سارع الوزير في حكومة الطوارئ الإسرائيلية، جدعون ساعر، في الأسبوع الماضي، إلى شقّ تحالفه مع حزب "أزرق أبيض" بزعامة بيني غانتس، في إطار تحالف "المعسكر الرسمي"، بإدعاء أن الكتلة "لا تلبي تطلعاته اليمينية القومية"، وأقر له الكنيست تشكيل كتلة برلمانية من 4 نواب بزعامته، تحمل اسم حزبه "أمل جديد"، إلا أن ساعر من ناحية عملية استبق خطوة كانت شبه مؤكدة من طرف بيني غانتس، الذي يحظى بمضاعفة قوته البرلمانية في استطلاعات الرأي العام، والتي بدأت قبل اندلاع العدوان على قطاع غزة، لكنها تعززت خلال الحرب. ورَد غانتس على ساعر كان مؤشرا إلى ذلك، لما فيه من استخفاف.
فساعر وزملاؤه الذين لم ينفكوا للحظة عن أجندة اليمين الاستيطاني المتطرف، قفزوا إلى مركبة غانتس في الانتخابات البرلمانية الأخيرة دون أن يحققوا إضافة لهذا التحالف، والتقديرات تشير إلى أن ساعر لا يستطيع خوض الانتخابات بقائمة منفردة لحزبه، ولهذا سيبحث عن شركاء، والاحتمال الأضعف هو عودته إلى الليكود.
وكان ساعر في خطاب ألقاه أمام ناشطين في حزبه، مساء الثلاثاء 12 آذار الجاري، أعلن أن انشقاقه جاء بسبب عدم تطبيق تحالف "المعسكر الرسمي" لتطلعاته "اليمينية القومية"، لكن ساعر المعروف بمواقفه اليمينية الاستيطانية، منذ اليوم الأول لدخوله إلى الكنيست في العام 2003، وقبل ذلك كسكرتير لحكومة بنيامين نتنياهو الأولى، في مرحلتها الأخيرة قبل حلها في ربيع العام 1999، عرف تماما أن حزب "أزرق أبيض" بزعامة غانتس، رغم مواقفه السياسية المتشددة، إلا أنها لا تعكس كليا تطلعات ساعر، الذي كان بحاجة إلى خشبة إنقاذ يعبر بها نهر الانتخابات الهائج، ويصل إلى شاطئ الأمان.
واكتفى غانتس بردّه الأول على قرار ساعر بنشر كلمتين في شبكات التواصل: "شكرا وبالنجاح". وكان هناك تقريبا إجماع في وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن هذا الرد يدل على استخفاف واضح من جانب غانتس حيال هذه الخطوة.
يذكر أن ساعر انشق مع زملاء له عن حزب الليكود، في نهاية العام 2020، بعد هزيمة شديدة جدا في منافسته لبنيامين نتنياهو على رئاسة الليكود، إذ حصل ساعر على نسبة 28% من أصوات أعضاء الليكود، مقابل نسبة 72% لنتنياهو، ويومها منحته استطلاعات الرأي العام ما بين 15 إلى 17 مقعدا، تمهيدا لانتخابات العام 2021، ولاحقا بدأت تهبط قوته في استطلاعات الرأي، لكن آخر استطلاعات سبقت يوم الانتخابات للكنيست الـ 24، التي جرت يوم 23 آذار 2021، حصل ساعر على ما بين 9 إلى 11 مقعدا، إلا أنه في الانتخابات حصل على 6 مقاعد، وحتى أن المقعد الأخير حصل عليه بفائض الأصوات.
وتمهيدا لانتخابات الكنيست الـ 25، التي جرت يوم الأول من تشرين الثاني 2022، كان يعرف ساعر أن اجتيازه نسبة الحسم مهدد بشكل كبير، بمعنى أن عاما ونصف العام كانا كافيين لتتبخر قوته الانتخابية، فقفز إلى حزب "أزرق أبيض" بزعامة الجنرال احتياط بيني غانتس، الذي ضم له أيضا الجنرال احتياط غادي أيزنكوت، وكلاهما معروفان لساعر بأنهما ليسا دائما قريبين من توجهاته المتطرفة، وخاصة أيزنكوت.
