تعكف اللجان المختصة في الكنيست، هذه الأيام، على مناقشة "مشروع قانون ميزانية الدولة لعامي 2015 ـ 2016" بغية إعداده في صيغة نهائية يفترض أن يتم عرضها على الهيئة العامة للكنيست في الأيام القريبة القادمة للتصويت على مشروع القانون بالقراءتين الثانية والثالثة لإقراره نهائيا، وهو ما يتم عادة في أواخر شهر كانون الأول من كل عام، عشية بدء السنة المالية التي "تغطيها" الميزانية المقترحة.
وتحدد ميزانية الدولة، عادة، المبالغ المالية المخصصة لكل واحدة من الوزارات الحكومية المختلفة للسنة المالية الجديدة، في كل واحد من بنود الصرف المخططة في تلك الوزارة. وتشكل الميزانية، في هذا المنظور، التجسيد الأوضح للسياسة الحكومية، إذ أنها تحدد المبالغ المرصودة لكل واحد من أهدافها (الحكومة). وتُستثنى من هذا التفصيل وزارة الدفاع، إذ لا يتم عرض تفاصيل ميزانيتها، حجمها ومكوّناتها، على الهيئة العامة للكنيست وإنما على لجنة خاصة مشتركة للجنتي المالية والأمن والخارجية التابعتين للكنيست فقط.
وقد أكد هذا الجانب المتعلق بما تجسده ميزانية الدولة، تحديدا، وزير المالية، موشيه كحلون، الذي قال في معرض عرضه مشروع قانون الميزانية الجديد على الكنيست: "الميزانية المقدمة إليكم اليوم ليست مجرد أرقام وعمليات حسابية فقط، بل هي منظومة قيم، أولا وقبل كل شيء"!
وأضاف: "هذه الميزانية تعكس رؤية اجتماعية واسعة تكشف عن أن ثمة بشرا يقفون خلف هذه الأرقام، يحملون آمالا وطموحات، احتياجات ورغبات... وهي ميزانية تأتي ببشرى حقيقية لكل واحد وواحدة من المواطنين في إسرائيل... ميزانية تقوم على سلم أولويات جديد، دون تقليصات ودون إثقال. ولذا، فهي ليست ميزانية حكومية، إنما ميزانية قومية اجتماعية. ليست ميزانية يمين أو يسار ولا ميزانية ائتلاف أو معارضة. ميزانية تضع الإنسان نصب عينيها وتغيّر معتقدات سائدة منذ سنوات طويلة. ميزانية تعكس توجها قائما على أن الميزانية في خدمة المجتمع، لا المجتمع في خدمة الميزانية"!
ومنذ العام 1986، يتم إقرار قانون الميزانية مُرفقاً بقانون آخر هو "قانون التسويات" (الاقتصادية) الذي يشمل تعديلات مختلفة في قوانين مختلفة ذات علاقة بالميزانية وتأثير عليها. وقد جرى، ابتداء من العام 2004، تغيير اسم هذا القانون إلى "قانون السياسة الاقتصادية"، لكن دون أي تغيير أو تعديل في جوهره، مضامينه وغاياته.
وكان الكنيست قد أقرّ مشروع قانون الميزانية الجديدة بالقراءة الأولى يوم الثالث من أيلول الأخير، بعدما أقرته الحكومة قبل ذلك بنحو شهر واحد، في جلستها يوم 6 آب. فقد صوت إلى جانب مشروع قانون الميزانية الجديدة 57 عضو كنيست، بينما عارضه 53 عضوا. وبالأغلبية ذاتها، أيضا، أقر الكنيست ـ في اليوم نفسه ـ مشروع "قانون السياسة الاقتصادية" الجديد.
وابتداء من العام 2009، يتم إقرار ميزانية لسنتين اثنتين، بدلا من سنة واحدة كما كان سابقا. ويبلغ حجم الميزانية العامة للدولة المقترحة للسنتين الماليتين القادمتين، 2015 ـ 2016، حسب ما يتضمنه مشروع القانون الجديد، 2ر677 مليار شيكل، 5ر329 مليار منها لسنة 2015 و 7ر347 مليار لسنة 2016.
المطلوب: تعزيز "الخيار الجماهيري"!
وعشية عرض مشروع قانون الميزانية الجديد على الكنيست لإقراره بالقراءتين الثانية والثالثة، أصدر "مركز أدفا ـ معلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل"، في أواخر شهر تشرين الأول الأخير، كراسة خاصة خصّصها لـ "ملاحظات (المركز) حول اقتراح الميزانية للعامين 2015 ـ 2016"، تحت عنوان: "المطلوب: تعزيز الخيار الجماهيري".
ويستهل مركز "أدفا" كراسته هذه بالتأكيد على أن "سياسة السوق الحرة تضع جزءا كبيرا ومتزايدا من الحلبة الجماهيرية تحت سيطرة قوى السوق"! موضحا أن "السوق الحرة"، وخلافا لاسمها، ليست حلبة يلتقي فيها أناس وشركات متساوون من حيث الموارد، الإمكانيات وحرية الحركة والنشاط، وإنما هي "حلبة تتميز بعدم المساواة العميق بين أصحاب الرساميل وقوة تأثيرهم ـ وهم الذين يشكلون "قوى السوق"! ـ وبين جميع الناس الآخرين.
والدولة في حد ذاتها، من حيث تكوينها ووظائفيتها، هي أحد الأجسام / العناصر الناشطة في السوق. ونظراً لكونها "جسما كبيرا وقويا" يُفترض فيه تمثيل مجمل المواطنين، فالمتوقع منها إذن أن تعمل كل ما في وسعها ـ وهو كثير! ـ من أجل التخفيف من حدة عدم المساواة القائم بين "قوى السوق"، من جهة، وبقية الناس من جهة أخرى. أما حين تتبنى الحكومة سياسة "السوق الحرة" وتعتمدها فمعنى ذلك أنها "لا تعمل شيئا للتخفيف من عدم المساواة، بل العكس تماما: إنها تقلص أنشطتها وميزانياتها بغية إخلاء مساحة أكبر وإفساح مجال أوسع لـقوى السوق. وعندئذ، يصبح في مقدور أصحاب الرساميل، بما يمتلكون من قوة، توسيع سيطرتهم وإحكامها لتشمل، أيضا، تلك الأجزاء من الساحة الجماهيرية التي تخلت عنها الحكومة".
ويختار مركز "أدفا"، في كراسته، هذه ثلاثة مجالات خدماتية مركزية يمعن النظر في ميزانياتها المقترحة، احتياجاتها والإجراءات المطلوبة لتلبيتها، يوزعها في ثلاثة أبواب هي: السكن، التربية والتعليم الجامعي والصحة، ثم يخصص الباب الرابع لتوضيح ماهية "الخيار الجماهيري"، يليه الباب الخامس والأخير الذي يقترح "مصادر ممكنة لتمويل الخيار الجماهيري".
السكن نموذجاً ـ من الالتزام الحكومي إلى "السوق الحرة"!
يرى مركز "أدفا" أن مسألة الارتفاع الحاد المتواصل في أسعار السكن وتكاليفه في إسرائيل خلال السنوات الماضية "توفر نقطة انطلاق جيدة للبحث في اقتراح ميزانية الدولة للعامين 2015 و 2016"، لما تعكسه هذه بكونها "مسألة سياسية، اقتصادية واجتماعية مركزية"! مذكّراً بأنها (قضية السكن) "كانت الدافع المركزي لحملة الاحتجاج الاجتماعية في صيف العام 2011"، كما شكّلت "الرافعة التي استخدمها موشيه كحلون لبلوغ منصب وزير المالية"!
فحتى النصف الثاني من العام 1980، يقول مركز "أدفا"، "كانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كلها تعتبر نفسها المسؤولة عن ضمان مسكن إنساني لجميع سكان البلاد (فعليا، لليهود منهم فقط!)... أخذت الحكومات على عاتقها المسؤولية المباشرة عن أعمال البناء ـ التخطيط، التطوير والبناء ـ أو قامت بذلك بواسطة شركات إسكان حكومية".
وحين لم تقم الحكومات بذلك، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، قامت بتعويض المواطنين من خلال تقديم دعم مالي حكومي للمستحقين، بواسطة منحهم قروض الإسكان أو بالمساهمة في أجرة وتكاليف سكنهم، إلى جانب فرض رقابة صارمة على أعمال البناء وتكاليفها. وقد انعكس هذا كله في رصد ميزانيات حكومية كبيرة لقطاع البناء والإسكان.
لكن هذا الواقع تغير في العام 1985، مع تبني "خطة الطوارئ" الاقتصادية. فمنذ ذلك الوقت، تسعى الحكومات في إسرائيل إلى خفض مستوى وحجم تدخلها في سوق الإسكان باستمرار، ثم تقليص ميزانيات البناء والإسكان تاليا، وذلك باستثناء فترة قصيرة إبان الهجرة المكثفة من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ومن أثيوبيا. وهكذا، نشأ وضع سيطرت فيه "السوق الحرة" على الجزء الذي تخلت عنه الحكومة في قطاع البناء والإسكان وأصبح لـ "قوى السوق" تأثير كبير وحاسم على قطاع البناء الإسكاني، على وضع الإسكان وعلى أسعار الشقق السكنية.
وتعمد "قوى السوق" إلى رفع أسعار الشقق السكنية بطريقتين:
الأولى ـ إقدام متمولين ومستثمرين من المحسوبين على "العُشر الأعلى" (الأغنى في البلاد) على امتلاك شقة سكنية واحدة أو أكثر لغرض الاستثمار أو لإسكان أبنائهم، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على الشقق السكنية، ثم ارتفاع أسعارها تالياً. وخلال السنوات الأخيرة، بلغت نسبة الشقق السكنية التي اشتراها متمولون ومستثمرون من "العشر الأعلى" نحو 25% ـ 33% من مجمل عدد الشقق السكنية في البلاد. والثانية ـ يعمد أصحاب الرساميل إلى شراء شقق سكنية باهظة الثمن في ناطحات فاخرة، ما ينعكس بارتفاع أسعار الشقق السكنية عامة في البلاد، من جراء "المعايير" العالية والأسعار الباهظة التي يفرضها هذا السلوك. أما المتضرر الأول والأساس من هذا كله فهو جمهور الأزواج الشابة، وخاصة منهم الذين لا يمتلكون الإمكانيات المادية التي تؤهلهم لامتلك شقة سكنية مناسبة.
ويؤكد تقرير "أدفا" أن الحكومة، التي كان يفترض بها ويتوقع منها العمل للجم مثل هذا "التطور" وللتخفيف من حدة عدم المساواة المتزايد، أصبحت غير قادرة على القيام بمهمتها هذه، نظرا للتقليص الحاد الذي أجرته في ميزانيتها المخصصة للإسكان. وأكثر من هذا، أيضا، أنه لم يعد ثمة دافع أو حافز يجعل الحكومة تعمل من أجل لجم أسعار الشقق السكنية، بعدما أصبحت تجني أرباحاً من ارتفاع هذه الأسعار، إذ أصبحت مدخولاتها من ضرائب العقارات تفوق، بكثير، ميزانيتها المرصودة للإسكان: فبين الأعوام 2000 و 2014، مثلا، ارتفعت مدخولات الدولة من الضرائب على العقارات من 08ر5 مليار شيكل إلى 78ر7 مليار شيكل، بينما تقلصت ميزانية الإسكان الحكومية من 9ر9 مليار شيكل في العام 2000 إلى 1ر3 مليار شيكل في العام 2014.
وطبقا لاقتراح ميزانية الدولة الجديد، يتوقع أن تبلغ عائدات الحكومة من الضرائب على العقارات خلال العامين 2015 ـ 2016 نحو 10 مليارات شيكل.
ويرى مركز "أدفا" أن الحل الأساس لهذه المشكلة الحادة يتمثل في زيادة العرض في مجال الشقق السكنية، على الرغم من أن لا ضمانة لأن تؤدي زيادة عدد الشقق السكنية (بتوسيع أعمال البناء) إلى خفض أسعارها، نظرا لأن حجم الأموال المكدسة في أيدي "المستثمرين" كبير جدا بحيث يسمح لهم بمواصلة شراء جزء كبير جدا من هذه الشقق.
ولهذا، يصبح الحل الأمثل، وفق تقرير "أدفا"، اعتماد "الخيار الجماهيري" ـ بناء حكومي مكثف للبيع والإيجار بمستويات ومعايير عالية وبأسعار متاحة للجمهور الواسع. لكن هذا الحل غير وارد وغير ممكن التحقق بالنظر إلى اقتراح الميزانية الجديدة "المتمسكة بخيار السوق الحرة"!
التربية والتعليم ـ أبواب مفتوحة أمام "قوى السوق"
خلافا لميزانية وزارة البناء والإسكان، يبين اقتراح الميزانية الجديدة أن ميزانية التربية والتعليم الجامعي (بدون التطوير) سوف تزداد إلى 60 مليار شيكل، مقابل 9ر53 مليار شيكل في العام 2014.
ويقول تقرير "أدفا" أن الزيادة في ميزانية التعليم مستمرة منذ العام 2008 وإن هذه الزيادة ستبلغ مع نهاية العام 2016، بالمجمل، نحو 26 مليار شيكل، غير أن الجزء الأكبر من هذه الزيادة الإجمالية (44%) مخصص لرفع أجور المعلمات والمعلمين، تنفيذا لاتفاقية "أفق جديد" الموقعة مع نقابة المعلمين في إسرائيل. ورغم هذه الزيادة في الأجور، إلا أن معطيات "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD) من العام 2012 ـ وهو العام الأخير الذي توفرت معطيات بشأنه لدى إعداد هذه الورقة ـ تبين أن الفجوة لا تزال كبيرة بين أجور المعلمين في إسرائيل وزملائهم في دول هذه المنظمة (التي انضمت إليها إسرائيل في العام 2010).
وعلى الرغم من الزيادة المستمرة في ميزانية التعليم خلال السنوات الأخيرة، كما ورد، إلا أن قياس ميزانية التعليم بالنسبة إلى الناتج القومي الإجمالي في إسرائيل يبين أن هذه الميزانية انخفضت من 9% من الناتج القومي الإجمالي في العام 1985 إلى 6% منه في العام 2000. ومنذ ذلك العام، لا تزال هذه الميزانية على هذه النسبة، أو أقل بقليل، من الناتج القومي الإجمالي. "وبكلمات أخرى، سقطت ميزانية التربية والتعليم ضحية للسياسة النيو ليبرالية"، كما يؤكد مركز "أدفا" ويضيف: "هذا المنحى معاكس لما هو حاصل في دول مختلفة ـ فمثلا، في الولايات المتحدة، إيرلندا، الدنمارك، نيوزيلندا، فرنسا وفنلندا تسجل ميزانية التعليم ارتفاعا مضطردا من مجمل الناتج القومي خلال السنوات الأخيرة، بينما يحصل العكس في إسرائيل".
لكن الأهم في سياق الزيادة في ميزانية التربية والتعليم هو أن هذه الزيادة "لم تمنع تغلغل قوى السوق في هذا القطاع"، مما يحول دون "تقليص الفجوات التعليمية أو تقليص الفوارق في التحصيل العلمي والناتجة عن عدم المساواة بين طلاب من خلفيات اقتصادية ـ اجتماعية مختلفة"، وهو ما تؤكده تقارير منظمة OECDالأخيرة التي تضع إسرائيل في موقع "ريادي" في سياق عدم المساواة بين الطلاب من خلفيات مختلفة، وخاصة بين الطلاب اليهود والطلاب العرب!
الصحة ـ تغلغل "قوى السوق"
يشير تقرير "أدفا" إلى أن الجهاز الصحي في إسرائيل هو "أكثر شمولية ومساواة من جهازيّ التربية والتعليم والإسكان. فبواسطة ميزانية محددة، يستطيع ها الجهاز تقديم الخدمات الصحية اللازمة لجميع السكان، بمستوى عال جدا، قياسا بدول العالم الأخرى". لكن هذا الجهاز، أيضا، يعاني من مشكلة تكمن في أن الميزانية المرصودة له ليست كافية. وخلال السنوات الأخيرة، بدأت تنشأ فجوة واضحة آخذة في الاتساع بين مستويات الخدمات الطبية المتوفرة لقطاعات سكانية مختلفة. وهي فجوة ناجمة، أساسا، عن الفارق ما بين مستوى تمويل "سلة الخدمات الصحية"، من جهة، ومستوى التمويل اللازم لتقديم خدمات صحية كاملة لعموم المواطنين، من جهة أخرى.
وتشكل هذه الفجوة ما بين مستوى التمويل المطلوب ومستوى التمويل الفعلي ثغرة تغري "قوى السوق" باقتحام هذا المجال والتدخل فيه. فرغبة منها في زيادة ميزانياتها، شرعت صناديق المرضى المختلفة في عرض تأمينات مكملة للتأمين الصحي الرسمي، وهو ما "اجتذب" شركات التأمين التجارية ("قوى السوق") أيضا إلى تقديم عروضها في مجال التأمينات المكملة. وفي هذا الوضع، أصبحت العائلات ذات الإمكانيات المادية تمتلك تأمينات صحية مكملة تغطي خدمات صحية واسعة جدا، لا تستطيع العائلات الفقيرة والمتوسطة الحال الحصول عليها.
وإلى هذا، تضاف أيضا ظواهر أخرى عديدة، أبرزها:
1. المستشفيات التي تعرض ـ أو تضغط للحصول على ترخيص لعرض ـ خدمات طبية خصوصية;
2. الأطباء الذين يعملون في المستشفيات ويحوّلون مرضى منها إلى عياداتهم الخاصة، مقابل رسوم عالية نسبيا;
3. المستشفيات التي تضع منشآت عامة تابعة لها تحت تصرف أطباء يقدمون خدمات خصوصية، مقابل حصة من العائدات وغيرها.
وتؤدي هذه الظواهر في المحصلة إلى تمكين المال الخاص، أو "قوى السوق"، من الاستيلاء على جزء من "الحلبة الجماهيرية" (العامة) في قطاع الخدمات الصحية، بعد تخلي الحكومة عنه.
ويقول تقرير "أدفا" إن الجهاز الصحي في إسرائيل ليس في حاجة إلى "الخيار الجماهيري"، نظرا لأنه "لا يزال، في جوهره، جهازا جماهيريا". لكن المطلوب هو "تعزيز الطابع الجماهيري في هذا الجهاز، وخاصة بواسطة تعديل قانون الصحة الرسمي بما يضمن ملاءمة سنوية تامة لتكاليف سلة الخدمات الصحية"، إلى جانب "توحيد جميع التأمينات الصحية المكملة ودمجها في إطار سلة الخدمات الصحية الأساسية". والمطلوب، أيضا، توسيع البنى التحتية في المستشفيات العامة وتعزيز الطواقم الطبية بحيث تتلاءم مع احتياجات السكان وتلبيها.
"الخيار الجماهيري" والصرف الحكومي على المواطنين
يعتبر مركز "أدفا" أن مشروع الميزانية الجديدة للعامين 2015 – 2016 يمثل "مرحلة إضافية أخرى في إضعاف الخيار الجماهيري في إسرائيل"، كما يمثل، في المقابل، "مرحلة إضافية أخرى في توسيع الثغرة التي تتسلل قوى السوق من خلالها إلى الحلبة الجماهيرية". ويتطلب الخيار الجماهيري، بين أشياء أخرى، "تمويلا حكوميا سخيا للخدمات العامة".
وينوه التقرير بأن "حكومة إسرائيل تصرف على مواطنيها أقل بكثير مما تصرفه الدول الأخرى الأعضاء في منظمة OECD على مواطنيها". فالصرف الحكومي الإسرائيلي على شبكة الضمانات الاجتماعية، مثلا، هو الأدنى من بين جميع تلك الدول، إذ يعادل 8ر15% مقابل 9ر21% بالمتوسط في تلك الدول. وهذا هو أحد الأسباب المركزية لحقيقة أن نسبة الفقر في إسرائيل هي إحدى النسب الأعلى، على الإطلاق، بين دول هذه المنظمة، إذ بلغت هذه النسبة 4ر18% في العام 2012، مثلا، مقابل نسبة تراوحت بين 5%و 10% في تلك الدول في العام نفسه.
والصرف الحكومي المنخفض على الخدمات المختلفة للمواطنين يعني عمليا:
1. خدمات أقل، كماً ونوعاً، مقارنة بتلك الدول;
2. وجود مناطق ومجموعات سكانية لا تحظى إلا بمستوى متدن جدا من الخدمات;
3. تراجع مستوى حياة الطبقة الوسطى وعجزها عن توريث أبنائها مستوى حياتيا لائقا;
4. عجز شرائح واسعة من السكان عن الارتقاء إلى صفوف الطبقة الوسطى.
وفي الحديث عن المصادر المحتملة لتمويل "الخيار الجماهيري"، يذكر تقرير "أدفا" مصدرين أساسيين "لتعزيز قدرة الدولة على عرض خيار جماهيري بمستوى عال لسكانها"، هما: الأول ـ تحويل جزء من الأموال المخصصة اليوم لميزانية الأمن ورصدها لتمويل الخدمات الاجتماعية المختلفة، علما بأن ميزانية الأمن في إسرائيل قد سجلت ارتفاعا كبيرا جدا خلال السنوات الـ 15 الأخيرة ـ من 1ر60 مليار شيكل في العام 2000 إلى أكثر من 6ر78 مليار شيكل في العام 2014 ; الثاني ـ رفع نسبة الضرائب المباشرة.
ويؤكد مركز "أدفا" أن "الشرط المسبق لتقليص ميزانية الأمن هو تحقيق تحرك سياسي باتجاه التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين ومع دول المنطقة"!