المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
أعضاء في "حركة الأمر 9" المتطرفة يقطعون طريق المساعدات إلى غزة. (عن: هآرتس)

منذ بداية العام الحالي، لم تتوقف اعتراضات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مما أدى إلى بروز "حركة الأمر 9" في الساحة الإسرائيلية. وزادت شهرة الحركة بشكل كبير بعد فرض العقوبات الأميركية على مؤسسيها، مما جعلها محور اهتمام الإعلام اليميني، مثل القناة 14. يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على "حركة الأمر 9" اليمينية من خلال تقديم نظرة شاملة على ماهيتها وأهدافها وتركيبتها، فهي واحدة من أبرز الحركات التي ظهرت مؤخراً في المشهد السياسي والاجتماعي الإسرائيلي.

من هي "حركة الأمر 9"؟

تحت شعار "لا مساعدات حتى يعود آخر المخطوفين"، تأسست "حركة الأمر 9" بمبادرة من الزوجين ريعوت ويوسف بن حاييم، وهما مستوطنان يعيشان في مستوطنة "نتيفوت" الواقعة في النقب.[i]

ولدت فكرة "الأمر 9" خلال تظاهرة عند معبر كرم أبو سالم المؤدي إلى غزة بتاريخ 11 كانون الثاني 2024. وتهدف الحركة إلى وقف المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حيث يرى أعضاؤها أنها "تعزز قدرات العدو وتطيل أمد الصراع". سُجل أول نشاط للتنظيم لمنع المساعدات في 10 كانون الثاني 2024، عندما نشرت بن حاييم منشوراً تعرب فيه عن استهجانها لاستمرار إرسال المساعدات إلى غزة، ودعت للتظاهر عند معبر كرم أبو سالم.[ii]

في مقابلة لها مع صحيفة "معاريف" بتاريخ 10 آذار 2024، تروي بن حاييم عن فكرة تأسيس الحركة، قائلة: "أوقفت الشرطة المتظاهرين من أهالي المخطوفين وهم في طريقهم إلى كرم أبو سالم. حينما رأينا الشاحنات على طول الحدود وقفنا هناك، ثم أوقفناها، أدركنا أنا وزوجي – خريج إحدى المدارس الدينية - أننا لا نستطيع القيام بذلك بمفردنا، وبدأنا في تجنيد الأشخاص منذ أسبوعين".[iii]

تستمد الحركة اسمها من مصطلح "أمر- تساف- 9"، الذي يشير إلى الأمر الخاص بالتجنيد الفوري لجنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي وفقاً لقانون خدمة الاحتياط. أوضحت بن حاييم في المقابلة مع صحيفة "معاريف" أن العديد من الجنود الذين تم تسريحهم مؤخراً بعد القتال بموجب الأمر 8 ينضمون إلى الحركة، ومن هنا جاء اسم الحركة: الأمر 9 .[iv]

وهذا ما عززه ديفيد هولتزمان، أحد نشطائها، بقوله: "نحن الأشخاص الذين خرجوا من القتال في غزة، ونعمل على إيقاف الشاحنات بأجسادنا. هذا ليس حدثاً سياسياً، ولا توجد دولة في العالم تقدم الإمدادات لعدوها".[v]

في 14 حزيران 2024، عقدت "حركة الأمر 9" اجتماعها الأول في مستوطنة "مفسيرت تسيون"، ناقش النشطاء أهداف الحركة وكيفية استخدام حصار الشاحنات كوسيلة للضغط من أجل إطلاق سراح المخطوفين. ومن أبرز مخرجات الاجتماع تجديد الاستعداد لاستئناف النشاط بعد أن كانت الحركة قد جمدت أنشطتها في إثر مواجهات اندلعت بين عناصر الحركة والشرطة الإسرائيلية قرب مفرق كوخاف هشاحر.[vi]

ما هي مركبات "الأمر 9"؟

في البداية، يؤكد القائمون على "حركة الأمر 9" أنها لا تتبع أي تيار سياسي محدد، وأن مهمتها تتمثل في إيصال "رسالة الشعب الإسرائيلي". وتشير بن حاييم إلى أن "الأمر 9" تتكون من أهالي المخطوفين، وجنود الاحتياط، ونشطاء اجتماعيين، وسكان تم إجلاؤهم من غلاف غزة، بالإضافة إلى أعضاء كنيست، من أبرزهم تسفي سوكوت، عضو الكنيست عن الصهيونية الدينية، الذي يترأس اللجنة الفرعية للجنة الشؤون الخارجية والأمن لشؤون الضفة الغربية.[vii]

يرى سوكوت أن الاحتجاج ضد إدخال المساعدات إلى غزة هو من أهم الاحتجاجات التي شهدتها إسرائيل في السنوات الأخيرة. وفي تعليقه، أشار إلى أنه "حتى لو كانت لدى دولة إسرائيل قيود سياسية تجبرها على تقديم المساعدات، وحتى لو قررت الحكومة أن فرض حصار كامل ليس على جدول الأعمال لأسباب دولية، فإن الاحتجاج يجب أن يصل صداه إلى أقاصي الأرض".[viii]

رفعت الحركة شعار "بك ننتصر"، حيث تهدف "إلى المطالبة بإعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة وضمان الأمن في إسرائيل، خاصة على الجبهتين الشمالية والجنوبية. كما تسعى إلى تبني سياسة واضحة وقوية ضد أعداء إسرائيل". لتحقيق هذه الأهداف، تعتمد الحركة على مجموعة من الأنشطة والاحتجاجات، بما في ذلك:

  1. إغلاق الشوارع الرئيسة في إسرائيل: تعمل الحركة على إغلاق الطرق الرئيسة لمنع مرور الشاحنات. في 7 أيار 2024، قام العشرات من عناصر "الأمر 9" بإغلاق عدة شوارع في مدينة القدس ومحيطها، بما في ذلك التلة الفرنسية ومعاليه أدوميم.[ix]
  2. إغلاق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة والضفة الغربية: تتضمن هذه الأنشطة إغلاق معابر حيوية مثل معبر إيرز ومعبر ترقوميا. على سبيل المثال، أغلق أعضاء الحركة معبر اللنبي أمام حركة شاحنات المساعدات التي من المفترض أن تغادر الأردن إلى غزة، وعبروا عن ذلك بقولهم: "لقد جئنا في منتصف الليل لوقف المساعدات لحركة حماس، ولإظهار تعاطفنا مع إخواننا المخطوفين في غزة".[x]
  3. الاحتجاجات الصامتة: تدعو الحركة إلى تنفيذ احتجاجات صامتة، مثل إطفاء الأضواء. حيث دعت إلى احتجاج عقب استئناف إمدادات الكهرباء إلى غزة، إذ طلبت من الجمهور إطفاء الأضواء مدةَ 120 ثانية، مطالبةً الحكومة الإسرائيلية بوقف تزويد حركة حماس بالكهرباء حتى عودة المخطوفين الـ 120.[xi]
  4. إغلاق المؤسسات الدولية: على سبيل المثال إغلاق مداخل مكاتب الأونروا في القدس، حيث أغلق نشطاء "الأمر 9" المداخل الأمامية والخلفية للمكاتب ومنعوا العمال من دخول المبنى.[xii]
  5. إحراق الشاحنات: في 13 أيار 2024، استولى أعضاء من "الأمر 9" على شاحنتين للمساعدات وأشعلوا النيران فيهما بالقرب من مدينة الخليل. كذلك، في 17 أيار 2024، هاجم مستوطنون شاحنة تجارية وأضرموا النار فيها قرب مستوطنة "كوخاف هشاحر" شرق رام الله.

العلاقة مع التيار اليميني

تتمتع "حركة الأمر 9" بدعم من شخصيات بارزة في التيار اليميني الإسرائيلي. في وقت سابق، دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وفي منشور له على منصة "إكس"، قال: "يجب تقديم الدعم الكامل لجنودنا الأبطال العاملين في غزة، الذين تصرفوا بشكل ممتاز ضد 'الغوغاء الغزيين' الذين حاولوا إيذاءهم. لقد ثبت اليوم أن نقل المساعدات الإنسانية إلى غزة ليس مجرد جنون بينما يتم احتجاز مخطوفينا هناك في ظروف غير إنسانية، لكنه يعرض أيضاً جنود الجيش الإسرائيلي للخطر."

كما أرسل الحاخام شموئيل إلياهو، كبير حاخامات صفد، صلاة خاصة تُسمى "ليشم يهود" إلى نشطاء الحركة، معلقاً بأن هذه الصلاة مخصصة للصالحين الذين سيوقفون قوافل الإمدادات إلى غزة.[xiii]

العلاقة مع المؤسسة العسكرية

في تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية في 21 أيار 2024، أفادت بأن بعض الرسائل التي تم الاطلاع عليها من مجموعات التواصل عبر الإنترنت تشير إلى أن أفراداً من الجيش الإسرائيلي يقومون بإبلاغ المستوطنين والناشطين اليمينيين عن مواقع شاحنات المساعدات المتجهة إلى غزة، مما يمكنهم من منع تلك القوافل وتخريب حمولتها. وقد أكدت راحيل تويتو، المتحدثة باسم "حركة الأمر 9"، صحة هذه المعلومات.[xiv]

تشير بن حاييم، إلى أنها تتلقى باستمرار رسائل من الجنود تشجعهم على "المواصلة والاستمرار وعدم الاستسلام". وتعتبر بن حاييم أن هذه الرسائل تعكس نوعاً من التقدير والاعتراف من جانب الجيش الإسرائيلي تجاه الأنشطة التي تقوم بها الحركة.

ومع ذلك، فإن العلاقة مع الجيش لا تخلو من الصدامات. ففي 9 أيار، اعتُقل أكثر من 20 ناشطاً من عناصر الحركة بعد أن منعوا مرور شاحنات مساعدات في منطقة متسبيه رامون. وقد عبرت المنظمة عن استيائها من هذا الإجراء وكتبت: "لقد نسيت دولة إسرائيل من هو العدو".[xv]

في وجه العقوبات الأميركية؟

في 14 حزيران 2024، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على "حركة الأمر 9" بسبب اعتراضها قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى قطاع غزة. وأوضحت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أعمال التخريب والعنف التي تستهدف المساعدات الإغاثية الموجهة للنساء والأطفال والرجال في غزة. كما دعت الحكومة الإسرائيلية إلى تحمل مسؤوليتها في ضمان أمن قوافل المساعدات.

علقت بن حاييم على هذا القرار بقولها: "هذا هجوم على الديمقراطية، وأطالب الحكومة بتوفير الحماية القانونية لي". بينما أشار أفيعاد شلومو شيريد، المنسق العام لـ"حركة الأمر 9"، إلى أن "الدعم من الولايات المتحدة كان متوقعاً، لكن الوضع الحالي يعكس التوترات المحيطة بالحركة وأهدافها. يبرز هذا التصعيد أهمية القضايا القانونية والسياسية التي تواجهها الحركة في سياق جهودها لمواصلة نشاطاتها".

كما تدعي "الأمر 9" أنها واجهت تحديات في جهودها الإعلامية، حيث اكتشفت بعد محاولتها نشر مقطع فيديو يطالب فيه أهالي المخطوفين بوقف تقديم المساعدات لحركة حماس أن حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي مقيدة، ولم تتمكن من تحميل الفيديو المعني. على موقع فيسبوك، تمت إزالة عدد من منشورات الحركة بدعوى "الضرر المنظم والترويج للجريمة"، كما تم حجب قدرة الحركة على نشر المحتوى على صفحتها. وأوقفت شبكة إنستغرام نشاط صفحة الحركة بالكامل.[xvi]

 

[i] بيليد أربالي. "انهض، لا تجلس ساكناً": زعيمة احتجاج "الأمر 9" في مقابلة خاصة. معاريف، للاستزادة أنظر/ي https://www.maariv.co.il/news/israel/Article-1082640

[ii] المصدر السابق.

[iii] المصدر السابق.

[iv] كل الحق / كل زخوت، "الدعوة للاحتياط بمرسوم خاص (مرسوم 9)"، https://2u.pw/3GrjwRq0

[v] كول برما، "ديفيد هولتزمان من حركة الأمر 9، سنوقف شاحنات المساعدات بأجسادنا". https://2u.pw/HonZyX0g

[vi]  بيليد أربالي. ستعود حركة الأمر 9 إلى النشاط في الأيام القادمة، معاريف، https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-1100971

[vii]  تسفي سوكوت. "الأمر التاسع: الاحتجاج نعم، الفوضى لا". مكور ريشون. https://www.makorrishon.co.il/opinion/761524/

[viii] المصدر السابق.

[ix] كول هعير، الحواجز الليلية في منطقة القدس: ضد نقل شاحنات المساعدات إلى غزة. https://www.kolhair.co.il/jerusalem-news/227606/

[x] مكان، https://www.kan.org.il/content/kan-news/politic/744131/

[xi]  للاستزادة أنظر/ي موقع 24 يمينيم، https://2u.pw/vTQglTVq

[xii] كوبي إتينغر، أحد أقارب أحد المخطوفين، صفع موظف أونروا: "هل يمكنك أن تنظر في عيني". كيكار شبات، https://www.kikar.co.il/israel-news/sbd8yz

[xiii] إسرائيل ليفكوفيتش."الصلاة التي صححها الحاخام لومير عندما تم منع المساعدات الإنسانية"، حدري حدريم، https://www.bhol.co.il/news/1660663

[xiv] للاستزادة أنظر/ي. الغارديان. " Israeli soldiers and police tipping off groups that attack Gaza aid trucks". https://2u.pw/maXqOkCR

[xv] القناة 12. https://2u.pw/UzXa769K

[xvi] ديفيد كوهين، "قام Facebook و Instagram بحظر حركة المرور الخاصة بالأمر 9". كيكار شبات. https://www.kikar.co.il/israel-news/sdz4lf?_x_tr_hist=true

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات