يرتبط مفهوم "الغنيمة" بالحروب القديمة ويحمل دلالات دينية. اليوم، تؤطر إسرائيل سرقاتها ملايينَ الدولارات من منازل الفلسطينيين ومحال الصرافة، سواء في غزة أو الضفة الغربية، على أنها غنيمة حرب. تُضاف إليها معدات، مجوهرات، وكل ما هو ثمين في أرض المعركة. على الرغم من أن "الغنيمة" في سياق حروب إسرائيل لها أصول تعود للثقافة التوراتية، فإن إسرائيل تسعى باستمرار إلى تغليف هذه السرقات على أنها "تكتيك" عسكري يهدف إلى تجريد المقاومة من مواردها، وهي لغة مقبولة على المجتمع الدولي في العصر الحديث. هذه المقالة تشرح مفهوم الغنيمة في حروب إسرائيل.
مفهوم "الغنيمة" في حروب إسرائيل
مفهوم الغنيمة (أو بالعبرية "شالال") له أصوله في سياق حروب إسرائيل القديمة ويشير إلى البضائع أو الممتلكات أو الأراضي التي تتبع للعدو ويتم الاستيلاء عليها بالقوة من قبل جيش إسرائيل. هذا المفهوم متأصل بعمق في الروايات التاريخية لمجتمعات الشرق الأدنى القديمة، بما في ذلك تلك الموجودة في التوراة وباقي الديانات السماوية. في التوراة، يمكن العثور على القوانين والروايات المتعلقة بغنائم الحرب في نصوص مثل سفر العدد (31: 11-12)، حيث جاء في سياق هزيمة المديانيين على يد الإسرائيليين: "وَأَخَذُوا كُلَّ الْغَنِيمَةِ وَكُلَّ النَّهْبِ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ، وَأَتَوْا إلى مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَإلى جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالسَّبْيِ وَالنَّهْبِ وَالْغَنِيمَةِ إلى الْمَحَلَّةِ ... الَّتِي عَلَى أُرْدُنِّ أَرِيحَا". أما في سفر التثنية (14: 20) الذي يناقش معاملة الغنائم المأخوذة من المدن التي كانت محاصرة ومحتلة، فقد جاء: "وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ".
في العصور القديمة، كان ينظر إلى أخذ الغنائم على أنه حق طبيعي للمنتصرين في الحرب. ومع ذلك، تفرض النصوص الدينية أيضا قيودا أخلاقية على هذه الممارسة، مثل حظر أخذ أشياء معينة أو شرط تطهير كل من الغنائم والمحاربين الذين أخذوها. لكن في الأزمنة المعاصرة، توسع النقاش الأخلاقي المحيط بالغنائم ليشمل مناقشات حول أخلاقيات الحرب والقانون الدولي وحقوق الإنسان بالمعني الحداثي، بما يشمل معاملة السكان المهزومين، وشرعية وأخلاقيات احتلال الأراضي وضمها للدولة المنتصرة.
يجادل النقاد بأن الممارسات القديمة لأخذ الغنائم لا يمكن تبريرها أخلاقيا في السياقات الحديثة، ويثيرون أسئلة حول الأثر الأوسع لاستخدام النصوص الدينية لتبرير الأعمال العسكرية أو السياسية المعاصرة، كما تفعل إسرائيل اليوم. مثلا، بينما أن مفهوم الغنيمة في الحروب القديمة كان يرتبط بالنعمة الإلهية، والحق الديني، والفتوحات، إلخ.... فإن هناك من يرى أن هذا الخطاب الديني كان ضروريا في العصور القديمة لتبرير الحاجات الاقتصادية، والاعتداء على أملاك الغير ونهب الثروات. كان مفهوم الغنيمة ضرورياً لتحويل النهب والقرصنة من مفهوم غير أخلاقي إلى "حق" مكفول برعاية إلهية.
في حروب إسرائيل الحديثة: غنيمة/ سرقة؟
ثمة نوعان من الغنائم يمكن الحديث عنهما. النوع الأول، الغنيمة التي تتعلق بالأرض، وسرقة أراضي الغير، ثم اغتنامها، ثم ضمها أو الاستيطان عليها وتحويلها إلى ملك لشعب إسرائيل. هذه المفهوم المتعلق بفهم توسعات إسرائيل خلال الأعوام 1948، 1967، 1973، ومن ثم التوسع الزاحف داخل الضفة الغربية والقدس، لا يعنينا هنا على الرغم من حيويته. في المقابل، تركز هذه المقالة على مفهوم غنيمة الممتلكات المنقولة أثناء الحروب أو العمليات الحربية. على سبيل المثال:
- خلال حرب 2014 والتي استمرت حوالى 54 يوما، شملت غنائم الجيش الإسرائيلي حوالى 230 قطعة سلاح وقاذفة، و 30 منظارا ليليا، و 50 صاروخا، و 750 وسيلة اتصالات وإلكترونيات، وحوالى 1800 وسيلة من المعدات الهجومية، وما يقرب من 500 عبوة أو الذخيرة. وقال الجيش الإسرائيلي في حينه إن حجم هذه الغنائم كان "غير مسبوق".
- في الحرب الحالية، وبتاريخ 28 كانون الأول 2023، استولت قوات للجيش الإسرائيلي على مبالغ مالية تجاوزت 10 ملايين شيكل إسرائيلي إلى جانب كميات من المجوهرات والمصاغ الذهبي.
- في الحرب الحالية، وبتاريخ 21 كانون الثاني 2024، استولى الجيش الإسرائيلي على حوالى 15 مليون شيكل من منازل ومحال تجارية في قطاع غزة.
- في الحرب الحالية، وبتاريخ 5 شباط 2024، استولى الجيش في منطقة ما داخل شمال قطاع غزة على حوالى 25 مليون شيكل ودمية إنعاش للأطفال (Resusci Anne).
عادة ما يصدر الجيش الإسرائيلي بياناً يعلن فيه الاستحواذ على هذه الممتلكات، لكنه يحتكر الرواية المتعلقة بـ "السبب" الكامن وراء هذه السرقة، ويدعي أنها أموال تخدم الإرهاب. وبينما لم يقم أي طرف فلسطيني أو دولي حتى الآن بمساءلة إسرائيل حول أمر هذا النهب، أو دعا لفتح تحقيق لكشف ملابسات هذه القرصنة، فإن إسرائيل تستمر في استخدام روايات مقبولة على المجتمع الدولي، وهي روايات من شأنها أن تمنع إدانتها أمام أي محكمة مستقبلية. مثلا، إحدى أهم الأدوات التي من خلالها تقوم إسرائيل "بشرعنة" أفعال السرقة، هي عبر تقديمها للعالم على أنها جزء من الممارسات المهنية للجيش الإسرائيلي "الأخلاقي"، وذلك عبر تخصيص وحدة خاصة داخل الجيش للبحث عن الغنائم، جمعها، ومصادرتها. بالطبع، تحتكر إسرائيل كامل عناصر الرواية بما يشمل: أين عثرت على الأموال والممتلكات؟ كيف ربطت (أو فبركت) العلاقة بين هذه الممتلكات وبين المقاومة؟ ما هي الدلائل وهل من الممكن للمعتدى عليه (أي صاحب الأملاك) أن يقدم روايته البديلة لتكذيب إسرائيل واستعادة ممتلكاته؟ إلخ...
"وحدة الاستيلاء على الغنائم" داخل الجيش الإسرائيلي
وحدة الاستيلاء على الغنائم (بالعبرية تسمى: وحدة إخلاء الغنائم، أو "هايحيدا لِبينوي شالال")، هي وحدة متخصصة داخل الجيش الإسرائيلي ومسؤولة عن جمع وتوثيق ونقل غنائم العدو وأسلحته ومواده الأخرى التي تركت في ساحة المعركة إلى هيئات الاستخبارات والأبحاث ذات الصلة داخل الجيش. وعليه، يتم تأطير عملية السرقة، التي تصل أحيانا إلى ملايين الدولارات، بالإضافة إلى مواد ثمينة، ومجوهرات، وممتلكات خاصة، على أنها عمليه مهنية عسكرية تهدف إلى:
- جمع الغنائم وتصنيفها: والجمع يتم أثناء القتال أو بعده، يركز جنود الوحدة على جمع المعدات والوثائق من العدو. وتدعي الوحدة أنها تميز بين ممتلكات تستخدم لغرض المقاومة (يتم اغتنامها) وممتلكات خاصة لا تستخدم في المقاومة (لا يجب اغتنامها لكن لا توجد ضوابط لمنع الجنود من سرقتها من دون أن يتم توثيق الموضوع).
- التقييم والتحليل: يتم إرسال بعض الغنائم المسروقة لتحليلها من قبل الخبراء للحصول على معلومات استخباراتية عن العدو. ويشير نائب رئيس وحدة الغنائم الحالي إلى أن الجيش حصل على العبوات التي استخدمها مقاتلو حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لتفجير دبابات أو متاريس وبوابات ضخمة، وقام بدراسة هذه العبوات بشكل جيد، وبناء على دراسته هذه قام بإجراء تعديلات على نظم حماية الدبابات لتجنب الوقوع في فخ مثيل. هذه الرواية التي تم تصويرها في مقطع فيديو وتقديمها للعالم، من شأنها أن تحول رواية السرقة إلى جزء من تكتيكات الحرب المقبولة على العالم.
- إعادة الاستخدام: بعض الغنائم التي يتم الاستيلاء عليها قد يستخدمها الجيش الإسرائيلي نفسه أثناء القتال (مثلا ذخيرة، رصاص)، أما الأموال فيتم إدخالها في حسابات وزارة الجيش الإسرائيلي ويجري استخدامها من قبل الجيش نفسه، مما يحيل إلى المفهوم الديني للغنيمة التي تحول قدرات العدو إلى قدرات للجيش المنتصر.
تتكون وحدة جمع الغنائم من جنود الاحتياط من خلفيات مهنية مختلفة، بما في ذلك الاستخبارات والهندسة والخدمات اللوجستية. تتمتع هذه الوحدة الفريدة في الجيش الإسرائيلي بسلطة إصدار وتنفيذ الأوامر المتعلقة بمجال عملياتها، وضمان عدم ترك أي مواد ثمينة للعدو لإعادة استخدامها ضد القوات الإسرائيلية. علاوة على ذلك، يشمل عمل الوحدة تدمير معدات العدو الزائدة عن الحاجة في الموقع. ويمكن الادعاء بأن كل قطاع غزة تحول أثناء هذه الحرب إلى "غنيمة"، وبينما أنه لا يمكن للجيش الإسرائيلي "أخذ قطاع غزة" معه والعودة به إلى الثكنة، فإنه قام بتدميره لمنع العدو الفلسطيني من استخدامه لاحقا! وتمتد أنشطة الوحدة أيضا إلى ما هو أبعد من سيناريوهات الصراع المباشر، حيث تشارك في التدريبات التي تحاكي عبور حدود العدو والتعامل مع الغنائم في أراضي العدو، مما يعكس استعدادها للتحديات التشغيلية في الوقت الفعلي.
ولا بد من الإشارة أخيراً إلى أن مفهوم الغنيمة في حروب إسرائيل يشمل قسمين: هناك الغنيمة المنظمة التي تقوم "الدولة" بالاستيلاء عليها من خلال هذه الوحدة العسكرية. ولأن الاغتنام المنظم هو فعل تقوم به الدولة، فإنه يحتاج إلى ضوابط، وقوانين، ووحدة إعلام وتبرير قانوني، وتيقظ لاحتمالية المقاضاة المستقبلية وبالتالي ضمان وجود تشريعات خاصة بالاغتنام. ثانيا، هناك الاغتنام الفردي، الذي يقوم به الجندي من تلقاء نفسه، مدفوعا بتفسيراته الرغبوية للنصوص التوراتية بالإضافة إلى جشعه الذي تربى عليه باعتباره عضواً في مجتمع استعماري يقوم على سرقة أراضي الغير. هذه السرقات الفردية هي مشهد يومي من كل اجتياح واقتحام (في الضفة الغربية والقدس والداخل)، أو حتى حرب (كما هي الحال في الحرب الحالية).
فمثلا، سكان من الفاخورة، شرقي خان يونس، أفادوا بأن الجيش سرق من عشرات المنازل أموالاً خاصة بالأهالي بلغت آلاف الشواكل من كل بيت في سياق عدوان بري العام 2007. بعد "معركة الفرقان" (الحرب على غزة 2008-2009)، أخضعت إسرائيل جندياً إسرائيلياً إلى المحاكمة بتهمة سرقة 1600 شيكل من منزل، قبل أن تجبره على إعادة المبلغ "المغتنم". وقد راجت قضية هذه المحكمة بشكل كبير وواسع، وحاولت إسرائيل توضيحها للرأي العام العالمي، على ما يبدو إدانتها ورفضها لأنها فردية ولا تأتي في سياق السرقة "الشرعية" التي تقوم بها الدولة بشكل منظم من خلال وحدة الغنائم. وقد تكرر هذه المشهد في محاكمة أخرى بحق جندي إسرائيلي متهم في العام 2007.
في المقابل، تدعي إسرائيل أنها لا تقوم بسرقة أموال الفلسطينيين وإنما فقط اغتنام أملاك العدو (أي حماس وفصائل المقاومة). مثلا، في شباط 2024، روجت إسرائيل بأن جنودها قاموا بـ"عملية عسكرية خطرة جدا، وكادت تنتهي بفاجعة" في أثناء محاولة قوة إسرائيلية تخليص 200 مليون شيكل من بنك فلسطين في قطاع غزة، بهدف إعادتها إلى السلطة الفلسطينية وإدارة البنك قبل أن تقع في أيدي مقاتلي حماس.
الغنيمة والنهب في حروب إسرائيل: ما هو حجم الأموال التي سرقها الجيش الإسرائيلي وماذا فعل بها؟
وليد حباس
يرتبط مفهوم "الغنيمة" بالحروب القديمة ويحمل دلالات دينية. اليوم، تؤطر إسرائيل سرقاتها ملايينَ الدولارات من منازل الفلسطينيين ومحال الصرافة، سواء في غزة أو الضفة الغربية، على أنها غنيمة حرب. تُضاف إليها معدات، مجوهرات، وكل ما هو ثمين في أرض المعركة. على الرغم من أن "الغنيمة" في سياق حروب إسرائيل لها أصول تعود للثقافة التوراتية، فإن إسرائيل تسعى باستمرار إلى تغليف هذه السرقات على أنها "تكتيك" عسكري يهدف إلى تجريد المقاومة من مواردها، وهي لغة مقبولة على المجتمع الدولي في العصر الحديث. هذه المقالة تشرح مفهوم الغنيمة في حروب إسرائيل.
مفهوم "الغنيمة" في حروب إسرائيل
مفهوم الغنيمة (أو بالعبرية "شالال") له أصوله في سياق حروب إسرائيل القديمة ويشير إلى البضائع أو الممتلكات أو الأراضي التي تتبع للعدو ويتم الاستيلاء عليها بالقوة من قبل جيش إسرائيل. هذا المفهوم متأصل بعمق في الروايات التاريخية لمجتمعات الشرق الأدنى القديمة، بما في ذلك تلك الموجودة في التوراة وباقي الديانات السماوية. في التوراة، يمكن العثور على القوانين والروايات المتعلقة بغنائم الحرب في نصوص مثل سفر العدد (31: 11-12)، حيث جاء في سياق هزيمة المديانيين على يد الإسرائيليين: "وَأَخَذُوا كُلَّ الْغَنِيمَةِ وَكُلَّ النَّهْبِ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ، وَأَتَوْا إلى مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَإلى جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالسَّبْيِ وَالنَّهْبِ وَالْغَنِيمَةِ إلى الْمَحَلَّةِ ... الَّتِي عَلَى أُرْدُنِّ أَرِيحَا". أما في سفر التثنية (14: 20) الذي يناقش معاملة الغنائم المأخوذة من المدن التي كانت محاصرة ومحتلة، فقد جاء: "وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ".
في العصور القديمة، كان ينظر إلى أخذ الغنائم على أنه حق طبيعي للمنتصرين في الحرب. ومع ذلك، تفرض النصوص الدينية أيضا قيودا أخلاقية على هذه الممارسة، مثل حظر أخذ أشياء معينة أو شرط تطهير كل من الغنائم والمحاربين الذين أخذوها. لكن في الأزمنة المعاصرة، توسع النقاش الأخلاقي المحيط بالغنائم ليشمل مناقشات حول أخلاقيات الحرب والقانون الدولي وحقوق الإنسان بالمعني الحداثي، بما يشمل معاملة السكان المهزومين، وشرعية وأخلاقيات احتلال الأراضي وضمها للدولة المنتصرة.
يجادل النقاد بأن الممارسات القديمة لأخذ الغنائم لا يمكن تبريرها أخلاقيا في السياقات الحديثة، ويثيرون أسئلة حول الأثر الأوسع لاستخدام النصوص الدينية لتبرير الأعمال العسكرية أو السياسية المعاصرة، كما تفعل إسرائيل اليوم. مثلا، بينما أن مفهوم الغنيمة في الحروب القديمة كان يرتبط بالنعمة الإلهية، والحق الديني، والفتوحات، إلخ.... فإن هناك من يرى أن هذا الخطاب الديني كان ضروريا في العصور القديمة لتبرير الحاجات الاقتصادية، والاعتداء على أملاك الغير ونهب الثروات. كان مفهوم الغنيمة ضرورياً لتحويل النهب والقرصنة من مفهوم غير أخلاقي إلى "حق" مكفول برعاية إلهية.
في حروب إسرائيل الحديثة: غنيمة/ سرقة؟
ثمة نوعان من الغنائم يمكن الحديث عنهما. النوع الأول، الغنيمة التي تتعلق بالأرض، وسرقة أراضي الغير، ثم اغتنامها، ثم ضمها أو الاستيطان عليها وتحويلها إلى ملك لشعب إسرائيل. هذه المفهوم المتعلق بفهم توسعات إسرائيل خلال الأعوام 1948، 1967، 1973، ومن ثم التوسع الزاحف داخل الضفة الغربية والقدس، لا يعنينا هنا على الرغم من حيويته. في المقابل، تركز هذه المقالة على مفهوم غنيمة الممتلكات المنقولة أثناء الحروب أو العمليات الحربية. على سبيل المثال:
- خلال حرب 2014 والتي استمرت حوالى 54 يوما، شملت غنائم الجيش الإسرائيلي حوالى 230 قطعة سلاح وقاذفة، و 30 منظارا ليليا، و 50 صاروخا، و 750 وسيلة اتصالات وإلكترونيات، وحوالى 1800 وسيلة من المعدات الهجومية، وما يقرب من 500 عبوة أو الذخيرة. وقال الجيش الإسرائيلي في حينه إن حجم هذه الغنائم كان "غير مسبوق".
- في الحرب الحالية، وبتاريخ 28 كانون الأول 2023، استولت قوات للجيش الإسرائيلي على مبالغ مالية تجاوزت 10 ملايين شيكل إسرائيلي إلى جانب كميات من المجوهرات والمصاغ الذهبي.
- في الحرب الحالية، وبتاريخ 21 كانون الثاني 2024، استولى الجيش الإسرائيلي على حوالى 15 مليون شيكل من منازل ومحال تجارية في قطاع غزة.
- في الحرب الحالية، وبتاريخ 5 شباط 2024، استولى الجيش في منطقة ما داخل شمال قطاع غزة على حوالى 25 مليون شيكل ودمية إنعاش للأطفال (Resusci Anne).
عادة ما يصدر الجيش الإسرائيلي بياناً يعلن فيه الاستحواذ على هذه الممتلكات، لكنه يحتكر الرواية المتعلقة بـ "السبب" الكامن وراء هذه السرقة، ويدعي أنها أموال تخدم الإرهاب. وبينما لم يقم أي طرف فلسطيني أو دولي حتى الآن بمساءلة إسرائيل حول أمر هذا النهب، أو دعا لفتح تحقيق لكشف ملابسات هذه القرصنة، فإن إسرائيل تستمر في استخدام روايات مقبولة على المجتمع الدولي، وهي روايات من شأنها أن تمنع إدانتها أمام أي محكمة مستقبلية. مثلا، إحدى أهم الأدوات التي من خلالها تقوم إسرائيل "بشرعنة" أفعال السرقة، هي عبر تقديمها للعالم على أنها جزء من الممارسات المهنية للجيش الإسرائيلي "الأخلاقي"، وذلك عبر تخصيص وحدة خاصة داخل الجيش للبحث عن الغنائم، جمعها، ومصادرتها. بالطبع، تحتكر إسرائيل كامل عناصر الرواية بما يشمل: أين عثرت على الأموال والممتلكات؟ كيف ربطت (أو فبركت) العلاقة بين هذه الممتلكات وبين المقاومة؟ ما هي الدلائل وهل من الممكن للمعتدى عليه (أي صاحب الأملاك) أن يقدم روايته البديلة لتكذيب إسرائيل واستعادة ممتلكاته؟ إلخ...
"وحدة الاستيلاء على الغنائم" داخل الجيش الإسرائيلي
وحدة الاستيلاء على الغنائم (بالعبرية تسمى: وحدة إخلاء الغنائم، أو "هايحيدا لِبينوي شالال")، هي وحدة متخصصة داخل الجيش الإسرائيلي ومسؤولة عن جمع وتوثيق ونقل غنائم العدو وأسلحته ومواده الأخرى التي تركت في ساحة المعركة إلى هيئات الاستخبارات والأبحاث ذات الصلة داخل الجيش. وعليه، يتم تأطير عملية السرقة، التي تصل أحيانا إلى ملايين الدولارات، بالإضافة إلى مواد ثمينة، ومجوهرات، وممتلكات خاصة، على أنها عمليه مهنية عسكرية تهدف إلى:
- جمع الغنائم وتصنيفها: والجمع يتم أثناء القتال أو بعده، يركز جنود الوحدة على جمع المعدات والوثائق من العدو. وتدعي الوحدة أنها تميز بين ممتلكات تستخدم لغرض المقاومة (يتم اغتنامها) وممتلكات خاصة لا تستخدم في المقاومة (لا يجب اغتنامها لكن لا توجد ضوابط لمنع الجنود من سرقتها من دون أن يتم توثيق الموضوع).
- التقييم والتحليل: يتم إرسال بعض الغنائم المسروقة لتحليلها من قبل الخبراء للحصول على معلومات استخباراتية عن العدو. ويشير نائب رئيس وحدة الغنائم الحالي إلى أن الجيش حصل على العبوات التي استخدمها مقاتلو حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لتفجير دبابات أو متاريس وبوابات ضخمة، وقام بدراسة هذه العبوات بشكل جيد، وبناء على دراسته هذه قام بإجراء تعديلات على نظم حماية الدبابات لتجنب الوقوع في فخ مثيل. هذه الرواية التي تم تصويرها في مقطع فيديو وتقديمها للعالم، من شأنها أن تحول رواية السرقة إلى جزء من تكتيكات الحرب المقبولة على العالم.
- إعادة الاستخدام: بعض الغنائم التي يتم الاستيلاء عليها قد يستخدمها الجيش الإسرائيلي نفسه أثناء القتال (مثلا ذخيرة، رصاص)، أما الأموال فيتم إدخالها في حسابات وزارة الجيش الإسرائيلي ويجري استخدامها من قبل الجيش نفسه، مما يحيل إلى المفهوم الديني للغنيمة التي تحول قدرات العدو إلى قدرات للجيش المنتصر.
تتكون وحدة جمع الغنائم من جنود الاحتياط من خلفيات مهنية مختلفة، بما في ذلك الاستخبارات والهندسة والخدمات اللوجستية. تتمتع هذه الوحدة الفريدة في الجيش الإسرائيلي بسلطة إصدار وتنفيذ الأوامر المتعلقة بمجال عملياتها، وضمان عدم ترك أي مواد ثمينة للعدو لإعادة استخدامها ضد القوات الإسرائيلية. علاوة على ذلك، يشمل عمل الوحدة تدمير معدات العدو الزائدة عن الحاجة في الموقع. ويمكن الادعاء بأن كل قطاع غزة تحول أثناء هذه الحرب إلى "غنيمة"، وبينما أنه لا يمكن للجيش الإسرائيلي "أخذ قطاع غزة" معه والعودة به إلى الثكنة، فإنه قام بتدميره لمنع العدو الفلسطيني من استخدامه لاحقا! وتمتد أنشطة الوحدة أيضا إلى ما هو أبعد من سيناريوهات الصراع المباشر، حيث تشارك في التدريبات التي تحاكي عبور حدود العدو والتعامل مع الغنائم في أراضي العدو، مما يعكس استعدادها للتحديات التشغيلية في الوقت الفعلي.
ولا بد من الإشارة أخيراً إلى أن مفهوم الغنيمة في حروب إسرائيل يشمل قسمين: هناك الغنيمة المنظمة التي تقوم "الدولة" بالاستيلاء عليها من خلال هذه الوحدة العسكرية. ولأن الاغتنام المنظم هو فعل تقوم به الدولة، فإنه يحتاج إلى ضوابط، وقوانين، ووحدة إعلام وتبرير قانوني، وتيقظ لاحتمالية المقاضاة المستقبلية وبالتالي ضمان وجود تشريعات خاصة بالاغتنام. ثانيا، هناك الاغتنام الفردي، الذي يقوم به الجندي من تلقاء نفسه، مدفوعا بتفسيراته الرغبوية للنصوص التوراتية بالإضافة إلى جشعه الذي تربى عليه باعتباره عضواً في مجتمع استعماري يقوم على سرقة أراضي الغير. هذه السرقات الفردية هي مشهد يومي من كل اجتياح واقتحام (في الضفة الغربية والقدس والداخل)، أو حتى حرب (كما هي الحال في الحرب الحالية).
فمثلا، سكان من الفاخورة، شرقي خان يونس، أفادوا بأن الجيش سرق من عشرات المنازل أموالاً خاصة بالأهالي بلغت آلاف الشواكل من كل بيت في سياق عدوان بري العام 2007. بعد "معركة الفرقان" (الحرب على غزة 2008-2009)، أخضعت إسرائيل جندياً إسرائيلياً إلى المحاكمة بتهمة سرقة 1600 شيكل من منزل، قبل أن تجبره على إعادة المبلغ "المغتنم". وقد راجت قضية هذه المحكمة بشكل كبير وواسع، وحاولت إسرائيل توضيحها للرأي العام العالمي، على ما يبدو إدانتها ورفضها لأنها فردية ولا تأتي في سياق السرقة "الشرعية" التي تقوم بها الدولة بشكل منظم من خلال وحدة الغنائم. وقد تكرر هذه المشهد في محاكمة أخرى بحق جندي إسرائيلي متهم في العام 2007.
في المقابل، تدعي إسرائيل أنها لا تقوم بسرقة أموال الفلسطينيين وإنما فقط اغتنام أملاك العدو (أي حماس وفصائل المقاومة). مثلا، في شباط 2024، روجت إسرائيل بأن جنودها قاموا بـ"عملية عسكرية خطرة جدا، وكادت تنتهي بفاجعة" في أثناء محاولة قوة إسرائيلية تخليص 200 مليون شيكل من بنك فلسطين في قطاع غزة، بهدف إعادتها إلى السلطة الفلسطينية وإدارة البنك قبل أن تقع في أيدي مقاتلي حماس.