هذا ما قاله د. رعنان غيسين، المتحدث باسم رئيس الحكومة الأسبق أريئيل شارون، في مقابلة خاصة لـلمشهد الإسرائيلي مضيفًا: ينبغي الحكم على ليبرمان وفقا لأفعاله وليس أقواله * هناك إمكانيات أخرى لمواجهة إيران عدا الهجوم العسكري خصوصا وأنه توجد مصالح لدى دول أخرى عديدة بأن لا تملك إيران سلاحا نوويا
كتب بلال ضاهر:
بدأت ولاية الحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء الماضي، بتصريحات أطلقها وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، ضد العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، الأمر الذي عزز شكوك الفلسطينيين، والعرب عموما، من توجهات هذه الحكومة. فقد أعلن ليبرمان أن الحكومة الجديدة ليست ملتزمة بمبادئ مؤتمر أنابوليس، الذي انطلقت منه المفاوضات حول قضايا الحل الدائم، وزعم أن الحكومة ستكون ملتزم بخطة خريطة الطريق.
وليس ليبرمان وحده الذي أطلق مثل هذه التصريحات وإنما أكد عليها الوزير غلعاد أردان، في اليوم التالي، وقال إنها تنسجم مع برنامج حزب الليكود، وأن نتنياهو يدعم هذه التصريحات. ومن جانبه شدد نتنياهو، خلال خطاب تسلمه مهامه، على أن ثمة قضيتين موضوعتين على رأس اهتماماته وسلم أولوياته، هما الأمن والاقتصاد. وأوضح أن موضوع البرنامج النووي الإيراني هو التحدي المركزي الماثل أمام حكومته. وامتنع نتنياهو من الحديث حول العملية السياسية، لكنه أشار خلال اجتماع الحكومة الأول، يوم الأحد الماضي، أول من أمس، إلى أن الحكومة المصغرة للشؤون السياسية والأمنية ستبلور سياسة إسرائيل فيما يتعلق بالسلم والأمن خلال الأسابيع المقبلة.
ويبدو أن قسما من الإسرائيليين ليسوا مستائين من توجهات حكومة اليمين الجديدة ويحاولون تجميل صورتها، وبينهم الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس. ويعتبرون أن سياسة حكومة نتنياهو لن تقود إلى جمود سياسي في المنطقة، ويطالبون بمنح الحكومة مهلة للإطلاع على ما ستفعله والحكم عليها من خلال أفعالها لا من خلال تصريحات المسؤولين فيها.
وقال المحلل السياسي الإسرائيلي، الدكتور رعنان غيسين، الذي كان المتحدث باسم رئيس الحكومة الأسبق، أريئيل شارون، لـ "المشهد الإسرائيلي" إنه "يوجد هنا تقدير غير صحيح في موضوع الجمود. وهناك محللون يدعون أن نتنياهو هو رافض للسلام، علما أن الواقع يقول شيئا آخر. ففي فترة ولايته الأولى، رغم كل ما حدث خلالها، فقد وقع نتنياهو على اتفاق واي وأخلى الخليل. وعموما فإننا نرى أنه من الناحية التاريخية أن الحكومات الإسرائيلية التي حركت العملية السلمية كانت حكومات يمينية وليس حكومات اليسار، باستثناء [رئيس الحكومة الأسبق من حزب العمل، إسحاق] رابين، الذي وقع اتفاق سلام مع الأردن. وباستثناء هذه الحالة فإنه لم تكن هناك أية حكومة يسار أو وسط أرادت التوصل إلى سلام".
(*) لكن وزير خارجيته ليبرمان أعلن، الأسبوع الماضي، أن إسرائيل لن تلتزم بمسار أنابوليس.
غيسين: "أعتقد أننا سنشهد عملية نضوج لدى ليبرمان وستتمثل بتغيير في مواقفه وشكل إطلاقه التصريحات. ولا أتوقع أن تكون هذه الحكومة رافضة للسلام. وإذا كانت هناك فرصة وإمكانية فإن هذه الحكومة ستدفع السلام إلى الأمام. فعندما يجري الحديث عن مبدأ الدولتين للشعبين، وواضح أن الجميع في إسرائيل يوافقون على هذا الحل، وليس هناك في الجانب الآخر أحد بإمكانه إدارة دولة فلسطينية، إلى جانب إسرائيل وليس مكانها، فواضح أنه في حالة كهذه سيسود الجمود".
(*) لماذا إذن رفض نتنياهو الالتزام أو الاعتراف بمبدأ الدولتين للشعبين خلال محادثاته مع رئيسة حزب كديما، تسيبي ليفني، حول تشكيل الحكومة؟
غيسين: "بسبب السياق الذي يطرحه كديما وليفني، والذي يقول إنه ليس مهما ما سيحدث وإنما المهم هو أن تكون هناك دولتان للشعبين. لكننا وافقنا على حل الدولتين، ووافقنا على ذلك منذ العام 1947 [يقصد قرار التقسيم] وتم رفضنا، وبعد العام 1967 استنفدنا كل الطرق من أجل التوصل إلى دولتين، لكن في الجانب الآخر، وباستثناء أقلية حول أبو مازن [الرئيس الفلسطيني محمود عباس]، فإن الأغلبية لا تريد دولتين للشعبين وإنما دولة واحدة. وأنا لا أرى وجود إصرار واستعداد للاستثمار في إقامة دولة فلسطينية وإنما هناك جهود وسعي للقضاء على دولة إسرائيل. وعندما تنضج الظروف ويصبح الجانب الآخر مستعدا لإقامة دولة فلسطينية تحيا بسلام إلى جانب إسرائيل، فإن حكومة نتنياهو ستكون أول من يوافق على حل الدولتين.
"إن موضوع السلام هام جدا، وهو هام من الناحية الإستراتيجية أيضا، من أجل إنشاء واقع من العقلانية في الشرق الأوسط وأمام الخطر الإيراني. لكن على الجانب الآخر اتخاذ قرارات شجاعة ويعلن أن الأحلام في جانب والواقع في جانب آخر وينبغي إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. فعرفات [الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات] تلقى دولة فلسطينية تشمل تنازلات كبيرة من جانبنا في القدس، كما أن نتنياهو، في فترة ولايته الأولى، كان مستعدا لتقديم تنازلات في هضبة الجولان، وكانت هذه تنازلات بعيدة المدى...".
(*) لكن كل هذه الأمور التي تصفها بـ "التنازلات" هي مجرد كلام بدون رصيد. فنتنياهو التزم خلال ولايته الأولى بتنفيذ انسحاب بحجم معين لكنه نفذ انسحابا مقلصا من جزء من مدينة الخليل. وبالنسبة للمفاوضات مع سورية، أرسل نتنياهو صديقه رجل الأعمال رون لاودر إلى دمشق ووافق على الانسحاب من الجولان، لكن في المحصلة لم يؤد ذلك إلى شيء. ويبدو أن الإسرائيليين يضللون الرأي العام بحديثهم عن السلام.
غيسين: "أنا لست مقتنعا بأنه يوجد في إسرائيل أحد لا يريد السلام. الجميع هنا يريدون السلام، لكن السلام الحقيقي. وعليك أن تأخذ بالحسبان العدد الكبير من خيبات الأمل التي أصابتنا في المفاوضات مع الفلسطينيين. ودائما كانت هناك انتفاضات وتهديدنا بأننا لن نحظى بالسلام. ودعني أقول إن الحكومة الحالية في إسرائيل لا تخاف التهديدات. وهل عاش الشعب اليهودي بسلام حتى الآن؟ فقد كان ملاحقا طوال الوقت...".
(*) هل تعتقد إذن أن نتنياهو سيوافق على تسوية إقليمية في الضفة الغربية والقدس؟
غيسين: "هو لم يقل ذلك بسبب اعتبارات ائتلافية داخل إسرائيل. فهو وافق على تسوية كهذه وقدم تنازلات. لقد قدم تنازلات في الخليل من خلال اتفاق واي، وكان مستعدا للانسحاب من الجولان، وفقا لكافة التقارير. لكن هناك جانبين لعملية السلام. والواقع هو أن الشرق الأوسط اليوم يواجه أزمات هائلة، اقتصادية وسياسية وعسكرية، بسبب إيران ولأن الإرهاب يسيطر في الشرق الأوسط. ونحن نريد تغيير هذا الوضع والعيش بشكل أفضل".
(*) حسنا، لكن ما هي الرسالة التي يوجهها نتنياهو للعالم عموما وللعالم العربي خصوصا بتعيينه شخصا مثل ليبرمان وزيرا للخارجية؟
غيسين: "وهل كان تعيين أحمد الشقيري أمينا عاما للجامعة العربية...".
(*) أنت تعود عشرات السنين إلى الوراء ونحن نتحدث عن العام 2009...
غيسين: "حسنا. ينبغي الحكم على ليبرمان وفقا لأفعاله وليس أقواله. هل فكر أحد أن موشيه ديان سيكون وزير خارجية ويدير عملية السلام مع مصر. لقد كان ديان أكثر شخص مكروه على العرب لأنه كان قائد 'العمليات الانتقامية' [ضد الفلسطينيين]، لكنه قاد عملية السلام. وما أريد أن أقوله هو أن الأشخاص عندما يصلون إلى مناصب كهذه فإنهم يتمتعون بالقدرة على التغير وإذا لم يتغير فإنه يوجد آخرون في داخل الحكومة. فليبرمان ليس وحيدا وإنما هناك رئيس الحكومة ووزير الدفاع [ايهود باراك]، واعتقد أن ليبرمان سيتصرف في هذه الحكومة بحذر بالغ. وفي أعقاب تصريحاته السابقة ضد مصر، فإنه يبذل الآن كل جهد من أجل التقرب من مصر. ولا ينبغي التخوف من صورته السابقة، فهي ليست حقيقية وإنما تخدم مصلحة سياسية معينة. لقد كانوا يقولون عن أريئيل شارون إنه يأكل عربا خلال وجبة الفطور، وفي النهاية كان هو الذي نفذ عملية فك الارتباط. والزعيم السياسي في الشرق الأوسط يدقق في الوضع بصورة دائمة وفي المجالات التي بالإمكان التوصل إلى تسويات فيها. ودعني أقول إنه من الناحية المبدئية، لم يقل نتنياهو إنه ليس مستعدا للتنازل، وإنما هو ليس مستعدا للتنازل عن سيادة إسرائيل، وليس مستعدا للتنازل أمام الإرهاب. لكنه سيذهب إلى واشنطن [في بداية شهر أيار المقبل] حاملا خطة واسعة جدا، تشمل أفكارا حول تحسين الوضع الاقتصادي وإنشاء حكم ذاتي مستقل للفلسطينيين، لتمكينهم من حكم أنفسهم. فليس كافيا الإعلان عن قيام دولة إذ ينبغي أن تتمكن من إدارتها".
(*) وفقا لتجربتك خلال فترة عملك في مكتب رئيس الحكومة، ما هي الجهة أو الجهات الأكثر تأثيرا على الحكومة الإسرائيلية ورئيسها؟
غيسين: "رئيس الحكومة. ويوجد دور لوزيري الخارجية والدفاع".
(*) وما هو تأثير أجهزة مثل الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية والشاباك والجيش وهيئة الأركان العامة؟
غيسين: "هذه الأجهزة تقدم للحكومة ولرئيس الحكومة تقييمات للوضع لكن الذي يتخذ القرارات في نهاية المطاف هو رئيس الحكومة. ورئيس الحكومة يستمع لتقييمات الوضع ويقرر على أثر ذلك ما إذا كان سينفذ سياسة بموجب هذه التقارير أو المخاطرة من خلال تنفيذ سياسة أخرى يراها صائبة أكثر. ومثل هذه الأمور حدثت. فشارون تلقى تقارير عشية فك الارتباط معاكسة للخطوة التي نفذها. وقد قرر حينئذ المخاطرة لأنه اعتبر أن فك الارتباط خطوة ضرورية لمصلحة إسرائيل. لكن الذي حدث في هذه الحالة أن شارون غاب عن المسرح السياسي فجأة ولم يتمكن من إكمال ما بدأه".
(*) ما رأيك في التحليلات القائلة إن صعود نتنياهو إلى الحكم يزيد احتمالات شن إسرائيل هجمة ضد إيران؟
غيسين: "إن معالجة الموضوع الإيراني لا تنحصر بالحرب، فهناك خيارات عديدة، اقتصادية وإعلامية وعسكرية. وليس مهما من يكون رئيس الحكومة، فتقييمات الوضع الاستخباراتية تشير إلى أن إيران ليست مشكلة بالنسبة لإسرائيل وحدها. لكن إسرائيل تحتفظ بحقها في الدفاع عن نفسها".
(*) هل تعتقد أن بإمكان إسرائيل مهاجمة إيران عسكريا في حال عدم حصولها على "ضوء أخضر" من الولايات المتحدة؟
غيسين: "هناك إمكانيات أخرى غير الهجوم العسكري، خصوصا أنه توجد مصالح لدى دول أخرى عديدة بأن لا تمتلك إيران سلاحا نوويا. فالمسألة لا تتعلق بإرسال طائرات مقاتلة إلى إيران وقصف المنشآت النووية وبذلك يتم عرقلة البرنامج النووي الإيراني لثلاث سنوات. فالتفكير في الموضوع الإيراني في إسرائيل هو أعمق من ذلك بكثير. وواضح أنه في حال نشوء وضع تمتلك فيه إيران سلاحا نوويا وتهدد بذلك إسرائيل والعالم يقبل بذلك فإن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي. لكن هذا لا ينحصر بالضرورة بعملية عسكرية لأن هناك أمورا أخرى بإمكان إسرائيل تنفيذها. ولا يمكن الحديث عن جميع الأمور. لكن الموضوع الإيراني هو موضوع مركزي مطروح على جدول أعمال الحكومة في إسرائيل، وفي الشرق الأوسط، ويشغل بال جميع الأنظمة العربية وحتى لو نفى زعماء عرب ذلك. وبإمكان إسرائيل أن تنفذ ما عليها تنفيذه وأن تقوم بخطوات سياسية من أجل تفكيك المحور الإيراني الذي يهدد الشرق الأوسط كله وليس إسرائيل فقط. وإضافة إلى كل هذا هناك الخيار العسكري، وهو خيار ردع أكثر من كونه خيارًا للتطبيق".
المصطلحات المستخدمة:
الموساد, باراك, كديما, الليكود, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, غلعاد أردان, أفيغدور ليبرمان