ركزت "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" في تقاريرها الأخيرة للعام الحالي 2015 على إبراز الصورة القاتمة للأوضاع الاقتصادية- الاجتماعية في القدس الشرقية المحتلة.
وقال تقرير صدر عن هذه الجمعية قبل عدة أشهر، إن سكّان القدس الشرقيّة يعيشون منذ نحو خمسة عقود تحت وطأة واقع متواصل بالغ الشذوذ والاستثنائيّة، فكل بُعد في حياتهم متأثر بكونهم سكانًا لا مواطنين، يعيشون في منطقة محتلة ضُمّت إلى دولة هم في صراع متواصل معها. وهذا الواقع الشاذّ، الذي يصعب على الرائي من الخارج إدراكه، يُبقي الفلسطينيّين في القدس بلا حول ولا قوّة، ويبقيهم مُعرّضين لانتهاكات جسيمة ومتواصلة.
وأضاف التقرير أنه لا يمكن حلّ هذه الوضعيّة الشاذة حلاًّ كاملاً إلاّ بواسطة تسوية سياسيّة متفق عليها. وإلى حين بلوغ هذا اليوم، وما دامت إسرائيل تواصل التمسّك بموقفها القائل "إنّ القدس الشرقيّة هي جزء من منطقتها السياديّة"، يجب على كلّ السلطات الإسرائيليّة "تحمّل كامل المسؤوليّة وإتباع سياسة تحافظ على حقوق الإنسان الخاصّة بسكّان القدس الشرقيّة".
وبغية التعويض على عقود من الإهمال وتوفير بنى تحتيّة وخدمات لائقة لصالح السكّان، "يجب على بلديّة القدس استثمار ميزانيّات ضخمة في القدس الشرقيّة، والدفع قدمًا بعمليّة تخطيط تهتمّ باحتياجات السكّان كأفراد وكمجتمع، وإشراك الجمهور الفلسطينيّ في هذه الإجراءات".
وجاء في التقرير:
"إنّ بلديّة القدس، وعلى رأسها (رئيس البلدية) نير بركات، تعلن في السنوات الأخيرة أنّها وضعت نصب عينيْها تقليص الهوّات القائمة في القدس الشرقيّة على مرّ عقود عديدة. وبالفعل، جرى في السنوات الأخيرة تخصيص ميزانيّات جديدة لصالح السكّان الفلسطينيّين في مجالات شتّى، منها التربية والتعليم والخدمات المجتمعيّة والشوارع والمواصلات. ومع ذلك، يشير وضع الأحياء الفلسطينيّة، وخصوصًا الأحياء الواقعة وراء الجدار الفاصل، إلى أنّها لم تتلقَّ بعد الميزانيّات والجهود المطلوبة. ومن خلال التحليل الميزانيّاتيّ الذي أجرته جمعيّة عير عاميم، فإنّ نسبة ما استثمرته البلديّة بمختلف أقسامها في القدس الشرقيّة، تراوحت بين 10-13% من مجمل ميزانيّة العام 2013.
"وفي العام 2015 زيدت 770 مليون شيكل على الميزانيّة البلديّة، وأعلن رئيس البلدية أنّ كلّ شخص من سكان القدس سيشعر بالضرورة بارتفاع ملحوظ في جودة الحياة. وفي ضوء الهوّات السحيقة القائمة في جودة الحياة بين الأحياء الفلسطينيّة والأحياء الإسرائيليّة، وفي ظلّ حجم الفقر الصارخ لدى السكّان الفلسطينيّين، ثمة واجب تتحمّله البلديّة والحكومة على حدّ سواء، بتخصيص ميزانيّات أكبر بكثير ممّا فعلت في السابق لصالح القدس الشرقيّة.
"ولأوّل مرة في تاريخها، صادقت الحكومة الإسرائيليّة في حزيران 2014 على خطّة خماسيّة مخصّصة للقدس الشرقيّة، ضمن ميزانيّة تصل إلى نحو 300 مليون شيكل. وورد في النص التوضيحيّ للخطة أنّها تهدف لمواجهة الوضع الأمنيّ في القدس ودفع التطوير الاقتصاديّ- الاجتماعيّ قدمًا في الأحياء الفلسطينيّة، انطلاقًا من المعتقد القائل بوجود علاقة وثيقة بين نطاق ومستوى العنف لدى سكان من القدس الشرقيّة، وبين مستوى الحياة في أحياء شرقيّ المدينة. وفي ضوء ذلك، تقرّر أن يُستثمر ثلث الميزانيّة -5ر94 مليون شيكل- في الأمن، وأن يُستثمر ثلثاها -200 مليون شيكل- في البنى التحتيّة والتربية والرفاه والتشغيل.
"صحيح أنّ استثمار 200 مليون شيكل بعيد كلّ البعد عن التغلب على النواقص الهائلة الموجودة، إلاّ أنّه لا خلاف على أنّنا نتحدّث هنا عن أكبر مبلغ التزمت الحكومة الإسرائيليّة باستثماره في القدس الشرقيّة، في غضون فترة من عدّة سنوات.
"ويمكن لزيادة الميزانيّات الموعودة أن تؤدّي إلى حدوث تحسينات هامّة إذا اُستثمرت كما يجب- أي في الاحتياجات الحقيقيّة والحارقة. لكن، وحتى أثناء تصديق الخطة، فإننا لاحظنا أنّ بعض البنود لم تبلوَر وفقًا للاحتياجات الفعليّة، بل من أجل تلبية المصالح الإسرائيليّة الكامنة في تعزيز السيادة في القدس الشرقيّة".
وأكد تقرير آخر سابق لـ"جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" أنه بعد مرور عقد على إقامة جدار الفصل العنصري في القدس تحولت الأحياء الفلسطينية في المدينة إلى منطقة عشوائية وعُزل ثلث السكان الفلسطينيين- ويقدر عددهم بـ120 ألفاً- عن مركز حياتهم في القدس، وباتوا يعانون من حياة قوامها الإهمال المخزي.
وأشار التقرير إلى أن جدار الفصل في القدس "أقيم بعد أن التزمت الحكومة الإسرائيلية أمام المحكمة الإسرائيلية العليا ومن ثم أصدرت قرارات حكومية تعهدت من خلالها باستمرار سير الحياة السويّ لدى سكّان الأحياء المقدسيّة الذين ظلّوا وراء الجدار، إلى جانب الحفاظ على نسيج الحياة المشترك لمجمل السكان الفلسطينيّين عبر جهتي الجدار، ومن ضمن ذلك القرار الحكومي رقم 3783 الذي اتخذ في تموز 2005. وقد فرض هذا القرار مسؤوليّة تحضير الجاهزيّة الخاصّة على بلديّة القدس والوزارات المختلفة، مشدداً على أنّ إقامة الجدار لا تعني المسّ بحقوق سكّان الأحياء الذين يعيشون في المنطقة التي احتلتها إسرائيل العام 1967 ويحملون بطاقات هويّة إسرائيلية، مستنداً على الإدراك بأنّ من واجب إسرائيل، منذ لحظة فرض سيادتها على أحياء القدس الشرقيّة بعد احتلالها، الحفاظ أيضًا على مجمل الحقوق المكفولة لكلّ ساكن/ة وفقًا للقانونيْن الإسرائيليّ والدوليّ.
"كما أشار إلى أن المحكمة العليا رفضت الالتماسات التي قدمت ضد الجدار بعد أن استندت إلى فرضية قائلة بأن انتهاك الحقوق الأساسيّة الناجم عن إقامة الجدار هو تناسبيّ ومعقول، بما يخضع لوجود التزامات الدولة. كما أكدت قرارات الحُكم وبشكل جليّ وواضح أنّ شرعيّة إقامة الجدار كانت مشروطة بتطبيق جاهزيّة البلدية والوزارات ذات الصلة، كما التزمت الدولة أمام المحكمة".
وأضاف التقرير "إلا أن سياسة الحكومة الإسرائيلية في العقد الأخير وظروف الحياة الصعبة في الأحياء تشكل انتهاكاً منهجياً ومتواصلاً لالتزاماتها وتُلحق انتهاكًا جسيمًا بسلسلة طويلة من الحقوق الأساسيّة الخاصة بآلاف السكّان، منها الحقّ في الكرامة والصّحة والتربية وحريّة الحركة وغيرها".
وقال التقرير إنه مع مرور عقد على اتخاذ قرار الحكومة ومصادقة المحكمة العليا على مسار الجدار، أرسلت "جمعية حقوق المواطن" رسالة مفصلة حمّلت الحكومة الإسرائيلية مسؤولية الوضع التي آلت إليه الأحياء المقدسية، وطالبتها بتنفيذ الوعود التي قطعت، وذلك عبر خطة طارئة يقوم بالإشراف على عملها طاقم وزاري، وتقوم بتنفيذها خلال فترة زمنية معقولة.