المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الشرطة الإسرائيلية تشتبه بحصول رئيس الحكومة على رشوة مالية بقيمة مئات آلاف الدولارات * بداية القضية في مطلع التسعينيات، عندما بدأ المليونير موشيه تالانسكي، الذي يسكن في مدينة نيويورك، بجمع تبرعات لأولمرت في الولايات المتحدة

"المشهد الإسرائيلي"- خاص

سمحت محكمة الصلح في القدس، في ساعة متأخرة من مساء أمس الخميس- 8/5/2008، بنشر تفاصيل جزئية حول الشبهات التي توجهها الشرطة والنيابة العامة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، حيث تبين، رسميا هذه المرة، أنه مشتبه بالحصول على رشوة مالية من رجل الأعمال الأميركي اليهودي موريس (موشيه) تالانسكي. وذكرت الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الجمعة- 9/5/2008، أن أولمرت مشتبه بالحصول على رشوة بحجم مئات آلاف الدولارات نقدا. وعقد أولمرت قبيل منتصف الليل الفائت مؤتمرا صحافيا شدد فيه على أنه لم يتلق رشوة، وأكد على أنه في حال تم تقديم لائحة اتهام ضده فإنه سيقدم استقالته فورا.

ويشار إلى أن مكتب المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، مناحيم مزوز، أعلن أمس أنه جرى التحقيق مع أولمرت للاشتباه "بتلقيه أموالا بصورة غير قانونية". ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن جهات ضالعة في التحقيق قولها إن الحديث يجري عن "سلة مخالفات" تشمل عدة مخالفات وتتيح، في حال تقرر تقديم لائحة اتهام، اختيار المخالفة العينية الملائمة للأدلة. وتتعلق الشبهات بالغش وخرق الأمانة والحصول على رشوة وتلقي هدايا.

وكانت بداية هذه القضية في مطلع سنوات التسعين، عندما بدأ المليونير تالانسكي، الذي يسكن في مدينة نيويورك، بالتبرع بأموال لصالح مستشفى "شعاريه تسيدك" في القدس. ويعتبر تالانسكي جامع أموال تبرعات متميزا، ونجح في جمع مبالغ كبيرة من عدة مصادر لصالح المستشفى. وفي شهر أيار من العام 2000 أقام أولمرت، الذي كان في حينه رئيسا لبلدية القدس، جمعية باسم "الصندوق الجديد من أجل القدس". وتم تعيين تالانسكي رئيسا للصندوق، وجمع له تبرعات في الولايات المتحدة. وفي العام 2003 تنحى أولمرت من رئاسة الصندوق، لكن العلاقات بينه وبين تالانسكي بقيت حميمة.

وقبل نحو السنة أجرى محققون من مكتب مراقب الدولة تدقيقا في وزارة الصناعة والتجارة والتشغيل، وتم خلاله ضبط مواد والكشف عن تفاصيل تتعلق بأولمرت، الذي أشغل منصب وزير الصناعة والتجارة والتشغيل، وتفاصيل أخرى تتعلق بمديرة مكتب أولمرت، شولا زاكين. وأشارت بعض التفاصيل التي تم الكشف عنها إلى اجتماعات عقدها أولمرت مع عدد من المقربين منه وتحويلات أموال كانت زاكين والمحامي أوري ميسر ضالعين فيها. وميسر هو شريك سابق لأولمرت في مكتب محاماة وصديق قريب منه.

وقبل نصف سنة تقريبا، أمر مزوز الشرطة والنيابة العام بالتحقيق في قضيتين يشتبه أولمرت فيهما بالضلوع في أعمال فساد سلطوي. وهما قضية المنزل في شارع كريمييه في القدس وقضية مركز الاستثمارات في وزارة التجارة والصناعة والتجارة. وتشتبه الشرطة بضلوع المحامي ميسر في كلتا القضيتين. وتوصلت الشرطة خلال ذلك إلى التفاصيل التي اكتشفها مراقب الدولة، وتقرر التحقيق في تحويلات الأموال التي كانت زاكين وميسر ضالعين فيها. وفي أحد التقارير ظهر اسم تالانسكي. عندها قررت الشرطة جباية إفادة من تالانسكي. واتضح على الرغم من كونه مواطنا أميركيا أنه كان يصل إلى إسرائيل عدة مرات كل سنة. وبعد وصول تالانسكي إلى إسرائيل عشية عيد الفصح اليهودي في أواسط شهر نيسان الفائت أجرت الشرطة تحقيقا معه ما بين أربع إلى خمس مرات. وقد تعاون تالانسكي مع المحققين بشكل كامل.

وخلال التحقيق لمح تالانسكي إلى أن الأموال التي حولها كانت غايتها دعم مشاريع كان أولمرت ضالعا فيها. لكن مقربين من تالانسكي ادعوا أمس أنه تم جمع هذه الأموال على شكل تبرعات لحملة أولمرت الانتخابية وأن كل ذلك جرى بموجب القانون.

غير أن الشرطة داهمت مكتب مدير عام بلدية القدس في محاولة لاستيضاح ما إذا كانت هناك معلومات حول قيام أولمرت بدفع مصالح أشخاص مرتبطين باسم تالانسكي. واكتشفت الشرطة معلومات ربطت أولمرت بهذه القضية. كذلك تعززت الشبهات لدى الشرطة، بعد التحقيق مع مدير عام البلدية السابق، إيتان مائير، بأن أولمرت كان ضالعا في مشاريع مقابل دفع أموال بواسطة تالانسكي.

واتضح للشرطة بعد التحقيق مع تالانسكي، ولاحقا مع زاكين وميسر وأولمرت، صورة الشبهات ضد أولمرت. واتضح أن تالانسكي جمع أموالا طوال السنوات الماضية لتمويل حملات انتخابية لأولمرت. وأظهرت تحويلات الأموال إلى أولمرت وجود شبهات بالحصول على أموال بصورة غير قانونية وعدم إعطاء تقارير منتظمة حول تلقي هذه الأموال.

إضافة إلى ذلك، خلال فترة توليه رئاسة بلدية القدس سافر أولمرت مرات كثيرة إلى الولايات المتحدة وفي أحيان كثيرة كان ضيف الشرف في حفلات واجتماعات جمع تبرعات أدارها تالانسكي لصالح عدة مؤسسات في إسرائيل، بينها مستشفى "شعاريه تسيدك" و"الصندوق الجديد من أجل القدس". وتمتع أولمرت خلال الزيارات للولايات المتحدة بمستوى حياة عال، فيما تالانسكي كان يدفع الحساب، من رحلات جوية وغرف فاخرة في فنادق ومصاريف أخرى.

وبحسب الشبهات فقد درج أولمرت على إعطاء بيانات حول المبالغ التي جرى صرفها في الزيارة، وكان تالانسكي يدفعها، لكن أولمرت لم يقدم أبدا بيانات حول بنود الصرف، وبهذه الطريقة كان بإمكانه الحصول على مبالغ كبيرة. وتشير الشبهات أيضا إلى أن أولمرت حصل في إحدى زياراته للولايات المتحدة على بطاقة اعتماد سلمها له تالانسكي.

وتتعلق شبهة أخرى بدين على أولمرت بعد حملة انتخابية. وأعطى تالانسكي أولمرت قرضا لسد هذا الدين. لكن هذا كان من دون اتفاق موقع، من دون فائدة ومن دون منطق اقتصادي. كذلك فإن أولمرت لم يسدد مبلغ القرض حتى اليوم. وقالت مصادر في التحقيق إنه خلال استجواب تالانسكي أبلغوه بأن أولمرت ينفي حصوله على هذا القرض فرد عليهم تالانسكي "يا ويلي، ضاع المال". ويشار إلى أن مقربين من أولمرت أكدوا أمس على حصول أولمرت على القرض ووصفوه بأنه "قرض بين أصدقاء" وأنه لا توجد مشكلة قانونية في ذلك. وتحقق الشرطة أيضا في ما إذا حصل أولمرت على أموال نقدا من تالانسكي.

لكن السؤال الأكبر في القضية هو ما الذي أعطاه أولمرت مقابل كل ذلك؟. ويبدو أن الشرطة لا تعرف بشكل دقيق حتى هذه المرحلة من التحقيق. رغم ذلك فإن تالانسكي قال خلال التحقيق إنه لم يطلب مقابلا من أولمرت، باستثناء المساعدة في تسويق آلات مياه معدنية للفنادق في إسرائيل. وتدل الشبهات على أن تالانسكي طلب من أولمرت رسالة توصية موجهة لأصحاب فنادق لشراء آلات المياه المعدنية.

من جهة أخرى أجرت الشرطة مواجهة بين تالانسكي وزاكين، قال فيها الأول إنه حول للثانية أموالا كثيرة بهدف إيصالها إلى أولمرت. لكن زاكين حافظت طوال التحقيقات معها على حق الصمت.

وفي غضون ذلك قالت مصادر في وزارة العدل الإسرائيلية إن المحامي ميسر يتعاون مع المحققين "من دون أن يحظى بمكانة شاهد ملك". وأضافت المصادر ذاتها أن إفادة ميسر تورط أولمرت وزاكين في أعمال غش.

من جانبه عقد أولمرت مؤتمرا صحافيا في مكتبه قبيل منتصف الليل الفائت، وفي أعقاب السماح بنشر تفاصيل جزئية عن الشبهات ضده. ونفى أولمرت خلال المؤتمر الصحافي حصوله على رشوة. وقال "أنظر في عيني كل واحد وواحدة منكم، وأقول بصدق: لم أحصل أبدا على رشوة، ولم آخذ أبدا قرشا لجيبي الخاص". وتعهد أولمرت أنه على الرغم من أن القانون لا يلزمه بذلك، إلا أنه في حال تقديم لائحة اتهام ضده فإنه سيقدم استقالته فورا. وأردف "آمل وأنا مقتنع بأننا لن نصل إلى هذه المرحلة، لكن إذا لا سمح الله تقرر ذلك فإني لن أكون بحاجة لحث أو لعظة من أحد".

وبسط أولمرت روايته في القضية، وقال إن تالانسكي ساعده في جمع تبرعات في أربع حملات انتخابية: لرئاسة بلدية القدس في السنوات 1993 و1998 ولرئاسة حزب الليكود في العام 1999 وفي الانتخابات التمهيدية في الليكود في العام 2002. وأضاف أولمرت أنه "بعد ذلك ساعدني تالانسكي في سد العجز المالي الناجم عن الحملات الانتخابية". وبحسب أولمرت فإنه تم تحويل أموال التبرعات إلى ميسر "ولا شك لدي في أن المحامي ميسر أدار هذه الأموال وفقا لمؤهلاته المهنية وبالتأكيد قام بذلك بما يتلاءم مع قيود القانون". وأعرب أولمرت عن أمله بأن "تعبر العاصفة الحالية بالسرعة ذاتها التي ثارت فيها".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات