المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 683

أشار استطلاع جديد للرأي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في الأسبوع الماضي، بمناسبة يوم الإعلان عن استقلال إسرائيل، إلى أن أكثر من 20% من اليهود في اسرائيل يرون أن الحل الأمثل لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو طرد العرب من وطنهم، فيما رأى حوالي 4,5% من اليهود المستطلعين أن الحل الأمثل هو إبادة العرب، لأن "الطرد غير مجد"، حسب ما جاء في الاستطلاع.

 

 

وشمل الاستطلاع 400 شخص من اليهود، الذين يشكلون شريحة نموذجية لليهود في إسرائيل. وحسب ما ظهر في جوانب أخرى من هذا الاستطلاع الواسع والمتشعب، فإن 78% من الذين شملهم الاستطلاع من ذوي الدخل العائلي العالي، وهذا مؤشر جديد، إذ انه كان يُزعم في الماضي أن الأفكار المتطرفة تتمركز بين الشرائح الفقيرة والضعيفة، بادعاء قلة مستوى الوعي السياسي والثقافي، ولكن نتائج هذا الاستطلاع تنسف هذا الادعاء.

وهذه النتائج ليست مفاجئة، فقد تحدثت استطلاعات سابقة عن نسبة أعلى بقليل من هذه النسبة. فقد دلّ استطلاع سابق في جامعة حيفا على أن نسبة المؤيدين لفكرة طرد العرب من وطنهم هي 30%، بمعنى أن هذه الاستطلاعات تؤكد وجود نسبة كبيرة وخطيرة جدا تؤيد هذه الفكرة، وهي نسبة لا يمكن الاستهانة بها، فالتاريخ يؤكد أن الحركات العنصرية بدأت دائما من الصفر. هكذا بدأت الحركة النازية في ألمانيا طريقها بزعامة هتلر إلى أن تسلمت الحكم.

لكن هذه القوّة لا تنعكس بشكل مباشر في نتائج الانتخابات البرلمانية، فهناك رسميا حزب واحد في إسرائيل يدعو إلى طرد العرب (المصطلح الدولي للطرد "ترانسفير")، وهو حزب موليدت، الذي له ثلاثة أعضاء في الكنيست، ولكن هناك أحزاب يمين متطرف وإرهابي متمثلة في الكنيست الإسرائيلي تحاول التستر على جوهر موقفها في برامجها، ولكن في الواقع، وحسب ما يظهر من خلال تصريحات قادتها، فإنهم يتبنون هذه الأفكار.

ولا شك أن هذه الأفكار متفاوتة في مدى انتشارها بين القطاعات المختلفة في إسرائيل. فإذا أخذنا شريحة المستوطنين ومعهم نشيطي الحركات والأحزاب العنصرية والإرهابية، فإن نسبة المؤيدين والداعين لطرد العرب تشكل الأغلبية الساحقة من بينهم. والمثير للقلق أن هذه القوى، وعلى الرغم من أنها أقلية، إلا أنها تعتبر القوة الضاغطة الأكبر على الجهاز السياسي وآلية اتخاذ القرار في اسرائيل، وهم الأكثر تنظيما، بمعنى أقلية منظمة وملتزمة هي أقوى من غالبية كبيرة مبعثرة ولا مبالية، وهذا ما يجري في إسرائيل.

ويقول الاستطلاع إن نسبة مؤيدي فكرة الطرد والإبادة في منطقة القدس المحتلة والمستوطنات هي خمسة أضعاف النسبة بين المناطق الأخرى في داخل اسرائيل.

ورسميا فإن القانون الإسرائيلي يحظر إقامة أحزاب برنامجها عنصري، وتدعو إلى طرد على خلفية قومية أو دينية أو انتماء. واعتمد هذا القانون في العام 1984 لمنع حزب "كاخ" من خوض الانتخابات البرلمانية، بعد أن كان قد فاز في العام 1981 بمقعد واحد، مثّله زعيم الحزب مئير كهانا، الذي تمت تصفيته جسديا على يد فلسطيني في العام 1990 في نيويورك.

ولهذا فقد ظهرت في إسرائيل مصطلحات جديدة، "الرحيل بالإرادة"، و"الإقناع بالرحيل"، و"ترانسفير اختياري"، وغيرها من التسميات التي قد تظهر للبعض على أنها سخيفة، ولكنها أخطر مما نتصور، فحاملو هذه البرامج يدعون إلى تضييق الخناق على العرب وحرمانهم من ممارسة حياة طبيعية، وإبعادهم عن مصادر الرزق والتعلم، لإجبارهم على "الرحيل الاختياري". وعلى الرغم من هذا فإن القانون الإسرائيلي لا يمنع مثل هذه الأفكار. أما على أرض الواقع فإن سياسة التمييز العنصري التي ينتهجها حكام اسرائيل على مدى السنوات الـ 57 الماضية، ولا تزال، ضد الفلسطينيين في إسرائيل، إنما تعبر عن هذه الأفكار، وتطمح إلى جعل العرب "يملون ويرحلون".

وبطبيعة الحال لا يمكن الاستناد إلى وجود قوانين إسرائيلية مانعة، فالقوانين شيء، وما يطبق على أرض الواقع شيء آخر، فمثلا هناك قانون إسرائيلي يعتبر حركتي "كاخ" و"كهانا حاي" حركتين إرهابيتين، ويحظر نشاطهما، ولكن ميدانيا فإن هاتين الحركتين، وغيرهما من الحركات المنبثقة عنهما، تتحرك بحرية، وترفع أعلامها في نشاطات اليمين العنصري، وتوزع المنشورات ولها مكاتبها ومؤسساتها، ولا أحد في المؤسسة الحاكمة وأذرعها يعمل على تطبيق القانون.

وتظهر في الاستطلاع معطيات لا أقل شأنا من حيث الخطورة، فقد دعا أكثر من 12% إلى إقامة دولة إسرائيل التوراتية المزعومة، أي من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق. ويذكر أن العلم الإسرائيلي يعبر عن هذه الدولة، فالخطان الأزرقان الفوقي والسفلي يعبران عن نهري النيل والفرات، وفي الوسط نجمة داود. كما أن خارطة إسرائيل التوراتية المزعومة موجودة على قطعة النقد الاسرائيلية لعشرة قروش. وفي المقابل فإن 5,5% من المستطلعين يوافقون على أن تكون إسرائيل في حدود 1967. 

من جهة أخرى ففي الاستطلاع جوانب ايجابية لا يمكن تجاهلها، فقد رأى 19% من المستطلعين أن الحل الأمثل هو إقامة السلام واستمرار الحوار مع الشعب الفلسطيني، وشدد 12% على أن الحل يكمن بإقامة دولتين لشعبين.

وإلى جانب كل هذه المواقف المتطرفة يظهر أن اليهود في اسرائيل ليسوا متمسكين بما يسمى بـ"أرض إسرائيل"، فردًا على سؤال حول ما إذا أتيح لهم أن يختاروا من جديد مكان إقامتهم، أجاب أقل من 58% فقط أنهم كانوا سيختارون اسرائيل، واختار أكثر من 42% دولا أخرى، وكان بينهم من عاد إلى فكرة ثيودور هرتسل الأولى، القاضية بإقامة إسرائيل في أوغندا في أفريقيا.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات