تثير مغادرة أكثر من ألف من سكان بلدة سديروت جنوب إسرائيل الى مدينة إيلات البعيدة (بمحاذاة طابا المصرية) هرباً من قذائف «القسام» الفلسطينية التي قتلت أحد السكان الأربعاء الماضي، جدلا واسعا في إسرائيل لسببين، أولهما أن الصور التي تبثها شاشات التلفزة عن التدافع الى 20 حافلة أقلت الهاربين الى الاستجمام والراحة في إيلات قد تمس بمعنويات عموم الإسرائيليين وبصورة الدولة العبرية في العالم الذي سبق ان رأى مئات آلاف الإسرائيليين يغادرون الصيف الماضي شمال إسرائيل الى مركزها وجنوبها هربا من صواريخ الكاتيوشا التي أطلقها «حزب الله»، والسبب الثاني يعود الى حقيقة أن من وفر الفنادق لاستقبال الهاربين من سديروت لم تكن الحكومة الإسرائيلية إنما البليونير الإسرائيلي الروسي الأصل أركادي غايدماك من جيبه الخاص.
واستغرب معلقون إسرائيليون رد وزير الدفاع عمير بيرتس الغاضب على اللفتة الطيبة التي قام بها غايدماك وقوله ان سديروت ليست بحاجة الى «موسرين ومحسنين ووجهاء» وان الحكومة ستوفر لهم كل ما يلزم ليعيشوا حياة هادئة. ورأى المعلقون انه كان يجدر ببيرتس ان يشكر غايدماك في ظل عجز الحكومة عن فعل شيء «عسكرياً وإنسانياً» تجاه سكان سديروت. وأشار بعضهم الى ان بيرتس وغيره من وزراء الحكومة ربما شعروا بارتباك ازاء حقيقة ان رجلا واحدا وفر استجماما لألف من سكان سديروت بينما حكومة ذات موازنات ضخمة لم تقدر على تقديم شيء. وقد يكون بيرتس وأترابه في الحكومة يخشون تداعيات لفتة غايدماك في صناديق الاقتراع بعد ان بات هذا الرجل، ومنذ اكثر من عام، محط أنظار الإسرائيليين وموضع اهتمام الإعلام على خلفية شخصيته، وهي موضع خلاف وتساؤلات جمة، اضافة الى اقتحامه «منصة الشرف» للمجتمع الإسرائيلي عبر مبادرته الى مشاريع كبيرة غدت موضع اهتمام بالغ.
وغايدماك هذا هو من كبار الأثرياء في اسرائيل، ويطلق عليه البعض صفة الاقطاعي الثري (اوليغاركي)، وهو ليس الثري الوحيد من المهاجرين الروس وتقدّر ثروته بأربعة بلايين دولار جمعها، كما يشاع، بطرق غير قانونية جعلت منه مطلوباً للعدالة في فرنسا ويخشى المغادرة الى بلدان أخرى في العالم تحسباً لتعرضه للمساءلة القانونية.
ولد غايدماك (53 عاما) لعائلة مستورة الحال في روسيا وهاجر الى إسرائيل العام 1973، لكنه سرعان ما غادرها الى فرنسا بحجة عدم التأقلم. ووفقا للاعلام الإسرائيلي، شرع غايدماك في باريس في أعمال ترجمة من الفرنسية الى الروسية وبالعكس، ثم طوّر عمله حتى كندا وأخذ يجمع الثروة التي تضاعفت مئات المرات مع انهيار الاتحاد السوفياتي، فشرع في الاستيراد والتصدير في الفحم واللحوم والقمح والبيض حتى أقام شركات للاتجار بالأسلحة وصدرها اساسا الى دول في افريقيا. وتضيف المصادر الإعلامية ان غايدماك تعرف الى نجل الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران و «شرعا في عمل هو أساس ثرائه، وهو الاتجار بالطائرات والأسلحة، وهذا العمل كما يبدو وراء لائحة الاتهام المقدمة ضده في فرنسا التي لم يعد يزورها».
وفي اسرائيل ايضا، يحقق المستشار القضائي ميني مزوز مع غايدماك في شبهة تبييض ملايين الدولارات، لكن ذلك لم يمنع الأخير من شراء اكثر فرق كرة القدم الإسرائيلية شعبية «بيتار القدس» الذي اشرفت على ادارته شخصيات من حزب «ليكود» (ويعتبر رئيس الحكومة ايهود اولمرت المشجع الأول للفريق). وضاعف اولمرت موازنة الفريق خمس مرات، فأصبح «الملك» في أوساط مئات آلاف مشجعي الفريق. وإبان الحرب على لبنان، استقدم غايدماك آلاف الإسرائيليين من البلدات الشمالية الى الجنوب على حسابه الخاص في خطوة لاقت استحسانا عاما.
ويرى معلقون ان غايدماك يعد العدة لدخول المعترك السياسي في اسرائيل من خلال «بعثرته» عشرات ملايين الدولارات، لكن الملياردير لا يتسرع في كشف نياته، ربما بانتظار انتهاء التحقيق الجنائي معه في قضية تبييض الأموال. وتنبه زعيم «ليكود» بنيامين نتنياهو الى أفعال الرجل وشعبيته المتعاظمة، فالتقاه قبل شهرين وقيل انه عرض عليه الانضمام الى «ليكود»، فيما افاد استطلاع للرأي ان غايدماك سيحصد خمسة مقاعد برلمانية في حال خاض الانتخابات، وسيكون بعضها على حساب حزب «اسرائيل بيتنا» الذي يقوده الوزير افيغدور ليبرمان، علماً ان المهاجرين الروس الى اسرائيل يشكلون في الأعوام الأخيرة أكبر قطاع اثني في اسرائيل (نحو 20 في المئة من السكان).
[من أسعد تلحمي]
المصطلحات المستخدمة:
كرة القدم, الكاتيوشا, بيتار, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, عمير بيرتس