الاستنتاج السياسي: مساران فلسطينيان متوازيان عملية أسدود في الصحف الإسرائيلية:(ضربة استراتيجية) في انتظار الهجوم الكبير خصصت الصحف اليومية الاسرائيلية الصادرة امس (الاثنين) عناوينها وتعليقاتها الرئيسية لتغطية الهجوم المزدوج الذي نفذه مهاجمان فلسطينيان، الاحد، في ميناء اسدود وأسفر عن مصرع عشرة اسرائيليين وجرح عشرين آخرين واستشهاد المنفذين. وأجمعت هذه الصحف في عناوينها وتعليقاتها، على وصف الهجوم بأنه )عملية نوعية( تمثل تحولا استراتيجيا في عمليات فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة، وتكشف عن تقصير واختراق أمنيين كبيرين، لا سيما ان الحديث يتناول منشأة استراتيجية مهمة في العمق الاسرائيلي من المفروض انها تتمتع بأقصى درجات التحصين والحماية والحيطة، وتنذر من جهة اخرى باحتمالات وقوع >هجمات نوعية كبرى< ضد منشآت وتجمعات اسرائيلية حيوية وحساسة في المستقبل المنظور. ففي تعليق نشرته صحيفة >هآرتس< على صدر صفحتها الاولى، كتب المحلل العسكري المعروف زئيف شيف قائلا: يعتبر ميناء اسدود هدفا بالغ الاهمية، وبالتالي فإن مهاجمة النقاط والمواقع الحساسة في هذا الميناء يمكن ان تعد >ضربة استراتيجية<.
من تابع جلسات >مؤتمر العداء للسامية<، الذي عقد في بروكسل في بلجيكا في العشرين من الشهر الماضي، بمبادرة من الاتحاد الأوروبي والمؤتمر اليهودي العالمي، لا بد لاحظ وجود إيلي فيزل على الطاولة الرئيسية للجلسة الافتتاحية، جنباً إلى جنب مع رئيس المفوضية الأوروبية، رومانو برودي وعدد من قادة الجاليات اليهودية في أوروبا. فهو أيقونة المؤتمرات والندوات التي تعقد حول معاداة اليهود أو الصهيونية أو إسرائيل أو السامية والتي تضيق الفروق بينها كل يوم كلما اتجهنا يميناً. وفيزل المولود في هنغاريا العام 1928، رئيس معهد الذاكرة اليهودية، وهو الناجي من الهولوكوست إذ اعتقل في معسكر بوخنفلد النازي وهو بعد صبي أثناء الحرب العالمية الثانية، وهو اليوم المتحدث باسم الناجين. لكن فيزل أيضا أستاذ يدرس في عدد من الجامعات الأميركية، وهو مؤلف عدد من الكتب عن عذابات اليهود، وروائي حاز على جائزة نوبل العام 1986، لكن ليس عن رواياته العديدة التي ألفها، بل باعتبار سيرة حياته تجسيداً لتلك العذابات، ليس في أوروبا فقط حيث تم اعتقاله، بل في كل مكان، وليس في النصف الأول من القرن العشرين فقط، بل على مر السنين. فإحدى الأفكار الأساسية التي يرددها فيزل في كتاباته النثرية ورواياته هي اعتبار تاريخ اليهود تاريخ عذاب وظلم واضطهاد وتشريد، سواء في ذلك تاريخهم الحديث أو القديم، واعتبار عذاب اليهود تجسيدا لعذابات الإنسان، وعليه فإنه نذر نفسه، كما قال في مقابلة معه عقب فوزه بجائزة نوبل، >لمحاربة الظلم في كل مكان<. لكنه حين سئل عن الظلم اللاحق بالشعب الفلسطيني قال >هناك فلسطينيون مظلومون<. فالناجي من الهولوكوست يريد أن يحتكر الظلم وآلامه هو واليهود وإسرائيل، ويحرم منه الشعب الفلسطيني مستثنياً منهم >بعض الفلسطينيين<. في 1967 كان رجل نوبل للسلام يعد لكتابة رواية تدور أحداثها في القرن التاسع عشر، لكن نشوب حرب حزيران في ذلك العام جعله يضع كل شيء جانباً ويبدأ بكتابة رواية