قال مقربون من رئيس الحكومة الإسرائيلي، إيهود أولمرت، إنه يعارض بشدة تشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في أحداث حرب لبنان الأخيرة. ولا يزال موقفه أن "لا شيء يمكن التحقيق فيه في إدارة الحكومة الإسرائيلية بعدما عملت من منطلق معايير سياسية". في هذه الأثناء بدأ الجيش يعترف بأن هناك إخفاقات في الحرب، فيما اعتبره البعض لهجة جديدة تنم عن استيعاب تصاعد الغضب الشعبي.
وأضاف هؤلاء المقربون: "ماذا ستفحص لجنة التحقيق؟ هل ستفحص لماذا خرجت الحكومة للحرب؟ هل ستفحص لماذا تبنينا قرار مجلس الأمن؟ وهل هذه موضوعات يتوجب فحصها أصلاً؟ ثمة الكثير ممن يجب التحقيق معهم ولكن ليس الحكومة".
وأشار هؤلاء المقربون إلى أن أولمرت ينوي الاستجابة لنداءات رئيسة الكنيست الإسرائيلي، داليا ايتسيك، وإقامة حكومة طوارئ وطنية تضم شخصيات مثل ايهود باراك ودان مريدور وبنيامين نتنياهو.
إلى ذلك تدور في أروقة الكنيست الكثير من الأقاويل حول إمكانية نقل رئيس حزب "العمل"، عمير بيرتس، من وزارة الدفاع إلى المالية وتعيين شاؤول موفاز مكانه، فيما عارض هذه الخطوة المقربون من بيرتس قائلين "هذه الخطوة تعني أنَّ بيرتس يتحمل المسؤولية عن الفشل العسكري في لبنان. وهذا ليس منطقيًا".
من ناحية أخرى أعلن أن أولمرت التقى رئيس الوزراء الأسبق، ايهود باراك (العمل)، يوم الجمعة الماضي. وقد جرى اللقاء في مقر أولمرت في القدس.
ولم يعقب مكتب باراك على هذا الموضوع، فيما قال مكتب اولمرت إن اللقاء بحث في مواضيع الحرب الأخيرة "ولم يتم تناول مواضيع سياسية فيه". وقال مكتب رئيس الحكومة إن أولمرت "لم يعرض على باراك أية وظيفة تذكر".
يذكر أن العلاقة السياسية والشخصية بين باراك وأولمرت كانت سيئة للغاية وتبادل الاثنان على مر سنوات مضت اتهامات منقطعة النظير، إلا أنهما عادا في هذه الفترة وحسنا العلاقة واعتاد أولمرت أن يستشير باراك في كل ما يتعلق بالحرب على لبنان. وقد كان لقاء اولمرت وباراك بعد أربعة أيام من وقف إطلاق النار مؤشرًا إلى "بداية مشاورات لتشكيل حكومة طوارئ"، كما قال بعض المراقبين السياسيين.
فيما قالت أوساط سياسية أخرى إن اللقاء بين الاثنين تم لبحث تشكيل لجنة التحقيق في أحداث لبنان. فقد واجه باراك نفس الوضعية بعد اندلاع أحداث أكتوبر في العام 2000، والتي تشكلت في أعقابها لجنة تحقيق رسمية هي "لجنة أور".
الجيش بدأ يعترف بالإخفاقات
وكان رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، دان حالوتس، قد تطرّق في تقرير قدمه أمام الحكومة الإسرائيلية أول من أمس الأحد، إلى الانتقادات في إسرائيل حول سير الحرب وأداء قيادة الجيش خلالها واعترف بأن "هناك الكثير مما يتوجب التحقيق فيه ولن يتم التستر على شيء أو إخفاء شيء".
وتابع أنه "إضافة إلى النجاحات فإن هناك الكثير من الإخفاقات ابتداء من رئيس الأركان وحتى آخر الجنود وسوف نقوم بفحص داخلي. ويتوجب إصلاح الأمور بسرعة لأننا ما زلنا في داخل الحدث" في إشارة إلى الحرب "والاعتقاد بأن كل شيء بات وراءنا ليس في مكانه وليس صحيحا".
وتطرق حالوتس إلى سوريا قائلا إن "دمشق أملت بأن تعزز روابطها (في لبنان) خلال الأزمة وحتى أنها أملت بأن تكون جزءا من حل شامل".
واعتبر أن سوريا "خائبة الأمل من شكل انتهاء الحرب الذي لم يشملها بأي حال".
وخلص حالوتس إلى أن "سوريا تحاول من جديد بناء قدرات حزب الله في لبنان".
وقال المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أمس الاثنين (21/8/2006)، إن ثمة خطا جديدا بدأت تتضح معالمه منذ الأحد، أول من أمس، في التصريحات العلنية للمسؤولين الكبار في الجيش الإسرائيلي حيال نتائج الحرب على لبنان. وهذا ناجم عن استيعاب الغضب الجماهيري العارم على أداء الجيش، وعن تصاعد احتجاج أفراد الاحتياط. وهو ما دعا كبار الضباط إلى محاولة تقديم شروحات وإلى التواضع في "احتفالات الانتصار".
وبرأي هرئيل فإن ما يدل على هذا الخط الجديد تصريح رئيس هيئة الأركان العامة، دان حالوتس، في جلسة الحكومة (الأحد) بأن إسرائيل انتصرت في المعركة "بالنقاط وليس بالضربة القاضية". لكن حالوتس اعترف بإخفاقات الحرب أيضًا خلال لقاء مع لواء ألكسندروني للمشاة في جيش الاحتياط، بما في ذلك قرار بيعه ملف استثماراته في البورصة. أما ضابط سلاح المشاة والمدرعات الرئيسي، العميد يوسي هايمان، الذي أنهى مهام منصبه، فقد ذهب خطوة أبعد من حالوتس، حيث قال في حفل تسليم مهام منصبه المذكور إلى خليفته: "لقد ارتكبنا خطيئة العجرفة والتبجّح. جميعنا يشعر بإحساس معيّن من الإخفاق وتفويت الفرصة".
وأضاف: في المحادثات المغلقة بعيدًا عن الميكروفونات تصدر عن الضباط الكبار أقوال أشد حدّة وفظاظة من هذه. ومن ذلك مثلاً الأقوال التالية الصادرة عن ضابط كبير في هيئة الأركان العامة: "مكانتنا الشعبية تعرّضت للمسّ الكبير. ما يحصل الآن هو أبعد وأعمق بكثير من انتظار قطع رؤوس في أعقاب الحرب. كانت لنا أخطاء في الحرب وفي قسم من الحالات لم نلب المعايير التي وضعناها لأنفسنا".
وختم قائلاً: يثير الدهشة كم أن ما هو حاصل الآن بعيد جدًا عن تبجّحات أيام الحرب الأولى، ليس فقط في هيئة الأركان العامة وإنما لدى المستوى السياسي أيضًا. مع ذلك فمن الصعب أن نقدر الآن كيف سيؤثر هذا الإخفاق على أداء الجيش الإسرائيلي في المواجهات القادمة، وهل مجرّد حقيقة أن الجيش الإسرائيلي انكشف في ضعفه النسبي أمام مقاتلي حزب الله لن تشجّع دولاً عدوة، على رأسها إيران وسوريا، على أن تتحداه هي أيضًا في المستقبل. علاوة على ذلك هناك مشاعر قلق شخصية لدى كبار القادة العسكريين (الجنرالات)، وذلك حيال البدء بإقامة لجان للتحقيق والفحص على اختلاف أنواعها. بعض كبار الضباط بدأوا يتحدثون مع محامين، وآخرون بدأوا يستعينون بمستشاري إعلام مدنيين.
أما المعلق العسكري للصحيفة، زئيف شيف، فقد رأى أن لا احتمال في أن تصل لجنة الفحص برئاسة رئيس هيئة أركان الجيش الأسبق، أمنون ليبكين- شاحك، والتي عينها وزير الدفاع، إلى بحث الحقيقة في مسألة جهوزية الجيش وجهاز الأمن في الحرب، إذا لم يتغير تفويضها لناحية شمل بند واضح يتعلق بنشاط وزير الدفاع، عمير بيرتس، ومكتبه. ينبغي على اللجنة أن تحقّق في منظومة علاقات بيرتس مع قيادة الجيش في أثناء الحرب وكذلك علاقته مع مكتب رئيس الحكومة ومع فوروم "السباعية" في الحكومة.
وأضاف شيف: في نهاية الأسبوع الماضي اقتبس وزير الدفاع كمن قال إنه لم يحذّر من جانب الجيش من جراء تهديد الصواريخ. إذا كان هذا الادعاء صحيحًا فمن الأهمية بمكان أكثر فأكثر فحص منظومة علاقات العمل بين وزير الدفاع وهيئة الأركان العامة وخصوصًا بينه وبين شعبة الاستخبارات العسكرية. في مقدور وزير الدفاع أن يأمر بتغيير تفويض لجنة شاحك، وإذا ما تلكأ الأمر أو تمّ رفضه فإن ذلك سيعتبر تهربًا، وسيفقد بيرتس ثقة الجمهور.
وأكد شيف أن ثمة مشكلة أخرى لهذه اللجنة، علاوة على مسألة تفويضها، هي أن قسمًا من أعضائها عملوا مستشارين لوزير الدفاع خلال الحرب. ولذا ينبغي فحص ماهية نصائحهم، لماذا تم قبولها أو لم يتم قبولها، ولربما كانت، بنظرة ثانية، نصائح غير مجدية.