شارون في الزاوية.. بقلم: حلمي موسى يبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، أرئيل شارون، يعيش أصعب لحظات حياته السياسية هذه الأيام. فقد تراجعت ثقة الجمهور الإسرائيلي به الى حدود متدنية جدا، والقضاء والشرطة يلاحقانه، والأهم أنه يبدو عاجزا عن تحويل خطة الانفصال الى خطة عملية مقبولة في محيطه القريب. فالجيش، والائتلاف والحزب يقفون، كل لأسبابه الخاصة، ضد هذه الخطة. والأميركيون الذين كانوا يودون لو أن كل الصراع العربي الإسرائيلي يدخل الآن، في السنة الانتخابية، الى الثلاجة، لا يريدون المجازفة بتأييد خطوة لا تحظى بقبول الجيش الإسرائيلي ولا تنال الرضى من الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية. وأمام هذا الحال نجد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية حاول توجيه الأنظار الى قضية الخلاف الدائم بين المستويين السياسي والعسكري حول قضايا تقع في >المنطقة الرمادية< بين الأمني والعسكري لإثبات زعامته. ولكنه كما يبدو أخفق في هذه المهمة، خاصة بعد أن بدا أن كبار وزرائه لا يقفون الى جانبه. إذ ان حليفه الأكبر، في الحكومة، وزير الدفاع شاؤول موفاز، اضطر لتوفير التبرير والغطاء لرئيس الأركان، في الوقت الذي أتاح وزراء آخرون، بينهم سيلفان شالوم وبنيامين نتنياهو، المجال لأنفسهم للحديث علنا ضد خطة الانفصال. والواقع أن خطة شارون تتسم بالعديد من المفارقات والتناقضات الداخلية. فهي خطة أراد شارون تمريرها على أساس أنها >ضربة معلم< ضد الفلسطينيين. ولذلك من الضروري لها أن تكون خطة من طرف واحد لا دخل للفلسطينيين بها. ولكن إظهار الفلسطينيين، وخاصة منظمات المقاومة، أن الانسحاب الإسرائيلي، وبصرف النظر عن الصورة التي يتبدى فيها، هو انتصار لها وللانتفاضة دفع الكثير من الجهات في إسرائيل للتشكيك في جدوى الانفصال بهذه الطريقة. كما أن ميل شارون لإبداء استعداده للتنسيق مع جميع القوى، عدا الفلسطينيين، لإنجاز هذه الخطوة أثار المزيد من التساؤلات والشكوك حيالها حتى من جانب هذه القوى. وهكذا نجد أن الرفض الأميركي الضمني لخطة الانفصال من طرف واحد يزيد كثيرا عن تعابير القبول. بل ان هذا الرفض تجلى عمليا بالكثير من الاشتراطات التي تفقد الخطة سمتها الرئيسية كخطة من طرف واحد. كما أن رغبة بعض المقربين من شارون، وفي مقدمتهم مدير مكتبه، دوف فايسغلاس ورئيس مجلس الأمن القومي، غيورا آيلاند، في إنجاح الخطة يدفعهم الى المطالبة بالتنسيق مع الفلسطينيين. وهذا يعني إفراغ مفهوم أحادية الجانب من كل مضمون. وباختصار يجد شارون نفسه عمليا أمام خطة تفتقر لعوامل إنجاح مهمة رغم امتلاكها لعوامل أخرى. وفي مقدمة العوامل التي تمتلكها الخطة ذلك التأييد الشعبي الذي تحظى به. وقد أظهر آخر استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية (يافي) في جامعة تل أبيب أن 56% من اليهود في إسرائيل يؤيدون خطة شارون للانفصال. ولكن هذا التأييد تحديدا يظهر حجم المفارقة. فأغلبية ائتلاف شارون الحكومي، من الليكود والاتحاد القومي والمفدال، تعارض الخطة. ومن المؤكد أن شارون لا يرمي الآن الى الاختيار بين عصفور في اليد اسمه الائتلاف وعشرة على الشجرة اسمها تأييد الرأي العام. إذ ان هذا التأييد يقتصر فقط على خطة الانفصال ولكنه لا يتعداه ليصيب الثقة العامة بشارون أو بخطواته الاقتصادية والاجتماعية. ففي نظر هذا الجمهور يقود شارون المجتمع الإسرائيلي الى التدهور في أغلب الميادين. وهكذا، ورغم كل الحديث عن خطة الانفصال سوف يميل شارون في النهاية الى الاقتراب من الواقع. ولذلك وبعد التصريحات الكبيرة عن >خطة كبيرة< بدأ شارون في الحديث عن خطة أصغر. وحملت الصحف الإسرائيلية أنباء عن أن شارون، ومن أجل كسب التأييد في الليكود، يميل الى استثناء الضفة الغربية من خطته والى عدم الإقدام على أية خطوة لإخلاء مستوطنات هناك، وانه من أجل كسب تأييد قيادة الجيش يميل الى البقاء في >محور فيلادلفيا< على الحدود بين مصر والقطاع، بل وتوسيع هذا المحور. وربما من أجل مواصلة كسب تأييد المفدال والاتحاد القومي يمكنه المساومة على إخلاء نيتساريم فقط أو هذه ومستوطنة أخرى. وإجمالاً يمكن في الأيام الأخيرة ملاحظة مقدار التراجع في حديث شارون عن الخطة الكبرى للانفصال عن الفلسطينيين. وهنا يبدو أكثر وضوحا أن شارون أقدم على إعلان خطة الانفصال من دون أن يوفر لها عوامل النجاح. وليس صدفة أنه أطلق في ظلال هذه الخطة الكثير من البالونات وبينها بالون الاستفتاء الشعبي. كما أن شارون، ورغم كثرة تصريحاته بهذا الشأن، لم يقدم على أي خطوة عملية واحدة لا مع الجيش ولا مع الكنيست، من الناحية التشريعية، ولا مع وزرائه بقصد إشراكهم في بلورة الخطة. بل ان شارون ألغى اجتماعاً كان مقرراً مع وزراء الليكود للبحث في خطة الانفصال. وسوف يذهب البعض للقول إنه من السابق لأوانه نعي هذه الخطة. كما سيقول آخرون إن شارون ومنذ اللحظة الأولى كان يخطط للوصول الى هذه النقطة: الى الطريق المسدود بعد إثارة كل هذه الضجة. ولكن حتى وإن كان شارون يقصد إبعاد الأنظار عن مشاكله القضائية، ثمة شيء واحد مؤكد: إذا كانت العملية الاستشهادية المزدوجة التي وقعت يوم اول من أمس في ميناء أسدود قد خرجت، كما يشاع، من مخيم جباليا في قطاع غزة، فإن هذا سوف يشكل البرهان القاطع ليس على فشل خطة الانفصال وحسب، وإنما كذلك فشل الجدار العنصري الفاصل.