المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

رئيس الحكومة الإسرائيلية يُقصي "مؤيدي الفلسطينيين ورفض الخدمة العسكرية" عن عضوية لجان التحكيم لـ"جائزة إسرائيل للأدب"! تدخل نتنياهو هذا يثير عاصفة واسعة تخللتها حملة استقالات من عضوية لجان التحكيم وانسحابات من قوائم المرشحين لنيل الجائزة

"هوس الانتخابات والسلطة" ـ كما وصفه أحد المعنيين ـ يزيل آخر القيود والحدود من وجه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ودوائره الحزبية والسياسية، فتصبح الممارسات الاستبدادية الرامية إلى الفوز بأكبر ما يمكن من الأصوات صريحة ومكشوفة من غير أي حرج، من خلال الإيغال في التطرف، بصرف النظر عما تنطوي عليه من إسقاطات وتداعيات مستقبلية على المجتمع الإسرائيلي وما يُسمى "النظام الديمقراطي" في إسرائيل.

والمناسبة العينية لهذا الحديث، الآن تحديدا، هو ما أقدم عليه رئيس الحكومة، نتنياهو، شخصيا، ومسؤولو ديوانه، من تدخل سياسي فظ في ما يتعلق بـ"جائزة إسرائيل للأدب، للبحث الأدبي وللسينما" هذا العام، وخاصة عضوية لجنة التحكيم والأدباء المرشحين لنيلها، مما أصبح يشكل ـ في نظر كثيرين ـ خطرا جديا على مصير هذه الجائزة لهذا العام، ذهب البعض إلى تقديره باحتمال إلغاء الجائزة، توزيعها وحفلها، كليا، بينما أكد آخرون أن الضرر الفادح قد وقع بمجرد انسحاب مجموعة كبيرة من أكبر وألمع الأدباء، الفنانين والأكاديميين الإسرائيليين من كل ما يتعلق بالجائزة، سواء من لوائح الترشيح أو من عضوية لجان التحكيم.

نتنياهو "ينتهز الفرصة"!

وكانت فضيحة "جائزة إسرائيل" هذه، وما أعقبها من عاصفة لم تهدأ حتى الآن بعد، قد تفجرت حينما كشفت صحيفة "هآرتس" (يوم 9 شباط الجاري) عن تدخل مكتب رئيس الحكومة، نتنياهو، وإقدامه "في خطوة غير عادية وغير مسبوقة" على التدخل المباشر والفظ في تركيبة لجنة التحكيم لهذه الجائزة، والذي تمثل في إسقاط عضوية ثلاثة من أعضائها، هم: البروفسور أفنير هولتسمان والبروفسور أريئيل هيرشفيلد، عضوا اللجنة عن مجال الأدب، والمخرج السينمائي والتلفزيوني حاييم شرير، عضو اللجنة عن مجال السينما، وذلك بعد أن كانوا قد باشروا عملهم في إطار هذه اللجنة. وكان وزير التربية والتعليم السابق، شاي بيرون، هو الذي عيّن أعضاء هذه اللجنة، كما هو متبع. لكن بيرون استقال في هذه الأثناء بعد انسحاب حزبه، "يش عتيد" من الحكومة ومن الائتلاف الحكومي. وفي أعقاب استقالة بيرون، تسلم نتنياهو نفسه حقيبة التربية والتعليم الوزارية.

ووجهت وزارة التربية والتعليم رسائل إلى كل من هولتسمان وهيرشفيلد وشرير تبلغهم فيها بقرار إقصائهم من عضوية لجنة التحكيم، دون إبداء أية أسباب لذلك.

