أكد الأستاذ الجامعي الإسرائيلي، البروفيسور عمانوئيل سيفان، من الجامعة العبرية في القدس،
أن النزاع الداخلي في حزب "الليكود"، وليس "اتفاق جنيف"، هو الذي يمكن ان يقرّر مصير اسرائيل (والنزاع العربي الاسرائيلي ايضاً) لسنوات مقبلة. وتوقع أن يكون "الفصل القادم" في هذا النزاع إما حدوث انشقاق في "الليكود" و/أو انتخابات مبكرة.
وأضاف "سيفان": قبل نصف سنة، لم يعرض سوى الفصل الاول من المسرحية (النزاع الداخلي). وشهدنا الاربعاء الماضي، في مؤتمر "الليكود"، ذروة الفصل الثاني، حيث مني أريئيل شارون بهزيمة على أيدي ما يسمى بالمتمردين. وهذا لا يعني انه لم يكن يتوقع حدوث ذلك على رغم العمل الاحسن تنظيماً الذي انجزه رجاله هذه المرة، بخلاف الاداء غير المتقن قبل استفتاء الحزب في الربيع. وكانت الاجواء في بطانته كالحة على مدى اسبوعين على الاقل، الاّ ان تصميمه على مواصلة المعركة و"الانسحاب" كان واضحاً.
لكنها كانت هزيمة. لم يعد رئيس الوزراء يتحكم بحزبه على رغم ان "خطة الانسحاب" التي يتبناها تحظى بتأييد ثلثي ناخبي "الليكود". ويبدو الانجاز الذي حققه المتمردون لافتاً اكثر، أخذاً في الاعتبار ان لديهم زعيماً باهتاً يفتقر الى الحيوية هو عوزي لانداو. انه يتصف بالصدق والصرامة الايديولوجية، ويعاني ضعفاً في القدرة على مخاطبة الجمهور، يشغل حالياً منصب وزير من دون وزارة. ويحيط به بضعة نواب طموحين للغاية من الصف الثاني.
وكان موقف نتنياهو، الذي يبدي تحفظات قوية بشأن "الانسحاب"، متقلباً كالعادة. فهو، على رغم كل تحفظاته، يدعم علناً شارون الذي يحتاج اليه كي ينجح كوزير للمالية ويضع حداً للشكوك بشأن ما اذا كان مجرد متكلم معسول اللسان لا يملك اي قدرات تنفيذية. إضافة الى ذلك يفضل نتنياهو الى حد كبير ان يرى شارون يضعف تدريجياً ولكن بثبات ويتخلى عن موقعه في النهاية، ليمهّد بذلك الطريق لعودة الأول الى السلطة على نحو سلس. لذا صوّت نتنياهو رسمياً لمصلحة رئيس الوزراء في المؤتمر لكنه تجنب القاء كلمة. والنتيجة هي ان خزياً مضاعفاً لحق به: يشك كلا المعسكرين به لكونه "شخصاً مخادعاً". الشيء ذاته ينطبق على شخص آخر متقلب: وزير الخارجية سيلفان شالوم.
لكن لا يمكن التغاضي عن حقيقة ان المتمردين، على رغم ضعف قيادتهم، انتصروا في "الفصل الثاني" على الاقل. وكون شارون يفتش عن شركاء جدد في الائتلاف الحاكم يرجع الى حقيقة ان المتمردين يتحكمون بـ11 وربما 12 عضواً من اعضاء كتلة "الليكود" في الكنيست الذين يبلغ عددهم 40. لذا فإن "خطة الانسحاب" تحظى، في احسن الاحوال، بتأييد 47 او 48 من اعضاء الكنيست المنتمين الى احزاب الائتلاف. الأعضاء الثلاثة المتبقون من حزب "المفدال"سيصوتون ضدها أيضاً. من هنا الحاجة الى حزب "العمل" وحزب "الحريديم" الاشكنازي ("يهدوت هتوراة").
ويوضح "سيفان" أن الكتلة الاساسية للمتمردين تتحدر من النواة الايديولوجية لـ"الإيرغون" وحزب "حيروت". وكان والد لانداو شخصية بارزة في كليهما. وهي كتلة ما تزال ملتزمة بفكرة اسرائيل الكبرى. ويتمتع هؤلاء بالدعم المعنوي والتنظيمي والمالي من جانب الحركة الاستيطانية. وعلى نحو مماثل ترك مستوطنون كثيرون صفوف الأحزاب التي على يمين "الليكود"، قبل سنتين او ثلاث سنوات، وانضموا الى "الليكود"، مبررين ذلك بان المعركة الفعلية ستجرى داخل الحزب الأبرز. ونجحت هذه الكتلة في اجتذاب حشد متنافر من الساخطين يتألف من اعضاء في الكنيست كان في ودهم ان يصبحوا نواب وزراء، وهم ناشطون من مراتب وسطى في الحزب يشعرون بأنهم خدعوا لانهم لم يحصلوا على اي من تلك المناصب التي يطمحون اليها في مجالس ادارة شركات الخدمة العامة وتمنح على اساس المحسوبية للحكومة، ولم يعينوا رؤساء بلديات واعضاء مجالس محلية. كما يشعر هؤلاء بالمرارة بسبب الخفوضات في الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة للبلديات. اذا اعطى شارون شمعون بيريس وزارة الخارجية، كثمن مقابل انضمام حزب "العمل" الى الائتلاف، فان شالوم وما لا يقل عن 4 من اعضاء الكنيست سينفصلون عن معسكر رئيس الوزراء. ولا يقل لانداو شراسة عن شارون في تصميمه على المضي الى نهاية الشوط، اخذاً في الاعتبار هدف الصراع. وهو بالنسبة الى لانداو ليس سوى مصير اسرائيل الكبرى. بعض مساعديه يبدو اقل تصميماً.
وهكذا، يؤكد "سيفان"، يوجد هنا شيء من لعبة "من يجبن اولاً". لكن في كلا المعسكرين أطلقت كلمة "انشقاق" المحرمة، اذ يؤكد كل منهما انه ينبغي تحاشيها ولكن يلمح الى ان المعسكر الآخر يسعى اليها. وتغذي التوتر المنفعل اتجاهات خفية متنوعة: شارون يزدري "الرافضين" الذين اذلوه، والمتمردون يعبرون عن استيائهم من تعامله الخشن وتجاوزه للناشطين في قواعد الحزب الذين يكدحون من دون جدوى، وهم يشعرون بمرارة بسبب "خيانته" لمشروع الاستيطان الذي كان فعل الكثير من اجل ترسيخه. وفي مثل هذا الجو لا يمكن استبعاد ان يمضي كلا المعسكرين الى نهاية الطريق. وقد ينجم عن ذلك انشقاق و/او انتخابات مبكرة في "الفصل الثالث" من المسرحية.