أثارت قضية عدم تمديد سريان مفعول القانون الجنائي الإسرائيلي على مستوطني الضفة الغربية جدلاً واسعاً في الأوساط الحكومية الرسمية، بعد أن اعتبر البعض بأن عدم تمكّن الائتلاف من تمريره في الكنيست يُعدّ فشلاً للائتلاف الحالي ونجاحاً للمعارضة في قطع الطريق على تنفيذ مخططات الحكومة الحالية الهشّة، واستشرافاً لمستقبلها وقدرتها على الاستمرار، لا سيّما وأن وزير العدل جدعون ساعر، الشريك في الائتلاف الحكومي، اعتبر أن هذه العملية هي بمثابة استفتاء على قدرة الائتلاف الحالي على الاستمرار.
كما علَت بعض الأصوات الرسمية التي نادت بضرورة إخراج هذه القضية من دائرة المناكفات بين الائتلاف والمعارضة، لما في ذلك من "مخاطر" مترتبة على عدم تمديد سريان مفعول القانون؛ إذ أشارت المستشارة القانونية للحكومة إلى أن عدم تمديد سريان مفعول القانون المدني الإسرائيلي على الضفة الغربية سيحمل عواقب وخيمة بما في ذلك عدم وجود صلاحيات لاعتقال قرابة 3500 أسير فلسطيني من مناطق الضفة الغربية، وانعدام القدرة القانونية على محاسبة الأشخاص الذين ارتكبوا مخالفات قانونية في إسرائيل وانتقلوا إلى مناطق الضفة الغربية.
في هذه المساهمة، نُسلّط الضوء على أهم ما يتضمّنه هذا القانون، وتاريخ العمل به قبل الأزمة الحالية، وماذا يعني عدم تمديد سريان مفعول هذه القانون، وهل بالفعل سيكون له تأثير حقيقي أم لا؟
عكفت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ احتلال الضفة الغربية إبان حرب عام 1967 على تمديد العمل بسريان مفعول "قانون أنظمة الطوارئ في يهودا والسامرة" باعتباره قانوناً ذا سريان مؤقّت يتم العمل على تمديده كل خمس سنوات، وبذلك تحولت هذه العملية إلى ما يُشبه العرف الذي شكّل محطّ إجماع لدى الائتلافات الحكومية المتعاقبة على اختلاف الأحزاب التي تضمّها وتُشكّلها. وقد تم سنّ هذه الأنظمة (التي تطورت مع الوقت وتم استدماج العديد من القوانين الإسرائيلية المدنية فيها)، ليكون متاحاً للحكومة الإسرائيلية العمل بنظامين قانونين منفصلين في الضفة الغربية بعد الاحتلال. فمن ناحية؛ يخضع الفلسطينيون تحت الاحتلال إلى أنظمة الطوارئ الإسرائيلية المشكّلة من الأوامر العسكرية التي تصدر عن الحاكم العسكري للضفة الغربية، إلى جانب بعض القوانين الأردنية (المُنتقاة) التي كانت سارية قبل الاحتلال (في محاولة للهروب من مأزق عدم تطبيق القانون المحلّي على الأرض المحتلة، كما ورد في القانون الدولي). من ناحية أخرى؛ يتم تطبيق القانون الإسرائيلي المدني/ الجنائي على مستوطني الضفة الغربية باعتبارهم يهوداً يعيشون في إسرائيل وينطبق عليهم ما ينطبق على المواطن الإسرائيلي في الداخل (مع الإشارة إلى أن التطرّق إليهم كيهود جاء ليحول دون تمكّن فلسطينيين من الداخل في الضفة الغربية بوصفهم إسرائيليين من ناحية قانونية، من الاستفادة من هذه اللوائح).
يُشير الزميل وليد حبّاس إلى أن هذه الأنظمة تضمّنت ثلاث نقاط مهمة: الأولى أن هذا القانون يسري على المواطنين الإسرائيليين المقيمين في الضفة الغربية ممن يسري عليهم ""قانون العودة" 1950 وهم اليهود فقط. الثانية أن سريان هذا القانون على اليهود يشمل ليس فقط لوائح القانون الجنائي الإسرائيلي، وإنما تم إدخال 17 قانونا إضافيا على مدار سنوات الاحتلال لتتحول إلى جزء لا يتجزّأ من القانون، مثل قانون الدخول إلى إسرائيل (1952)، قانون نقابة المحامين (1961)، قانون خدمة الأمن (1986)، قانون تسجيل السكّان (1965)، قانون التأمين الصحي (1994) وغيرها، ما يجعل من المستوطنات حيزاً قانونياً ضمن الحيّز القانوني والقضائي لدولة إسرائيل على الرغم من كونه حيزاً جغرافياً منفصلاً ويقع خارج حدودها. ثالثاً؛ أن هذه اللوائح لم يتم سنّها كقانون نهائي، بل بقيت قانوناً ذا سريان مؤقّت (بالعبرية: "هوراؤوت شاعا") الأمر الذي يُلزم الحكومات المتعاقبة على تمديد العمل به مرة كل خمس سنوات كي لا يُصبح المستوطنون في الضفة الغربية في وضعية قانونية معقّدة وغير واضحة، بما يُهدّد مكانتهم القانونية وقدرتهم على الاستفادة من الخدمات الإسرائيلية على مختلف الصُعد.أنظر/ي: وليد حبّاس، تثبيت الأبارتهايد داخل الضفة الغربية.. أزمة جديدة داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي حول "قانون يهودا والسامرة"!، ملحق المشهد الإسرائيلي 06 حزيران 2022، مدار، https://bit.ly/3HhpOSz .
ماذا يعني فشل الائتلاف في تمديد العمل بأنظمة الطوارئ؟
وجد الائتلاف الحكومي الهشّ نفسه أمام تحدٍّ حقيقي في تمديد سريان مفعول القانون الجنائي الإسرائيلي على الضفة الغربية في ظلّ غياب أغلبية له داخل الكنيست، حيث مُني بـ "هزيمة قضائية" على أيدي المعارضة التي أفشلت مساعي الائتلاف في تمديد العمل بهذا القانون بعد أن صوّت 58 عضواً ضد التمديد مقابل 52 عضواً فقط، وذلك بعد أن صوّت عضوان في الائتلاف الحاكم (من القائمة العربية الموحدة، وآخر عن حزب ميرتس) ضد مشروع القانون في القراءة الأولى.
ما يجب الإشارة إليه هنا هو أن توجّه المعارضة بقيادة بنيامين نتنياهو إلى عرقلة تمديد العمل بهذه اللوائح لا يأتي من رغبة اليمين (المعارضة) في عدم تمديد هذا القانون بحد ذاته؛ وإنما يأتي ضمن مساعي اليمين لاستعراض قوته داخل الكنيست، وإضعاف وإحراج الائتلاف الحكومي الحي الهشّ، وإظهاره بمظهر العاجز عن تمديد العمل بهذا القانون الذي تمكّنت كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، على اختلاف مكوناتها، من تمديد العمل به منذ احتلال الضفة الغربية بشكل طبيعي. وهو ما يدفعنا إلى عدم التشكيك في استمرار سريان مفعول هذا القانون على مستوطنات الضفة الغربية طالما أن الأمر يأتي في إطار المناكفات الإسرائيلية الداخلية، حيث أن الخلاف حول تمديد سريان هذا القانون سيُحل في نهاية المطاف، وسيتم الاتفاق على تمديد العمل به، بسبب المخاطر التي تنطوي على فشل تمديده في آخر الأمر، وهذا ما أشارت إليه غالبية التقديرات الإسرائيلية.
من الناحية النظرية، أي من الناحية القانونية البحتة، فإن عدم تمديد العمل بهذا القانون يحمل معاني قانونية عديدة، أهمها أن مستوطني الضفة الغربية لن يتمكنوا من الاستمرار في الحصول على نفس الحقوق التي يحصل عليها الإسرائيليون المُقيمون داخل حدود دولة إسرائيل، ما يعني أن المستوطنات ستصبح منفصلة بشكل فعلي وقانوني عن القانون الإسرائيلي، حيث أن القوانين الوحيدة التي سيكون معمولاً بها في ظلّ غياب هذا القانون هي الأوامر العسكرية، وما تبقّى من القانون الأردني (وهو فعلياً النظام القانوني الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين في الضفة الغربية).
ومن ناحية نظرية أيضاً، لن يتمكّن المستوطنون من الاستفادة من غالبية القوانين التي تم إلحاقها بهذا القانون، فعلى سبيل المثال، لن يتم محاكمة المستوطنين في الضفة الغربية في المحاكم المدنية الإسرائيلية في حال لم يتم تمديد سريان هذا القانون، وفي ظلّ وجود القانون العسكري المفروض على الفلسطينيين، سيتم محاكمة المستوطنين في الضفة الغربية في المحاكم العسكرية وليس في المحاكم المدنية. من ناحية أخرى، لن يتمكّن المستوطنون أيضاً من الحصول على "الحقوق الناشئة" عن سريان مفعول هذا القانون في موضوعات التأمين الوطني، والتأمين الصحي، وقانون الضرائب، وكذلك القوانين المتعلّقة بالميراث والوصاية، كما لن يتمكّن المستوطن المحامي من أن يكون عضواً في نقابة المحامين الإسرائيليين. بالإضافة لذلك، فإن عدم تمديد العمل بهذا القانون سيعني أن المستوطنين لا يُمكنهم الاستفادة من قانون "تسجيل السكّان" ما يعني نظرياً منعهم من حقّ التصويت في الانتخابات الإسرائيلية على الرغم من أن هناك عدّة مخارج لهذه الأزمة. كما لن تكون للشرطة الإسرائيلية صلاحية العمل بحرية في الضفة الغربية لاعتقال الإسرائيليين الذين ارتكبوا "جرائم" أو مخالفات قضائية وفرّوا إلى الضفة الغربية. من ناحية أخرى، منحت إسرائيل لنفسها من خلال هذه اللوائح إمكانية احتجاز الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية على الرغم من أن ذلك يُعد مُخالفة واضحة للقوانين الدولية ذات الصلة، لكن عدم تمديد سريان مفعول هذه اللوائح يعني من الناحية النظرية البحتة أنه لم يعد بإمكانها القيام بذلك، ما يجعلها مُلزمة، من الناحية النظرية أيضاً، بنقل الأسرى الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة عام 1967.هاجر شيزاف وحين معنيت، ماذا سيحصل إذا انتهى سريان قوانين الطوارئ في الضفة وهل هناك بديل لتمديدها؟، هآرتس، 06 حزيران 2022، https://bit.ly/39eYDLF.
وعلى الرغم من كلّ ما ذُكر أعلاه، فإن التقديرات الإسرائيلية تُجمع على أن تمديد العمل بهذا القانون سيمرّ في النهاية، ما يعني أن إمكانية تحقّق هذه السيناريوهات تبقى ضعيفة ومُستبعدة، طالما أن الرغبة باستمرار "السيادة الإسرائيلية" على مستوطنات الضفة الغربية هي محطّ إجماع لدى كافة التيارات الإسرائيلية، وأن تعطيل تمديد سريان مفعول هذا القانون جاء في إطار المناكفات الإسرائيلية الداخلية وليس من باب توجّه جديد لدى بعض تياراته؛ ناهيك عن أن هناك العديد من المخارج والصيغ التي يُمكن اعتمادها إسرائيلياً للتحايل على الأزمات التي ستنتج عن عدم تمديد سريان تطبيق القانون الإسرائيلي المدني على المستوطنات في الضفة الغربية.
المصطلحات المستخدمة:
التأمين الوطني, هآرتس, القراءة الأولى, الكنيست, بنيامين نتنياهو