وعودة إلى بيان ساعر، فقد أعلن عن تشكيل كتلة برلمانية تحمل اسم حزبه "أمل جديد"، وأنه يريد الانضمام إلى الطاقم الوزاري المقلص لإدارة الحرب؛ وهذا الطاقم أقيم ضمن اتفاقية انضمام كتلة "المعسكر الرسمي" بزعامة غانتس لحكومة الحرب، أو حكومة الطوارئ، ويضم الطاقم عضوية ثلاثة أشخاص: بنيامين نتنياهو وغانتس ووزير الدفاع يوآف غالانت، وبصفة مراقب، الوزير غادي أيزنكوت من "المعسكر الرسمي"، نظرا لكونه رئيس أركان أسبق مثل غانتس، والوزير من الليكود رون دريمر، المعروف بعلاقاته الوطيدة مع الجهات المؤثرة على دوائر القرار الأميركي، وبالذات الأوساط اليمينية والصهيونية المتشددة في الولايات المتحدة. ورفض غانتس توسيع الطاقم المقلص، إذ رفض سابقا ضم الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين انتقدا تحييدهما، لكن نتنياهو كان بحاجة لضم الجنرالين كي يقنع الشارع أكثر بمجريات الحرب التي يبدو إلى درجة كبيرة أنها تطبق مخططات عسكرية كانت جاهزة أصلا.
ضمْ ساعر إلى الطاقم المقلص سيعارضه ليس فقط غانتس، بل أيضا وزراء مثل السابق ذكرهما بن غفير وسموتريتش، كما أن هذا ليس هو الوقت الأمثل لنتنياهو لدفع غانتس وكتلته إلى خارج الحكومة، في الوقت الذي تتصاعد فيه أصوات الاعتراض والاحتجاج في الشارع الإسرائيلي، وفي الأساس المطالبة بتحرير الرهائن في قطاع غزة.
وقد أشغل طلب ساعر وسائل الإعلام، التي طرحت سلسلة من السيناريوهات، لكنها أبرزت أن نتنياهو أمام ما أسموها "معضلة"، إذ أنه في حال استجاب لساعر سيكون أمام طلب وزراء آخرين، خاصة بن غفير وسموتريتش، كما أنه يفحص إمكانية حل طاقم إدارة الحرب المقلص، والإبقاء على الطاقم الوزاري للشؤون العسكرية والسياسية، على أن يواصل التنسيق مباشرة مع وزير الدفاع يوآف غالانت، إلا أن هذا يعني دفع غانتس وحزبه إلى خارج حكومة الطوارئ، وليس مؤكدا أن نتنياهو يريد خطوة كهذه، خاصة وأن ساعر لم يطرح طلبه كشرط حاسم لبقائه في الحكومة، فهو حسب التقارير معني بالبقاء في الحكومة حتى بعد انتهاء حالة الطوارئ، التي حسب الاتفاقية تنهي شراكة غانتس وحزبه.
ساعر يصارع نسبة الحسم
بعد 24 ساعة على إعلان ساعر شق تحالفه مع غانتس، نشرت القنوات التلفزيونية الإسرائيلية المركزية الثلاث: (11) و(12) و(13) استطلاعات رأي عام جاءت نتائجها متقاربة، إذ منح استطلاعان ساعر 5 مقاعد، ومنحه استطلاع القناة (13) 6 مقاعد، لكن هذا الاستطلاع الأخير بالذات بالغ في خفض وزن الجماهير العربية. وفي المقابل، فإن الكتلة التي يترأسها غانتس، "المعسكر الرسمي"، صحيح أنها هبطت من محيط 38 مقعدا إلى ما بين 34 وحتى 30 مقعدا، لكنها في الكنيست حاليا بعد قرار ساعر بقيت مع 8 مقاعد برلمانية.
وقال استطلاع القناة (12)، إنه إذا ما قرر رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت خوض الانتخابات المقبلة، فإن قائمته ستحقق 12 مقعدا، وستختفي قائمة ساعر عن المشهد البرلماني، ويتراجع حزب غانتس إلى 28 مقعدا، كما سيُنقص بينيت من الليكود مقعدا إضافيا وينزله إلى 17 مقعدا.
وبعد ثلاثة أيام، يوم الجمعة 15 آذار، نشرت صحيفة "معاريف" استطلاعها الأسبوعي، وحصل فيه ساعر على 4 مقاعد، ما يعني على حافة نسبة الحسم، والكتلة التي يترأسها غانتس حصلت على 36 مقعدا، والأحزاب التي شكلت الحكومة السابقة من دون ساعر وكتلته ستحصل على 64 مقعدا.
ونتيجة ساعر تعني أنه لاحقا سيصارع نسبة الحسم، التي هي 3.25% من الأصوات الصحيحة، وتضمن لمن يحققها 4 مقاعد، إذ حسب التجربة فإن الاستطلاع الأول بعد قرار سياسي بمستوى قرار ساعر يمنح قوة زائدة لصاحبها، تماما كما حصل مع ساعر ذاته بعد انشقاقه عن الليكود، ليحصل في نهاية الأمر على ثلث قوته التي ظهرت في أول الاستطلاعات بعد انشقاقه عن الليكود، وبعد عام من ذلك الحين تبين في الاستطلاعات أنه سيختفي عن الساحة البرلمانية.
وقالت زميلة سابقة لساعر في حزب الليكود، هي الوزيرة السابقة ليمور ليفنات، وكلاهما كانا في الجناح المتطرف نفسه، في مقال لها في صحيفة "يديعوت أحرونوت" نشر بعد ساعات من قرار ساعر: "هناك شك في ما إذا مغادرة ساعر لتحالفه مع غانتس، ستضر بقوة الأخير". وقول ليفنات تحقق نسبيا في الاستطلاعات التي نشرت لاحقا، في اليوم نفسه.
وكتبت ليفنات عن ساعر: "بقينا أمام حزب يتوق ليكون يمينا رسميا، فحزب كهذا هو حاجة ضرورية جدا في الانتخابات المقبلة، إلا أنه سيكون أكثر من حزب بهذا الطابع، لكن جدعون ساعر الذي كان سببا في ابتعاد نتنياهو عن رئاسة الحكومة (في الانتخابات قبل الأخيرة) سيكون الآن أحد العوامل التي ستسمح بالحفاظ على حُكم نتنياهو".
وقال محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، إن قرار ساعر كان باديا منذ زمن طويل، وحتى قبل بدء الحرب، وتزايدت مؤشراته بكثرة في الأشهر الأخيرة، ولولا اندلاع الحرب، "ومجزرة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لكان ساعر قد قرر ذلك مع بدء الدورة الشتوية للكنيست"، ويقصد في منتصف تشرين الأول.
وقال فيرتر إن رد غانتس على قرار ساعر "شكرا وبالنجاح"، يدل على أن "رئيس حزب أزرق أبيض لم يتأثرً كثيراً شخصيا من قرار ساعر، فمنذ زمن طويل رأى المحيطون بغانتس أن ساعر وزملاءه عبء على حزبهم، وهم على قناعة بأن الاستطلاعات التالية ستثبت هذا".
وعن قرار ساعر، كتبت رافيت هيخت في "هآرتس": كان هذا في الأجواء منذ فترة طويلة. لا أحد اعتقد أن هذه الخطوبة (بين ساعر وغانتس) غير الطبيعية جدا منذ بدايتها، ستبقى قائمة حتى الانتخابات التالية، التي تظهر الآن أبعد من أي وقت مضى. لكن انسحاب ساعر وحزبه "أمل جديد" من المعسكر الرسمي بقيادة بيني غانتس، نجح مع ذلك في أن يكون مفاجئا، في الأساس بسبب التوقيت.
وتابعت: إذا كان ساعر وبحق ينوي الوفاء بتصريحاته غير البعيدة، التي بحسبها هو لا ينوي انقاذ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فإنه من غير الواضح ما الذي دفعه إلى الانفصال الآن بالذات، عن غانتس وأيزنكوت، اللذين دخل ساعر على ظهرهما إلى حكومة الطوارئ، وبذلك أضعف قوة مساومتهما في الحكومة، وبالأساس تعزيز قوة نتنياهو. كان ساعر من الدعامات الأساسية في حكومة التغيير، والمكافحالعنيد والحازم ضد نتنياهو، وسينجح الآن بهذه الخطوة، خاصة في هذا الوقت بالذات، في ضعضعة الثقة به من قبل من كانوا أعضاء في معسكره إذا لم يقرر بعد الاستسلام أمام نتنياهو واعادة ابتلاعه مرة أخرى في حزب الليكود بزعامة نتنياهو، وهكذا سحق بالكامل العلامة التجارية التي بناها لسنوات، كخيار يميني رسمي مناهض لنتنياهو. كذلك استبقت هيخت الاستطلاعات في توقعاتها بأن قرار ساعر لن يؤثر على قوة ومكانة غانتس وحزبه في الحلبة السياسية، وفق واقعها اليوم.
سيناريوهات ساعر المقبلة
كما ذكرنا فإن ساعر وفريقه السياسي الصغير نسبيا غير ملموسين على الخارطة السياسية، وحسب تقارير اليوم التالي لانتخابات المجالس البلدية الإسرائيلية، التي جرت يوم 27 شباط الماضي، حقق ساعر بعض التمثيل في بعض المدن والبلدات الإسرائيلية، لكن هذه منافسة تغيب عنها أساسا الأحزاب الكبيرة ذات الوزن، ولهذا فإن ما حققه لا يقول شيئا. والهدف الأساس لساعر هو أن يبقى في الكنيست، وشبه المؤكد أنه غير قادر على خوض الانتخابات بقائمة منفردة لحزب، بل بشراكة مع قوة سياسية ملموسة، قائمة أو جديدة.
وقد نفى ساعر في وقت سابق عزمه العودة إلى حزب الليكود، مع زملائه الثلاثة الذين انشقوا عن حزبهم في نهاية العام 2020، ليشكلوا حزب "أمل جديد"، وعلى الأغلب إلى درجة التأكد أن حزب الليكود ليس بحاجة لهذه العودة لأسماء ليست ذات وزن يضيف قوة انتخابية ملموسة لحزب الليكود، الذي يواجه انهيارا في استطلاعات الرأي، بحصوله على ما بين 17 إلى 19 مقعدا مقابل 32 مقعدا حاليا.
كما أن المنافسة الشديدة في داخل الليكود لا تسمح بضمان مقاعد مضمونة لساعر وزملائه أو لبعض منهم، وعلى الأغلب فإن بنيامين نتنياهو لن يغامر بخطوة كهذه مع خصمه السابق في صفوف الحزب.
في المقابل، فإن من شبه المؤكد أن ساعر سيصبح جزءا من الائتلاف الحاكم، وليس شريكا فقط في حكومة طوارئ، ليخرج منها بخروج حزب "أزرق أبيض" بزعامة غانتس، الذي تكاثر الحديث حول أن استمرار وجوده في الحكومة الحالية سيكون فترة تقل عن فترة شراكته حتى الآن، بمعنى أقل من 5 أشهر، لأن غانتس وحزبه يحتاجون لهذا الانفصال، تمهيدا للانتخابات البرلمانية، التي تتزايد الدلائل على أنها لن تجري حتى نهاية العام الجاري 2024.
ومعنى بقاء ساعر وزملائه في حكومة نتنياهو، أن الائتلاف سيتركز على 68 نائبا، ومن ناحية نظرية فإن نتنياهو لن يبقى رهينة تهديدات شريكه "المشاكس"، المستوطن المتطرف إيتمار بن غفير، الذي له 6 مقاعد، رغم أن السوابق تجعل نتنياهو ليس آمنا كليا من طرف ساعر.
ويبقى السؤال ما هي الشراكات المحتملة لساعر؟ بعد نفي احتمال عودته لليكود، حتى الآن، ووفق الظروف القائمة، لا توجد قوة حزبية تقبل باستيعاب ساعر، ولا حتى حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي تعده استطلاعات الرأي بإضافة ما بين مقعدين إلى 4 مقاعد على مقاعده الستة القائمة حاليا، من دون شراكة أخرى، كما أن ليبرمان معروف بتفرّده بالقرارات في حزبه، فهو الزعيم الأوحد، وليس بحاجة لمن يتقاسم معه كعكة، ليس شريكا في إعدادها.
يبقى الاحتمال الافتراضي هو رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينيت، الذي يظهر في استطلاعات الرأي كحالة افتراضية، ولم يعلن حتى الآن عزمه على العودة إلى الحلبة البرلمانية، رغم أن استطلاعات سابقة للرأي العام منحته حتى 13 مقعدا، يقتطعها أساسا من الزيادة الكبيرة جدا التي تحصل عليها القائمة برئاسة غانتس، ومقعداً أو اثنين من حزب الليكود، لكن كل هذه استطلاعات افتراضية، وتشير إلى توجه عام، وليس إلى النتيجة الحقيقية التي ستكون في الانتخابات البرلمانية.
في المجمل، لربما أن خطوة ساعر استبقت مؤشرات أولية بشأن قرار غانتس الخروج من حكومة الطوارئ، كي يبقى ساعر في حكومة نتنياهو، وبهذه الخطوة فإنه سيطيل عمر هذه الحكومة ولربما حتى موعد الانتخابات القانوني، في مطلع تشرين الثاني 2026.
المصطلحات المستخدمة:
يديعوت أحرونوت, هآرتس, الكتلة, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, نفتالي بينيت, أفيغدور ليبرمان