المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 687

هذا ما أكده أحد أعضاء لجنة فينوغراد بعد أن فجّر قنبلة في الساحة السياسية عندما أوحى، في تصريحات خص بها صحيفة "معاريف"، بأن اعتبارات سياسية وقفت وراء عدم إدانة التقرير النهائي للجنة رئيس الحكومة إيهود أولمرت، ما اعتبرته أوساط في المعارضة اليمينية واليسارية على السواء دليلاً على عدم نزاهة اللجنة، وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق رسمية تكشف كل الحقائق

 

 

 

أكد البروفيسور يحزقيئيل درور، عضو لجنة فينوغراد لتقصي وقائع حرب لبنان في صيف 2006، مرة أخرى، أنه لم يعبر عن مواقف سياسية شخصية وأن كل همه هو وضع توصيات تقرير لجنة فينوغراد موضع التطبيق.

 

وقد جاء ذلك في سياق مقال نشره درور في صحيفة "هآرتس" يوم 8 شباط 2008. وذلك بعد أن فجّر قنبلة من العيار الثقيل في الساحة السياسية الإسرائيلية عندما أوحى، في تصريحات خص بها صحيفة "معاريف" العبرية (8/2)، بأن اعتبارات سياسية وقفت وراء عدم إدانة التقرير النهائي للجنة رئيس الحكومة إيهود أولمرت، حين قال إن الأخير يجب أن يبقى في منصبه "لأنه يتبنى عملية سلام مع الفلسطينيين"، ما اعتبرته أوساط في المعارضة اليمينية واليسارية على السواء دليلاً على عدم نزاهة اللجنة، وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق رسمية تكشف كل الحقائق.

 

وقبل نشر مقاله هذا أوضح درور للإذاعة العسكرية الإسرائيلية أن تصريحاته عكست رأيه الشخصي وأكد أن الاعتبارات السياسية الداخلية لم تكن في حسابات أعضاء اللجنة. وأضاف أنه لم يطرح أولوياته لشكل الائتلاف الحكومي "إنما استعرضت الاعتبارات المختلفة، وأنا من تحدث للصحيفة لا فينوغراد". واقترح على منتقديه التروي وقراءة المقابلة كاملة قبل إطلاق أحكامهم.

 

وسأل درور، وهو أحد أبرز أساتذة العلوم السياسية في إسرائيل، محاوره: "أليس هذا (بقاء أولمرت) أفضل من إجراء انتخابات جديدة تأتي بزعيم الليكود بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم؟". وقال: "إذا كنا نعتقد أن رئيس الحكومة سيدفع عملية السلام، فإن هذا اعتبار جدير بالاحترام. عملية السلام في حال نجاحها ستنقذ أرواح كثيرين، وهذا اعتبار ذو وزن كبير، وليس صحيحاً التمحور في جانب واحد فقط". وأضاف أنه يجب التفكير في العائلات الثكلى في الحروب المقبلة، و"إذا كان من شأن عملية السلام أن تحول دون حرب في المستقبل تأتي بعائلات ثكلى أخرى (...) فيجب أن لا ندع أحداث الحاضر الصادمة والدراماتيكية ترجح الكفة. يجب المواءمة بين حاجات المستقبل والعدالة للحاضر".

 

وحين سُئل عما إذا كان يؤيد استمرار أولمرت في منصبه حتى نهاية ولايته القانونية، أجاب متسائلاً: "يجب أن نفكر في النتائج. ماذا تفضل أنت؟ حكومة مع أولمرت و(زعيم حزب «العمل» وزير الدفاع إيهود) باراك أو انتخابات جديدة تأتي بنتنياهو إلى الحكم؟". ورفض التطرق إلى المسؤولية الشخصية لأولمرت، لكنه أضاف: "يجب مواجهة مسألة المسؤولية. ثمة مشكلة قيادة تتواصل منذ فترة، وهناك قياديون أفضل وآخرون أقل جودة، بينما القيادي المتوسط إشكاليّ".

 

وأشار درور، ضمن مقاله المذكور في "هآرتس"، إلى أن الفصل الثاني من تقرير فينوغراد يشتمل على فقرتين تنطويان على أهمية كبرى بالنسبة لمواقفه العامة، التي اتخذها على أثر نشر التقرير. فقد ورد في الفقرة رقم 1 أن "هدف التقرير هو إيجاد قاعدة نوعية لانطلاق مناقشة عامة ومعمقة بشأن سلوك الحكومة وكفاءة منتخبي الجمهور". وورد في الفقرة رقم 40 "أن المسؤولية عن القرارات والعمليات تقع على عاتق المؤسسة السياسية والجمهور العريض". وهذا معناه أن إحدى الغايات الرئيسية لتقرير فينوغراد هي أن يشكل أساسًا لمناقشة عامة ومعمقة.

 

وأضاف: بما أن المسؤولية العليا عن ضمان مستقبل الدولة ملقاة على عاتق المؤسسة السياسية، فإن ضمان جودة هذه المؤسسة هو مهمة رئيسية للجمهور العريض والمنظومة السياسية برمتها. غير أن هناك أقسامًا كبيرة من الجمهور تلقي أعباء هذه المهمة، بعد حرب لبنان الثانية، على كاهل لجنة فينوغراد، وتبدي خيبة أملها من أن اللجنة لم تستخلص أي استنتاجات شخصية بالنسبة لكبار المسؤولين. ولقد قررت، خلافًا لسائر أعضاء لجنة فينوغراد، أن أعمل من أجل تطبيق توصيات اللجنة، خصوصًا فيما يتعلق بإجراء مناقشة عامة ما دام "الحديد حاميًا"، إذ أنه بعد مرور شهر أو شهرين سيكون من المشكوك فيه أن يبقى الجمهور العام والمنظومة السياسية على استعداد للتعمق في نتائج التقرير وتوصياته.

 

وقال درور إن ما بدر منه، خلال المقابلة التي أدلى بها لصحيفة "معاريف"، كان "أشبه بتوجيه للجمهور الإسرائيلي العريض بشأن الكيفية التي ينبغي بواسطتها أن يقرّر حسم مواقفه السياسية، ولم ينطو على أي تعبير عن مواقف سياسية شخصية، امتنعت ولا أزال ممتنعًا من اتخاذها منذ بضعة أعوام. وبالتأكيد ليست هناك أي صلة أو تماس بين ما اقترحته بشأن "خريطة الاعتبارات العامة"، وبين نشاط لجنة فينوغراد". وتابع: "إذا كان ما قلته قد ألحق ضررًا بي، فإنني أتحمل بمفردي المسؤولية عن ذلك، غير أن ما يؤسفني هو أن يجري تحميل لجنة فينوغراد تهمًا لا أساس من الصحة لها. كما يؤسفني أن تكون وسائل إعلامنا تعاني من أمراض خطرة انعكست في ردّة فعلها على تحريف أقوالي. إن ذلك كله لا يبشر بالخير في المستقبل".

 

ردود الفعل

 

كما ذكرنا فقد أحدثت هذه التصريحات عاصفة من ردود الفعل، خصوصاً بعدما هدأت الزوبعة الخفيفة التي أثارها التقرير النهائي الذي نشر في 30 كانون الثاني 2008، لكن ليس أكيداً أن تؤدي هذه العاصفة إلى زعزعة أعمدة الائتلاف الحكومي الذي فضل أركانه عدم التعقيب، تاركين المهمة لنواب المعارضة.

ورأى نواب من اليمين واليسار المعارض في تصريحات درور أنها "تميط اللثام عن الوجه الحقيقي للجنة فينوغراد" التي عيّن رئيس الحكومة أعضاءها شخصياً، "ما ضمن له تقريراً نهائياً معتدلاً". ولم يتردد البعض في وصف اللجنة بأنها "فاسدة" وأن دوافع سياسية داخلية وخارجية وجّهتها لدى وضع تقريرها النهائي. ودعا أحدهم إلى إلقاء التقرير في سلة المهملات. وطالب كثيرون لجنة المراقبة البرلمانية بتعيين لجنة تحقيق رسمية مستقلة تكشف للإسرائيليين حقيقة ما جرى خلال الحرب على لبنان.

واعتبر رئيس الكنيست السابق النائب من الليكود رؤوبين ريفلين أن تصريحات درور تفسر التباين الهائل بين استنتاجات اللجنة في تقريرها المرحلي وتلك في تقريرها النهائي، ملمحاً إلى أن تعديل اللجنة لهجتها في التقرير النهائي كان لغرض حماية سلطة أولمرت. ودان وزير الخارجية السابق سيلفان شالوم تصريحات درور ووصفها بأنها "فضيحة وهزة أرضية". وقال إنها "تثبت أن دوافع سياسية كانت وراء قرار اللجنة عدم تحميل أولمرت مسؤولية إخفاقات الحرب". وأضاف: "ما يبدو هو أن لجنة فينوغراد هي لجنة منحازة. وفي حال رفض اولمرت تشكيل لجنة تحقيق رسمية، يجب التوجه للجنة مراقبة الدولة البرلمانية لتشكل هي هذه اللجنة".

وشدد على أنه "لن يكون ممكناً العيش مع الريبة بأن الاعتبارات التي وجّهت لجنة فينوغراد كانت غير موضوعية إنما منطلقات سياسية. وهذا على الأقل ما أقر به أحد الأعضاء". ورأى رئيس كتلة الليكود البرلمانية جدعون ساعر أن تصريحات درور مثيرة للقلق وأن "استخدامه عملية السلام وتفضيله حكومة على أخرى يؤكدان أن اللجنة التي شكلها أولمرت لم تكن صالحة، وهو الذي أصر على تشكيل لجنة فحص لا لجنة تحقيق رسمية".

 

وجاء التعقيب الأشد حدة من النائب الليكودي غلعاد أردان الذي قال إن تصريحات درور"كشفت الكذب واتضح أن لجنة فينوغراد هي لجنة فاسدة اعتباراتها سياسية غريبة". وأضاف: "الآن أصبح واضحًا للجميع لماذا تنازلت اللجنة عن تقديم توصيات شخصية، ولماذا بدأت عملها بلقاء أولمرت في مكتبه". وزاد أن "اللجنة ذهلت من إسقاطات التقرير المرحلي الذي نشرته في نهاية نيسان الماضي، فلجأت إلى اعتبارات سياسية، ما يحتم قذف تقريرها إلى سلة المهملات". وطالب أردان زعيمي "العمل" و"شاس" بالانسحاب من الحكومة في أعقاب إزاء الشرخ الفظيع الذي خلفته تصريحات درور.

 

وقال رئيس لجنة المراقبة البرلمانية زبولون أورليف إن اللجنة ستعقد اجتماعاً طارئاً الأسبوع المقبل وستدعو إليه البروفيسور درور وربما تدعو في المستقبل رئيس اللجنة القاضي إلياهو فينوغراد. وأضاف أن تصريحات درور "تثير شبهات ثقيلة بفساد سلطوي لا يمكن المرور به مر الكرام. الجمهور فقد ثقته بلجنة فينوغراد". وتابع أنه سيطرح أمام أعضاء اللجنة الخيارات المتاحة، بما فيها إقامة لجنة تحقيق رسمية في مجريات الحرب على لبنان.

 

وقال زعيم حزب "ميرتس" اليساري يوسي بيلين إن تصريحات درور "تثير التقزز وتثبت أن لجنة فينوغراد كانت لجنة تابعة ومنحازة". وأضاف أنه في حال تبين أن الاعتبارات السياسية كانت فعلاً في صلب اعتبارات اللجنة فإنها وتقريرها فقدا الشرعية.

 

ودعت النائبة العمالية شيلي يحيموفيتش إلى تشكيل لجنة جديدة للتحقيق في الحرب، وقالت: "لقد اتضح أن عضواً واحداً على الأقل من اللجنة عمل على أساس دوافع سياسية، في حين أن الناس اعتقدوا بسذاجة أن التحقيق كان حيادياً".

 

واعتبرت "قيادة نضال جنود الاحتياط والعائلات الثكلى" تصريحات درور أنها "تضع حداً لحفل الأقنعة (...) قلنا إن السياسة انتصرت على الدولة، واليوم نقول إنها انتصرت على اللجنة أيضاً".

 

من جهتها، سارعت لجنة فينوغراد إلى إصدار بيان لوسائل الإعلام باسم أعضائها الخمسة ينفي أن تكون أخذت في اعتباراتها الوضع السياسي الداخلي. وتابعت أن مسألة "القيادي الأجدر" لم تكن واردة على جدول أعمالها، وأكدت أن ما لديها قالته في التقريرين اللذين نشرتهما. وأكدت أنها حرصت في شكل خاص على عدم الخوض في قضايا سياسية موضع خلاف في إسرائيل. وأشارت إلى أن التحليلات الشخصية لأي من أعضاء اللجنة لفحوى التقرير هي على عاتقه "وليست لأي منهم أفضلية في التحليل على أي تحليل لمعلق أو قارئ آخر". وأكدت أن تطرق درور إلى أولمرت ونتنياهو جاء في إطار تساؤل لا تعبير عن موقف.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات