المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حذر محللون إسرائيليون، اليوم الأربعاء – 16.9.2009، من تقديم مسؤولين إسرائيليين إلى محاكمات في العديد من دول العالم، إضافة إلى المحكمة الجنائية الدولية، بعد صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الحرب على غزة التابعة للأمم المتحدة، برئاسة القاضي الجنوب أفريقي، ريتشارد غولدستون، والتي اتهمت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب خلالها.

وكتب المحلل القانوني في صحيفة يديعوت أحرونوت، بوعاز أوكون، إنه "منذ الآن، ليس فقط الجنود وحدهم عليهم أن يحاذروا عندما يسافرون إلى خارج البلاد، وإنما أيضا الوزراء والمستشارين، بمن فيهم القضاة" في المحاكم الإسرائيلية. وأوضح أوكون أن "التقرير يلقي بظل ثقيل على سياسة الحصار على غزة. وقد صادق على هذا الحصار المستشار القانوني للحكومة (مناحيم مزوز) والمحكمة العليا. وبحسب التقرير فإن الحديث يدور عن ملاحقات (للفلسطينيين) تشكل جريمة ضد الإنسانية، ما قد يؤدي إلى محاكمة أي شخص كان ضالعا في وضع وتنفيذ السياسة، وليس فقط جنديا أو ضابطا وإنما الخبراء القانونيين أيضا".

وشبه أوكون أداء الجيش الإسرائيلي خلال الحرب على غزة بالمثل العبري القائل إن "ما لا يتم تحقيقه بالقوة يتم تحقيقه بقوة أكبر". وكتب أن هذه الرسالة زرعها الجيش في وعي الفلسطينيين والعالم "عندما استخدم الجيش الإسرائيلي قوة مفرطة ضد المدنيين ومن دون تمييز أو مبرر".

واقترح أوكون أنه من أجل مواجهة المحكمة الجنائية الدولية أو محاكم محلية في دول أوروبية ستنظر في قضايا ضد إسرائيليين، فإنه على القيادة الإسرائيلية أن تعمل على تشكيل لجنة تحقيق إسرائيلية للتدقيق في أحداث الحرب على غزة وأداء الحكومة والجيش خلالها، وأن تكون هذه اللجنة "محايدة واستنتاجاتها مقبولة على الجميع".

من جانبه رأى المحلل السياسي في صحيفة هآرتس ألوف بن أن القرار الأخير لتطبيق توصيات تقرير لجنة غولدستون هو بأيدي الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي "أصبح بحوزته الآن سوطا آخر لتهديد (رئيس الحكومة الإسرائيلية) بنيامين نتنياهو بأنه إذا لم تجمد الاستيطان وتوافق على تقديم تنازلات سياسية فإنه سيتم دفع إجراءات قضائية ضد المسؤولين عن عملية الرصاص المصبوب (أي الحرب على غزة)".

لكن بن استدرك مضيفا أن "ثمة شكا فيما إذا كان أوباما يريد ربط كهذا للأمور، الذي من شأنه أن يشكل سابقة ضد جيوش أخرى تحارب الإرهاب في محيط مدني، مثل الأميركيين في العراق وأفغانستان".

من جهة ثانية أشار بن إلى أن عدم تعاون إسرائيل مع لجنة التحقيق يعني بنظر المجتمع الدولي أن "الصمت (الإسرائيلي) هو دليل على الاعتراف" بالجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة. واعتبر الكاتب أن "الخطر الإستراتيجي الأكبر الذي سببته إسرائيل لنفسها خلال العملية العسكرية كان إلغاء الشرعية الدولية لتنفيذ عملية عسكرية مشابهة في المستقبل".

وخلص إلى أن "من يريد مهاجمة المنشآت النووية في إيران والمخاطرة بسقوط صواريخ (في إسرائيل) يتم إطلاقها من لبنان وغزة، سيضطر إلى أن يدرس جيدا فيما إذا كان العالم سيمنح إسرائيل فرصة أخرى لرد فعل شديد وقوي".

كذلك توقع محلل الشؤون السياسية والأمنية في هآرتس، أمير أورن، أن يبادر أوباما إلى خطوات سياسية تشارك فيها إسرائيل من أجل إنقاذها من المحاكمات الدولية، "وهو سيوقف توجهات دعائية غايتها التنديد بإسرائيل على أنها مجرمة حرب من خلال استخراج تنازلات ملموسة منها كشريكة في السلام".

إسرائيل تهاجم التقرير بشدة

وهاجمت وزارة الخارجية الإسرائيلية بشدة تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة حول الحرب على غزة فور صدوره، مساء أمس، واتهم إسرائيل وحماس بارتكاب جرائم حرب بسبب استهدافهما المدنيين في الجانبين. وعقبت وزارة الخارجية الإسرائيلية على التقرير بعد دقائق من صدوره لكن هذا لم يمنعها من مهاجمة لجنة تقصي الحقائق ورئيسها ريتشارد غولدستون، وقالت إن "التقرير يكتب فصلا مخزيا في تاريخ القانون الدولي وقضية حق الشعوب في الدفاع عن نفسها وسوف نتعامل مع التقرير بما يتلاءم مع ذلك".

وأضاف التعقيب الإسرائيلي أنه "تم كتابة قرار الحكم (أي التقرير) سلفا في جنيف، واللجنة عملت على جباية أدلة مشوهة وأحادية الجانب ضد إسرائيل"، وأن "إسرائيل ليست بحاجة إلى تذكير خارجي للتدقيق في براءتها وأفعالها". وتابع التعقيب أن "إسرائيل تشعر بأنها لن تتمكن من التعاون مع اللجنة وذلك على خلفية التفويض الأحادي الجانب لها والذي تجاهل آلاف الهجمات الصاروخية التي شنتها حماس ضد المواطنين في جنوب إسرائيل، التي جعلت العملية العسكرية في غزة ضرورية".

وقال تعقيب وزارة الخارجية الإسرائيلية إنه "على الرغم من التحفظات فإن إسرائيل ستقرأ التقرير بدقة مثلما تعاملت مع جميع التقارير التي أصدرتها منظمات دولية ومحلية" فيما يتعلق بالحرب على غزة. وأضاف أن "إسرائيل ملزمة بشكل مطلق بالعمل بموجب القانون الدولي والتدقيق في أي ادعاء بخصوص انتهاكات ارتكبتها قواتها. وحتى اليوم حقق الجيش الإسرائيلي في أكثر من مائة حالة كهذه تتعلق بسلوك جنودها، وقد تم إغلاق معظم ملفات التحقيق بعد أن تبين أن الاتهامات لا تستند إلى أدلة، لكن ما زال 23 تحقيقا مفتوحا بانتظار إنهائها".

من جانبها قالت سفيرة إسرائيل في الأمم المتحدة، البروفيسور غابريئيلا شاليف، تعقيبا على التقرير إن "الذي حسبناه لقيناه". وشددت على "أننا لم نرغب منذ البداية بالتعاون اللجنة لأن تفويضها كان أحادي الجانب". وأضافت أن "مجلس حقوق الإنسان معروف كهيئة تندد بإسرائيل بصورة دائمة وكنا نعرف أن التقرير غير نزيه وأحادي الجانب لكننا لم نتخيل أنه سيكون قاسيا بهذا الشكل".

وافادت هآرتس بأن وزارة الخارجية ومركز الإعلام الوطني في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية كانوا خلال الأيام الماضية في حالة "تأهب لامتصاص" نتائج تقرير لجنة تقصي الحقائق والتخوف من أن يشكل أساسا كافيا لدعاوى قضائية ضدها أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي على خلفية اتهام الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة خلال الحرب.

ويذكر أن منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة نشرت الأسبوع الماضي تقريرا حول الحرب على غزة قالت فيه إن معظم القتلى في القطاع هم من المدنيين. وبحسب تقرير بتسيلم فإن الغارات والقصف الإسرائيلي على قطاع غزة خلال الحرب أسفر عن مقتل 1387 فلسطينيا بينهم 773 مدنيا وبين القتلى المدنيين 320 قاصرا، منا سقط 330 مقاتلا فلسطينيا و248 شرطيا قتلوا جميعا جراء قصف الطيران الحربي الإسرائيلي لمراكز الشرطة. ويذكر أن إسرائيل شنت الحرب على غزة، التي أطلقت عليها اسم "عملية الرصاص المسكوب"، في 27 كانون الأول/ديسمبر من العام 2008 ودامت قرابة العشرين يوما.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات