المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1534

أصدر عدد من الباحثين والباحثات في شؤون الشرق الأوسط في الجامعات ومعاهد الأبحاث الإسرائيلية الذين تنظموا أخيرا في هيئة تطلق على نفسها اسم "فوروم (طاقم) التفكير الإقليمي"، بيانا حول آخر التطورات المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني أكدوا فيه من ضمن أمور أخرى أن الخطاب الإسرائيلي العام وذلك السياسي الرسمي بخصوص "الاعتداءات المتجددة" الذي يستند إلى فهم ضيّق وجامد ويفتقر لأي سياق أو عُمق آخذ بالترسّخ في المجتمع الإسرائيلي، ويُجهض كل نقاش حقيقي حول المستجدّ من أحداث ويهدد مستقبل إسرائيل ومواطنيها.

وقالوا إن خطابا عاما سياسيا غنيّا ومتنوّعا يستند إلى الخبرة والتجربة التاريخية والسياسية والاقتصادية الاجتماعية وعلى نظرة مقارنة هو الشرط المسبق لولادة مجتمع صحيّ وآمن.

وفيما يلي النصّ الكامل لهذا البيان:

طرأ في الأسابيع الأخيرة ارتفاع حاد جدا في العمليات العنيفة لا سيما تلك التي تُستخدم فيها السكاكين من أفراد فلسطينيين ضد يهود. وقد قُتل في هذه الأحداث عدد من الإسرائيليين وأصيب العشرات وارتفع منسوب القلق في الشارع الإسرائيلي بشكل حاد.

في هذه الفترة انكشف الجمهور الإسرائيلي إلى رسائل عديدة من جهات مختلفة ـ مثل الحكومة الإسرائيلية ومُنتَخَبي الجمهور والإعلام الإسرائيلي ومعاهد المعلومات والأبحاث ـ بخصوص مصدر هذا العنف وحجمه وأسبابه وسُبُل وضع حدّ له. إلا إن هذه الرسائل وهذه التحليلات تنتمي في غالبيتها العُظمى إلى وجهة نظر واحدة، ضيقة وجامدة تفتقر لأي سياق وعُمق، وهي آخذة بالترسّخ في صفوف واسعة من المجتمع الإسرائيلي وتُجهض كل نقاش حقيقي حول ما يحصل أمام أعيننا ويُهدّد مستقبل دولة إسرائيل ومواطنيها.

نحن، في "فوروم التفكير الإقليمي"، على اعتقاد بأنّ خطابا عاما وسياسيا غير مُنصف وغير مسؤول سيُفضي إلى فهم مشوّه، وبالتالي إلى اتخاذ قرارات غير مسؤولة بل وخطرة. وكباحثات وباحثين في موضوع الشرق الأوسط، يهودا وعربا، نعبّر عن دهشتنا من النقاش الضحل الدائر في إسرائيل حول مواضيع بهذه الأهمية والمصيرية.

فيما يلي أربع ظواهر تمثّل ما ذهبنا إليه، حاضرة في الخطاب الإسرائيلي واتسعت وتعمّقت في الأسابيع الأخيرة.
أولا، القطيعة مع السياق- إن الإعلام الشعبي وكذلك العديد من الناشطين في الحيز السياسي يتعاملون مع العنف كأنه وُلِد من عدم. هذا، في حين أن اليهود والعرب الذين يعيشون على الرقعة الجغرافية بين البحر والنهر يعيشون صراعا متواصلا بينهم؛ فالضفة الغربية خاضعة للاحتلال العسكري منذ العام 1967 والقدس لا تُعتبر "موحّدة" في عيون غالبية سكانها. وقطاع غزة يقع تحت الحصار. وفي إسرائيل نفسها يسود التمييز بين اليهود والعرب المعروف جيدا لكل سلطات الدولة.

كل نقاش حول العنف المتزايد بين اليهود والعرب لا يتعامل مع حقيقة أن بين إسرائيل والفلسطينيين صراعا نشِطا يخلق صورة موهومة تبدو إسرائيل فيها متطلّعة إلى السلام بينما العرب الفلسطينيون ميّالون إلى الحرب بطبيعتهم. هكذا، طالما أنه لم تتم تسوية الصراع فإن العنف المتبادل سيظلّ ملازما لنا، وقد يتمّ أحيانا، في الخفاء أو قد ينفجر علنا.

ثانيا، منذ بدأت موجة العنف الأخيرة يُسمع من طرف إسرائيل موقف مُهيمن واحد مفاده: رئيس السلطة الوطنية محمود عباس (أبو مازن) هو المسؤول عن سفك الدماء، وإن التحريض من طرفه هو الذي يدفع فلسطينيين إلى المبادرة للاعتداء على الإسرائيليين. نحن، في "فوروم التفكير الإقليمي"، ننظر بقلق إلى كيفية اصطفاف الإعلام بغالبيته في صفّ هذا الموقف. بودّنا الإشارة إلى حقيقة أن تيارات عميقة في الشارع الفلسطيني هي السبب في انفجار العنف أكثر من أي خطاب لقائد فلسطيني
الفلسطينيون في المناطق وقطاع غزة أو القدس الشرقية لا يحتاجون إلى رسالة من مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك ليعرفوا أن حياتهم عديمة الأمل. فالإحباط في صفوفهم كبير. اعتقادهم بأنه ستقوم يوما ما دولتان بجانب بعضهما يكاد يختفي إلا أنهم يتطلعون إلى مؤسسات قومية فاعلة. بين البحر والنهر هناك شعب واحد لديه دولة ـ إسرائيل، وفقط شعب واحد لا يزال ينتظر دولته ـ فلسطين. هذا هو النظام القائم وهذا هو السبب الأساس لخرقه والغياب المتواصل للاستقرار والإحباط والعنف.

ثالثًا، تمّ خلال الأسابيع الأخيرة تغذية الجمهور الإسرائيلي برواية تقضي بأن العنف الفلسطيني في القدس يأتي من لا مكان وأنه لم يتمّ تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي. لقد حلّلنا في الشهرين الأخيرين في "فوروم التفكير الإقليمي" ما يحصل في القدس وقدسية المكان بالنسبة للمسلمين والوضع المتفجّر في المدينة. منذ العام 2000 ازداد عدد الزوار اليهود خاصة من التيار الديني ـ القومي إلى جبل الهيكل/ الأقصى. سياسيون بينهم وزراء في الحكومة الحالية طرحوا مطالب بخصوص ترتيبات جديدة في الحرم القُدسي ومستقبل السيطرة فيه. هذه التطور بموازاة الحضور المكثّف لقوات الأمن في الحرم القدسي وتشديد القيود على صلاة الفلسطينيين فيه أثارا لدى الفلسطينيين الشك في أن إسرائيل تسعى إلى تغيير الوضع القائم هناك.

رابعا، يتمحور الخطاب العام الإسرائيلي في أحداث عنيفة ضد الإسرائيليين ويميل إلى إغفال العنف ضد الفلسطينيين. منذ بدء موجة العنف الحالية قيّد الجيش الإسرائيلي حرية التنقل في الضفة الغربية ووسّع من نشاطه في المناطق. وفي هذا تأثير كبير على الجمهور الإسرائيلي تماما مثلما يشجع مقتل مواطن إسرائيلي الكراهية تجاه الفلسطينيين في إسرائيل، هكذا، فإن موت طفل فلسطيني في مظاهرة في المناطق يشجّع الكراهية لإسرائيل لدى الفلسطينيين. من الواضح أن الحكومة والإعلام مرتبطان بالذات مع الجمهور اليهودي في إسرائيل لكن من واجبنا كمهنيين ملتزمين بتفكير أشمل، الإشارة إلى أن الشعور بالتوتّر والضغط في الجانب الفلسطيني لا يقلّ عنه في الجانب الإسرائيلي. وتاريخ الصراع مليء بأمثلة حول تراكم خطير للتوتّر في الجانب الفلسطيني يسبق عادةً موجات من العنف الحاد، ومن واجبنا التحذير من ذلك.

تفاخرت نائبة وزير الخارجية مؤخرا في مقابلة إذاعية بمحاضرة للموظفين الكبار في وزارتها قدمتها منظمة تُعنى بـ"التحريض على الفلسطينيين". تقوم هذه المنظمة برصد الإعلام الفلسطيني بشكل انتقائي وتقطع اقتباساتها عن السياق الأوسع للصراع. إن محاولات حكومة اليمين ترسيخ وجهة نظرها في القطاع العام ـ في قلب البيروقراطية المهنية ـ بواسطة خبراء يمثّلون خطا أيديولوجيا محددا ومن خلال تجنيد الإعلام هو فعل خطير لأنه يكرّس وجهة نظر واحدة وحيدة. كما أن تجاهل متخذي القرارات في إسرائيل الرسالة الواضحة لجهات عسكرية وأمنية ومفادها أن رئيس السلطة الفلسطينية لا يشتغل بأي تحريض بل يقود إجراءات تهدئة، يشكل جزءا من اللعبة ذاتها. وهذا ما يثبت أن جهات متنفّذة في الحيز السياسي تُحاول منع إجراء أي نقاش حقيقي حتى في مواقف المؤسسة العسكرية ـ الأمنية هذا ناهيك عن مواقف مؤسسات المجتمع المدني.

لقد تلقينا في الفترة الأخيرة في "فوروم التفكير الإقليمي" توجهات كثيرة من جانب باحثات وباحثين ومن جانب مؤسسات لبحث الشرق الأوسط في الأكاديمية الإسرائيلية عبّروا فيها عن قلقهم من تشويش المعلومات والتحليلات في الإعلام الإسرائيلي ومن غياب النقاش المفتوح ومن الاستناد إلى بديهيات وإلى خطاب منفلت العِقال.

نحن على اعتقاد أن أمن إسرائيل لن يتعزّز من ارتفاع مستوى العنف الكلامي والفعلي ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها. إن نزع الشرعية المتزايد عن الفلسطينيين وعن تطلعهم إلى إقامة دولة إلى جانب دولة إسرائيل والتحريض والانفلات ضد الفلسطينيين في المناطق وإسرائيل لا يخدم أمن إسرائيل ولا مواطنيها.

إن وجود نقاش حقيقي ضمن الخطاب العام السياسي والرسمي، ينطوي على أكثر من رأي واحد ويتأسس على عُمق تاريخي وسياسي واقتصادي ـ اجتماعي، وعلى نظرة مقارنة ودراسة حالات اختبارية من صراعات أخرى في العالم، هو الشرط المسبق ليس فقط لتفكير نقدي إنما، أيضا، لمجتمع صحي وآمن. إن مجتمعا يجرؤ على الدراسة ولا يحاول تبرير كل أفعاله بأثر رجعي، مجتمع مستقبله هام كماضيه وحاضره على الأقلّ هو مجتمع تستطيع حكومته أن تتخذ قرارات متزنة وصحيحة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات