اعترفت إسرائيل لأول مرة وبشكل رسمي أن عملاء جهاز الموساد هم الذين اغتالوا في العام 1972 الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني بزرع عبوة ناسفة في سيارته.
جاء هذا الاعتراف الإسرائيلي في سياق تقرير بقلم الصحافي ايتان هابِر نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم الاثنين 3/10/2005 حول "كشف جديد" لمعلومات تتعلق بـ"حملة الثأر" التي نفذها عملاء الموساد في عدد من الدول ضد فلسطينيين في أعقاب مقتل الرياضيين الإسرائيليين خلال دورة الألعاب الاولمبية في العام 1972 في مدينة ميونيخ الألمانية.
يشار إلى أن هابِر، وهو المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء الأسبق يتسحاق رابين وكاتب خطاباته، كان قد ألّف سوية مع د. ميخائيل بار زوهر كتابا في الموضوع بعنوان "مطاردة الأمير الأحمر" علي حسن سلامة.
وجاء في التقرير المنشور في "يديعوت أحرونوت" أنه في أعقاب قيام مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين باختطاف 11 رياضيا إسرائيليا كانوا يشاركون في دورة العاب ميونيخ الاولمبية قامت الشرطة الألمانية بقتل قسم من الخاطفين وجميع الرياضيين الإسرائيليين.
وكتب هابِر أن "الألمان، بتشجيع من حكومة إسرائيل، لم ينووا تحرير الخاطفين. فقد انتظرهم شرطيون ألمان في المطار وفتحوا عليهم النيران ما أدى إلى مقتل الرياضيين وخاطفين".
وأضاف أنه "بعد سنتين من العملية (أي في العام 1974) سيتضح أن جميع القتلى قضوا بنيران القناصة الألمان رغم أن الاعتقاد السائد كان أن الرياضيين قتلوا على أيدي الخاطفين".
وتابع هابِر انه على الرغم من ذلك فقد أصدرت رئيسة الوزراء الإسرائيلية في حينه غولدا مئير أمرا بالانتقام وتم تشكيل لجنة وزارية لتصدر "أحكاما بالإعدام".
وتشكلت اللجنة الوزارية الإسرائيلية من مئير نفسها ومن وزير الدفاع موشيه ديان ووزير الخارجية يغئال الون والوزير بدون حقيبة يسرائيل غليلي ورئيس الموساد تسفيكا زامير ومستشاري رئيسة الوزراء للشؤون الاستخباراتية اهارون يريف ورحبعام زئيفي. والأخير أصبح وزيرًا في حكومة أريئيل شارون الأولى في العام 2001 وقتل على أيدي فلسطينيين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في فندق "هيات" في القدس.
وبحسب هابِر فانه عندما تقرر تنفيذ "أحكام الإعدام" بحق فلسطينيين في عواصم أوروبية تبين أن قاعدة الموساد في أوروبا لم تكن بالحجم الكافي وأن اذرع جهاز المخابرات الإسرائيلي كانت "ضعيفة" ولم تكن قادرة على اختراق الجاليات العربية في أوروبا.
وعلى أثر ذلك قام الموساد المسؤول عن عمليات إسرائيل في الخارج بتجنيد دعم من كافة الأذرع الأمنية الإسرائيلية بينها الشاباك والوحدة العسكرية النخبوية المعروفة بالوحدة رقم 504 ، كما تم تجنيد أبرز رجال المخابرات المعروفين بقدراتهم على جمع المعلومات مثل شموئيل غورين وباروخ كوهين وتسادوق اوفير ورافي سيتون واليعزر تسَفرير ومايك هراري وناحوم ادموني، الذي كان مسؤولا عن العلاقات مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية.
يشار إلى أن قناصة الشرطة الألمانية قتلوا إضافة إلى الرياضيين الإسرائيليين خمسة من الخاطفين من أصل ثمانية فيما تم اعتقال الثلاثة الآخرين.
وبعد أشهر قليلة تم الإفراج عن الخاطفين الثلاثة على أثر اختطاف طائرة تابعة لشركة لوفتهانزا الألمانية في شهر تشرين الأول من العام ذاته ولم تتمكن الاستخبارات الإسرائيلية بعدها من اقتفاء آثارهم.
ولفت الكاتب إلى انه على الرغم من مرور سنوات طويلة منذ حملة "الانتقام" الإسرائيلية التي أعقبت أحداث ميونيخ إلا أن العديد من المعلومات ما زالت سرية.
وقال إن احد الأشخاص الأوائل الذين نفذت إسرائيل بحقهم "حكم الإعدام" كان شخصا ينتمي إلى منظمة "أيلول الأسود" لكن رغم مرور السنين فان اسمه وظروف مقتله وحتى كنيته ممنوعة من النشر حتى اليوم.
وبحسب هابِر فإن هذا الشخص كان ينوي إرسال حاوية محملة بطنين من المتفجرات ومغلفة بشحنة من الزبيب من العاصمة اليونانية أثينا إلى ميناء حيفا في شمال إسرائيل وقد أطلق عليه اسم "رجل الزبيب". لكن هذه العملية لم تخرج إلى حيز التنفيذ إذ وصلت معلومات حولها إلى الموساد الإسرائيلي الذي أرسل عملاءه إلى أثينا وقتلوا هناك "رجل الزبيب".
وتابع هابر أن هناك عمليات تم التخطيط لها لكنها لم تخرج إلى حيز التنفيذ.
وبين هذه العمليات انه لدى البحث في أثينا عن "رجل الزبيب" تمكن عملاء الموساد من اكتشاف هوية مسؤول فرع حركة فتح في أثينا.
وحاول الإسرائيليون قتل مسؤول فتح في العاصمة اليونانية من خلال زرع قنبلة ومايكروفون تحت منضدة في صالة بيته وعندما حضر مسؤول فتح إلى البيت ونوى الإسرائيليون تفجير القنبلة سمع عملاء الموساد من خلال المايكروفون عن وجود شخص آخر في الغرفة معه وسرعان ما تبين وفقا للمصادر الإسرائيلية "أنها عشيقته وتراجع الإسرائيليون عن قتله".
كذلك كشف تقرير "يديعوت أحرونوت" عن أن عملاء الموساد قتلوا المسرحي الجزائري محمد بوضياء من خلال تفجير سيارته في العاصمة الفرنسية باريس في إطار حملة "الانتقام" الإسرائيلية.
وتنسب المخابرات الإسرائيلية لبوضياء انه أرسل إلى إسرائيل ثلاث نساء هن الفرنسية إيفلين بارج والشقيقتان نادية ومارلين برادلي ومسنين بهدف تنفيذ عمليات تفجيرية في إسرائيل لكن تم ضبطهم جميعا لدى وصولهم إلى مطار اللد في وسط إسرائيل.
وتابع هابِر انه في إطار "حملة تنفيذ أحكام الإعدام" قتل عملاء الموساد شخصا في نيقوسيا بجزيرة قبرص ادعت إسرائيل انه كان ينتمي لمنظمة "أيلول الأسود".
ولم يذكر الكاتب اسم هذا الشخص لكنه قال انه تم قتله من خلال زرع عبوة ناسفة صغيرة الحجم في السرير الذي ينام عليه.
كذلك اختطف عملاء الموساد أفراد خلية بينهم ألمانيان في العاصمة الكينية نيروبي بادعاء أنهم كانوا ينوون إطلاق صاروخ ارض جو من سيرلا نحو طائرة ركاب إسرائيلية وأنهم تلقوا تدريبات في معسكر تابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ونقل الموساد أفراد المجموعة إلى إسرائيل حيث قضى الألمانيان في السجون خمس سنوات دون أن يعلم أحد بقيام إسرائيل باعتقالهما والآخرين من أعضاء المجموعة، التي لم يذكر التقرير هوية بقية أعضائها ومصيرهم.
وتعترف إسرائيل من خلال تقرير هابِر بقيام عملائها بقتل علي حسن سلامة وبفشل محاولة اغتياله الأولى في بلدة ليلهامر في النرويج حيث تم قتل نادل مغربي يدعى احمد بوشيكي خطأ.
وتابع التقرير الإسرائيلي أن سلامة قتل من خلال مروره بسيارته قرب سيارة مفخخة في بيروت.
وقال هابِر انه كان هناك من قتل في "حملة تنفيذ أحكام الإعدام" الإسرائيلية "على الرغم من عدم وجود علاقة لهم بالإرهاب عامة وبعملية ميونيخ خاصة".
وأضاف "يعترفون اليوم في الموساد بأن هناك من سقط ضحية في أعقاب القرار بخلق أجواء من الرعب والردع في صفوف الجالية الفلسطينية في أوروبا. وأبرز هؤلاء كان غسان كنفاني، أحد أبرز الأدباء الفلسطينيين في الفترة التي أعقبت العام 1948... وقد قضى نحبه في العام 1972 في سيارته بعدما زرع مجهولون عبوة ناسفة فيها".
كما تعترف إسرائيل بقتل الدكتور محمود الهمشري، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا من خلال زرع عبوة ناسفة في منزله في العاصمة الفرنسية.
وكان أستاذ الحقوق الفلسطيني البروفيسور باسل الكبيسي أيضًا أحد ضحايا "حملة أحكام الإعدام" التي نفذها الموساد عندما أطلق عملاؤه النار عليه في آذار 1973 في باريس وأردوه قتيلا.
وأسفرت "حملة تنفيذ أحكام الإعدام" الإسرائيلية عن مقتل عميل الموساد باروخ كوهين على يدي فلسطيني في مدريد. وأفاد الكاتب أن عميل الموساد الذي استبدل كوهين كان جدعون عزرا، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الحالي.
وألمح هابِر في تقريره إلى أن توقيت النشر قد يكون البدء في كانون الأول القادم بعرض فيلم جديد للمخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ حول مطاردة إسرائيل لمنفذي عملية ميونيخ.
وقال إن "إسرائيل تتحسب من أن يدحض الفيلم الادعاء القائل بان كل من تم قتله (من الفلسطينيين) في الأشهر التي أعقبت عملية ميونيخ كان ضالعا في تنفيذ العملية وان يثبت الفيلم الاتهام بأنه في هذه الملاحقات لقي مصرعهم فلسطينيون قرأوا القصة (حول عملية ميونيخ) في الصحيفة وان يثبت الفيلم أيضا انه تم قتل عدد من القادة الفلسطينيين ليكونوا عبرة لغيرهم".