في انتخابات الكنيست الـ 25، التي جرت في الأول من تشرين الثاني 2022، حصلت قائمة "الصهيونية الدينية" على 14 مقعدا. هذا "إنجاز" غير مسبوق بالنسبة لتيار يعتبر يمينيا متطرفا واستيطانيا عقائديا. فقبل عام ونصف العام فقط، أي في انتخابات آذار 2021، حصلت الصهيونية الدينية على 6 مقاعد فقط (بالإضافة إلى مقعد سابع حصلت عليه من حزب الليكود). هذا يعني أن وزن قائمة "الصهيونية الدينية" ارتفع من 6 إلى 14 مقعدا. ويقف على رأس هذه القائمة كل من بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وكل واحد منهما يمثل تيارا يمينيا متطرفا، ولديه مشروع ترانسفير لطرد الفلسطينيين. تستعرض هذه المقالة قائمة "الصهيونية الدينية"، التي من المرشح أن تكون ثاني أكبر كتلة برلمانية في الائتلاف الحكومي الذي سيقوده بنيامين نتنياهو.
"الصهيونية الدينية" من الهامش إلى مركز اليمين
منذ التسعينيات، بدأ اليسار الصهيوني بالتراجع في ظل انزياح مستمر لكل المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين. وعليه، قد يكون من الأنسب فهم تيارات اليمين الصهيوني على تنوعاتها، واستبدال ثنائية اليسار- اليمين التي عفا عليها الزمن في المشهد السياسي- الحزبي الإسرائيلي بثنائية جديدة هي: اليمين- اليمين. واستنادا إلى نتائج الانتخابات الأخيرة، إذا ما استثنينا الأحزاب العربية (حصلت على 10 مقاعد) وحزب العمل (حصل على 4 مقاعد)، فإن باقي الأحزاب القائمة حاليا والتي لها تمثيل داخل الكنيست هي وسط- يمينية، أو يمينية تنقيحية، أو يمينية متطرفة، أو يمينية استيطانية... إلخ. وهي تشكل نحو 88% من التمثيل البرلماني الحالي.
تعتبر قائمة "الصهيونية الدينية" أحد أهم أركان اليمين الإسرائيلي اليوم، وهي تعبر عن تيار داخل المجتمع الإسرائيلي يجمع بين الصهيونية (أي إقامة دولة لليهود على أرض فلسطين) والديانة اليهودية (أي اتباع الشريعة الدينية المنصوص عليها في التوراة). ولقد أصدر المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلي- مدار العديد من المنشورات والدراسات التي تشرح صعود تيار "الصهيونية الدينية". في هذه المقالة، يكفي أن نعيد ونذكر أن "الصهيونية الدينية" شهدت تحولات عدة بعد احتلال عام 1967 حيث بدأت تيارات من اليمينيين المتطرفين والمستوطنين برفض مقولة اليسار الصهيوني بأن الحفاظ على الأراضي المحتلة هو أمر مهم لأمن إسرائيل، واستبدالها بفكرة أن التواجد الإسرائيلي في الأراضي المحتلة هو درة التاج في المشروع الصهيوني، وهو عودة "ميمونة" وتحت "رعاية ربانية" لسهول وجبال وربوع توراتية، التي لا يجب الانسحاب منها. وبحسب د. مهند مصطفى، هذا يعني حدوث تحول في الخطاب الصهيوني، والممارسة الاستعمارية لليمين بحيث أن تيار "الصهيونية الدينية" هو الذي يقود هذا التحول، ويمكن تلخيصه بالآتي: الانتقال من فرضية أن "وظيفة التواجد الإسرائيلي في 67 الحفاظ على أمن إسرائيل في 48" إلى فرضية جديدة هي أن "وظيفة إسرائيل في 48 الحفاظ على الاستيطان في أراضي 67". ولقد تمثلت "الصهيونية الدينية" داخل الكنيست من خلال عدة أحزاب وكتل وقوائم، شهدت العديد من الصراعات الداخلية بين أجيال قديمة وأجيال جديدة، أو بين تيارات متشددة وأخرى "معتدلة". في الانتخابات السابقة عام 2021، كان هناك تجمعان يعبران عن "الصهيونية الدينية": الأول، بقيادة نفتالي بينيت وأييلت شاكيد ويعتبر التيار الكلاسيكي الليبرالي المتفتح داخل "الصهيونية الدينية". بيد أن هذه التيار تلاشى من المشهد البرلماني بعد انسحاب بينيت من الحياة السياسية. والتيار الثاني كان وما يزال حاضرا ويتمثل في ما يسمى "قائمة الصهيونية الدينية"، وهي تعبر عن التيارات الأكثر تزمتا وتشددا داخل مجتمع الصهاينة المتدينين. و"قائمة الصهيونية الدينية" هي تحالف بين ثلاثة أحزاب يمينية متشددة هي: حزب "تكوما" (أو الاتحاد القومي) والذي يترأسه سموتريتش وحصل على 7 مقاعد من ضمن 14 مقعدا، وحزب "قوة يهودية" ("عوتسما يهوديت") والذي يترأسه بن غفير وحصل على 6 مقاعد من ضمن 14 مقعدا، وحزب "نوعم" برئاسة آفي معوز وحصل على مقعد واحد.
فيما يأتي سنستعرض تاريخ الحزبين الرئيسين والبروفايل الشخصي لرئيس كل منهما.
حزب "تكوما"- سموتريتش
حصل هذا الحزب على 7 مقاعد داخل "قائمة الصهيونية الدينية"، وهي الآتية: المقعد الأول (لرئيس الحزب سموتريتش)، المقعد 3 (أوفير سوفير)، المقعد 4 (أوريت ستروك)، المقعد 6 (سيمحا روتمان)، المقعد 8 (ميخال فولديغر)، المقعد 12 (إيهود طال)، المقعد 14 (موشيه سولومون). وهذا أكبر تمثيل للحزب في الكنيست منذ تأسيسه في العام 1999. وقد تأسس حزب "تكوما" العام 1999 بعد أن انشق بعض المستوطنين المتطرفين عن حزب المفدال واعتبروه متهادنا وغير "ثوري" بدرجة كافية. ولاحقا انضمت إلى حزب "تكوما" تيارات يمينية متطرفة جدا، مثل حزب "موليدت" (الذي ترأسه الوزير السابق رحبعام زئيفي) بالإضافة إلى حزب حيروت (أقامه أشخاص منشقون عن الليكود)، وسوية شكلت هذه التيارات ما بات يعرف باسم "الاتحاد القومي" بحيث أصبح حزب "تكوما" المركب الأساس والأبرز داخل هذا الاتحاد.
يعبر الاتحاد القومي عن التيار الأكثر تطرفا داخل "الصهيونية الدينية"، وهو التيار الحردلي. والحردلية هي تيار يجمع ما بين ثلاث هويات هي: سياسيا هو تيار صهيوني، دينيا هو تيار متزمت جدا ويستند إلى التوراة كمصدر تشريع شبه وحيد، وثقافيا هو منغلق جدا معاد لقيم الحداثة والمساواة واحترام الآخر ويرفض الاختلاط بين الجنسين وفي العديد من تصرفاته يبدو سلفيا يحاكي أسلوب حياة اليهود القدماء. على غرار حزب "عوتسما يهوديت" الذي يترأسه بن غفير (إنظر أدناه)، فإن حزب "تكوما" أو الاتحاد القومي يعتبر حزب ممأسسا وله أذرع وهيئات تمثيلية جماهيرية مثل يشيفوت أو مدارس دينية (أهمها هار حوماه، مركاز هراف)، حركات شبيبة (مثل بني عكيفا، أريئيل، عزرا)، وأطر تنظيمية، وهيكليات ومرجعيات دينية وسياسية.
ترأس حزب "تكوما" على مدى عقدين (1999-2019) أوري أريئيل، قبل أن يتنحى ويحل مكانه سموتريتش. ويعتبر سموتريتش نجما لامعا في أوساط الصهيونية الدينية كونه يعبر أكثر عن الجيل الشاب.
ولد سموتريتش عام 1980 في هضبة الجولان لكنه نشأ وترعرع في مستوطنة بيت إيل. في العام 2005، تم اعتقال سموتريتش وإرساله إلى سجن عسقلان مدة ثلاثة أسابيع بتهمة التحريض وإغلاق الطرق في أثناء الانسحاب من قطاع غزة. ويعتبر سموتريتش ناشطا استيطانيا حيث عمل في فترة سابقة كرئيس القوى البشرية في مجلس المستوطنات، وكان من مؤسسي جمعية رغافيم التي تعنى بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية.
لكن المساهمة الأهم لسموتريتش هي "خطة الحسم": تصور لشكل الحل النهائي للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.
في خطة الحسم، يدعو سموتريتش إلى ضم كل الضفة الغربية إلى إسرائيل، تفكيك السلطة الفلسطينية، وإقامة ستة مجالس بلدية للفلسطينيين، ومساعدة كل فلسطيني سواء في الضفة الغربية أو إسرائيل على الهجرة إلى أي دولة عربية. ويرفض سموتريتش السماح للفلسطينيين بالمشاركة السياسية داخل الكنيست، ويكتفي بالسماح لهم بممارسة حقوق بلدية داخل مجالسهم بحيث أن أي عمل مقاوم سيتم الرد عليه بشكل حازم. يعتبر هذا من أحدث مشاريع الترانسفير التي تطرح بشكل مباشر وصريح.
حزب "عوتسما يهوديت"- بن غفير
على خلاف الشق الحردلي من الصهيونية الدينية والمتمثل حاليا في حزب "تكوما" برئاسة سموتريتش، فإن حزب "عوتسما يهوديت" برئاسة إيتمار بن غفير لا يقوم على مؤسسات وهيكليات تنظيمية وأذرع جماهيرية.
أقيم حزب "عوتسما يهوديت" في العام 2004 من قبل باروخ مرزل، وهو إرهابي إسرائيلي من أتباع حركة "كاخ" وتم سجنه مرات عدة بعد إدانته بالقيام بأعمال تصنف بأنها عنيفة بحق الشرطة الإسرائيلية أو بحق المجتمع الإسرائيلي. ومرزل شغل في وقت سابق منصب رئيس كتلة "كاخ" في الكنيست، ثم تولى رئاسة الحركة بعد اغتيال مئير كهانا، زعيم "كاخ" الأول. وكما هو معلوم، فقد تم حظر حزب "كاخ"، سواء من قبل دولة إسرائيل أو المجتمع الدولي في سنوات التسعينيات إلى أن تلاشى عن الساحة السياسية بعد اغتيال كهانا. لكن هذا التلاشي لم يعن أبدا انتهاء أنصاره ومريديه. فحزب "قوة يهودية" الذي أقيم العام 2004 يعتبر استكمالا لفكرة "كاخ" وإعادة إنتاج لذات العصابة التي تغالي في رفضها للحياة مع الفلسطينيين وتسعى إلى طردهم من "أرض إسرائيل". واليوم يعتبر بن غفير الزعيم الأبرز لحزب "قوة يهودية".
لكن الظاهرة الأهم التي لا بد من الوقوف أمامها، هي أن حزب "قوة يهودية"، ومنذ تأسيسه العام 2004، لم يجتز نسبة الحسم في أي جولة انتخابية من أصل ثماني جولات سوى في العام 2009 والعام 2021، حيث حصل في كل مرة على مقعد واحد يتيم. في الانتخابات الأخيرة التي جرت هذا العام، حصل حزب "قوة يهودية" على ستة مقاعد، وهو صعود ملفت جدا ويعكس: 1) قدرة بن غفير على لعب دور النجم السياسي المستقطب والذي يتقن دور "الصهيوني المتدين" الموتور الذي يتواجد أينما تواجد العرب ويسعى إلى توتير الأجواء؛ 2) قدرة خطاب بن غفير وسلوكه السياسي والميداني على استقطاب جمهور عريض من أحزاب يمينية أخرى مثل الليكود أو "أمل جديد"، وحثهم على التصويت له؛ 3) وجود حالة عامة من التطبيع الإسرائيلي مع الإرهاب الإسرائيلي بحيث تحول أنصار حزب "كاخ" من أفراد منبوذين إسرائيليا ومحاصرين إعلاميا في سنوات التسعينيات، إلى نجوم حاضرين على كل وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الرسمية، وبات بن غفير شخصية تحظى بقبول وشرعية اجتماعية عريضة.
سياسيا، لا يختلف البرنامج السياسي لبن غفير، وحزبه المتطرف، عن البرنامج السياسي لسموتريتش. مثلاً، حزب "قوة يهودية" يصر على أنه و"بحكم وعد الله لشعب إسرائيل، فإن أرض إسرائيل وجميع مناطقها المحددة في التوراة، هي ملك لشعب إسرائيل لجميع أجيالها، لأولئك الذين سبقونا والذين سيتبعوننا. ولا يحق لأي زعيم أو جيل التنازل عن الوطن". يضاف إلى هذا التوجه السياسي التوراتي المتطرف الذي يحمل بعدا عنيفا ومن خلاله يدعو الحزب إلى إعدام المقاومين الفلسطينيين، ويرفض إطلاق سراح أسرى حتى ضمن صفقات تبادل، ويعتبر أنصار هذا الحزب من المشاركين الأساسيين والمبادرين إلى مسيرات الأعلام السنوية في القدس، ويدعون أيضاً إلى فرض السيادة اليهودية على المسجد الأقصى.