أعطاها عنوان >شحاذ في القدس<، انطلاقا من فكرة أن اليهود الذين كانوا >شحاذين< في المنافي، >عادوا< إلى القدس بعد تشرد دام أكثر من ألفي عام، وكانت القدس في انتظارهم: ففيها فقط لا يكـون اليهودي شحاذاً، ولكي لا يبقى اليهود شحاذين فإن عودتهم إلى القدس هي الحل، حتى لو كان ذلك من طريق الاحتلال العسكري كما حدث حقاً في 1967. في روايته هذه يقدم فيزل نصا أشبه بقصيدة في مديح الاحتلال. ولأن المدينة المحتلة هي القدس، فعملية احتلالها تتحول عنده الى لحظة مجد تاريخي وديني تستحوذ على الكاتب الذي ينسى تماماً ما في فعل الاحتلال من قسوة وبشاعة وظلم واغتصاب، فيحول الأنظار إلى معاناة اليهود الأزلية، وعذاباتهم المتواصلة، هو الذي عاش تجربة السجن في معسكرات الاعتقال النازية صبياً. الرواية تستعير من النشيد تلك الروح الغيبية والميل نحو تجريد الأمور ابتعاداً عن الواقع والقفز عن التفاصيل التي تمثل جوهر الواقع، ثم أخذ الأمور بنهاياتها، تجنبا للخوض في التفاصيل. والتفاصيل هنا عذابات ومآسٍ يعانيها شعب آخر هو الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للاحتلال، لذا فمن المستحسن تجنب هذه التفاصيل حرصا على نقاء صورة النصر البهي الذي حققه الإسرائيليون. في أحد مشاهد الرواية، وبعد أن تضع الحرب أوزارها ويحتل الجيش الإسرائيلي القدس يصرخ أنشل، وهو من شخصيات الرواية: >لكنني كسبت الحرب<. ويتدخل الكاتب: >صرخ وكأن الغضب تمكن منه فجأة: نعم، لقد انتصرت، أستطيع أن اثبت ذلك: هذه غنيمتي<. وغنيمته هي مدينة مأهولة بالسكان اسمها القدس. وحتى لا يصبح مصير السكان عبئاً على الراوي فإنه يتجاهل الواقع الماثل أمامه بكل ما فيه من قسوة وظلم، ويواصل الحديث عن القدس باعتبارها مكانا في قلب كل يهودي ووجدانه، مستعينا في تقديم هذه الصورة الخيالية لمدينة حقيقية بما ورد في التوراة، أو في أقوال الفلاسفة ورجال الدين اليهود، ومنهم نحمان براتسلاف الفيلسوف والأديب الحسيدي الروسي الذي ينسب إليه قوله إن اليهودي >حيثما ولى وجهه قادته خطاه إلى القدس<. الراوي في >شحاذ في القدس< يدعى ديفيد (داوود)، بما للاسم من تداعيات توراتية. فهو مؤسس مملكة القدس و>ملك أورشليم< في الميثولوجيا اليهودية. وديفيد مقاتل في الجيش الإسرائيلي الذي يخوض معركة احتلال القدس في حرب 1967، ومعه عدد من المقاتلين الإسرائيليين الذين يتحلون جميعا بمزايا استثنائية. لكن بين هؤلاء جميعاً تبرز شخصية كاتريل، وهو صاحب شخصية مطلقة لا ملامح تميزها ولا صفات محددة لها، ترمز الى اليهودي المطلق، اليهودي أينما وجد وحيثما عاش. ويدخل الجيش الإسرائيلي القدس و>يحرر جبل الهيكل. الشعب اليهودي ينتظر هذا النصر وسوف نكون عند توقعاته. والساعات التي سنعيشها قريبا ستنتمي إلى تاريخ إسرائيل، إلى الأسطورة. حظاً سعيداً<. ويقول الراوي لكاتريل بعد انتهاء المعارك: >المرء لا يذهب إلى القدس، إنه يعود إليها. وهذا واحد من أسرارها<. لكن كاتريل يختفي بعد احتلال القدس إذ >جرفته الحرب بعيدا، موجة ضمن موجات عدة. لقد بحثوا عنه لأسابيع في المستشفيات وبين القتلى، ولكن عبثاً. لم يؤخذ أسيراً، ولم يتجول في مدن هجرها البشر<. إنه الشحاذ الذي دخل القدس و>ذاب< فيها. قبيل عقد المؤتمر المشار إليه كتب المعلق الاستراتيجي والخبير العسكري الشهير زئيف شيف مقالة في صحيفة >هآرتس< التي أعدت ملفا ضخما حول ما سمته عودة ظاهرة العداء للسامية في أوروبا، فقال: >إن أوروبا ليست معادية للسامية. إنها عنصرية، بدليل أنها تضطهد أيضا الأقليات المسلمة في بلدانها<. ولا شك أن من حق من يقرأ رواية مثل >شحاذ في القدس< أن يتساءل عن معنى العنصرية إن كان لها معنى آخر غير ما جاء في رواية رجل نوبل للسلام الذي لا يزال أيقونة المؤتمرات التي تعقد هنا وهناك، لتحليل ظاهرة العداء للسامية. (عمان)
شارون في الزاوية.. بقلم: حلمي موسى يبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، أرئيل شارون، يعيش أصعب لحظات حياته السياسية هذه الأيام. فقد تراجعت ثقة الجمهور الإسرائيلي به الى حدود متدنية جدا، والقضاء والشرطة يلاحقانه، والأهم أنه يبدو عاجزا عن تحويل خطة الانفصال الى خطة عملية مقبولة في محيطه القريب. فالجيش، والائتلاف والحزب يقفون، كل لأسبابه الخاصة، ضد هذه الخطة. والأميركيون الذين كانوا يودون لو أن كل الصراع العربي الإسرائيلي يدخل الآن، في السنة الانتخابية، الى الثلاجة، لا يريدون المجازفة بتأييد خطوة لا تحظى بقبول الجيش الإسرائيلي ولا تنال الرضى من الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية. وأمام هذا الحال نجد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية حاول توجيه الأنظار الى قضية الخلاف الدائم بين المستويين السياسي والعسكري حول قضايا تقع في >المنطقة الرمادية< بين الأمني والعسكري لإثبات زعامته. ولكنه كما يبدو أخفق في هذه المهمة، خاصة بعد أن بدا أن كبار وزرائه لا يقفون الى جانبه. إذ ان حليفه الأكبر، في الحكومة، وزير الدفاع شاؤول موفاز، اضطر لتوفير التبرير والغطاء لرئيس الأركان، في الوقت الذي أتاح وزراء آخرون، بينهم سيلفان شالوم وبنيامين نتنياهو، المجال لأنفسهم للحديث علنا ضد خطة الانفصال. والواقع أن خطة شارون تتسم بالعديد من المفارقات والتناقضات الداخلية. فهي خطة أراد شارون تمريرها على أساس أنها >ضربة معلم< ضد الفلسطينيين. ولذلك من الضروري لها أن تكون خطة من طرف واحد لا دخل للفلسطينيين بها. ولكن إظهار الفلسطينيين، وخاصة منظمات المقاومة، أن الانسحاب الإسرائيلي، وبصرف النظر عن الصورة التي يتبدى فيها، هو انتصار لها وللانتفاضة دفع الكثير من الجهات في إسرائيل للتشكيك في جدوى الانفصال بهذه الطريقة. كما أن ميل شارون لإبداء استعداده للتنسيق مع جميع القوى، عدا الفلسطينيين، لإنجاز هذه الخطوة أثار المزيد من التساؤلات والشكوك حيالها حتى من جانب هذه القوى. وهكذا نجد أن الرفض الأميركي الضمني لخطة الانفصال من طرف واحد يزيد كثيرا عن تعابير القبول. بل ان هذا الرفض تجلى عمليا بالكثير من الاشتراطات التي تفقد الخطة سمتها الرئيسية كخطة من طرف واحد. كما أن رغبة بعض المقربين من شارون، وفي مقدمتهم مدير مكتبه، دوف فايسغلاس ورئيس مجلس الأمن القومي، غيورا آيلاند، في إنجاح الخطة يدفعهم الى المطالبة بالتنسيق مع الفلسطينيين. وهذا يعني إفراغ مفهوم أحادية الجانب من كل مضمون. وباختصار يجد شارون نفسه عمليا أمام خطة تفتقر لعوامل إنجاح مهمة رغم امتلاكها لعوامل أخرى. وفي مقدمة العوامل التي تمتلكها الخطة ذلك التأييد الشعبي الذي تحظى به. وقد أظهر آخر استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية (يافي) في جامعة تل أبيب أن 56% من اليهود في إسرائيل يؤيدون خطة شارون للانفصال. ولكن هذا التأييد تحديدا يظهر حجم المفارقة. فأغلبية ائتلاف شارون الحكومي، من الليكود والاتحاد القومي والمفدال، تعارض الخطة. ومن المؤكد أن شارون لا يرمي الآن الى الاختيار بين عصفور في اليد اسمه الائتلاف وعشرة على الشجرة اسمها تأييد الرأي العام. إذ ان هذا التأييد يقتصر فقط على خطة الانفصال ولكنه لا يتعداه ليصيب الثقة العامة بشارون أو بخطواته الاقتصادية والاجتماعية. ففي نظر هذا الجمهور يقود شارون المجتمع الإسرائيلي الى التدهور في أغلب الميادين. وهكذا، ورغم كل الحديث عن خطة الانفصال سوف يميل شارون في النهاية الى الاقتراب من الواقع. ولذلك وبعد التصريحات الكبيرة عن >خطة كبيرة< بدأ شارون في الحديث عن خطة أصغر. وحملت الصحف الإسرائيلية أنباء عن أن شارون، ومن أجل كسب التأييد في الليكود، يميل الى استثناء الضفة الغربية من خطته والى عدم الإقدام على أية خطوة لإخلاء مستوطنات هناك، وانه من أجل كسب تأييد قيادة الجيش يميل الى البقاء في >محور فيلادلفيا< على الحدود بين مصر والقطاع، بل وتوسيع هذا المحور. وربما من أجل مواصلة كسب تأييد المفدال والاتحاد القومي يمكنه المساومة على إخلاء نيتساريم فقط أو هذه ومستوطنة أخرى. وإجمالاً يمكن في الأيام الأخيرة ملاحظة مقدار التراجع في حديث شارون عن الخطة الكبرى للانفصال عن الفلسطينيين. وهنا يبدو أكثر وضوحا أن شارون أقدم على إعلان خطة الانفصال من دون أن يوفر لها عوامل النجاح. وليس صدفة أنه أطلق في ظلال هذه الخطة الكثير من البالونات وبينها بالون الاستفتاء الشعبي. كما أن شارون، ورغم كثرة تصريحاته بهذا الشأن، لم يقدم على أي خطوة عملية واحدة لا مع الجيش ولا مع الكنيست، من الناحية التشريعية، ولا مع وزرائه بقصد إشراكهم في بلورة الخطة. بل ان شارون ألغى اجتماعاً كان مقرراً مع وزراء الليكود للبحث في خطة الانفصال. وسوف يذهب البعض للقول إنه من السابق لأوانه نعي هذه الخطة. كما سيقول آخرون إن شارون ومنذ اللحظة الأولى كان يخطط للوصول الى هذه النقطة: الى الطريق المسدود بعد إثارة كل هذه الضجة. ولكن حتى وإن كان شارون يقصد إبعاد الأنظار عن مشاكله القضائية، ثمة شيء واحد مؤكد: إذا كانت العملية الاستشهادية المزدوجة التي وقعت يوم اول من أمس في ميناء أسدود قد خرجت، كما يشاع، من مخيم جباليا في قطاع غزة، فإن هذا سوف يشكل البرهان القاطع ليس على فشل خطة الانفصال وحسب، وإنما كذلك فشل الجدار العنصري الفاصل.
تفيد التقارير الاقتصادية الاسرائيلية بأن "انتعاشا طرأ في الآونة الاخيرة على فرع الصناعات التكنولوجية الرفيعة (هاي ـ تك) في اسرائيل". ولعل ابرز الـمؤشرات في هذا السياق هو تزايد كميات الاعلانات التي تنشرها الشركات الاسرائيلية في هذا الفرع في وسائل الاعلام الاسرائيلية، حول حاجتها الى عاملين في هذا الـمجال.
الصفحة 860 من 1047