إسرائيلي شديد في حال تجرأت على العمل ضدها في هضبة الجولان. وبالطبع لديهم الآن أعداء أهم من إسرائيل".

وعند حدودها الشرقية مع الأردن، تبني إسرائيل جدارا بطول 30 كيلومترا في جنوب هذه الحدود. ووفقا لميلمان فإن "العلاقات بين الدولتين أفضل من اي وقت مضى". وأضاف أن الملك الأردني عبد الله الثاني يصمد أمام الضغوط وعلى الرغم من الضائقة التي تعاني منها الأردن، وبين أسباب ذلك نزوح أكثر من نصف مليون لاجئ سوري إلى الأردن. كذلك فإن "أجهزة الأمن والجيش الأردني تعمل بصورة جيدة، وتحافظ على الحدود وتحبط الكثير من مخططات داعش لتنفيذ هجمات. والتعاون العسكري للدفاع عن الحدود المشتركة، الذي كان وثيقا دائما، مستمر ويسهم بالاستقرار".

وهكذا هو الوضع عند الحدود بين إسرائيل ومصر أيضا. فـ"عمليا، العلاقات الأمنية بين الدولتين لم تكن في حال أفضل. وفي مركز العلاقة مع مصر السيسي توجد مصالح متطابقة، وأولها حرب ضروس ضد إرهابيي تنظيم ’ولاية سيناء’ الذين أقسموا يمين الولاء لداعش".

وأضاف ميلمان أنه توجد رغبة مشتركة لدى إسرائيل ومصر حيال الحدود مع قطاع غزة، وهي إضعاف حركة حماس. وأضاف أن "نظام السيسي غاضب من التعاون الجاري بين الذراع العسكري لحماس وداعش. ويتمثل هذا التعاون بأن نشطاء ’ولاية سيناء’ يساعدون في تهريب السلاح إلى غزة وبالمقابل يحصلون على المال وتدريبات ومعالجة جرحاهم في مستشفيات في القطاع". إلا أن ميلمان اعتبر أن حماس تعمل على ترميم قوتها العسكرية وإعادة بنائها. وأضاف المحلل أن الجيش الإسرائيلي استخلص دروس العدوان الأخير على غزة. وأشار إلى أنه في حال شن إسرائيل عدوانا جديدا على غزة، فإن التوقعات هي أن الحكومة الإسرائيلية لن توعز للجيش بإسقاط حكم حماس. ووفقا لتقديرات الجيش الإسرائيلي فإن "حماس مرتدعة حتى الآن وتتحسب من مواجهة جديدة".

إضافة إلى ما تقدم، فإنه لا يوجد أي جيش لدولة عربية يهدد إسرائيل، وينبع ذلك، وفقا لميلمان، من أن "إسرائيل أبرمت اتفاقيتي سلام مع مصر والأردن، كما أن جيوشا كانت قوية وكبيرة، في سورية والعراق وليبيا، تلاشت أو ضعفت أو أنها مشغولة بمهمات أكثر إلحاحا".

وشدد ميلمان على أنه "لا توجد اليوم قوة عسكرية منظمة وقوية تشكل خطرا أو تحديا لإسرائيل. وهذا الأمر يسري على إيران أيضا، التي ما زالت تشكل القوة الوحيدة في الشرق الأوسط التي بإمكانها أن تهدد إسرائيل، إذ توجد لدى إيران قوة عسكرية كبيرة، وصناعة أسلحة متطورة جدا وكذلك عقيدة تحركها الكراهية لإسرائيل. وتوجد بحوزتها صواريخ طويلة المدى بإمكانها إصابة أية نقطة في إسرائيل وبدقة فائقة".

وأردف "لكن هذه أيضا إيران التي بتوقيعها الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والدول العظمى، وافقت على الانسحاب لسنوات إلى الخلف فيما يتعلق بقدرتها على صنع سلاح نووي. وهذه إيران التي تواجه أجندتها مواضيع حارقة أكثر من مواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل. فهي قلقة حيال تحسين وإنعاش اقتصادها، وهي غارقة عميقا في حروب لا تنتهي في سورية واليمن".

ولفت ميلمان أخيرا، إلى أن الصراع السني – الشيعي في المنطقة يعود بالفائدة على إسرائيل، من خلال تعزيز علاقاتها مع دول الخليج، وأشار المحلل بشكل خاص إلى علاقات تجارية لرجال أعمال إسرائيليين، وبينهم مسؤولون كبار سابقون في جهاز الأمن، مع الإمارات العربية المتحدة.

وخلص ميلمان إلى أن "جميع هذه الأحداث والتطورات تنضم إلى صورة واسعة، تظهر منها صورة واضحة، هي أن إسرائيل، التي ينسب إليها احتكار سلاح نووي، واستخبارات نوعية، وسلاح جو هو الأقوى في المنطقة وخارجها أيضا، هي دولة عظمى تُعدّ الأكبر والأقوى في الشرق الأوسط عسكريا وتكنولوجيا. وواضح أن الوزراء ليسوا معنيين بقول ذلك علنا. فهم يفضلون رسم سيناريوهات تظهر إسرائيل دولة ضعيفة، وورقة في مهب الريح، ومهددة، وتواجه خطرا وجوديا. وعرض الصورة بهذا الشكل تحركه اعتبارات سياسية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات