المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تظاهرة مناصرة للفلسطينيين في واشنطن في تشرين الثاني 2023. (واشنطن بوست)

في الأشهر الأربعة الأولى من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تم تنظيم نحو 280 مظاهرة مناصرة لإسرائيل في الولايات المتحدة، في مقابل أكثر من 1600 مظاهرة مناصرة للفلسطينيين. ولا بد من القول على الفور إن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة خلال هذه الأشهر تعتبر الأكبر والأوسع منذ بداية الاحتلال. في ولايات معينة، بات الصوت السياسي للجالية الفلسطينية والعربية والمسلمة عاملاً مؤثراً في الحملات الانتخابية، وسبباً يدفع رئيس الولايات المتحدة إلى التفكير في تعديل بعض سياساته الخارجية بغية إرضاء هذه الأصوات.

بشكل عام، شهدت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة مستوى كبيراً من المشاركة والنشاط رداً على الحرب بين إسرائيل وحماس. ولقد شكلت المسيرة الوطنية في واشنطن في نهاية تشرين الثاني 2023، والتي رفعت شعار "فلسطين الحرة"، مشهداً جديداً في الولايات المتحدة، إذ جمعت ما بين 100.000 إلى 300.000 مشارك.  هذا أكبر احتجاج تضامني مع فلسطين في تاريخ الولايات المتحدة. في مدينة نيويورك، تم اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين الذين حاولوا الاحتجاج أمام مقرات الشركات التي توفر المعدات العسكرية لإسرائيل، وفي بعض الأحيان، كانت هناك اشتباكات مع الشرطة مما أدى إلى اعتقالات. وفي احتجاج آخر له صداه أيضاً في الولايات المتحدة، تم تعطيل موكب عيد الشكر في مدينة نيويورك من قبل المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، الذين ارتدوا ملابس بيضاء مغطاة بدماء مزيفة، ولفتوا الانتباه إلى الحرب على قطاع غزة. وفي مظاهر أخرى تشير لمدى انتشار الحركة، استهدف المتظاهرون متجر بوما في سومرفيل يوم جمعة الشراء السوداء بسبب علاقات الشركة بالفرق الرياضية الإسرائيلية. تسلط هذه الأمثلة، إلى جانب العديد من المسيرات والاحتجاجات الأخرى، الضوء على الزخم والتأثير المتزايدين للاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة، حيث يجتمع الناس من خلفيات متنوعة للمطالبة بالعدالة لفلسطين. خلال الاحتجاجات، كانت هناك حوادث قمع، حيث أبلغ بعض النشطاء عن مخاوفهم من فقدان فرص العمل المستقبلية بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات ضد الهجوم الإسرائيلي على غزة.

كان للاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة تأثير على الانتخابات المقبلة، لا سيما في ما يتعلق بدعم الرئيس جو بايدن. أعرب بعض الأميركيين العرب والمسلمين في ميشيغان عن أنهم لن يصوتوا لإعادة انتخاب بايدن في العام 2024 بسبب رده على الصراع بين إسرائيل وحماس. وأفاد موظفو الكونغرس الديمقراطيون أنهم تلقوا عددا كبيرا من المكالمات ورسائل البريد الإلكتروني من الناخبين الذين يطالبون ممثليهم بدعم وقف إطلاق النار، مما يدل على تحول في الموقف بين ناخبي الحزب الديمقراطي، مع ارتفاع في الدعم المؤيد للفلسطينيين، وخاصة بين الناخبين الأصغر سنا. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك حملة بعنوان "التخلي عن بايدن" نظمها مسلمون وعرب أميركيون للدعوة ضد التصويت لبايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وقد أثارت هذه الاحتجاجات مناقشات وإجراءات داخل المجتمع السياسي في الولايات المتحدة ويحتمل أن تؤثر على نتائج الانتخابات.

كانت الاحتجاجات في المؤسسات الأكاديمية والجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة في ما يتعلق بالحرب بين إسرائيل وحماس أيضا واسعة ومتنوعة. مثلا، خرجت مسيرات ومظاهرات مؤيدة لفلسطين في حرم الجامعات، بما في ذلك في جامعة فلوريدا، وجامعة جنوب فلوريدا، ووزارة التعليم في لويزيانا، والجامعة الأميركية، وجامعة هارفارد، وجامعة ماساتشوستس أمهيرست، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة كولومبيا، وجامعة برانديز، وجامعة روتجرز، وجامعة واشنطن في سياتل. شارك الطلاب في الاعتصامات والاحتجاجات داخل مباني الجامعة وفي الحرم الجامعي. وقد اتخذت الجامعات ردودا مختلفة على هذه الاحتجاجات، حيث حظر بعضها المجموعات الطلابية المتظاهرة، مثل الطلاب الوطنيين من أجل العدالة في فلسطين (NSJP) . وقد واجه بعض رؤساء الجامعات وأعضاء هيئة التدريس انتقادات أو ردود فعل عنيفة بسبب تأييدهم للاحتجاجات المناصرة لفلسطين، أو على الأقل عدم إدانتها. بل إن بعضهم أجبر على تقديم استقالة من منصبه، مثل رئيسة جامعة بنسلفانيا بعد تصريحات مثيرة للجدل بشأن دعوات للإبادة الجماعية.

في النهاية لا بد من القول إن الصعود المتنامي للحركات والمجموعات المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة لا يزال في طور الاحتجاجات العامة، كالمظاهرات والاعتصامات. في المقابل، فإن مجموعات الضغط اليهودية، مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (الأيباك)، تقوم على تشابك في المصالح بين رأس المال، والسياسة، والإعلام، ولها صلات وثيقة مع مسؤولين في المؤسسات العامة والأجهزة الأمنية والمناصب الرفيعة. ومع ذلك، فإن أهمية الحديث عن الاحتجاجات المناصرة للفلسطينيين، تكمن في أنها قادرة على الضغط على الإدارة الأميركية لإعادة النظر في سياساتها وإجراءاتها في ما يتعلق بالصراع بين إسرائيل وحماس. وقد تكون من بين الأسباب التي دفعت الرئيس بايدن إلى الإعلان عن أنه بصدد وضع خطة لإقامة دولة فلسطينية مع نهاية الحرب.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات