"المشهد الإسرائيلي" - خاص
توفي أمس، الثلاثاء – 19.8.2008، قائد شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، بنيامين جيبلي، الذي اشتهر في أعقاب كشف شبكة التجسس الإسرائيلية في مصر، وهي القضية المعروفة باسم "الأمر المشين" أو "فضيحة لافون" نسبة إلى بنحاس لافون الذي كان وزيرا للدفاع. وكانت كنية جيبلي في هذه القضية "الضابط الكبير". ولم يتم الكشف حتى اليوم عن المسؤول الإسرائيلي الذي أصدر الأمر بتفعيل الشبكة اليهودية في مصر. ولذلك، يرى الإسرائيليون، أن هذا الأمر بقي سرا ودُفن سوية مع جيبلي.
وأشارت الصحف الإسرائيلية، اليوم الأربعاء – 20.8.2008، إلى قضيتين أساسيتين تورط فيهما جيبلي، القضية الأولى تتعلق بإعدام الجندي مائير توبيانسكي رميا بالرصاص خلال حرب العام 1948. فقد اشتبه جيبلي بأن توبيانسكي كان يمرر معلومات إلى الجيش الاردني، وأن هذه المعلومات مكنت الأردنيين من قصف القدس بمدافعهم. وأجرى جيبلي محاكمة ميدانية لتوبيانسكي وحكم عليه بالإعدام ونفذ الحكم بنفسه بأن أطلق النار على توبيانسكي في إحدى قرى منطقة اللطرون، التي احتلتها العصابات الصهيونية. وذكرت صحيفة هآرتس، اليوم، أن تحقيقا تم إجراؤه بعد سنوات أظهر أن التهم ضد توبيانسكي لم تكن صحيحة.
والقضية الثانية، وهي أكبر وأهم، تتعلق ب"الأمر المشين" أو "فضيحة لافون". ففي العام 1950 تم تعيين جيبلي رئيسا لشعبة الاستخبارات العسكرية. وأقام بعد ذلك وحدة سرية، تعرف ب"الوحدة 131" ومهمتها إدخال عملاء إلى الدول العربية بهدف التجسس وتنفيذ مهام سرية. وبموجب أمر أصدره جيبلي، تم إعداد شبان يهود من مصر لتنفيذ مهمات. وقررت إسرائيل في العام 1954 تفعيل الخلايا النائمة في القاهرة والإسكندرية، وتنفيذ أعمال تفجير من دون تدريبهم على ذلك. وهدفت هذه التفجيرات إلى زعزعة نظام الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وإقناع بريطانيا بعدم الانسحاب من قواعدها في قناة السويس. لكن أجهزة الأمن المصرية تمكنت من اعتقال أفراد الخلية بعد أن أحاول أحدهم زرع عبوة ناسفة في دار سينما. وحكم القضاء المصري على اثنين من أفراد الخلية بالإعدام فيم تم سجن الباقين لاثني عشر سنة. وبعد فترة تزايدت الشكوك في إسرائيل بأن ضابط الاستخبارات الإسرائيلية، أفري إلعاد، ومعروف أيضا باسم ابراهام زايدنبرغ، والملقب في ملف القضية ب"الرجل الثالث"، هو الذي سلم أفراد الشبكة.
واندلع في الجيش الإسرائيلي والحكومة نقاشا حول "من أصدر الأمر" بتفعيل الخلية في مصر، وزير الدفاع بنحاس لافون أم رئيس أركان الجيش موشيه ديان أم رئيس الاستخبارات العسكرية جيبلي. ويشار إلى أن الشبكة المذكورة كانت تحت إمرة زايدنبرغ وتحت إشراف وتوجيه رئيس شعبة الاستخبارات بنيامين جيبلي. وأدى هذا السجال إلى انسحاب دافيد بن غوريون من حزب مباي. وبعد مرور سنوات كشفت لجان فحص عن أن جيبلي أمر بتزوير تاريخ في رسالة، كي لا تقع المسؤولية عليه. ولفت محلل الشؤون الاستخباراتية في هآرتس، يوسي ميلمان، إلى أنه "ليس واضحا حتى اليوم من الذي كان مسؤولا عن صدور الأمر (بتفعيل الشبكة). وعلى ما يبدو فإن الثلاثة جميعهم عرفوا بالأمر لكنهم تنكروا لذلك لاحقا".
"الأمر المشين"
وأساس هذه العملية هو قيام قوات إسرائيلية بضرب المواقع الأميركية في القاهرة والإسكندرية في مصر من منطلق أن ذلك سيفسر باعتباره أعمالا إرهابية يقوم بها مصريون وعندها ستتراجع الولايات المتحدة عن طلبها الداعي إلى انسحاب القوات البريطانية من منطقة قناة السويس. أما خلفية هذه العملية فتعود إلى شعور إسرائيل بالوحدة السياسية إزاء قيام الولايات المتحدة الأميركية بالسعي الجاد إلى إقامة (حلف بغداد) عن طريق دعم سياسي وعسكري لكل من مصر والعراق، دون النظر إلى احتياجات إسرائيل.
وتم إلقاء القبض على أعضاء الشبكة. اثنان منهم حُكم عليهما بالإعدام وهما موشي مرزوق وشموئيل عازار. أمّا ضابط الإستخبارات مائير بينيت فانتحر في السجن. أما بقية أعضاء الشبكة فصدرت بحقهم أحكام مختلفة بالسجن. ومباشرة بعد افتضاح أمر الشبكة تشكلت لجنة (أولشان-دوري) لفحص مجرى الأمور المتعلقة بالشبكة ومن أصدر الأمر. ادعى رئيس شعبة الاستخبارات جيبلي ان وزير الدفاع بنحاس لافون هو المسؤول، أمّا لافون فاتهم جيبلي بالأمر وأضاف أن لرئيس الأركان موشيه ديان ضلع في القضية، علماً أن ديان لم يكن في البلاد عند انكشاف الأمر المخجل. واتسعت دائرة الاتهامات بين رئيس الوزراء موشيه شاريت وبين وزير دفاعه لافون، ودخل في الصورة دافيد بن غوريون الذي رغم اعتزاله العمل السياسي رأى انه من المناسب الاستفادة من الظروف وتوجيه اللوم إلى شاريت وحكومته.
ولم تنجح لجنة التحقيق من حسم الأمر بين جيبلي ولافون، فازدادت الضغوط على لافون لتقديم استقالته من منصبه في شباط 1955. وحُكم على زايدنبرغ بالسجن بسبب قيامه بالتعاون مع الاستخبارات المصرية في الفترة التي تلت "الفضيحة المشينة"، وأشار زايدنبرغ إلى انه قام بتزييف بعض الوثائق والمستندات بهدف التمويه أمام لجنة التحقيق. وهذا الجانب فتح المجال أمام لافون للعمل على تطهير اسمه ومكانته، وعندها بدأت (فضيحة لافون)، التي تركت أثراً شديداً على الحلبة السياسية الإسرائيلية.
المصدر: صحف إسرائيلية؛ و"بنك معلومات" التابع لمركز مدار