وفي وقت لاحق، أكد نتنياهو قراره هذا، لكن ليس في بيان حكومي رسمي ولا بصورة صريحة، بل بـ"ستاتوس" كتبه على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، يوم 11 شباط، قال فيه: "طوال السنوات الماضية، جرى تعيين أعضاء في لجنة التحكيم لجائزة إسرائيل من بين عناصر تحمل مواقف متطرفة، ومن بينها عناصر معادية للصهيونية أيضا، مثل أشخاص يؤيدون رفض الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي ... هذا الوضع ينبغي تغييره"! كما خرج عدد من أعضاء الكنيست والوزراء عن حزب "الليكود" يدعمون قرار نتنياهو هذا ويكررون "العلة" ذاتها، بينما أوضحت "مصادر" (كما وصفتها بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية!) أنه "بعدما اتضح ان أحد المرشحين لعضوية لجنة التحكيم يدعم رفض الخدمة العسكرية، تقرر إعادة فحص تركيبة اللجنة من جديد"!

ثم عاد نتنياهو، شخصيا، وتطرق إلى الموضوع مرة أخرى، في "ستاتوس" نشره على صفحته الخاصة على الفيسبوك أيضا في اليوم التالي، 12 شباط، فقال إن "لجان التحكيم في مجالات الثقافة تحولت إلى ملعب خاص لليسار المتطرف، المعادي للصهيونية، الداعم للفلسطينيين والداعي إلى رفض تأدية الخدمة العسكرية" وإنه "لا يجوز أن تسيطر المواقف الداعمة للفلسطينيين على جائزة إسرائيل في بعض المجالات"!

أما عضو اللجنة المقصود في تأييد رفض الخدمة العسكرية فهو البروفسور أريئيل هيرشفيلد، المحاضر في جامعة القدس وعميد كلية الأدب العبري فيها سابقا، والذي كان قد وقّع، قبل نحو عشر سنوات، سوية مع 350 محاضرا جامعيا آخرين، على عريضة تعبر عن "تأييدنا وتقديرنا للطلاب والمحاضرين الذين يرفضون تأدية الخدمة العسكرية كجنود في المناطق الفلسطينية المحتلة. ذلك أن هذه الخدمة تكون منوطة، في أحيان كثيرة، بتنفيذ أوامر لا مكان لها في مجتمع ديمقراطي".

وأفادت صحيفة "هآرتس" (يوم 12 شباط) بأن فحصا أجرته قد دل على أن هيرشفيلد لم يكن العضو الأول في لجان التحكيم لجائزة إسرائيل الذي يعلن دعمه لرفض تأدية الخدمة العسكرية. ففي العام الماضي، تولى رئاسة لجنة التحكيم لجائزة إسرائيل في مجال "الأدب التوراتي" البروفسور أليئاف شوحطمان، الذي أعلن، جهارا، دعمه لرفض تنفيذ أوامر عسكرية تقضي بإخلاء مستوطنات يهودية! ورغم ذلك، لم يتم إقصاء شوحطمان عن رئاسة اللجنة، ولا عن عضويتها حتى.

حملة استقالات وانسحابات احتجاجية

وأثار هذا التدخل السياسي الفظ من جانب رئيس الحكومة، وفي أعقاب الكشف عنه في "هآرتس"، عاصفة سياسية وموجة احتجاجية تخللتها حملة استقالات من عضوية لجان التحكيم لجائزة إسرائيل وانسحابات من قوائم المرشحين لنيل الجائزة.

فخلال أيام قليلة، بعد الكشف عن تدخل نتنياهو وفصله ثلاثة من أعضاء اللجنة، قدم ثمانية من أعضاء اللجان المختلفة استقالاتهم، وهم: الكاتبة غيل هار- إيفن، البروفسور نوريت غيرتس، البروفسور زيفا بن بورات، البروفسور نيسيم كلدرون، البروفسور إفرايم حزان ود. أوري هولندر (من لجنة "جائزة إسرائيل للأدب والبحث الأدبي") والمخرج التلفزيوني رام ليفي والممثلة يونا إليان (من لجنة "جائزة إسرائيل للسينما"). ومع هذه الاستقالات، انحلت، عمليا، لجنة التحكيم لـ"جائزة إسرائيل للأدب والبحث الأدبي" إذ لم يبق من أعضائها أحد، على الإطلاق (فصل اثنين واستقالة ستة)، بينما لم يبق في لجنة التحكيم لـ"جائزة إسرائيل للسينما" (بعد فصل واحد واستقالة اثنين آخرين) سوى عضوين اثنين، هما: المغني يورام غاؤون، رئيس هذه اللجنة، وموطي شكلار، عضو اللجنة ورئيس "سلطة البث" الرسمية سابقا.

وبالتزامن مع ذلك، أيضا، جرت موجة انسحابات من قوائم المرشحين لنيل هذه الجائزة، إذ انسحب سبعة مرشحين، هم: الكاتب سامي ميخائيل، الكاتب دافيد غروسمان، الكاتب إسحاق بن نير، الكاتب حاييم بئير، البروفسور يغئال شفارتس، المخرج والسيناريست رينين شور.

كما أعلنت الناشطة الاجتماعية روت دايان، الزوجة الأولى لموشيه دايان، عن سحب ترشيحها لـ"جائزة إسرائيل عن مسيرة الحياة"، وذلك احتجاجا على التدخل السياسي الفظ من جانب رئيس الحكومة في تركيبة اللجان وعملها. وقالت دايان، التي تبلغ من العمر 98 عاما، إن "جائزة إسرائيل ليست شأنا لليمين أو لليسار. لا يعقل أن يقوم رئيس الحكومة بإلغاء تعيين أعضاء في لجان التحكيم وأن يتدخل في معايير الجائزة. لم أسمع في حياتي قط شيئا كهذا، وفي مثل هذه الحال لا أرغب في أن أكون مرشحة لنيل الجائزة"!

ورفض البروفسور أفنير هولتسمان، المقصى عن عضوية لجنة التحكيم، ادعاءات رئيس الحكومة بقوله: "يكفي استعراض قائمة أسماء الحاصلين على جائزة إسرائيل في مجال الأدب والبحث الأدبي خلال السنوات الـ 15 الأخيرة الماضية للتأكد من أن أغلبيتهم الساحقة، إن لم يكن كلهم على الإطلاق، بعيدون جدا جدا عن الصورة المشيطنة التي يرسمها نتنياهو. وهو ما ينطبق، إلى حد كبير، على أعضاء لجان التحكيم أيضا". وأنهى قائلا: "ادعاءات نتنياهو لا أساس لها، مطلقا، وما هي إلا نتاج حالة من جنون الارتياب (بارانويا) وتعبير عنها"!

وقال البروفسور نيسيم كلدرون، أحد المستقيلين احتجاجا، وكان يرأس لجنة التحكيم في مجال البحث الأدبي، إن "نتنياهو وجه، بسلوكه هذا، ضربة قاتلة لجائزة إسرائيل، ثم واصل المس بها بما نشره لاحقا". وأوضح كلدرون: "إذا كان قرار نتنياهو (فصل الأعضاء من لجان التحكيم) يشكل مسّاً بالجائزة في الحاضر، فإن ما كتبه لاحقا يوسع دائرة المسّ لتشمل الماضي أيضا. ذلك أن نتنياهو يقول، عمليا، إن الحائزين على جائزة إسرائيل، عبر السنوات الماضية، اختيروا طبقا لاعتبارات غير موضوعية وغير مهنية، وليس طبقا لاعتبارات التميز المهني والجودة الأدبية والفنية".

واتهم كلدرون نتنياهو بفرض واقع "التسييس الفظ والعنيف" على "جائزة إسرائيل" بينما هو (نتنياهو) يرمي، في الوقت ذاته، أعضاء لجان التحكيم خلال السنوات كلها بهذه التهمة (التسييس) التي لا أساس لها!

وقال الكاتب حاييم بئير، المنسحب من قائمة المرشحين لنيل الجائزة، إنه يشعر بأن "عدم نيل جائزة إسرائيل هو شرف أكبر من نيلها الآن. وأنا لا أحسد ذلك الشخص الذي سيقف لتسلم جائزة إسرائيل للأدب في يوم الاستقلال" (في إشارة إلى الاحتفال بـ"يوم استقلال إسرائيل"، الذي تجري في إطاره مراسم توزيع "جائزة إسرائيل" على الفائزين بها، في شتى المجالات)! وأضاف بئير: "ترددت كثيرا، لأن الجائزة عزيزة عليّ جدا. هذا الاحتفال الذي يقام في يوم الاستقلال يبدو لي تجسيدا للإسرائيلية، اللحظة التي يكرّم فيها المجتمع الإسرائيلي أبناءه وبناته على مساهماتهم المختلفة، كل في مجاله"، ثم قال: "لكن تدخل رئيس الحكومة وموظفي ديوانه في عمل لجان التحكيم جعل الجائزة غير مرغوبة... ليس رئيس الحكومة هو الذي يمنح الجوائز. إنه الشخص الذي يقف على المنصة ويقدم المغلف فقط، وليس هو الذي يمنح الجائزة"!

وقال الكاتب سامي ميخائيل، المنسحب أيضا من قائمة المرشحين لنيل الجائزة احتجاجا، إنه "من الخطير جدا أن يأخذ سياسي، مهما كان رفيع المنصب، لنفسه دور منظّف الحظائر الأدبية". وأضاف ميخائيل: "على حد علمي، فإن أيا من الكتاب لم يُعتقل بتهمة الفساد، منذ قيام الدولة حتى اليوم، بينما يقبع في السجون عدد "مرعب" من السياسيين، وهو عدد مرشح للارتفاع أكثر".

وقال الكاتب إسحاق بن نير، الذي سحب هو الآخر ترشيحه لنيل الجائزة احتجاجا، إن تدخل نتنياهو "يرمي، كما يبدو، إلى تعزيز سيطرته وتوجيهاته المشوهة في مراكز التأثير والعمل الثقافيين، بما فيها وسائل الإعلام". وأضاف بن نير: "إن طرد أعضاء من لجنة التحكيم واستقالة آخرين تجعل الحدث السنوي حدثا سياسيا، جدانوفيّاً (في إشارة إلى أندريه جدانوف، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي أيام ستالين، والذي قاد حملات واسعة ضد الأدب والأدباء بتهمة "الفشل الأيديولوجي"!) وكاذباً، وتجعل ترشيحي مستحيلاً".

أما الكاتب دافيد غروسمان، الذي سحب هو الآخر ترشيحه لنيل الجائزة احتجاجا، فقد وصف تدخل نتنياهو وديوانه في عضوية لجان التحكيم وعملها ومعايير منح الجائزة بأنه "سطو ليليّ، عنيف وفظ، يمسّ بحرية الروح والتفكير في إسرائيل".

ووصف البروفسور يغئال شفارتس، محاضر الأدب في جامعة بن غوريون (في بئر السبع/ النقب) والمحرر الرئيس في دار النشر "كنيرت زمورا بيتان"، الذي سحب ترشيحه لـ"جائزة إسرائيل للبحث الأدبي"، تدخل نتنياهو بأنه "فضيحة غير مسبوقة ولا مثيل لها... هذا ليس خطأ، بل استمرار لسياسة نتنياهو المقصودة والموجهة التي تستهدف المس بالنخب الإسرائيلية طمعا في كسب الأصوات من فئات أخرى... إنها عملية تخريب لا يجوز الصمت عليها". وقال شفارتس: "إنني أسحب ترشيحي وأدعو جميع المرشحين الآخرين إلى سحب ترشيحاتهم".

أما الكاتب إيلي عمير، الذي اختار عدم تقديم ترشيحه لنيل الجائزة هذا العام ورفض المشاركة في عضوية لجنة التحكيم في مجال البحث الأدبي، فقال إن "ما يحصل هنا هو تفعيل شرطة الأفكار... ديوان رئيس الحكومة يقرر من هو الصهيوني ومن هو المعادي للصهيونية. من أنتم؟ من خولكم هذا؟"! وأضاف عمير: " أصبحت الجائزة ، هذا العام، ملوثة ومخزية وإذا ما سحب جميع الأدباء والباحثين ترشيحاتهم، فلن يتم توزيعها، وهذا أفضل"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات