هذا ما قاله المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، البروفيسور شلومو أفينيري، لـ"المشهد الإسرائيلي" وأضاف: * تجدّد الاتصالات بين الطرفين بعد انقطاع لفترة 6 أعوام يؤدي بالتأكيد إلى خفض مستوى التوتر ويمهّد أجواء أفضل لمواصلة المفاوضات * مستقبل حكومة أولمرت مرتبط بما سيحدث خلال الأسابيع المقبلة وكيفية ردة فعل الجمهور في إسرائيل على تقرير لجنة فينوغراد
كتب بلال ضاهر:
يصل الرئيس الأميركي جورج بوش، غدا الأربعاء (9/1/2008)، إلى المنطقة، ليبدأ جولة تشمل إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية وعددا من الدول العربية، يلتقي خلالها مع قادة المنطقة.
وهناك توقعات بأن تحرك زيارة بوش عددا من القضايا، بينها المفاوضات المتعثرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
وفي غضون ذلك أعلنت حكومة إسرائيل، من خلال وسائل إعلامها، أنها ستطلب من بوش "المصادقة على استمرار الجيش الإسرائيلي في تنفيذ عمليات عسكرية خصوصا في الضفة الغربية أثناء المفاوضات مع الفلسطينيين". وفي المقابل يتوقع أن يطالب بوش إسرائيل بأن تبدأ خطوات إيجابية تجاه الفلسطينيين، أبرزها تفكيك بؤر استيطانية عشوائية.
من جهة ثانية، يظهر بصورة جلية أن أحد أهداف زيارة بوش لإسرائيل هو تقوية مكانة رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، والدفع نحو استقرار حكومته. فبعد مغادرة بوش للمنطقة بأسبوعين، وتحديدا في 30 كانون الثاني الحالي، سيصدر تقرير لجنة فينوغراد النهائي حول إخفاقات القيادة الإسرائيلية في أدائها أثناء حرب لبنان الثانية.
وسربت لجنة فينوغراد لوسائل الإعلام أن تقريرها النهائي سيحدث بعد صدوره "زلزالا سياسيا". وستدعو المعارضة في إسرائيل أولمرت إلى الاستقالة في أعقاب التقرير، فيما يقع حسم هذه المسألة على عاتق حزب العمل وزعيمه إيهود باراك بقدر كبير. ويبدو أن زيارة بوش وإعرابه عن تأييده ودعمه لأولمرت تتضمن رسالة إلى باراك بعدم تنفيذ وعده بالانسحاب وحزبه بعد صدور تقرير فينوغراد من الحكومة، على الأقل حتى نهاية العام، عندها ستنتهي ولاية بوش.
وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس والمدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، في فترة حكومة إسحق رابين، البروفيسور شلومو أفينيري، في حديث لـ"المشهد الإسرائيلي" حول التوقعات من زيارة بوش، وما إذا كانت ستحرك العملية التفاوضية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية: "أعتقد أن هناك مستويين من التوقعات. المستوى الأول هو أن هناك توقعات مبالغا فيها. وأنا لا أعتقد أن زيارة بوش ستؤدي إلى حدوث تقدّم كبير في العملية التفاوضية بين إسرائيل والفلسطينيين، وبالتأكيد لن تؤدي إلى اتفاق. لكن، في أعقاب مؤتمر أنابوليس فإن ثمة أهمية كبيرة لأن نتذكر أن هناك مستوى آخر، هو حدوث تقدّم نحو إجراء اتصالات ومفاوضات بين الجانبين، لم تكن موجودة منذ ستة أعوام. وهذه المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ستستمر على أعلى مستوى. وحقيقة هي أن رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس- أبو مازن- يلتقيان بصورة دائمة، حتى لو كان هذا لا يقود إلى اتفاق، لكن هذا يؤدي بالتأكيد إلى خفض مستوى التوتر ويمهّد أجواء أفضل لمواصلة المفاوضات. وأعتقد أن زيارة الرئيس بوش ستنجح في تعزيز ودفع هذا الأمر قدما".
(*) "المشهد الإسرائيلي": هل ترى أن هدف زيارة بوش هو تقوية حكومة أولمرت أيضا، ومنع حزب العمل من الانسحاب من الحكومة بعد صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد في نهاية الشهر الحالي؟
- أفينيري: "أعتقد أن الزيارة تهدف لتقوية كلا الزعيمين، الإسرائيلي والفلسطيني. فكلاهما ضعيفان بأشكال مختلفة. من جهة، تحالف أولمرت لديه أغلبية في الكنيست لكنه لا يتمتع بثقة كبيرة بين الجمهور، من جهة ثانية فإنه في الجانب الفلسطيني يوجد واقع وهو أن السلطة الفلسطينية لا تحكم في قطاع غزة، بعد الانقلاب الذي نفذته حماس، وأيضا مكانة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ليست قوية بالشكل الكافي. وأعتقد أن الأميركيين واعون لهذا الوضع، وأنه يوجد هنا زعيمان لديهما الآن رغبة في إجراء مفاوضات وربما هناك إمكانية للتوصل إلى تقارب في المواقف، لكن قوتهما السياسية محدودة، ولذلك فإنه لا يوجد شك في أن الأميركيين، إذا كانوا حقا راغبين في المفاوضات بين الجانبين ونجاحها، فإنهم معنيون بتقوية كلا الجانبين".
(*) توجد تقديرات في إسرائيل بأن الانتخابات العامة لن تجري قبل العام 2009. ما رأيك في هذه التقديرات؟ وكيف يمكن أن يكون تأثير تقرير فينوغراد، في حال كانت الانتقادات للقيادة الإسرائيلية شديدة؟
- أفينيري: "هذا سيكون، بالتأكيد، مرتبطا بما سيحدث خلال الأسابيع المقبلة وكيف ستكون ردة فعل الجمهور في إسرائيل على تقرير لجنة فينوغراد. من جهة، يصب التنبؤ بما سيحدث بعد صدور التقرير، لكن من الجهة الثانية يتوجب التفكير في البدائل. البدائل هي إما أن تستمر الحكومة الحالية في عملها، ولا أعرف إذا كان هذا يعني أنها ستستمر حتى الانتخابات المقبلة في العام 2010، ومن ناحية معينة نجحت في جعل الحلبة السياسية الإسرائيلية مستقرة كذلك فإنها نجحت في إطلاق مفاوضات مع الفلسطينيين، رغم أن هذه المفاوضات لم تسفر عن نتائج حتى الآن لكنها موجودة. ومن الجهة الثانية، واضح أن سقوط هذه الحكومة يعني استبدال رئيس حزب كديما (أولمرت) في انتخابات داخلية تمهيدية وهذا بالتأكيد سيؤدي خلال الشهور الستة أو التسعة المقبلة إلى جمود في المفاوضات، إضافة إلى أن انتخابات مبكرة في إسرائيل من شأنها، رغم أن هذا ليس مؤكدا، أن تؤدي إلى وصول (زعيم حزب الليكود بنيامين) نتنياهو إلى رئاسة الحكومة. وهكذا فإن هناك الكثير من الأشخاص الذين هم غير مرتاحين من الحكومة الحالية لكنهم ينظرون إلى البديل، أي وقف المفاوضات أو تجميدها وهذا أمر غير جيد، وإمكانية صعود نتنياهو إلى الحكم. وهذا قد يكون ثمنا غاليا بالنسبة للكثيرين في إسرائيل مقابل استبدال أولمرت، وذلك رغم الانتقادات له وموضوعية هذه الانتقادات".
(*) وهل هذا سيردع الجمهور في إسرائيل من المطالبة باستقالة أولمرت؟
- أفينيري: "هذا سيردع قسما من الأشخاص بالتأكيد، كما أن هذا يفسر التردد لدى حزب العمل، وخصوصا لدى إيهود باراك، وكيف سيتعامل مع نتائج تقرير فينوغراد. فقد يكون أمرًا جيدًا أن يسقط حكومة أولمرت، لكن إذا كان البديل وصول نتنياهو إلى الحكم فهذا عمل غير عقلاني تماما".
دلالة تجديد وزارة الأديان
(*) قررت حكومة إسرائيل هذا الأسبوع إقامة وزارة الأديان مجددا، استجابة لمطالب حزب شاس... وتم تعيين وزير أديان من شاس. هل أولمرت اشترى، عمليا، بهذه الخطوة تأييد ودعم حزب شاس له؟
- أفينيري: "لا أعرف تماما، لكن من الواضح أن هذه الخطوة هي بادرة نوايا حسنة تجاه شاس. وشاس هو حزب أساس لاستقرار الحكومة، والأثمان السياسية لخطوة كهذه من أجل مواصلة خطوات سياسية في عملية السلام ليست باهظة. شاس هو حزب شبه معتدل وشبه متطرف وبالتأكيد أن رئيس الحكومة مهتم ببقاء هذا الحزب في الحكومة".
(*) نُشر مؤخرا أن حكومة إسرائيل ستطلب من بوش استمرار تنفيذ عمليات عسكرية في الضفة الغربية أثناء المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وأنها ستطلب أيضا من خلال اتفاقيات أمنية بين الجانبين أن يكون مسموحا للجيش الإسرائيلي الدخول للضفة حتى بعد قيام دولة فلسطينية "في حال وجود تهديد من الشرق". كذلك أعلنت إسرائيل أنها لن تنسحب من غور الأردن في إطار اتفاق دائم. وأعمال البناء في المستوطنات في القدس الشرقية وفي الضفة متواصلة، إضافة إلى بناء الجدار العازل ومحاولة رسم حدود جديدة لإسرائيل. إلى أي مدى تعتقد حكومة إسرائيل أنه بالإمكان محاصرة السلطة الفلسطينية في الزاوية؟ وما الذي تريده إسرائيل من وراء وضع شروط كهذه؟
- أفينيري: "كل هذه النقاط هي بالتأكيد نقاط خلاف بين حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية وهذا أمر شرعي. لكن ما يضعف السلطة الفلسطينية بالأساس هو الفشل الفلسطيني، حتى الآن، في إنشاء جهاز سياسي مبلور له أهداف، وأن يكون هناك توافق وطني فلسطيني حول قواعد لعبة تتم المحافظة عليها. وما حدث بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية هو أن الفائزين، أي حركة حماس، وأيضا حركة فتح، لم يعرفوا كيف سيتصرفون في الوضع الناشئ. والفشل الفلسطيني الكبير بالنسبة لي كإسرائيلي، هو انعدام قدرة الفلسطينيين للتوصل إلى توافقات سياسية من دون استخدام القوة، وهذا شبيه بعض الشيء بما يحدث في العراق. وما حدث في قطاع غزة، وليس مهما إذا كان مبررا أم لا، هو الاستيلاء على الحكم بقوة الذراع والسلاح، ومنذ ذلك الوقت نشهد صدامات مسلحة في القطاع بين مليشيتين فلسطينيتين. وما يشكل صعوبة لتقدم المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين ليس موقف حكومة إسرائيل الذي قد يتغير، وأقصد الحكومة والموقف، وإنما انعدام قدرة الفلسطينيين على بلورة قيادة سياسية متفقا عليها".
(*) لكن إسرائيل تعمل على فرض وقائع على الأرض. هل تعتقد، مثلا، أن حكومة إسرائيل الحالية ستخلي بؤر استيطانية عشوائية؟
- أفينيري: "أعتقد نعم. والسؤال الآن يتعلق بتقديرات سياسية. السؤال هو: بما أن مسألة إخلاء بؤر استيطانية مفتوحة للنقاش بشكل واسع في إسرائيل، هل هناك رغبة لدى القيادة الإسرائيلية للدخول في صدام مع أقلية كبيرة من الجمهور الإسرائيلي في موضوع كهذا؟ هذه قضايا صغيرة وليست كبيرة ولا مركزية. والإنجاز الكبير الذي حققه (رئيس حكومة إسرائيل السابق) أريئيل شارون من خلال فك الارتباط هو أنه تمكن من عرض هذه الخطة للجمهور الإسرائيلي على أنها برنامج سياسي. إنّ الحسم السياسي هو ما الذي تريد إسرائيل تنفيذه وكيف تريد أن تبدو حدودها. وإخلاء بؤرة استيطانية، حتى لو كان مبررا، إذا كان سيؤدي إلى صدام جدي وعنيف فالسؤال هو هل هذا أمر مجدٍ؟. وهذا سؤال سياسي غير بسيط. وأقصد أن أقول إنه من أجل ماذا وما هو المقابل للدخول في صدام مع أقلية من الجمهور الإسرائيلي، أي المستوطنين؟. الجميع يعلم أن إخلاء بؤر استيطانية بحجم كبير ليس بالأمر السهل. والسؤال، أيضا، هو هل يتوجب إهدار الطاقة السياسية كلها في هذا الاتجاه أم إهدار جزء من الطاقة السياسية في قضايا صغيرة والدخول في خلافات قد تكون عنيفة؟، رغم أنه لا شك لدي في وجوب إخلاء البؤر الاستيطانية".
لا ينبغي التطلع الآن إلى ... حلّ الصراع
(*) هل بالإمكان التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين حتى نهاية العام؟
- أفينيري: "أعتقد أننا في الوقت الحالي موجودون في وضع تعتبر فيه الخلافات في المواقف الإسرائيلية والفلسطينية كبيرة جدا، ونتحدث هنا عن حكومة إسرائيلية معتدلة نسبيا وعن حكومة فلسطينية معتدلة نسبيا. ولا أعتقد أن الوقت الآن ملائم للتوصل لاتفاق حول قضايا مثل الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين. ولذلك فإني أشك إذا ما كان بالإمكان التوصل إلى اتفاق لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في الوقت القريب. من هذه الناحية فإن الوضع أشبه بما يحدث في قبرص والبوسنة وكوسوفو وحتى في كشمير. وأعتقد أنه في الوضع الحالي يجب أن تكون إستراتيجية كلا الجانبين، لكي نكون واقعيين، هي عدم التطلع إلى حل الصراع وإنما الانتقال، كما يقولون في العلوم السياسية، إلى إدارة الصراع، أي لجم العنف وخفض مستوى ألسنة اللهب وتقليص حجم الاحتكاك وحل عدد كبير من المشاكل بدءا من البؤر الاستيطانية ومحاربة الإرهاب وإزالة حواجز عسكرية في الضفة وما إلى ذلك، من أجل إنشاء أجواء أفضل لخوض مفاوضات حول قضايا الحل الدائم، التي يبدو لي أن بحثها الآن يعبر عن توجه ليس جديا. يؤسفني أن الأمر على هذا النحو، لكني ببساطة لا أرى الآن وفي الفترة القريبة المقبلة وجود حكومة إسرائيلية وحكومة فلسطينية تتوصلان إلى اتفاق حول المواضيع المبدئية. وفي موازاة ذلك أعتقد أنه بالإمكان التوصل إلى عدد كبير من الاتفاقيات العملية حول قضايا ميدانية وتضغط على كلا الجانبين. ومن شأن التوصل إلى اتفاقيات عملية أن يقلص التوتر والمرارة لدى الجانبين، لكني لا أرى بتاتا إمكانية التوصل خلال السنة أو السنتين المقبلتين لاتفاق حول قضايا مثل قضية اللاجئين. أنا لا أرى أن إسرائيل ستوافق على حق العودة ولا أرى أيضا أن الفلسطينيين، الذين يرون في حق العودة قضية مبدئية، سيلغون مطلبهم هذا".